Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

عندما نقتل الآخرين

 

 

كانت جالسة في ذاك الركن من الكافيتيريا، تمضي فيهِ وقت استراحتها من العمل ومن ثم تعود. جلست ثم أخذت ترتشف قهوتها وتقرأ في مجلتها بهدوء، وبالصدفة وقع نظرها على شابًا جالسًا على طاولة قريبة منها، ينظر ويتبسم، لمْ تعرهُ أي اهتمام واستمرت برشف قهوتها!

بعد دقائق معدودات نظرتْ لذاك الشاب، ورأتهُ ما زال ينظر إليها ويبتسم! فشعرتْ بإرتباك ونرفزة، قائلة مع نفسها:" ما هذه الوقاحة؟!" فأخذها الاندفاع ونهضت من مقعدها وذهبت إليهِ، مُلقية المجلة التي كانت تُطالعها بوجههِ، قائلة:" هذا جزاءك؟!"، وخرجت من الكافيتريا!

بعدها بلحظات جاء والد الشاب، مُعطيًا عصا أبنهِ بيدهِ، ليتحسس بها طريقهُ إلى الخارج! لقد كان كفيف البصرّ، لا يُبصر شيئا سوّى الظلام! مسكينًا هو، رغم ذلك تلقى صفعة من إمرأة بمجلتها! 

هذا ما يحصل دائمًا نحكم على الأشياء من الظاهر، بدون التطرق إلى جوهرها ومضمونها، أي بمعنى نمارس السطحية في حياتنا على حساب حياة ناس آخرين بدون الغوص في الأعماق واكتشاف ما قد يفيد الحقيقة الخافية! صورة شاب يبتسم لفتاة أعطت للمجتمع انطباع بأنها مُعاكسة لا محالة، سواء للمُتلقي أو للشاهد! بمعنى سواء من مسهُ الموضوع أو من كان شاهدًا عليه. وفي الحالتين رسموا لتلك الحالة حقيقتها الزائفة بنسبة! فليس كل من ينظر لفتاة أو يبتسم نظن الظنون السلبية أكثر من الايجابية ونبني الافتراضات! لكن مع الأسف هذا واقع الكثير من المُجتمعات والأشخاص!

فكم وكم من ناس ظلمتْ بسبب الظنون، وكم من حياة توقفتْ وطواها الزمان بسبب الأفكار الشريرة التي تُدار في مُخيلة البعض، وكم من قصص وروايات حُيكتْ على أساس الظنون! مواقف تفهم على أساس خاطئ ويبنون عليها افتراضات ومُزايدات أخرى من عندهم! وباعتقادي كل هذا يأتي من تطبع الشخص بطباع بسبب ما يسمعهُ أو يراهُ في بيئتهِ المُعاشة ولابد من أن يفسر هذه الحالة على ذاك الأساس، وأيضا بسبب البعض من الأفكار المؤمنين بها والراسخة في عقولهم، ولكن هذا ليس عذراً لنمثلها على الآخرين.  

بشر لا يتعلمون أبدًا من خبرات وتجارب حياتهم وحياة غيرهم، وبشر لا يفكرون قبل أن يذمون وينقدون ويظلمون ويألمون غيرهم! تلك فتاة مُنعزلة بنفسها تتحدث في الهاتف؟! يا ترى من تُكلم، ولمْا هي واقفة بعيدة عن الجميع؟! ظنون مع أسئلة لا تنتهي! فقط يريدون قصص وحكايات يتكلمون فيها في المجالس. فتحاول أحداهم الذهاب إليها وسؤالها بإبتسامة ولطافة، رايتكِ تتحدثين في الهاتف، مع من كنتِ؟!

فضول زائد عن الحدّ، والفضول الأسوء حينما نعطي حرية لأنفسنْا بالتدخل في الحياة الشخصية للأفراد! ولكن تذكر المثل القائل:" من تدخل فيما لا يعنيه، لقيّ ما لا يرضيهِ"، ووقتها كيف سيكون منظرك وشعورك، عندما تتلقىّ ما لا يرضيك؟!     

سُأل أحدهم: هل لابدّ من ظن الخير بالآخرين دائما؟!

الخير في كل الأوقات لابد من التفكير به ومُمارستهِ في الحياة. لا يجوز أن نعمم حالة سلبية واحدة على حساب جماعة، كما لا يجوز أن نسيء الظن بالناس لمُجرد موقف أو كلام ونحللهُ على حسب نظرتنْا المُنفردة، بدون سماع الطرف الثاني، فظروف الحياة تحمل كل شيءٍ وأي شيءٍ. فلا يجوز أن نُجاري ونُحاور ونحوّر كل ما يقولوه الناس ويفعلونهُ، لأنهُ قد تحمل الصواب أو الضد! لذا لا يجوز أن نفسر الأشياء ونحصرها بزاوية رؤيتنا فقط!   

ونحن بدورنا نسأل: لمْا لا يكون المجتمع أكثر تحضرا ورقيًا، ويترك كل هذه العادات المُزعجة التي تعشش في أفكاره رغم كل ما وصل إليهِ الإنسان من ثقافة وانفتاح وتكنولوجيا، عادات تفرق أكثر مما تجمع؟! لمْا لا نحاول التعرف على ذواتنا، لمعرفة نقاط الضعف والقوة فيها، لنصلح ونُقوم ما يحتاج إلى تقويم؟! وتذكروا أنهُ بظنوننا السلبية تجاه الآخرين فأننا نقتلهم لا شعوريًا، وإذا مشينا مع التيار، فيجب أن ندفع الأحداث ولا نُعطيها الفرصة لتدفعنْا هي بمزاجها وحسب مُتقلباتها. 

من كتاب / شذرات من الحياة // خريف 2012

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
فرق الموت الأمريكية في العراق - الحقائق صعبة الهضم صائب خليل/ لابد من الإشارة أولاً إلى أن الكتابة في موضوع قيادة أميركا لكل من الإرهاب والفساد في العراق، وتخطيطها لتدمير البلاد عن طريقهما، قوتنا في تطبيقنا العملي لأفكارنا سمير اسطيفو شبلا/ نعتقد ومعنا الملايين من المدافعين عن حقوق الانسان ان النظريات والتنظير ذهب بدون رجعة! والسبب هو سئمنا من الأطروحات والنظريات والمحاضرات المنمقة والمغلفة بغلاف الديمقراطية وبراقة بشعارات خاوية من المضمون تستعمل هذه الشعارات كما نستعمل اوراق التواليت، لماذا بدأت أمريكا بضرب داعش الآن؟ عبدالخالق حسين/ " قالت الولايات المتحدة إن طيرانها الحربي شن غارة جوية لاستهداف مسلحي تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) في العراق... وهاجم يوسف البار ... صامت كبيروإيمان مُعاش يوسف البار ... صامت كبيروإيمان مُعاش حَدَثُ تجسد المسيح يسوع في تاريخ البشر هو الذي يعطي التاريخ معناه. فالتاريخ ليس تراكمَ سنين وأجيالاً تمضي وتفنى بل هو مسيرة خلاصية تتمحور حول الكلمة الذي تجسد بيننا "ولما تمّ ملء الزمان أرسل الله ابنه". (غلا4:4). فالتجسد حدث نحياه في إنسانيتنا، ونعيش أبعاده عبر إيماننا وصبغة عماذنا
Side Adv1 Side Adv2