فين ْ غَادي بي َ خُويَا؟
القصر الكبير، بتاريخ 19 يوليوز 2011إلَى زَكَريَاء السّاحْلي
تساءل منذ أول يوم وطأت قدماه عتبة المدرسة عن الغاية من التمدرس والجدوى من انتظار النتائج تلو النتائج...
في المدرسة، أجلوا أسئلته للمرحلة الإعدادية ما دام سنه أصغر من فهم الأجوبة التي تنتظره.
وفي الإعدادي، أجلوا إصراره على الجواب إلى ما بعد مرحلة التوجيه التربوي فالفهم الصحيح للجواب يقترن دائما مع الوجهة المناسبة في السياق المناسب.
وفي الثانوي، أجلوا جوابه مرة أخرى إلى ما بعد الباكالوريا، فالتلميذ ليس هو الطالب: التلميذ هو مُجَمّعٌ للمعارف والمعلومات، أما الطالب فيتعدى ذلك إلى التمرس على المنهج الذي يبقى سبيل السائلين نحو الجواب والإيمان بالجواب.
وفي الجامعة، تأجل المؤجل إلى ما بعد حصوله على شهادة الإجازة فالأسئلة الجانبية من تشتيت التركيز.
وبعد نيله شهادة الإجازة، وجد نفسه وسط السيل العارم من زملائه ورفقائه ومُجايليه أمام باب البرلمان ينتظرون الجواب عن سؤال انتظر عشرين عاما وهو لا يعرف حتى المخول له بالجواب.
وبينما كان المتظاهرون ينتظرون خروج "نواب الأمة" من تحت قبة البرلمان إلى الشارع الرحب بسلاهمهم البيضاء وجلابيبهم البيضاء ونعالهم البيضاء للجواب على أسئلتهم أو للاستماع إليها لنقلها إلى داخل قبة البرلمان حيث سيتكلف من ينقلها إلى من يحرّر الأجوبة لكل السائلين داخل القبة وخارجها، طوقتهم جحافل قوات التدخل السريع من ثلاث جوانب ورجمتهم بالغازات المسيلة للدموع وأمطرتهم ضربا بالهراوات ولم تترك لم غير ممر وحيد آمن يجرفهم بالقوة نحو محطة القطار.
في مقصورته داخل عربة القطار، سبح خياله بعيدا مع الأغنية المنسابة من جهاز تسجيل أحد الركاب: "فين ْغَادي بي َ خُويَا، فين ْغَادي بي؟"
هدير القطار أو صفيره أو زعيقه أيقظه مذعورا ووجد نفسه يسأل عن اسم المحطة التي وصلها القطار أو التي سيغادرها. ثم وجد نفسه ثانية يصيح: "هده مدينتي! فين ْغَادي بي َ هاد القطار؟ فين ْغَادي بي؟"
ولأنه يعلم بأن القطارات لا تصغي للأصوات الصغيرة، فقد قفز من الباب ملطخا الممشى بدمائه، ومُعَرّيا المَشْفَى المدني الوحيد بالمدينة من ورقة توته ومعيدا عقارب ساعة البلاد إلى ساعة ربيعها العربي...
القصر الكبير، بتاريخ 19 يوليوز 2011
*************************
محمد سعيد الريحاني، كاتب ومترجم وباحث في الفن والأدب من مواليد 23 ديسمبر 1968، عضو هيأة تحرير "مجلة كتابات إفريقية" الأنغلوفونية African Writing Magazine والصادرة من مدينة بورنموث Bournemouth جنوب إنجلترة، عضو اتحاد كتاب المغرب. صدر له: "الاسم المغربي وإرادة التفرد"، دراسة سيميائية للإسم الفردي (2001) ، "في انتظار الصباح" ، مجموعة قصصية (2003)، "موسم الهجرة إلى أي مكان "، مجموعة قصصية (2006)، "الحاءات الثلاث "، أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة (صادرة في ثلاثة أجزاء على ثلاث سنوات 2006- 2007- 2008)، "تاريخ التلاعب بالامتحانات المهنية في المغرب" (صادر في جزأين 2009- 2011)، "موت المؤلف"، مجموعة قصصية (2010)، "حوار جيلين" (مجموعة قصصية مشتركة مع القاص المغربي إدريس الصغير) 2011...
له قيد الإعداد للطبع: "وراء كل عظيم أقزام" (مجموعة قصصية)، "2011، عام الثورة" (مجموعة قصصية)، "خمسون قصة قصيرة جدا" (مجموعة قصصية)، "التوازي والتعامد في مسارات القصة القصيرة بالعالم العربي" (دراسة مقارنة)، "المدرسة الحائية، مدرسة القصة العربية الغدوية" (حوارات، بيانات، قراءات)...
أشرف على الترجمة الإنجليزية للنصوص القصصية المكونة للقسم المغربي في أنطولوجيا "صوت الأجيال: مختارات من القصة الإفريقية المعاصرة" Speaking for the Generations التي أعدتها جامعة أوليف هارفيه بولاية تشيكاغو الأمريكية ونشرتها دارا نشر "ريد سيه بريس" و"أفريكا وورلد بريس" في ترنتن بولاية نيو جيرزي الأمريكية، يونيو 2010.
كما أشرف على ترجمة خمسين (50) قاصة وقاصا مغربيا إلى اللغة الإنجليزية ضمن أنطولوجيا "الحاءات الثلاث: مختارات من القصة المغربية الجديدة" وهو مشروع ثلاثي الأجزاء صادر في نسخته الورقية العربية على ثلاث سنوات: "أنطولوجيا الحلم المغربي" سنة 2006، "أنطولوجيا الحب" سنة 2007، و"أنطولوجيا الحرية" سنة 2008 تقصد منذ بداياته، تحقيق ثلاث غايات أولها التعريف بالقصة القصيرة المغربية عالميا؛ وثانيها التعبئة بين أوساط المبدعات والمبدعين المغاربة لجعل المغرب يحتل مكانته الأدبية كعاصمة للقصة القصيرة في "المغرب العربي" إلى جانب الجزائر عاصمة الرواية وتونس عاصمة الشعر؛ وثالثها التأسيس ل"المدرسة الحائية"، "مدرسة" قادمة للقصة القصيرة الغدوية عبر هدم آخر قلاع العتمة في الإبداع العربي (الحلم والحب والحرية) واعتماد هده "الحاءات الثلاث" مادة للحكي الغدوي التي بدونها لا يكون الإبداع إبداعا.
عنوان الموقع الإلكتروني: http://www.raihani.ma
العنوان البريدي: ص.ب 251، مدينة القصر الكبير 92150/ المغرب