عوائل مخيم الهول نهاية مأساة أم بدايتها!
المصدر: تلفزيون سوريا
يُقال إن لمخيم (الهول) نصيبا من اسمه، فهو مليء بالأهوال والمخاوف والرعب والموت والصراع مع الحياة، وكأن قدر من أُدْخلوا فيه أن يذوقوا الموت تحت خيامه صباحا ومساءً!
ويقع المخيم ببلدة الهول في سوريا، وبالتحديد على بعد 40 كم شرقي محافظة الحسكة على الحدود السورية العراقية، ويعود تاريخ افتتاحه من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى مرحلة بداية تسعينيات القرن الماضي وقد استقبل آلاف الهاربين القادمين من العراق والكويت، وبالذات من الفلسطينيين المطرودين بعد الغزو العراقي للكويت!
وقد فتح المخيم أبوابه ثانية بعد احتلال العراق في العام 2003 وبعد مضي أربع سنوات أغلق ثانية.
ومع التطورات العسكرية الميدانية في العام 2013 وما بعدها خرج المخيم عن الخدمة بشكل كامل، وبالذات بعد سيطرة "داعش" على ثلث العراق وبلدة الهول، وأعيد العمل بالمخيم ولكن هذه المرة حوله (داعش) إلى سكن لعائلاته غير العربية!
واستطاعت (قوات سوريا الديمقراطية) السيطرة على بلدة الهول في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وأعيد افتتاح المخيم يوم 21 نيسان/أبريل 2016، وهو يضم عشرات آلاف الأشخاص حتى اليوم!
وبعيدا عن الأحداث المركبة التي دارت في المناطق المجاورة والمحاذية والقريبة من معسكر الهول فإن الذي يعنينا هنا هو الحديث عن أعداد العراقيين الموجودين في المخيم والتحديات التي أمامهم وموقف الحكومة منهم!
وبخصوص أعداد العراقيين داخل المخيم فقد سبق للإدارة الذاتية والتي يقع المخيم ضمن سلطاتها أن أكدت في إحصائيات لها وجود أكثر من 60 ألف شخص داخل المخيم أكثرهم من العراقيين (30700 شخص) في حين يمثل السوريون 22616 شخصا، وبقية الأعداد لأجانب من جنسيات مختلفة!
وأشار مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2022 إلى "وجود اتفاق دولي حول مخيم الهول ودعم دول كبرى للعراق لتفكيك المخيم الذي يضم أكثر من 60 ألف شخص بين عراقي وسوري و50 دولة أخرى".
وكان وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية كريم النوري قد أوضح يوم 22/3/2022 بأن "مخيم الهول السوري ليس بيد الحكومة هناك، ويقع تحت مسؤولية قوات سوريا الديمقراطية، وفيه 30 ألف عراقي، 20 ألفا منهم أطفال وإبقاؤهم هناك خطأ كبير وينبغي إعادة تأهيلهم ومنع استغلالهم من قبل الإرهاب".
وأكدت لجنة وزارية عراقية بداية آب/ أغسطس 2022 وجود نحو 29 ألف عراقي في مخيم الهول، كما يوجد في مخيم الهول 23676 طفلا تحت سن الثامنة عشرة، من الجنسية غير السورية، معظمهم من العراقيين، وفقا لمسؤولي المخيم!
وهؤلاء يعيشون في ظروف إنسانية مريرة وبالذات بالنسبة للأطفال والنساء، وقد سبق لمنظمة الطفولة العالمية (يونيسف) ومنظمة الأمم المتحدة وغيرهما أن أكدوا ببيانات رسمية وفاة ما لا يقل عن 200 طفل من كانون الأول/ ديسمبر 2018 ولغاية نيسان/ أبريل 2019، من مجموع ثلاثة آلاف طفل من أكثر من 40 بلدا يعيشون داخل المخيم المخيف!
وسعت بعض الحكومات العراقية إلى إنهاء ملف مخيم الهول، وبالذات في عهد الحكومتين الأخيرتين، وقد نقلت حكومة بغداد في الخامس من أيار/ مايو 2021 مئة عائلة، وهم يمثلون الدفعة الأولى من النازحين العراقيين من مخيم الهول باتجاه مخيم "الجدعة" في ناحية القيارة التابعة لمحافظة نينوى، شمال غربي العراق وذلك بعد تدقيق ملفاتهم أمنيا!
وسبق لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية أن أكدت بأن العدد الإجمالي للعائلات العراقية العائدة من مخيم الهول بعد خروج آخر دفعة يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 بلغ 925 عائلة.
وتسعى حكومة محمد شياع السوداني لنقل المهجرين من مخيم الهول إلى مخيم الجدعة في الموصل بعد تدقيق ملفاتهم أمنيا، ومن ثم توزيعهم على مدنهم الأصلية في أرجاء العراق!
وفي منتصف نيسان/ أبريل 2023 قالت وزارة المهجرين إن معدل العوائل العائدة من مخيم الهول بلغ 150 عائلة، بعد إنجاز عملية التدقيق من مستشارية الأمن القومي وجهاز الأمن الوطني.
ومع هذه التأكيدات، وربما التطمينات، تبقى هنالك خشية لدى غالبية الأسر العراقية الموجودة في مخيم الهول أو مخيم الجدعة وذلك بسبب تخوفهم من الملاحقات القانونية أو حتى العشائرية.
والحقيقة هنالك خشية من كلا الطرفين الرسمي (والمهجرين) من العودة إلى العراق، إذ يخشى الجانب الرسمي أن يكون من بين هؤلاء من ينتمي إلى (داعش)، وتكون عودتهم بداية جديدة لبقايا داعش للسيطرة على تلك المدن ولو بمرور الزمن!
وفي هذا السياق قال الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية يحيى رسول، يوم 2/3/2023 إن "مخيم الهول يضم أكثر من 60 ألف شخص، وهو بمنزلة قنبلة موقوتة ويعتبر مدرسة حقيقية لإنشاء جيل جديد من داعش يضاهي بعشرات المرات التنظيم الذي نعرفه، حيث تقوم النساء في المخيم بتغذية الأطفال بالأفكار المتطرفة".
وبالمقابل هذا التخوف موجود أيضا لدى كثير من اللاجئين، الذين يتخوفون من الملاحقات القانونية غير العادلة التي قد تطولهم في حال عودتهم إلى الأراضي العراقي، ولهذا رأينا أن تفاعل المهجرين مع زيارة الوفد العراقي نهاية آذار/ مارس 2023 إلى المخيم بهدف بحث آلية إعادة مزيد من اللاجئين العراقيين كانت (بطيئة)!
وأيضا فإن العائدين متخوفون من الملاحقات العشائرية وبالذات بالنسبة لعوائل عناصر التنظيم المعروفة بارتكابها جرائم خلال مراحل سيطرته على الموصل والأنبار وغيرهما!
ومن أكبر التحديات في ملف داعش هو الرفض المحلي لعودة عوائل التنظيم واندماجهم ثانية في المجتمع العراقي، وقد تكون هذه (عقوبة جماعية) للأبرياء من عوائل عناصر تنظيم الدولة، وقد قدرت حكومة العراق أعداد الأشخاص من عوائل لها صلة بداعش بما يقرب من ربع مليون إنسان!
وهذا العدد مخيف جدا ولا يمكن القفز عليه أو ترتيب اندماجهم بسهولة في المجتمع الذي يعاني من قفز على القانون وسطوة الانتقام العشائري!
ومن بين التحديات الأخرى توفير السكن المناسب، وفرص العمل، وضمان سلامة الأبرياء العائدين في مناطقهم وكذلك معالجة قضية النظرة المجتمعية السلبية للعائدين!
وأخيرا نذكر بعض تصريحات أنطونيو غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة الذي زار مركز الجدعة لإعادة التأهيل بالموصل في الثاني من آذار/ مارس 2023، وأكد وجود أعداد كبيرة من العراقيين في مخيم الهول وغالبيتهم من النساء، وأن "مخيم الهول هو أسوأ مخيم موجود في العالم اليوم"!
وكشف أن العراق يعمل لإيجاد "حلول تحفظ الكرامة تستند في آن واحد إلى مبدأي المساءلة وإعادة الإدماج".
إن مهمة إعادة النازحين الأبرياء إلى مناطقهم ليست هينة، ولكنها ليست مستحيلة، وينبغي أن تتلاحم كافة قطاعات الوطن الرسمية والشعبية والدينية لترتيب ظروف النساء البريئات والأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة، وهذه مهمة وطنية وإنسانية كبرى ينبغي دعمها لنشر الأمن والخلاص من الإرهاب بكل أشكاله وصوره.
يفترض العمل على إيجاد الحلول القانونية والإنسانية والأخلاقية لهذا الملف الشائك كونه يعتبر قنبلة موقوتة لا يمكن تغافلها، ويفترض أن تكون هنالك برامج رسمية لإعادة دمج غير المتورطين بدماء المواطنين في المجتمع!
وفي أفضل الأحوال يفترض بالعدالة أن تأخذ مجراها وألا يؤخذ البريء بجريرة المتهم، وذلك تحقيقا للعدالة بين عموم المواطنين