Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

في الذكرى الثانية والخمسين لثورة الرابع عشر من تموز دروس وعبر القسم الأول 1/2

12 تموز 2010
عندما قامت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم كان في مقدمة القوى التي التفت حول الثورة وقيادتها واحتضنتها وذادت عنها من تآمر القوى البعثية والقومية والعناصر الرجعية المرتبطة بالإمبريالية هي الأحزاب الديمقراطية المتمثلة بالحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان ذلك الموقف لهذه الأحزاب أمر طبيعي حيث كانت تناضل من أجل عراق ديمقراطي متحرر من أية هيمنة أجنبية، وضمان الحقوق والحريات العامة ، وحرية التنظيم الحزبي والنقابي والجمعيات، وحرية الصحافة، وإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة وتشريع دستور دائم للبلاد يضمن كافة حقوق وحريات الشعب بكل فئاته وقومياته، وتولي حكومة دستورية حكم البلاد تكون مسؤولة أمام البرلمان.

لكن الأحداث التي جرت في البلاد والثورة ما تزال في أيامها الأولي عطلت المسيرة الديمقراطية، وأدخلت البلاد في دوامة العنف والعنف المضاد، وأدى بالتالي إلى ارتكاب أخطاء جسيمة من جانب السلطة المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم، ومن جانب الأحزاب الديمقراطية الملتفة حول الثورة، وتحولت المواقف إلى الاختلاف والصراع الذي اضرّ بكل تأكيد بالغ الضرر بمستقبل العراق والحركة الديمقراطية، وأدى في نهاية الأمر إلى اغتيال الثورة، بعد أن استطاعت قوى الردة البعثية والقومية، وأذناب الاستعمار من استغلال التدهور الحاصل في العلاقات بين قيادة الثورة والأحزاب الديمقراطية والتي أدت إلى عزل قيادة الثورة المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم، واستطاعت اغتيال الثورة في انقلاب الثامن من شباط 1963 الفاشي، وإغراق القوى الديمقراطية بالدماء في حملة تصفية لم يشهد لها العراق مثيلاً من قبل.
هل كان هناك مبرراً لوقوع ذلك الصراع بين حلفاء الأمس ؟
من كان السبب فيما جرى ؟
ما هي الأخطاء التي ارتكبتها جميع الأطراف ؟
في حقيقة الأمر أن جميع الأطراف كانت قد ارتكبت الأخطاء التي ما كان ينبغي أن تقع فيها، فالأحزاب الديمقراطية الثلاث كلها تتفق على كون الزعيم عبد الكريم قاسم كان شخصية وطنية صادقة لا شائبة فيها، حارب الاستعمار، وحقق الحرية والاستقلال الحقيقي لوطنه، وتشكلت لأول مرة في تاريخ العراق حكومة وطنية على الضد من إرادة الإمبرياليين.
لقد قاد الزعيم الثورة بدعم وإسناد من هذه القوى، وحقق إنجازات كبيرة في الحقل الوطني، وكان في مقدمة تلك الإنجازات :
1 ـ الخروج من حلف بغداد، وتحرير العراق من الهيمنة الإمبريالية.

2 ـ الخروج من منطقة الإسترليني وتحرير العملة العراقية.

3ـ إصدار قانون الإصلاح الزراعي، وتحرير الفلاحين الذين يشكلون 70% من نفوس العراق، وإنقاذهم من طغيان الإقطاع، وكان القانون يمثل بحق ثورة اجتماعية كبرى.

4 ـ إصدار القانون رقم 80 الذي تم بموجبه سحب 99،5 % من المناطق النفطية من شركات النفط، بعد أن رفضت تلك الشركات استثمارها لمنع حكومة الثورة في استخدام عائداتها في بناء البنية التحية للعراق، والعمل على رفع مستوى معيشة الشعب العراقي.

5ـ إصدار قانون تشكيل شركة النفط الوطنية كي تقوم باستثمار المناطق النفطية المسحوبة من شركات النفط وطنياً، للنهوض بالعراق في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والصحية والتعليمية، ومختلف الخدمات العامة.

6ـ السماح للأحزاب السياسية بممارسة نشاطها بحرية وإطلاق حرية الصحافة وحرية تشكيل المنظمات والنقابات منذ انبثاق الثورة على الرغم من عدم وجود قانون ينظم مسألة تأليف الأحزاب السياسية.

7ـ إزالة حزام الفقر حول بغداد، وتشييد مدينة الثورة، ومدينة الشعلة لإسكان مئات الألوف من الفلاحين الهاربين من ظلم الإقطاعيين وسكنوا تلك الصرائف حول بغداد والتي لا تتوفر فيها أي من الشروط التي تليق بالإنسان.

8 ـ أقامة علاقات اقتصادية وسياسية وفي كافة المجالات الأخرى مع سائر دول العالم على أساس المنافع المشتركة والاحترام المتبادل لسيادة واستقلال العراق.

9ـ أقامة جملة من المشاريع الصناعية التي كان يفتقدها العراق في مختلف الفروع، وامتصاص البطالة التي كانت مستشرية، وعمل جاهداً على رفع مستوى معيشة الشعب.

10ـ توزيع مئات الألوف من الأراضي السكنية على المواطنين من ذوي الدخل المحدود، وتقديم القروض لهم لبناء المساكن فيها، ونشر التعليم في مختلف مناطق العراق من خلال أقامة ألوف المدارس في القرى والأرياف التي كانت محرومة منها.

ولا أريد أن أطيل في تعداد إنجازات الثورة، لكنني أستطيع أن أقول أن الزمان لو طال بعمر الثورة وقائدها الشهيد عبد الكريم قاسم لحقق الكثير والكثير من الإنجازات التي كان يمكن أن تجعل من العراق أرقى بلد في المنطقة.

فالزعيم عبد الكريم قاسم، كما يتفق الجميع، وحتى أعدائه، لم يحقق أي مصلحة لنفسه أو لعائلته، لم يبني له قصراً، ولا حتى داراً متواضعة، ولم يتخذ له ديواناً ضخماً، ولم يتملك شيئا، ولم يتنقل بمواكب ضخمة من الحراسة والحماية، فقد كان محبوباً من قبل الشعب، كما كان حريصاً على أموال الشعب وكان إنساناً بسيطاً ومتواضعاً كأي مواطن آخر، ولقد قُدر لي أن أزوره في مقره بوزارة الدفاع ضمن وفد لنقابة المعلمين في أواخر شهر شباط عام 1959، واطلعنا على مقره البسيط، وغرفة نومه المتواضعة جداً.
عبد الكريم قاسم لم يكن يحمل فكراً شوفينياً، بل على العكس من ذلك كان على علاقة مع العديد من الشخصيات الديمقراطية المعروفة، وعلى صلة بالأحزاب الوطنية ذات الخط الديمقراطي، وقد أبلغ عدد من أولئك القادة الوطنيين بموعد الثورة، وضم العديد منهم في حكومته.

إذا الطرفان المتمثلان بالسلطة بقيادة عبد الكريم قاسم والأحزاب الديمقراطية الثلاث الوارد ذكرها يمثلان قوى وطنية، وأن أي تناقض بين هذه القوى يعتبر تناقض ثانوي، في حين أن القوى القومية التي تخلت عن جبهة الإتحاد الوطني وانسحبت من الحكومة، وتآمرت على ثورة تموز وقيادتها، مستخدمة أسلوب العنف لاغتصاب السلطة كانت قد فقدت صفتها الوطنية، وبذلك أصبح التناقض بينها وبين سلطة الثورة والأحزاب الديمقراطية الثلاث يمثل في واقع الأمر تناقضاً أساسياً .
كان على أطراف السلطة المتمثلة بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، والأحزاب الديمقراطية الثلاث[الحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الشيوعي، والحزب الديمقراطي الكردستاني] أن تدرك المخاطر الحقيقية التي تمثلها تلك القوى المتآمرة على الثورة، والقوى التي تقف وراءها وتدعمها، والمتمثلة بالولايات المتحدة وبريطانيا بالإضافة إلى حكومة عبد الناصر، فالجميع كانوا في حقيقة الأمر في سفينة واحدة، والمتمثلة بالثورة، وأن غرقها سيعني بلا شك غرق الجميع، وهذا هو الذي حدث بالفعل بعد نجاح انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963، حيث لم تسلم أي من هذه القوى من بطش السلطة الانقلابية.

لماذا حدث كل هذا ؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك ؟

إنصافاً للحقيقة أستطيع القول أن الجميع وبلا استثناء كانوا مسؤولين عما حدث، واليوم وبعد مضي 52 عاماً على حلول تلك الكارثة التي حلت بشعبنا العراقي بعربه وكورده وسائر مكوناته الأخرى نتيجة ذلك الانقلاب الدموي الفاشي فإن استذكار مسببات ذلك الحدث أمرٌ هام جداً يستحق الدراسة والتمحيص للخروج بالدروس البليغة للحركة الوطنية لكي لا تقع بمثل تلك الأخطاء من جديد .
لقد أخطأت الأحزاب الوطنية في طريقة تعاملها مع الزعيم عبد الكريم قاسم، وتغليب التناقض الثانوي على التناقض الرئيسي.
وفي الوقت نفسه أخطأ الزعيم عبد الكريم قاسم في تعامله مع هذه القوى الوطنية ظناً منه أن الأخطار تأتيه من جانب اليسار وليس من جانب القوى التي مارست ونفذت الحركات التآمرية ضد الثورة وقيادتها فعلياً.
لكن الذي لا يجب إغفاله أن الزعيم عبد الكريم كان فرداً أولاً، وكان قريب عهد في السياسة ثانياً ، فلم يكن مركزه العسكري يمكنه من مزاولة أي نشاط سياسي، وعليه فإن احتمالات وقوعه بالخطأ كبيرة شئنا ذلك أم أبينا.

لكن الأحزاب السياسية التي تقودها لجان مركزية، ومكاتب سياسية كانت قد تمرست في النشاط السياسي، وهي تجتمع لتدارس وتمحيص القرارات السياسية قبل اتخاذها، فإن وقوعها في الخطأ ينبغي أن يكون في أضيق الحدود إن وقع، مع تحمل المسؤولية عن ذلك، إذ من المفروض إن تحرص على عدم الوقوع في الخطأ، ولاسيما حينما يتعلق الخطأ بمستقبل ومصير شعب بأكمله !!.

ولكون الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم كان في قمة السلطة فقد كان بإمكانه أن يفعل الكثير من أجل صيانة الثورة والحفاظ على لحمة الصف الوطني واليقظة والحذر من غدر قوى الردة، لكنه لم يدرك خطورة الموقف، ووقع في تلك الأخطاء الخطيرة والتي يمكن أن نلخصها بالتالي :

أخطاء الزعيم عبد الكريم قاسم:

1 ـ لقد اخطأ الزعيم عبد الكريم في سياسة عفا الله عما سلف، وسياسة فوق الميول وفوق الاتجاهات، وعفا عن الذين تآمروا عليه وعلى الثورة جميعاً، وأطلق سراحهم في محاولة منه لخلق حالة من التوازن بين القوى الوطنية المساندة للثورة، والقوى الساعية لاغتيالها، وكان ذلك الموقف خطأً قاتلاً يتحمل مسؤوليته الكاملة.

2 ـ لقد اعتقد عبد الكريم قاسم أن الخطر الحقيقي يأتيه من قوى اليسار[القوى الديمقراطية]، وبوجه خاص من [الحزب الشيوعي] الذي وقع في أخطاء عديدة ما كان له أن يقع فيها، والتي سأتناولها في الحلقة الثانية بحيث أصبحت لدى الزعيم القناعة أن الحزب الشيوعي قد بات قاب قوسين أو أدنى من انتزاع السلطة منه، ومما زاد في قناعة الزعيم هذا الموقف الذي وقفته القيادة اليمينية للحزب الوطني الديمقراطي بغياب زعيم الحزب المرحوم كامل الجادرجي، والتي أدخلت في روعه الخطورة التي بات يمثلها الحزب الشيوعي على سلطته، وتهويل القوى الإمبريالية من خطورة الأوضاع في العراق، وتنامي قوة الحزب الشيوعي، وتخويف الزعيم عبد الكريم من نوايا الحزب ، وإلحاح قيادة الحزب على إشراكه في السلطة، فقرر تقليم أظافر الحزب، وأضعاف نفوذه الطاغي في الشارع العراقي آنذاك، وكانت باكورة إجراءاته سحب السلاح من المقاومة الشعبية، ومن ثم إلغائها، ولو كانت المقاومة باقية يوم الثامن من شباط لما تسنى للانقلابيين النجاح في انقلابهم .

لقد كان رد فعل الزعيم يمثل الرد على تلك الأخطاء بخطأ أعظم وأفدح حيث افتقد قوى واسعة ومؤثرة أكبر التأثير في الساحة العراقية، وعزل نفسه عن الشعب، مما سهل للانقلابيين تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة في الثامن من شباط 1963.

3 ـ لقد اخطأ الزعيم في أسلوب التعامل مع المسألة الكردية وضرورة اللجوء للحل السلمي، وتجنب الحرب، والاستماع إلى نصيحة الحزب الشيوعي في هذا الصدد.
وفي المقابل أخطأت القيادة الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني في جر الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى تلك الحركة التي قادها الإقطاعيان [رشيد لولان] و[عباس مامند]، وحمل السلاح بوجه السلطة الوطنية، ولجوء السلطة إلى القوة العسكرية لحل التناقض مع الأكراد، مما سبب إضعافاً خطيراً للسلطة وشق جبهة الاتحاد الوطني، ودفع الحزب الديمقراطي الكردستاني للتعاون مع انقلابيي 8 شباط، ومع التمرد الرجعي لرشيد لولان وعباس مامند المدعم من قبل الإمبريالية الأمريكية وحليفها [شاه إيران].
ففي الفترة بين 20 ـ 23 تموز أجتمع السفير الأمريكي في طهران [ هولمز] بالشيوخ المتمردين، وتم إرسال [ علي حسين أغا المنكوري ] على رأس عصابة مسلحة بالأسلحة الأمريكية، وبإشراف خبراء أمريكان، ليفرض سيطرته على ناحية [تاودست ] ، كما أعترف الأسرى من المتمردين بأنهم يحصلون على العون والأسلحة من الولايات المتحدة، وبريطانيا عن طريق إيران .
قاد الحزب الشيوعي حملة واسعة النطاق شملت كافة أنحاء العراق تحت شعار [ السلم في كردستان والديمقراطية للعراق ]، وقد جوبهت تلك الحركة من قبل السلطة بالعنف والاعتقالات والسجون.

وعلى الرغم من أن الزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن يحمل أفكاراً شوفينية تجاه القومية الكردية، وأن استقباله للسيد مصطفى البارزاني، ورفاقه العائدين من الاتحاد السوفيتي، وتكريمهم، والتأكيد على الحقوق القومية للشعب الكردي في الدستور المؤقت، كل ذلك يؤكد هذا الموقف لدى الزعيم.
لكن القيادة الكردية انزلقت نحو التعاون مع تلك القوى القومية التي نفذت انقلاب شباط 963، والتي كانت غارقة في شوفينيتها، وكراهيتها للشعب الكردي، والتي خدعت القيادة الكردية بوعود شفهية كاذبة، ولم تصبر على المباشرة بقمع الحركة الكردية بعد نجاح انقلابها سوى أقل من أربعة أشهر، منزلة الخراب والدمار بكردستان بشكل وحشي يندى له جبين الإنسانية.

4 ـ لقد اخطأ عبد الكريم قاسم في تقييمه لمسألة الصراع مع القوى المضادة للثورة، الذي أججته قرارات الثورة، وخاصة فيما يخص قانون الإصلاح الزراعي، الذي أحدث ثورة اجتماعية حقيقية سلبت السلطة من الإقطاعيين دعائم الإمبريالية.
ولذلك فقد بدأ الرجعيون والإقطاعيون، وكل المتضررين من ثورة تموز بتجميع صفوفهم، وبعث نشاطهم من جديد، على أثر الموقف الذي أتخذه عبد الكريم قاسم من الشيوعيين، والقوى القومية الكردية.
لقد استغلت الرجعية المتحالفة مع الإمبرياليين الأمريكيين والبريطانيين تلك الظروف من أجل تنفيذ هجمتها الشرسة ضد القوى الديمقراطية سند الثورة وحاميها، وإضعاف السلطة، وعزلها عن الشعب.

5 ـ لقد أخطأ عبد الكريم قاسم في تقييمه لخطورة الصراع مع شركات النفط، من أجل انتزاع حقوق العراق في ثروته النفطية، والحفاظ على استقلاله الوطني، وإصداره القانون رقم 80 لسنة 1961، والذي أنتزع بموجبه 99,5 % من مناطق امتياز تلك الشركات من سيطرة شركات النفط الاحتكارية، والعمل على استغلالها وطنياً.
لقد كان الصراع على أشده مع شركات النفط، وتبادل الطرفان التهديدات، وكان آخر كلمة لوفد شركات النفط هي التحدي، وكان الوفد يعني ما يقول، فكانت مؤامرتهم الدنيئة على ثورة 14 تموز وقيادتها، والأمر المؤسف حقاً هو أن عبد الكريم قاسم لم يأخذ الحيطة والحذر من أحابيل ومؤامرات شركات النفط .

لقد كان على عبد الكريم قاسم أن يُدخل في صراعه مع شركات النفط محصناً بجبهة شعبية قوية قوامها هذه الأحزاب الوطنية والديمقراطية تقف إلى جانبه وتدعم موقفه، لا أن يدخل في صراع معها غير مبرر إطلاقاً فتستغل الإمبريالية موقفه الضعيف لتنفذ مؤامرتها الدنيئة بنجاح في الثامن من شباط 1963.

6 ـ لقد اخطأ الزعيم عبد الكريم قاسم بلجوئه إلى القوة العسكرية لحل التناقض مع قيادة الحركة الكردية، مما سبب إضعافاً خطيراً للسلطة، وشق جبهة الاتحاد الوطني، ودفع الحزب الديمقراطي الكردستاني للتعاون مع انقلابيي 8 شباط 1963لإسقاط الثورة.
وفي بداية عام 963 ، عندما كانت الحرب تدور في كردستان، كنت آنذاك في مدينة السليمانية، إحدى أكبر مدن كردستان، أتابع مجريات تلك الحرب، وأتحسر على ما آلت إليه الأمور في بلادي، حيث يقتل الوطنيون بعضهم بعضاً، على الرغم من قيام الحزب الشيوعي بحملة واسعة شملت كافة أنحاء العراق مطالباً بالسلم في كردستان، والديمقراطية للعراق، وأدى موقفه هذا لتعرض رفاقه إلى حملة اعتقالات ومحاكمات للعديد منهم حيث حكم عليهم بالسجن لسنوات، ولقد كان لي شرف المشاركة في تلك الحملة، وتعرضت نتيجة ذلك للاعتقال من قبل قوات الجيش في السليمانية، وتعرضت لتعذيب وحشي على أيدي أولئك الضباط الشوفينيين المجرمين بقيادة جلاد الشعب الكردي الزعيم[ صديق مصطفى ] وآمر الانضباط العسكري المجرم [ رشيد علوان المهداوي ] اللذين كان لهما دوراً فاعلاً في انقلاب 8 شباط 1963.
وهكذا أصبح النظام منعزلاً وجهاً لوجه أمام مؤامرات الإمبريالية وعملائها، وبذلك يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية في إيصال الأمور مع القيادة الكردية إلى مرحلة الصراع المسلح.

7ـ اعتماد عبد الكريم قاسم على جهاز أمن النظام الملكي السابق، الذي لم يجر عليه أي تغيير، سوى إحالة 45 من ضباط الأمن على التقاعد، ومعلوم أن ذلك الجهاز الذي أنشأته ورعته الإمبريالية وعملائها الحاكمون في بغداد آنذاك، لم يكن يدين بالولاء للثورة، ولا لزعيمها عبد الكريم قاسم، وكان له دور كبير في إخفاء نشاطات القوى الرجعية، والحركات التآمرية ضد السلطة، وحماية المتآمرين.
ومما يؤكد ذلك هو الحديث الذي جرى مع مدير الأمن العام [مجيد عبد الجليل] الذي جيء به إلى دار الإذاعة، التي اتخذها الانقلابيون مقراً لهم، وقام علي صالح السعدي، أمين سر حزب البعث، بالبصق في وجهه، فما كان من مدير الأمن العام إلا أن قال له: { لماذا تبصق في وجهي ؟ فلولاي لما نجح الانقلاب}.
وهذا خير دليل على عدم أمانة ذلك الجهاز الذي أعتمد عليه عبد الكريم قاسم .
ولم يكن جهاز الاستخبارات العسكرية بأحسن حال من جهاز الأمن، والذي أنيط به حماية الثورة من المتآمرين، وتبين فيما بعد أن ذلك الجهاز كان ملغماً بالعناصر المعادية للثورة، وكان على رأسهم، رئيس الجهاز[محسن الرفيعي] ومن قبله [ رفعت الحاج سري] الذي ثبت للمحكمة اشتراكه في الحركة الانقلابية للعقيد الشواف بالموصل، وحكم عليه بالإعدام، ونفذ الحكم فيه.

كما أن موقف رئيس أركان الجيش، والحاكم العسكري العام [أحمد صالح العبدي] المتخاذل دل على مساومة الانقلابيين، والسكوت عن تحركاتهم، فلم ينل منهم أذى، وأطلق سراحه بعد أيام قلائل، فيما جرى إعدام كل المخلصين لثورة تموز وقيادتها .

8 ـ إطالة فترة الانتقال وإجراء الانتخابات وتشريع الدستور الدائم :

كانت إطالة الفترة الانتقالية والتأخر في إجراء الانتخابات العامة وتشريع دستور دائم للبلاد، والتي استغرقت 4 سنوات، أحد العوامل الرئيسية في نشوب الخلافات بين القوى الوطنية والسلطة المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم، وتحول الخلافات نحو الصراع بين الأطراف الوطنية والسلطة.
لم يكن هناك مبرر لإطالة فترة الانتقال طيلة هذه المدة، وكان بالإمكان اختزالها لمدة أقصاها سنتين، والتوجه نحو إجراء انتخاب مجلس تأسيسي يأخذ على عاتقه تشريع دستور دائم للبلاد، وعرضه على الشعب في استفتاء عام، ليتم بعد ذلك قيام حكومة ديمقراطية تمثل إرادة الشعب.

ولم يكن هناك ما يخيف الزعيم عبد الكريم قاسم على موقعه كقائد لثورة 14 تموز، حيث كان يتمتع بشعبية كبرى لم يتمتع بمثلها أي زعيم عراقي أو عربي من قبل، وكنت على يقين أن الزعيم عبد الكريم قاسم لو شاء أن يشكل له حزباً سياسياً آنذاك، ويشارك في الانتخابات فإن حزبه كان سيفوز على جميع الأحزاب، ولست أنا من يقول ذلك فقط، بل أن الحزب الشيوعي الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في البلاد أعترف في أدبياته ونشراته الداخلية في رده على الأفكار والدعوات التي ظهرت في صفوف الحزب داعية إلى استلام السلطة أن هذه الشعبية التي نشهدها في الشارع العراقي هي شعبية الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان يمجده الشعب.
لكن الزعيم عبد الكريم شاء أن يختار لنفسه أن يكون [فوق الميول وفوق الاتجاهات]!،[وسياسة عفا الله عما سلف] وأطلق سراح المتآمرين المحكومين بالإعدام الذين أطلقوا عليه الرصاص في رأس القرية، وفي الوقت نفسه أصدر أمره بتنفيذ حكم الإعدام بحق الشهيد الشيوعي [ منذر أبو العيس]، وحاول أن يخلق نوعاً من التوازن بين حماة الثورة والمدافعين عنها، والحريصين على صيانتها، وبين الذين تآمروا عليها وحاولوا مراراً وتكراراً إسقاطها، والوثوب على الحكم، وهذه هي إحدى أخطائه الجسيمة التي أوصلته إلى تلك النهاية المحزنة، وأوصلت الشعب العراقي إلى الكارثة التي شهدناها وما زلنا نشهدها منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.

Opinions