فـائق بطي . . تذكرت أنت وجعلتـني أتذكـر
تابعـت بشـغف الحلقات الأربع التي بثّـتها ( قنـاة عشـتار ) مع أشـهر صحافي معاصر ملتـزم في العراق بقـلمه الذي ظلّ محافظا بشـموخ على أسـلوبه القـويم في كل العهـود التي مـرّت على العراق منـذ خمسـينيات الملكية وحتى اليـوم . . بعـنوان ( آخـر الفرسـان الأربعة ) والمقصود بالفرسـان الأربعة أشـقائه الثلاثة بديع وكمال وسـامي وهـو . . وبديع كان أكبرهم ، وهـو الوحيد الذي لم أتعـرف عليه لأنـه ـ بحسب علمي غادر إلى الولايات المتحدة واسـتقر هناك قبل أن أتحرك صحافيا ، أمـا كمال فقـد كانت علاقتي وثيقة بـه من خلال رئاسته لتحرير صحيفة ( بغداد أوبزرفر ) التي كنت أنشـر فيها وألتـقي معـه باستمرار ونتحدث في كثيـر من الأمور ، وسـامي كان في الوقت الذي تعرفت عليه يعمل في كلية بغداد وقد جرت معرفتنا أثناء لقائنا في دار عائلة من جيراني كانت بيننا صداقة جوار وزيارات . .وأمـا فائق ، الذي بدأت لقاءاتي معـه أثناء وجوده في هيئة رئاسة نقابة الصحـفيين العراقيين ، وتوطدت هذه الصداقة حين سـافرنا معـا إلى يوغوسلافيا لعقـد اتفاق بين النقابة العراقية واتحاد الصحـفيين اليوغوسلاف ، خصوصا أنـنا كنّـا لوحدنا من دون أن يكون معنا طفيلي من الذين طرأوا على الصحافة في تلك الفترة ( وإن كنت تعرفت عليه ، وأنا طالب ، من كتاباته في البلاد أثناء وجوده في مصر حيث كان بالنسبة لي ، هـو وسلوى زكو ، من أفضل من كنت أقـرأ لهم في ذلك الوقت وأتذكرهم ، إذ كنت أنا أيضا أنشر في البلاد قسـما من كتاباتي الأولية في حيـنه التي كانت تتناسب مع مرحلتي الحياتية والكتابية تلـك ) .
ويسـعدني ، أن الأخ فائق تطرق إلـيّ بالوضوح نفسـه الذي تحدث به في كل حلقات حكاية عمره ، خلال تناوله رحلتنا سـويا إلى يوغوسلافيا عام 1976 ، وسـعادتي أيضا أنه على رغم معاناته بعد فترة قصيرة من تلك الرحلة ، أنه لايزال يحتـفظ بالصورة التي تجمعنا مع مرافقنا اليوغوسلافي ( وكان أستاذا في الصحافة ) عند ضريح الجندي اليوغوسلافي المجهول فوق مرتفع ( أفـالا ) جنوب بلغراد والتي تـمّ عرضها خلال حديثـه مرتين . . وهي الصورة التي لاأزال أنا أحتفظ بها أيضا على رغم ملاحقتي من قبل أجهزة الأمن العراقية منذ 1990 وعدم تمكني من دخول العراق حتى سقوط النظام المقيت ، إضافة إلى طلب السفارة العراقية في بلغراد عام 1993 طردي إلى خارج صربيا ومنعي من دخولها ما اضطرني للإنتـقال إلى سـكوبيا . . وقال الأخ فائق عن رحلتـنا معـا بحسب ما استطعت أن أدونـه :
(( قسـم مـن الذين كانوا يأتون ( مع الوفود الصحافية ) عناصر غير صحافية باسم صحـافيين ، ولغايات خاصة ، بـس قسـم آخر كانوا صحافيين وكانوا متعاونين ، أذكر مرة من المرات ، كان لقـاء بين نقابة الصحـفيين العراقيين ونقابة الصحـفيين في يوغوسلافيا ، وكان معي محرر جريدة الثورة ، وكان من المعنيين بالعمل النقابي ، ذهبنا إلى يوغوسلافيا على أساس نوقع اتفاق بيننا وبينهم ، اتفاق تعاون بين النقابتين ، جاء معي صديقي جميل روفائيل ، ذهبنا إلى يوغوسلافيا على أساس نوقع اتفاق تعاون بين النقابتين ، عندما قرأت البيان الختامي الذي وضعه اليوغوسلاف لنوقـعه ، في ذلك الوقت كان موضوع فلسطين ، ولازم نذكر في أي بيان يصدر عن نقابة الصحـفيين حول قضية فلسطين ، فقـلت لنقيب الصحـفيين ( اليوغوسلاف ) يجب أن يتضمن البيان عن قضية فلسطين وحق الشعب الفلسطيني ، وإذا عندكم علاقات مع اسرائيل فهذه ليست مسألتنا ، نحن نريد أن نثبت هـذا في اتفاق التعاون ، المهم رضـوا وقالوا نحن نوقع ، والمهم بعدما رجعنا إلى بغداد ، بعد كم يوم جاءني الأخ جميل روفائيل وقال لي : إقـرأ هـذا الشـئ ، قلت ما هـو ؟ قال : إقـرأه ، قلت : جميل شـنو هـو ، قـال : إقـرأه هـو تقـرير عـن زيارتنا ، قلت : جميل هـاي أنـا ليس لـي علاقة بـها ، قـال : لا هذا فائدة إلـك ، قلـت : لاتوجد كل فائدة لي أنـا عملت الواجب علي ، قـال : لا ، أفضل لأن هـم قالـوا لي نريد إعلام عـن زيارتكم ، يريدون معلومات عـن هذه الزيارة ، المهم قرأته ، قلـت : صحيح هـو شـهادة ولكن هذا شـئ ليس على خاطرهم هـذا شـئ أنـا معـتـقد بـه )) .
الحقيقـة ، أن مـا ذكره الأخ فائق هـو الحقيقـة بعيـنها ، ككـل ما تحدث بـه مـن أمـور في حلقـاته الأربع ، وهـو ملخص عـام لمـا دار بينـنا من حديث في شـأن القضية التي تناولها ، علمـا أنـه تـمّ اختياري للسفر مع الأخ فائق من قبل نقابة الصحفيين العراقيين لأنـني كنت عضوا في ( لجنة العلاقات الخارجية بالنقابة ) وأثبتّ جدارة في مؤتمرات النقابة التي أشرفت على راحة ضيوفها ، وكان غالبية أعضاء لجنة العلاقات الخارجية من ذوي الإتجاه اليساري ، إذ كانت ترأس اللجنة عضو مجلس النقابة سلوى زكو ومن أعضائها سـعود الناصري ( جريدة الجمهورية ) وفالح عبدالجبار ( طريق الشعب ) وهم يساريون ، وكنت أنا ( الثورة ) وسـعيد القدسي ( التآخي ، العراق ) من غير المنتمين سياسيا ، بينما كان الآخرون من وكالة الأنباء العراقية وألف باء وغيرها من البعثيـين أشـباه الصحافيين ( وبالمناسبة لأن كثيرين لايزالون يستبعدون أن يكون قـد عمل في الثورة من لم يكـن بعثيا ، أوضح أنـه في ذلك الوقت 1976 كان كثيرون يعملون في الثورة من دون الإنتماء للبعث ، منهم على سـبيل المثال لا الحصـر : عـزيز سـباهي ( رئيس القسم الزراعي في الجريدة وكان شيوعيا معروفا ) و يوسف متي ( محرر حقل حديث الناس ، وكان سابقا عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وهو قاص وأديب مشهور ، وقتل البعثيون عام 1963 ابنه خلدون ولهذا كان يوقع حقله باسم أبو خلدون وكان قد التحق بالثورة الكردية وأصبح قاضيا للثورة باسم خضر لأنه بالأصل محامي وعاد إلى بغداد بعد بيان آذار 1970 وعمل في الثورة وكان دائما محافظا على فكره اليساري ) و غازي العبادي ( محرر القسم الأدبي ، وهو قاص وناقد معروف ) ورياض شابا ( رئيس قسم التحقيقات ) وانعام كجه جي ( رئيسة قسم المنوعات ) ونزار عباس ( في القسم الأدبي ) وحسب اللـه يحيى ( في القسم الأدبي ، وهو شقيق الشهيد وعد اللـه النجار عام 1963 في الموصل ) . . ولم يحصل ضغط في الثورة للإنتماء إلى البعث إلاّ بعد عام 1978 حين أصبح هاني وهيب مديرا عاما للثورة ، ولهذا ترك الثورة غالبية غير المنتمين للبعث بين 1978 و1980 وبينهم أنا ، في حين أضطر الآخرون للدخول في تنظيم الصف الوطني التابع للبعث من دون واجبات حزبيـة .
وأواصـل ، وحين تـمّ اختياري لمرافقة عضو مجلس النقابة الزميل فائق ، جاء ذلك لأنني في لجنة العلاقات الخارجية وصحافي معروف وغير محسوب على الإنتماء ، وتـم طرح اسمي في مجلس النقابة وكان نائبا للنقيب صاحب حسين السماوي ( نائب رئيس تحريـر الثورة في حينه ) وجرى أخذ رأيه باعتباري محررا في الثورة ، فجاوب : أنا موافق جميل جيد . . وكانت سـعادتي كبيـرة حين تم إبلاغي بأنني سأكون مع الأخ فائق في رحلة وليس معنا طفيـلي أو من هـم مزعجون .
عنـد عـودتنا ، كما كان المعمول به في الثورة ، ذهبت عند السيد صاحب حسين السماوي لأعلمـه بعودتي ، فقال لـي كيف كانت سـفرتكم ؟ قلت جيدة وأن الأستاذ فائق كان ماهرا في المحادثات مع اليوغوسلاف ، قال : كيـف ؟ فأوضحت له إدخال قضية فلسطين في الإتفاق ، فقال : هذه مسألة مهمة وأن جهود الزميل فائق مشكورة الأفضل أن تكتبها في تقرير عن الرحلة وتقدمها للنقابة ليكون لها علم بها لأنه لاأعتقد أن الزميل فائق سيذكرها حين اجتماع مجلس النقابة ، قلت : أستاذ بس أنا ما عندي شئ آخر أكتبه لكي يصبح تقريرا فكل الأمور كانت جيدة وتعاوننا كان على أحسن مايرام وأن إدخال فلسطين تم من قبل الأستاذ فائق باعتباره عضو مجلس النقابة وكنت أنا في غالب الأحيان مسـتمعا ومؤيدا لـه ، فقال : هذا كافي لتكتبه ، أكتب عن تعاونكم باعتبارك أنت في الثورة جريدة البعث وهو في الإتجاه الآخر وجهود الأستاذ فائق في توقيع اليوغوسلاف على قضية فلسطين في الإتفاق ، قلت : صـار أستاذ . . فكتبت التقرير في شأن تعاوننا ونجاح مهمتنا ومهارة الإستاذ فائق في المحادثات وإدخال قضية فلسطين في اتفاق التعاون على رغم تحفظ اليوغوسلاف الأولي على ذلك ، وذهبت إلى النقابة وسلمت على الأخ فائق وحصل ما ذكره باختـصار في لقاء عشتار معه . . ثـم مباشرة سلمت التقـرير إلى سكرتير النقابة ضيـاء حسـن .
وهنـا يسـرني أن أذكر ، أن كثيرا ما كان يتصور الأصدقاء اليوغوسلاف أنـنا أخـوان ، باعتبار اسـمه فائق روفائيل واسـمي جميل روفائيل . . وبالمناسبة ، كثيرا ما يعتبرني قسـم من العراقيين الذين ألتـقي بهم بأنني أحد أبناء روفائيل بطي ، وطبعا أوضح لهم الأمر مع اعتـزازي بروفائيل بطي ومكانته السياسية والأدبيـة والصحافية وكذلك أبنائه الذين تشرفت بالتعرف عليهم فائق وأخويه كمال وسـامي . . وكانت رحلتي مع الأخ فائق أكثر من ممتعة ومفيدة ، فقـد حدثني خلال استراحاتنا بالفندق في بلغراد عن الكثير ممـا ورد ( حتى ذلك التأريخ 1976 ) في لقائه مع عشتار بتفاصيلها وأمورا أخرى من غيـر التي وردت في لقائه مثل حياته بعد عودته من مصر ومشاكله مع الأمن ومنها عندما وضع الأمن في زمن عبدالكريم قاسم قنبلة في حديقة مبنى جريدة البلاد لإيجاد ذريعة لاتهام أصحاب الجريدة . . وغير ذلك ، ومع أنـني لـم ألتـق بالأخ فائق منذ مغادرته العراق بعد رحلتنا بسنة أو سنتين ، إلاّ أنـني كنت أتابع وضعه من خلال أحاديثي الهاتفية مع الصديق المرحوم سـعود الناصري خصوصا بعد انتقاله إلى لنـدن .
لاشـك ، إنـها التـفاتة مهمة من عشـتار أن تلتـقي في أربع حلقـات مع عراقي ملتـزم ومعروف وشهير مثل الأستاذ فائق بطـي الذي عـانى معاناة الخارج وعـاد إلى الوطن شـامخ الـرأس ، هـذه المعاناة الخارجية وغربتـها التي يتـشبث بها البعض ويروج بأساليب متنـوعة للحاق بـها على رغم كوارثها . . وأيضا من العجب العجاب من المسؤولين الرئيسـيين عن عشـتار أن يكرروا إعـادة عرض الأغاني المزعجة المستوردة ذات الجواري وما شـابهها واللقاءات التي نراها تافهة من فرنسا وستوكهولم وأميركا في حيـن يتجاهلون إعادة عرض مواضيع مهمة ورائعة مثل لقاء الأستاذ فائق ولقاءات منبر عشتار وبرامج العودة إلى الطبيعة وطبيبك على الهواء وكاليري عشتار ومواد الباحث بنيامين حداد . . والأتعس أن نسمع بأن عشتار تفتـقر إلى المال في الوقت الذي نـرى بـذخـا غيـر اعتـيادي في صرف المال لسـبعة مراسـلين لعشتار فـي الخـارج ( شيكاغو وديترويت والسويد وكندا وفرنسا واستراليا ولندن ) كل منهم يقـدم ما معـدله بيـن مادتيـن وسـت مـواد أسبوعيا إضافة إلى ذلك الطلب منهم في كتاب بتحية طيبة في 4 / 12 / 2008 إجراء لقاءات حتى مع الأطفال من كافة الأعمار لتقديم التهاني بمناسبة ذكرى تأسيس القناة وأعياد الميلاد ، والشراء المتنوع غير المفيد من الخارج ( أغاني ، أفلام ، كارتون ، عبقـريات ، رياضة . . ألخ ) والبخـل في الصرف لانتاج البرامج في الداخل على أسـس المثـل الشعبي المتداول ( قـس البـيت مـا تنـباس إيـده ) أم هناك سبب آخر متعمد خارج إطار هذا المثـل لانعرفه حاليـا لأنه من غموض الأسـرار التي قـد تنكشـف يوما وتزول علامات الإسـتـفهام ؟ !!!
ما أقولـه ليس غريبا وللمرة الأولى ، فقـد قلت نفسـه أو ما شـابهه حين لقـاء عشتار معي أثناء وجودي في العراق الصيف الماضي وكررته في كتاباتي ، لأنـني أرى أن من حقنا ـ غيري وأنـا ـ أن نبدي رأينا ونقـول كلمتنا ، مـا دمنا نرى أن عشـتار هـي ملـك لكل شـعبنا ( هي وأي فضائية أو وسيلة إعلامية لشعبنا وقلـته في قناة آشـور كتابـة وللمسـؤولين فيها بأن وضع آشور صار ينـذر بنهايتها القريبة ، فأجابني أحد مسؤولي زوعا في حينه إذا تحقق ما تقول ستكون كارثة ، قلت حذرت والباقي عليكم ) أجل عشتار هي ملـك لكل شـعبنا ، وليست ملكا لأولئك القـلة المستـفيدين من نعمها في مقـر عشتـار . . الذين ـ كما نشـعر ـ أنهم لايقـرأون ولا يسـمعون ما يُـكتب ( جميل وغيره ) وما يُـقـال عـن عشتار ، أو على الأرجح أنـه لا يهمهم . . ولكن إلى متى ! سـنـنتـظر لنـرى .