Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

عودة إلى مقال: الاتفاقية... أو الطوفان!!



مقدمة توضيحية


يبدو أن ذاكرة بعض الناس ضعيفة، أو أنهم لم يواكبوا ما نكتب ونحذر من مخاطر قبل وقوعها، وبما أنه ليس من حقنا معاتبة من لا يتابع كل ما نكتب، ولكن ألا يحق لنا أن نقول أنه ليس من حق هذا البعض اتهامنا بما لا يعلم. فبعد نشر مقالي الموسوم: (مناقشة حول العلاقة مع أمريكا)(1)، كتب أحد الأخوة القراء الكرام تعليقاً على موقع عراق القانون باسم (IRAQ 4 EVER)، ينتقدني بدعوى أن "نصيحتي جاءت متأخرة"، و"بعد ان وقع الفأس بالرأس"على حد قوله. ونظراً لأهميته، استميح القراء عذراً أن أنقل نص التعليق كاملاُ:


((كان من الممكن أن يكون الطرح أكثر جدية، فيما لو سجّل د. عبد الخالق حسين موقفه وبشكل مبكر، أي في فترة الانسحاب الأمريكي، طالما انه يعتقد بأن عدم السماح كان السبب وراء البرود الأمريكي ازاء ما مرّ بالعراق من ظروف مربكة على كل الصُعد.. ، وعلى سبيل المثال هناك مقال للأستاذ عبد الرحمن أبو عوف مصطفى هو الآخر كان قد طرح أمرا كهذا مؤخرا في مقاله (المالكي: القدرات القيادية وشراسة الاستهداف المضاد)، وفي نفس الوقت قد أشار الى موقف له سابق في فترة الانسحاب من أنه كان معترضاً على (عدم منح الحصانة)، لأسباب تطرق لها في المقالين السابق والحالي.. والقصد هنا أن د.عبد الخالق كان من الممكن إسماع صوته للسيد المالكي بطريقة ما آنذاك .. في كل الأحوال هي قناعة قد تجد الكثيرون ممّن بدركون أهمية أن يكون للعراق علاقة استراتيجية من هذا النوع .. ولكن لطريقة الطرح أهمية خاصة وما تضمّنه المقال من مباشرة دون تدرج في شرح الأسباب الموجبة والنتائج المترتبة بشكل علمي .. يعطي الحق لكل من رفض الفكرة جملة وتفصيلا .. ثم ان الكاتب معني بطرح الفكرة من حيث إطارها العام وتبيان الضرورة وليس من حقه استباق صانع القرار في التفاصيل واقتراح ما لم يرد فيه الخلاف والذي كان محصورا في (منح الحصانة).. فما دخل القواعد [العسكرية] وانها كيلومتر مربع وهذه العلاقة هي “مفتاح الفرج”، “والعصا السحرية ” .. فما هكذا يا سيدي تورد الإبل.. فهناك استفزاز واضح لمشاعر الناس وتسطيح كبير إذا ما طرح بهذه الشاكلة !.. ويبقى السؤال قائماً.. اليوم تتناول اقتراحا كهذا بعد ان وقع الفأس بالرأس .. فأين كنت فيما سبق، وخاصة وانك كنت من المقربين!.. وما الذي يمنع من الاشارة لكاتب سبقك في الطرح وبشكل بناء وحذر، بل ويبدو مما أشار اليه من رابط في أسفل المقال أنه قد أعلن مسبقا عن قناعته وليس اليوم ولم يتوجه الى العبادي ليضع المالكي في خانة المقصّر في هذا الجانب .. أمرنا بالفعل يدعو الى الغرابة !!!!!)).(1)


 


في الحقيقة أنا لم أكن متأخراً في تقديم النصائح في هذا الخصوص، والدعوة إلى بناء علاقة وثيقة مع أمريكا، وإنما بدأت بها قبل سقوط النظام البعثي الصدامي بسنوات، ومنذ عهد المعارضة أكدت على ضرورة العلاقة الإستراتيجية مع أمريكا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت مقالا في صحيفة المؤتمر اللندنية بعنوان: (المعارضة العراقية والدعم الأمريكي.. ضرر أم ضرورة؟). أما بعد سقوط النظام فقد نشرت سلسلة من المقالات أدعو فيها إلى هذه الأهداف. ولم أقصر في "شرح الأسباب الموجبة والنتائج المترتبة بشكل علمي" في جميع مقالاتي بما فيه المقال الأخير قيد المناقشة، إضافة إلى إدراج روابط المقالات التي تطرقت فيها إلى هذه الأمور.


 


ولأبرهن على صحة قولي للأخ المعلق وغيره ممن لا يعلم بكتاباتي السابقة حول هذه المسألة أعيد نشر مقال لي في هذا الخصوص نشرته إثناء المفاوضات عام 2008، بعنوان (الإتفاقية أو الطوفان)(2) بتاريخ 22/10/2008، نبهت فيه حاجة العراق إلى هذه الاتفاقية وطالبت المسؤولين بالموافقة على إبقاء عدة آلاف من القوات الأمريكية في العراق، ولحقته بمقالات أخرى، أدرج روابط البعض منها في الهامش. وهذا نص المقال التحذيري الذي نشرته عام 2008 وقبل "وقوع الفاس بالراس" بسنوات.   



الاتفاقية... أو الطوفان!!


د.عبدالخالق حسين


22/10/2008


 


كل شيء في العراق صعب، وكل مشاريعه ومراحله التاريخية لا تولد إلا بالعملية الجراحية القيصيرية، ولذلك لن أمل من الاستشهاد بمقولة حكيم السياسة البريطانية ونستون تشرتشل أن «العراق تشكل في لحظة جنون»، أو كما وصفه العلامة على الوردي، "أنه ثمرة اللقاء بين البداوة والحضارة، وهو لقاء دموي، لكنه لا بدَّ منه في نهاية المطاف".


 


من المؤلم القول أن تاريخ العراق، القديم والحديث، دموي في كل مراحله. فالعراقيون، وخلافاً للشعوب الأخرى، هم وحدهم الذين يسعون دائماً ضد مصالحهم وتحت مختلف الذرائع والشعارات الخادعة، وبتأثير من القيم البدوية تارة، أو بتأثير رجال الدين، أو بشعارات اليسار الطفولي والقومية العربية. وفيما يخص موقف هؤلاء من الاتفاقية الأمنية العراقية- الأمريكية، فقد التقت كل الأيديولوجيات الشمولية، الإسلاموية والقومية واليسارية الطفولية على التضحية بالعراق وبمستقبل أجياله القادمة باسم السيادة الوطنية والعداء لأمريكا، وكأن كل هذه الكوارث التي مر بها العراق خلال ثمانية عقود الماضية لم تكفهم، بل راحوا يصرون على مواصلة التدمير، للمزيد من الآلام والدماء والدموع.


 


حينما حررت بريطانيا العراق من الاستعمار التركي العثماني في الحرب العالمية الأولى (1914 -1918)، كان هذا الشعب على وشك الإنقراض، إذ بقي منه في حدود مليون ونصف المليون نسمة فقط بعد أن كان في حدود ثلاثين مليون نسمة في عهد الرشيد والمأمون كما أخبرتنا كتب التاريخ. ولكن مع ذلك وقف العراقيون ضد محرريهم دفاعاً عن جلاديهم الأتراك، فكانت حرب الجهاد وثورة العشرين وغيرها من الانتفاضات. فعند ولادة الدولة العراقية عام 1921 وبمساعدة بريطانيا، كان العراق بأمس الحاجة إلى دعم دولة عظمى مثل بريطانيا آنذاك، حيث كان الشعب العراقي يعش في ظلام دامس من الجهل، ينوء تحت تراكمات سبعة قرون من التخلف منذ غزو هولاكو عام 1258إلى الإحتلال البريطاني عام 1914. فكانت الأمية في حدود 99%، و"أهل العراق لم يندمجوا بعد لتكوين شعب، بل كانوا كتلات بشرية متناحرة" على حد تعبير الملك فيصل الأول. ولم تكن لهم أية خبرة في إدارة الدولة الوليدة، لذا عقد الإنكليز معهم معاهدات واتفاقيات لمساعدتهم إلى أن يكسبوا الخبرة الكافية في إدارة دولتهم الحديثة. ولكن ثار العراقيون على الإنكليز، وتوالت في العهد الملكي انتفاضات شعبية وانقلابات عسكرية، إلى أن قضي عليه في ثورة 14 تموز 1958. وكان ما كان بعد ذلك.


 


لقد تشرب الشعب العراقي بثقافة معاداة الغرب وبالأخص أمريكا وتحت ظروف الحرب الباردة، وصارت معاداة الغرب ورفض العلاقة معه دليل على الوطنية، حتى ولو كانت في هذه العلاقة مصلحة الشعب. وهذه الثقافة التدميرية أدت بالتالي إلى ظهور أشرس جلاد في التاريخ وهو صدام حسين الذي تسبب في جلب الكوارث على العراق وشعبه. وإذا كان لهذا العداء مبرراته في ظروف الحرب الباردة، ولكن استمراره إلى ما بعدها أمر يصعب فهمه، وبالتأكيد يضر بالمصلحة الوطنية. فمنذ انهيار المعسكر الاشتراكي، وولادة النظام الدولي الجديد ذو القطب الواحد، تغيرت الدنيا ومعها العلاقات الدولية، وأصدر التاريخ حكمه العادل، فلأول مرة تلتقي مصالح أمريكا مع مصالح شعبنا. وفي هذه الحالة، أليس من الحكمة أن نستفيد من هذه الفرصة في استثمار امكانيات الدولة العظمى لمصلحتنا الوطنية؟


 


يكرر أعداء العراق، والمدمنون على مفاهيم الحرب الباردة، أن أمريكا لم تحرر العراق من حكم البعث الصدامي البغيض من أجل سواد عيون العراقيين، بل لمصالحها. وأن أمريكا لها مصلحة في هذه الاتفاقية الأمنية...الخ. وهذه حقيقة لا ننكرها، كما ولا تنكرها أمريكا أيضاً. ولكن في نفس الوقت، نسأل، أليس من الوطنية أن يسعى العراقيون أيضاً لمصالحهم؟ فعندما نطالب بتوقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، لا يعني أننا نريد ذلك من أجل خضرة أو زرقة عيون الأمريكان، بل من أجل مصالحنا أيضاً. فالاتفاقية فيها مصالح مشتركة، والسياسة هي وراء المصالح فقط، وليست وراء ألوان العيون. لقد بحت أصواتنا حتى مللنا من تكراراالمبدأ القائل: "ليس في السياسة أعداء دائميين ولا أصدقاء دائميين، بل هناك مصالح دائمة". وعليه فإننا نعتقد أنه من الخطأ، إن لم نقل من الغباء المفرط، إضاعة الفرصة في توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا.


 


فالعراق يحتاج إلى هذه الاتفاقية أكثر من أمريكا، لأن مستقبله مازال مهدداً بسبب تكالب بعض دول الجوار والإرهاب الإسلامي عليه. فبعد استئصال السرطان البعثي بعملية جراحية كبرى، مازال العراق يعاني من عواقب العملية، ومن إرهاب فلول البعث الفاشي وحلفائهم من أتباع منظمة القاعدة الإرهابية، والمليشيات المدعمة من إيران. والقوات العراقية المسلحة مازالت في طور البناء ولم تكتمل بعد، وهي مازالت مخترقة بالألوف من البعثيين والإرهابيين وأعضاء المليشيات الحزبية التي تدين بالولاء لأحزابها وليس للدولة. وقد برز ذلك بكل وضوح في عملية (صولة الفرسان) في البصرة في شهر آذار الماضي، عندما رفض أكثر من ألف من منتسبي القوات المسلحة تنفيذ أوامر القائد العام، وانحازوا إلى جيش المهدي. ولولا تدارك الأمر بمجيء القوات الأمريكية التي انقذت الموقف، لكانت كارثة ومجزرة كبرى بحق المواطنين بمن فيهم السيد نوري المالكي رئيس الوزاء الذي قاد الحملة بنفسه. وهذا يعني أن القوات العراقية مازالت غير جاهزة لحماية أمن المواطنين من المجرمين.


 


فبناء قوات مسلحة مدربة وملتزمة بالانضباط العسكري، والولاء الوطني، واحترام وتنفيذ أوامر السلطة المدنية الديمقراطية، يستغرق وقتاً طويلاً. إن تركة حكم البعث من الخراب البشري في العراق واسع وعميق، لا يمكن معالجته في أشهر، أو بإصدار قرار، بل يحتاج إلى سنوات وربما إلى عقود من السنين من المعاناة، وبحاجة إلى حملة تثقيف لإزالة آثار ومخلفات البعث المدمرة. وعليه فالعراق وبامكانياته المحدودة هذه بأمس الحاجة إلى دعم الدولة العظمى لتدريب قواته ومساعدته على بناء دولته العصرية، وحمايته من الأعداء في الداخل والخارج وهم كثرُ، إلى أن يكتمل ويقوى على مواجهة أعدائه بقواه الذاتية.


 


والأدهى والأنكى، أنه حتى الذين تسنموا مناصب عالية في الدولة العراقية الوليدة، تنكروا اليوم لجميل أمريكا وفضلها مؤكدين مقولة تشرتشل (العراق، يا له من بركان ناكر للجميل). فماذا نقول إذا جاء نكران الجميل هذا من السادة، إبراهيم الجعفري وأحمد الجلبي وأياد علاوي، الذين ركبوا موجة مناهضة الاتفاقية، مدعين أنها ليست في صالح الشعب العراقي. فهل حقاً هم واثقون مما يقولون؟ إن موقفهم هذا ناتج عن انتهازية صارخة وجهل مخز بقراءة الواقع العراقي. فادعاؤهم بالحرص الشديد على السيادة الوطنية كذبة لا تنطلي على أحد.  فمن يصدق دعاوى هؤلاء بعد كل ما حدث؟ وكان آخر المزايدين في هذا الخصوص هو الدكتور أياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي السابق، وزعيم قائمة "العراقية" الذي صرح لـ "إيلاف يوم 21/10/2008 قائلاً: " يجب تأجيل الإتفاقية مع واشنطن والتمديد عامًا للمتعددة". أليس هذا اعتراف ضمني من الدكتور علاوي أن العراق بحاجة إلى وجود القوات المتعددة، لأن القوات العراقية المسلحة ليست جاهزة بعد لمواجهة الإرهاب لوحدها؟ فأيهما أفضل يا دكتور، التمديد من مجلس الأمن الدولي، أم قرار يتخذه العراقيون بأنفسهم كدولة ذات سيادة مع الأمريكان؟ 


أما الدكتور إبراهيم الجعفري فيبدو أنه فضّلَ مصلحة الحكومة الإيرانية على المصلحة الوطنية العراقية، إذ قال في تصريحات نقلتها وكالة الانباء الايرانية الرسمية، خلال لقائه مع رئيس مجمع تشخيص مصلحه النظام الايراني، علي اكبر هاشمي رفسنجاني، الاحد، ان الاتفاق الامني مع واشنطن "لا يخدم مصالح الشعب العراقي".


ومن هنا نعرف أن الدوافع الحقيقية وراء مناهضة الإتفاقية من قبل هؤلاء هي إنتهازية ناتجة عن قصر نظر. فبدلاً من مصارحة الشعب بخطورة الموقف في حالة عدم توقيع الاتفاقية، وما يترتب عليه من كوارث على شعب العراق، نرى هؤلاء يتلاعبون بمشاعر الجماهير و يزايدون على السيادة الوطنية، ويهيجون الرأي العام أكثر في التحريض ضد الاتفاقية، اعتقاداً منهم أنهم سيزيدون من رصيدهم الشعبي في الانتخابات القادمة. ولكنهم على خطأ كبير في فهم مزاجية الشعب وما يترتب على موقفهم الخاطئ من مخاطر كارثية. والمصيبة أن معظم المؤيدين للاتفاقية فضلوا الصمت طلباً للسلامة، وخوفاً من تعريض أنفسهم وعوائلهم لبطش بلطجية التيار الصدري الممول من إيران، ومن فلول البعث والإرهاب القاعدي.


أقولها بصراحة، وكنصيحة أخوية مخلصة أسديها للثلاثي، الجلبي والجعفري وعلاوي، أنكم دخلتم العراق على ظهر الدبابة الأمريكية، ولا عيب في ذلك، إذ دخل ديغول باريس على ظهر دبابة أمريكية وبريطانية، ولكنه لم يتنكر لفضل الأمريكان والبريطانيين لتحرير بلاده من الإحتلال النازي الأماني ودميته حكومة فيشي. وقد وفر لكم الأمريكان فرصة ذهبية لتختبروا إمكانياتكم القيادية والسياسية في حكم البلاد، فتسلمتم قيادة العراق، ولكنكم فشلتم فشلاً ذريعاً في أداء مهمتكم، ولم تعرفوا كيف تلعبوا أوراقكم بصورة صحيحة.


ونصيحة مخلصة أسديها إلى المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم السيد نوري المالكي، أن هناك ظروفاً ومناسبات حرجة تتطلب من القائد المحنك الشجاعة والصراحة في أخذ القرارات الجريئة الصائبة من أجل مصلحة الشعب حتى ولو واجهت معارضة عنيفة من الدهماء والديماغوجية الغوغائية، وحتى لو تطلب الأمر الشهادة. تذكروا أنور السادات وما قدمه من خدمة رائعة لشعبه باتفاقية كامب ديفيد عام 1978.


كما وأود أن أذكر السيد المالكي ومناهضي الاتفاقية، بالتحذيرات التي أطلقها رئيس اركان القوات الامريكية الاميرال مايكل مولن للعراقيين يوم الثلاثاء 21 أوكتوبر الجاري [2008]، من عواقب عدم توقيع الاتفاقية الأمنية مع واشنطن بالقول ان من شأن ذلك تعريض الأمن في العراق الى مخاطر جدية، "إن أمن العراق سيواجه عواقب وخيمة" اذا لم يوقع تلك الاتفاقية، التي توفر الغطاء القانوني للوجود العسكري الأمريكي في العراق. واضاف: "صار واضحا ان الوقت بدأ ينفد" وانه مع نهاية هذا العام لن تكون القوات العراقية قد اتمت استعدادها وقدرتها على تولي مهام الامن في البلاد. وكرر مولن الاتهامات الامريكية لطهران في التدخل بالشأن العراقي، بالقول ان "صار واضحا ان الايرانيين يعملون بقوة وجدية لوقف تمرير الاتفاقية". (تقرير موقع بي بي سي العربية، 21/10/2008).


 


لقد راجعت النسخة النهائية من مسودة الاتفاقية، فلم أجد فيها ما يضر بمصلحة العراق، أو يسيء إلى سيادته الوطنية كما يدعي مناهضو الاتفاقية، بل على العكس، وجدتها تؤكد على مصالح مشتركة، ومصلحة العراق فيها أكثر من مصلحة أمريكا. كما وهناك تأكيد وإطمئنان  للمتباكين على السيادة الوطنية، في المادة 25، الفقرة 6  تنص على ما يلي: " يجوز انسحاب قوات الولايات المتحدة في تواريخ تسبق التواريخ المحددة في هذه المادة بناء على طلب أي من الطرفين. وتعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج قوات الولايات المتحدة من العراق في أي وقت." إضافة إلى فوائد كبرى كثيرة للعراق مثل، الدعم الاقتصادي والثقافي والمساعدة في إخراج العراق من البند السابع، وتحرير اقتصاده من سيطرة الأمم المتحدة، والعمل على إسقاط مئات المليارات الدولارات من الديون وتعويضات الحروب التي كبل صدام حسين العراق بها. إضافة إلى التأكيد على حماية العراق من أي عدوان خارجي في المستقبل.


والمعروف عن الأمريكان في هذه الحالات أنهم يعطون التنازلات تلو التنازلات خلال المفاوضات إلى حد معين، وعنده إذا تمادى الطرف الآخر في طلباته التعجيزية فإنهم سيغلقون الأبواب وينسحبون. أعتقد أن الأمريكان قد وصلوا إلى هذا الحد. فقد "أعرب وزير الدفاع الأمريكي، روبرت غيتس، عن تحفظه تجاه مطالب العراقيين بتعديل مشروع الاتفاقية الأمنية... وحذر مما أسماه بالعواقب الوخيمة لعدم وجود اتفاق حول وضع القوات الأمريكية او تجديد تفويض الأمم المتحدة الذي ينتهي بنهاية العام الحالي. " وقال الوزير الأمريكي إن "الوقت يمر وعلينا ان نستمر في السير قدما لكي لا يداهمنا الوقت". وأضاف: "أن المفاوضات التي استغرقت شهورا وصلت إلى مراحلها الأخيرة ما يعني أن الباب أغلق تقريبا أمام إمكانية إعادة التفاوض." أرجو من المسؤولين العراقيين أن يحملوا تحذيرات المسؤولين الأمريكيين محمل الجد.


 


خلاصة القول: مر العراق بكوارث متتالية كان بالإمكان تجنبها لو تصرف أبناؤه بالحكمة وبسياسة عقلانية بعيدة عن الغوغائية والدوغماتية، ولما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن. ولكن من حسن حظ العراق أن التقت مصالح الدولة العظمى مع مصالحه، لذلك أعتقد جازماً أن الاتفاقية هي الفرصة الذهبية الأخيرة، و بمثابة حبل النجاة الذي جاد به التاريخ للشعب العراقي، أرجو عدم التفريط به للمرة الألف. وإذا لم يتم التوقيع على الاتفاقية هذه، فسيكون العراق في مهب الريح، وسيتعرض إلى كوارث ماحقة، والمستفيد الأكبر في هذه الحالة هو إيران وغيرها من أعداء العراق، والخاسر الأكبر هو الشعب العراقي، وعندها يجب أن لا يلوم العراقيون إلا أنفسهم. فالخيار لهم، إما توقيع الاتفاقية بنسختها الأخيرة.. أو استعدوا للطوفان.


ألا هل بلغت؟ اللهم إشهد.


22/10/2008


abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 


http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


روابط المصادر


1- عبدالخالق حسين: مناقشة حول العلاقة مع أمريكا


http://www.qanon302.net/in-focus/2014/09/07/31045


 


2- عبدالخالق حسين: "الاتفاقية .... أو الطوفان":


  http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=2594


 


3- عبد الخالق حسين:على العراق توقيع الإتفاقية الأمنية مع أميركا أو انتظار الطوفان (صحيفة آفاق)


http://www.aafaq.org/news.aspx?id_news=7249


ـــــــــــــــــــــــــــــــ


روابط ذات صلة


1- عبدالخالق حسين - الاتفاقية العراقية-الأمريكية، ضرر أم ضرورة؟


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=137467


 


2- عبدالخالق حسين: الاتفاقية العراقية-الأمريكية، مرة أخرى


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=138039


 


3- عبد الحليم الرهيمي: 11 سبتمبر والإطاحة بنظام صدام 


http://www.akhbaar.org/home/2014/9/176380.html


 




-- 

في حالة عدم الرغبة باستلام رسائلنا يرجى الضغط هنا


-- 

في حالة عدم الرغبة باستلام رسائلنا يرجى الضغط هنا

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
كربلاء تحتضن أهالي الفلوجة علي فاهم/ أستقبلت مدينة كربلاء المقدسة في مدينة الزائرين و بعض دور المواطنين من أبناء المدينة عدد كبير من العوائل المنكوبة التي جاءت أضمنوا حقوق الأقليات ولا شأن لكم بخلافاتهم أضمنوا حقوق الأقليات ولا شأن لكم بخلافاتهم كثيرا ما يقدم هذا السؤال الى ممثلي الاقليات من قبل القيادات الحكومية والسياسية  والبعثات الدبلوماسية، عندما يشددوا على مطالبهم بحقهم في المساواة والحماية والتمثيل والتعويضات وحمايتهم من خطابات الكراهية والتطرف والتدخل السياسي والديني في شؤونهم الدولة المفترض بنائها في العراق دولة قدرة لا دولة مدى مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/ في كتابه القيم (بناء الدولة) يميز الكاتب الأمريكي المثير للجدل (فرنسيس فوكاياما) بين قوة الدولة ومداها، فيقول: إن مدى الدولة".. يشير إلى الوظائف والأهداف المختلفة التي تضطلع بها بابا الفاتيكان: "الشرق الأوسط بدون مسحيين خطيئة كبرى" عبّر البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، عن قلقه الكبير حيال الوضع في الشرق الأوسط، أو ما وصفه بـ"تقاطع الأوضاع الصعبة والمؤلمة".
Side Adv2 Side Adv1