فكونوا نبراساً لنا قداسة البطريرك مار دنخا الرابع الموقر
في رسالة وجهها قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية الى أبناء وبنات الامة الآشورية في العالم . وكانت مقاطع كثيرة من الرسالة تشير الى تفتح وابتهاج الطبيعة في فصل الربيع ، ويقول انه في هذا الفصل كان يحتفل آباؤنا الآشوريون ونحن ينبغي ان نقتدي بهم فنحتفل في هذا اليوم الجميل من السنة وهو الأول من شهر نيسان ،الصورة من مجلة بين النهرين التراثية سنة 1996
ومقاطع كثيرة من الرسالة تدعو أبناء وبنات االأمة الآشورية الى الوئام والوحدة . نقرأ فيها :
(( .. فغايتي اليوم تتمحور حول الوحدة والمحافظة على السلام في شعبنا الآشوري المبعثر على وجه الأرض كلها، ان كنا لا نعمل معاً على تقوية وتمتين أواصر إيماننا الذي يربطنا مع بعضنا البعض كأمة آشورية واحدة، مفعمة بالحياة، فإننا سننصهر وبالأخص في بلدان الغرب. )) .
ويمضي الى القول :
(( ولكي تدب الحياة في شعبنا الآشوري، فإنه بحاجة إلى مساعدة وغيرة أبنائه وبناته، لان الشعب لا يتحدد بشخص واحد أو عائلة واحدة، الشعب هو جمع من الناس المرتبطين مع بعضهم البعض، ولكل واحد منا وبحسب مسؤوليته كنسياً أو قومياً، لنعمل معاً على ربط تلك الحلقات المنفرطة، والمتباعدة عن بعضها البعض في امتنا الآشورية، في نسيج إيماني واحد تربطهم ببعضهم البعض لتصبح سلسلة متينة، تحت اسم قومي واحد يحوي أبناء الكنيسة الكلدانية والكنيسة السريانية والكنيسة الآشورية. حقاً إننا جميعاً امة واحدة )) .
وفي الختام يقول :
(( كأمة حية، يتوجب على أعضاء كل عائلة آشورية التكلم باللغة الآشورية، أينما كانوا، وتسمية أبنائهم بأسماء آشورية، ولكل آشوري وآشورية، مسؤولية العيش بإيمان مشترك، محبة، وقار، وبسلام وطاعة، لكي يقدروا على تنشئة أبنائهم بالأعمال وصقلهم بالأخلاق الحسنة، وينشئوهم مسيحيين مؤمنين، وآشوريين حقيقيين )) .
الرسالة لمن يقرأها تبدو خالية من الروح والحيوية ، فالزهور الجميلة والسواسن وزنابق الحقل وعطر الثمار الطبيعية خالية من الأرض الطيبة المباركة التي تنمو عليها ، وكأنها تفتقد الى ذكر الناس الذين غرسوا تلك الأزهار والورود وسكبوا كؤوس المحبة قبل ان تروى بمياه دجلة والفرات ، لقد حصرها جميعاً في الواحة الآشورية محصورة في صحراء قاحلة ليست ذي زرع ، ولا تجاورها واحات أخرى وثمار اخرى ، إنها مساحة قاحلة تحوي أبناء وبنات الآشوريين فحسب .
الأنسان ليس وليد السماء كما يقول الأب الدكتور المرحوم يوسف حبي ، الأنسان أبن الأرض أيضاً ، وهذه وحدته الروحية المادية في انسانية نامية ، إن انسجامها مع غيرها هي التي تكمل عظمتها وروعتها . فالأنسان ابن ارضه وعشيرته وقريته وبلده ودينه وقوميته ومذهبه وتراثه وتقاليده ولغته ، هذه كلها انتماءاته ، فكيف يعيش وحيداً في واحة محدودة غنية بالورد والياسمين والزنابق وسط صحراء قاحلة سارحة عبر الآفاق والأبعاد الممتدة ؟
هكذا كانت رسالة قداسة البطريرك مار دنخا تفتقر الى الأرض الى الناس الى الحضارات ، لم يذكر قداسته أرض بلاد ما بين النهرين ، لم يذكر الرافدين الخالدين دجلة والفرات لم يذكر الأمم والشعوب والأقوام الذين ساهموا ببناء حضارارت رافدينية راقية ، من السومريين والأكديين والبابليين والكلدانيين والساسانيين والعرب الذين كل منهم ترك بصماته الحضارية في تلك الأرض .
لم يذكر بحرف واحد المكونات العراقية التي تعيش في الوطن العراقي اليوم ، لم يذكر العرب والأكراد والتركمان والكلدانيين والسريان والأرمن ، والمسلمين واليزيدية والشبك والمندائيين .. إنه اكتفى ببنات وأبناء الأمة الاشورية محلقين خارج سرب الأمة العراقية ، فأراد لهذه الأمة وكأنها خارج النسيج المجتمعي العراقي .
ولإثبات رؤيتي ومن باب المقارنة ايضاً أدرج مقطعاً من رسالة اخرى لنفس المناسبة لقداسة مار ادي الثاني الموقر وهو بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة ، والتي قرأنا فيها الحيوية وشعاع ساطع من قلب الوطن العراقي بغداد يقول :
(( يسرنا اليوم.. ونحن نخاطبكم من بغداد الحبيبة.. عاصمة أرض النهرين في تاريخها الحديث.. وهي تحتضن شقيقتيها في التاريخ المجيد.. نينوى شمالا وبابل جنوبا.. تحيط بهم الحضر والنمرود وأور وباب نركال والجنائن المعلقة وكوخي الكنيسة الأولى في ساليق قطيسفون.. أن نتلقى نسمات ربيع جديد تحمل إلينا أملا متجددا جوهره المحبة والسلام والتسامح.. وهي مفاهيم طالما دعا إليها السيد المسيح في بشارته الخلاصية.
يسرنا أن نخاطبكم بهذه الكلمات المتواضعة.. فنتقدم إليكم بأسمى آيات التهاني والتبريكات بمناسبة عيد أكيتو.. رأس السنة البابلية الآشورية .. )) .
هذه الرسالة تشير بجلاء الى الأرض البينهرينية الى نينوى وبابل وساليق وكوخي .. وتشير الى التاريخ والى الأمل المتجدد في كل ربيع متجدد على مدى الأجيال وتوالي الأزمان .
في قراءتي لرسالة قداسة البطريرك مار دنخا الرابع الجزيل الأحترام وجدت إقحام إشكالية التسمية بشكل ملفت للنظر , لا أريد ان اعلق على هذا الموضوع ، لكي لا نغرق في متاهات الجدل ، الذي نأمل ان يكون قد طويت صفحته ، لكن مع ذلك كان ينبغي مراعاة مشاعر من يحسبون انفسهم كلدان وسريان ونحن جميعاً نستظل تحت ظلال الدوحة المسيحية العظيمة .
لقد تحدث غبطة البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي عن موضوع تثبيت القومية الكلدانية في الدستور العراقي ، وكانت تلك الهجمة القاسية التي حمّلها الكتاب الآشوريون ، وأكثر من ذلك كان تنظيم حملة شعواء وجمع تواقيع لاستنكار ما قام به غبطة البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي الكلي الطوبة ، وكأنه لا يحق له ان يدافع عن حقوق شعبه الكلداني في الوجود على أرضه بلاد ما بين النهرين .
إن هدفي من هذا المقال ليس التطرق الى التسمية كما قلت ، رغم ان الأشارة الواضحة من اعتبار الآشورية قومية تحوي ابناء الكنائس الكلدانية والسريانية والآشورية ، فنحن لا نؤمن بهذه الفرضية ، وهكذا نبقى بعنوان المقال فنناقش رسالته التي دعت الى الوئام والسلام إذ ورد فيها :
فيتوجب علينا العمل المشترك كأعضاء امة واحدة بهدف المحافظة على السلام والوئام في الجمعيات والأحزاب والمجالس والمؤسسات القومية، وهكذا بين الكنائس. كمسيحيين علينا أن نؤمن ..
أجل ينبغي ان يكون ثمة وئام وسلام لا بل الوحدة بين كنائسنا ، والتي قطعت اشواطاً كبيرة في اواسط التسعينات من القرن الماضي .
إن الذي ابغيه في هذا المقال هو ان يكون الآباء الروحانيين الأجلاء نبراساً وقدوة لنا نحن الخطاة العلمانيين الغارقين في معضلات السياسة والأقتصاد والأولاد والمعيشة .. ، لكن إن لجأ أقطاب كنائسنا الى التوحد، سنكون نحن تحت تأثير الأمر الواقع ، ونضطر الى الأتحاد فيما بيننا .
إن ألآباء الروحانيين الأجلاء كانوا يشكلون في التاريخ والى اليوم النخبة المثقفة من شعبنا ، وهكذا كان الأضطهاد والتنكيل يطالهم قبل بقية افراد الشعب بشكل مستمر باعتبارهم النبراس الذي يهتدي به الشعب .
اليوم مطلوب من قداسة البطريرك مار دنخا الرابع الجزيل الأحترام وقداسة البطريرك مار أدي الثاني الجزيل الأحترام وغبطة الكاردينال البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي الكلي الطوبة ، نناشدهم ونرجوهم ان يوحدوا خطواتهم ويوحدوا الأعياد الدينية ، ويبادروا الى خطوات ملموسة نحو الوحدة عندئذ نحن الذين نتعامل بالسياسة ومشاغل الحياة الأخرى ، سوف لا يكون امامنا حواجز وعوائق تحول دون تقاربنا واتحادنا في اسم قومي واحد وكنيسة واحدة وشعب واحد .
فكونوا نبراساً ساطعاً مباركاً لنا بمحبة المسيح .
حبيب تومي / اوسلو