فوائد العنف والعدوان/ الجزء الثالث
ايفاء بوعدي لكم بكتابة الجزء الثالث هذا وارساله ايضا ومن بغداد الحبيبة وليس من تركيا وكما وعدتكم في نهاية الجزء الثاني من مقالنا اعتزازا بكم ومحبتي لكم اعزائي القراء المحترمون اليكم ج3 المنوه عنه في بغداد ومن بغداد - ----الجزء الثالث والاخير
السيطرة والنهي عن العنف والعدوان :--
كما توضح لنا بأن العنف والعدوان هو من المظاهر السلوكية للبشر والتي تتقرر بفعل او تفاعل عوامل عديدة ومختلفة الاهداف فأن من الواضح ان من الصعوبة بمكان التوصل الى وسيلة او وسائل تمكن من السيطرة التامة على دوافع العنف والعدوان في الحياة وتزداد هذه الصعوبة في الانسان بالمقارنة مع الحيوانات كما انها تزداد كما هو معلوم كلما تعقدت وتقدمت وتطورت اوجه الحياة الانسانية وما يصاحب ذلك عادة من زيادة في دواعي العنف وتفنن في وسائطه واساليبه –
وبمقارنة وسائل السيطرة والنهي عن العنف في حياة الحيوان بمثلها في حياة الانسان نجد بكل وضوح بأن الكثير من الحيوانات هي اكثر نجاحا من الانسان في تفادي العنف والعدوان فهي اكثر مقدرة وممارسة لسلوك الهرب في حالة التهديد بالعنف كما انها تعمد الى اساليب التوقف من الحركة والتمويه باتخاذ حالة تشبه الموت كما اسلفنا في ج2 واحداث حالة الصرع كوسائل تثني المعتدي عن ممارسة العنف والامعان فيه ثم ان الكثير من الحيوانات تمارس طقوسا معينة في مواقف النزال مما لها ان توقف العنف عند ظهور بوادر الخضوع والاستسلام والاعتراف بالهزيمة من الحيوان الاضعف وهذه حالة من شأنها ان تمنع وصول العنف والعدوان الى حدود القتل والفناء وهذه ظاهرة قل ان يعمل بها في السلوك العدواني بين الانسان وهو سلوك له ان يتطور الى نهاية مدمرة لطرفي العدوان او احدهما (وبودي ان اوجز لكم حادثة لاتعني كل ما انا ذاهب اليه من الهدف من مقالي الا انه قد تخدم موضوعنا في زيادة توضيح غرضي من المقال ---والحادثة حصلت فعلا وكنت احد الذين شاهدوا ضحايا الحادثة يومها اما مفادها هي ؛- في منطقة من ضواحي مدينة البصرة في جنوب العراق طفل بعمر 12 سنة ادى الى تحطيم احدى عيون بقرة (هايشة ) تعود الى جيرانهم ومن غير عشيرته فصاحب الحلال اصر بأحداث نفس الفعل بعين الطفل رغم كل المحاولات لاقناعة وتعويضه ليثني عن رأيه الا ان اصراره كان اقوى واخيرا اتفقوا ان يحضر الطفل امامه من دون ان يؤذيه فقط ايفاء( لقسمه )على فعل ذلك وقد أحضر الطفل امام صاحبنا الذي تخلا عن وعده بعدم الحاق الاذى بالطفل المعني وبسرعة عجيبة حطم عين الطفل بآلة حادة ---الخ ونتيجة ذلك كان عدد الضحايا من الطرفين 16 شخص بين قتيل وجريح )--
لابد ان الانسان قد حاول منذ القدم الحد من ظاهرة العنف والعدوان وقد تواصلت هذه المحاولات حتى الان وأتخذت مسارات عدة من عقابية واجتماعية واصلاحية وتربوية وتنفسية وعلاجية وسلوكية وحتى عقاقيرية وغيرها من الوسائل والطرق والتي يجري تطبيقها اما بصورة مفردة او بالجمع بين أكثر من طريقة منها ومع تعدد هذه الطرق واختلاف مساراتها فأنه لايمكن القول بأنها في مجملها قد افلحت كثيرا في الحد من ظاهرة العنف والعدوان في حياة الانسان المعاصر مما له ان يفيد بأن الدافع العدواني هو اكثر تأصلا من ان تنفع في النهي عنه اية وسيلة للسيطرة عليه او ان تعدد العوامل المثيرة للعنف هي اكثر تنوعا وتعقيدا من ان تفيد الوسائل العلاجية الحالية في السيطرة عليها
وبودي ان اعرج ولو بأيجاز على بعض من طرق السيطرة والنهي عن العنف والتي استعملت او تستعمل حاليا للحد من هذه الظاهرة
1- العــقــاب :-
لقد مارس الانسان منذ القدم وما زال يمارس اسلوب الرد بالمثل او بما هو اشد (وهوالحاصل فعلا )على بوادر العنف والتعدي التي يتعرض لها وايضا اصبحت مقاومة العدوان بمثله قاعدة عميقة في الحياة وقد تبنت العقائد الدينية مثل هذه الشريعة ووجدت طريقها بالتالي الى التشريعات القانونية في المجتمعات المختلفة-----
ان مما لاشك فيه ان أنزال العقاب بالمعتدي اما بما يساويه ويماثله من العنف والايذاء او بوسيلة عقابية اخرى قد افاد وما زال يفيد في كبح دوافع معاودة الاعتداء وارتكاب جرائم العنف الا ان الاثر النهائي للعقاب في السيطرة على العنف هو اقل مما يتوقع من الناحية العملية ---ويستخلص من الابحاث في موضوع جدوى العقاب في السيطرة على العنف والعدوان البيانات التالية :-
1- ان للعقاب فائدة مؤقته في النهي عن العدوان –بينما العقاب لمدة طويلة له ان يشجع او ان يؤول الى زيادة في العدوان على المدى الطويل –
2- ثأثير العقاب كوسيلة للسيطرة والنهي عن العنف يعتمد على توقيته واسلوبه وتواصله –فالتأثير الايجابي للعقاب يقتضي ان يرتبط العقاب زمنيا بظاهرة العدوان والتأخير في انزال العقاب لايحدث فعلا ناهيا عن العدوان الذي ارتكب وله ان يزيد في امكانية معاودة العنف –
3- العقاب غير المستحق او العقاب الزائد عن حدود الاستحقاق له ان يؤدي الى عدوان اخر او الى عدوانية مزمنة
4- تفيد ايضا بعض الابحاث بأن العقاب بوسائل معنوية ونفسية له ان يكون اعظم اثرا في الحد من العدوان واصلاح المعتدي من العقاب الجسمي على ان ينبع هذا العقاب من (مصدر حب ) لامصدر كراهية ---كما اعتقد ايضا ان العقاب المجرد عن كل اعتبار له ان يثير في نفس العدواني (الرغبة في الانتقام )ان عاجلا او آجلا وهذا يفسر الكثير من حالات الاعتداء المتكرر في بعض مرتكبي الجرائم والاعمال العدوانية والذين يصعب الحكم فيما اذا كانوا يعاقبون عن جرائم جديدة او انهم انما يرتكبون جرائم عدوانية جديدة كرد فعل لما وقع عليهم من عقاب
5- التهديد بالعقاب له ان يكون عامل نهي عن العدوان اذا ما كان احتمال تطبيق هذا التهديد كبيرا وعندما يكون انتفاع المعتدي من عدوانه ضئيلا
اما وجهة نظري الخاصة والمتواضعة بهذا الخصوص :- ان تأثير العقاب على العدوان هو تأثير معقد جدا فللعقاب احيانا ان يكون رادعا فعالا لمثل هذا السلوك غير ان الواقع هذا لايحدث دائما فأستعمال العقاب قد ينجم عنه العديد من النتائج او الاثار الجانبية والتي لها ان تعكس التأثير المفيد للعقاب ولهذه الاسباب اجد ان العقاب لايبدو نافعا بالقدر الذي افترض حتى الان
2-المكافأة :-
الطريقة الثانية من طرق السيطرة والنهي عن العنف المستعملة وهي المكافأة على العنف والعدوان (قد تبدو مغالطة --!!!غير انها تمارس في الحياة بقدر اكبر مما يظن لأول وهلة )
ومهما كانت المصادر لهذه المكافأة سواء من حيث الفائدة المادية او المعنوية للأعتداء فأن لهذه المكافأة ان تسند الدافع العدواني وتمده بمدد اضافي من الحوافز على معاودته ومن الطرق العلاجية التي تبدو متعارضة مع هذا المبدأ (هي اللجوء الى المكافأة كوسيلة للنهي عن العنف والعدوان )وتبرير هذا الاسلوب هو ان استبدال العقاب بالمكافأة له ان يقلل من دوافع العدوان من ناحية وان ينقص من امكانية معاودة العدوان كرد فعل للعقاب ----
ومن الصعب الحكم على جدوى المكافأة على العدوان على المدى الطويل ولا تتوفر حتى الان البيانات الكافية التي يمكن لها ان تلغي القاعدة (بأن المكافأة على العدوان تسند العدوان )الا في تلك الحالات التي تتحقق فيها المكافأة ازالة الظلامة او تلبية الحاجة التي ادت أصلا الى قيام حالة التعدي –
3- الضـــــمير :- من المعلوم ان تنمية الضمير هي عملية تربوية بيتية واجتماعية وحضارية وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى توفر محبة الوالدين وبالقدر الذي يستعملون فيه اداة العقل والمنطق في التعامل مع الطفل النامي كما ان الضمير يعتمد الى حد بعيد على الوازع الديني المعمول به في المجتمع الذي ينمو فيه الطفل او الحدث وتفيد الملاحظات بأن للضمير ان يكون مانعا قويا من القيام بالعدوان الشخصي والاجتماعي وبصرف النظر عن ادراك الفرد بأنه سوف لايكتشف او يعاقب على فعله العدواني
4- ضبط النفــس :- محاولة السيطرة على دوافع العنف والعدوان عن طريق ضبط النفس والسيطرة عليها وهو اسلوب عريق القدم مارسه الكثيرون في الماضي ودعت اليه الديانات والفلسفات ونظريات التربية والتعليم ومن الاساليب القديمة ما لجأ اليه من محاولة ضبط النفس عن طريق ممارسات سلوكية معينة من شأنها ان تخضع الدوافع والحاجات الجسمية الى سيطرة العقل كما فعل ذلك ابن عربي في اسلوبه في السيطرة على الغضب وكما يظهر من ممارسات المتصوفين وغيرها من الطرق المعروفة وفي هذا القرن اتجه الاهتمام الى محاولات السيطرة على النفس كوسيلة علاجية للأمراض النفسية والسلوك المضطرب ومن هذه المحاولات الاسلوب العلاجي المعروف بالعلاج العقلاني وهو اسلوب يجمع بين استعمال العقل واستعمال العلاج السلوكي –
ومن الطرق الاخرى الستعملة للسيطرة :- منها ايضا أ- العلاج التنفيسي - ب- العلاج السلوكي - ج- التربية والتعليم
وتقـــبلوا تحياتي جميعا
عادل فرج القس يونان
بغداد 12 تمـوز 2011