قضايا تستحق الكفاح
يبدو ان من يصدر القرارات التي تنتهك الحريات العامة، لم يتمعن كثيرا في المادة (46) في الدستور، التي تنص على ان "لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية).وليس من يجهل ان مجلس النواب السابق لم يشرع قوانين يُغلـَق بموجبها نادي اتحاد الأدباء، وتـُرفع خيمة السيرك في البصرة، ويمنع عزف الموسيقى في مهرجان بابل. اما مجلس النواب الحالي فلم ينته بعد من إقرار نظامه الداخلي وتحديد صلاحيات رئيسه. وعندما ينجز ذلك، سيطالبه الناخبون بتشريع قوانين لا تحتمل التأجيل، تؤمن للشعب أوليات حياته وسلامته، ومنها ما يسهم في التخفيف من حدة الفقر، ويؤسس للضمان الاجتماعي، وبينها قانون العمل، والتشريعات الضرورية لحماية الإنتاج الوطني الصناعي والزراعي، وتحسين مناهج التعليم بكافة مراحله، وتطوير السياحة وغير ذلك. كما سيطالبونه بممارسة دوره الرقابي لحماية المواطن، وتحقيق الأمان، وتوفير الخدمات وتحسينها كما ونوعا.
فأي قانون يا ترى تم الاستناد إليه، في التجاوز على الحريات المدنية؟
ربما لا يزال البعض ينظر الى ما صدر عن الدكتاتور، يوم كان يجهد لترميم دكتاتوريته المتصدعة بفعل السياسات الطائشة التي انتهجها، والقرارات الارتجالية التي اتخذها، وغير هذا وذاك من العوامل، باعتباره قانونا. وربما ما زال من يتخذ قرارات انتهاك الحريات ينهل من تلك القوانين والقرارات الجائرة، التي أنتجتها عقلية الاستبداد بـجرة قلم. فالقانون هو ما يقوله صدام حسين. ومَثـَل ذلك القرار المرقم 82 لسنة 1994، ذو الهدف معروف الاتجاه والأبعاد.
لذا لا يعد امر انتهاك الحريات المدنية قضية قانونية. فليس هناك في هذا الميدان قانون شرع، غير قرارات الدكتاتورية المبادة، والتي يبدو ان التذكير بطبيعتها الاستبدادية مهمة قائمة ومستمرة .. حتى لا ننسى! كما ان جعل المعركة من اجل الحريات المدنية محصورة بعناوين النوادي الاجتماعية، هو اختصار للموضوع، واجتزاء للصراع. فالموضوع يتعلق بحرية الإنسان وحقوقه، ومن غير الصحيح حصر الصراع بين طرفين، احدهما بعض أعضاء مجالس المحافظات وحسب. فالفقرة (اولا) من المادة الثانية من قانون مجالس المحافظات تنص على ان: (مجلس المحافظة هو أعلى سلطة تشريعية ورقابية ضمن الحدود الإدارية للمحافظة لها حق إصدار التشريعات المحلية في حدود المحافظة بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية).
لذا فليس هذا هو عنوان الصراع وتجلياته، بل يكمن الامر في مجال اخر .. بين قوى تفهم الديمقراطية كقيمة ونظام يحترم الإنسان ويقر بحقوقه ولا يسمح بالاعتداء عليها، وبين قوى تستفيد من بعض آليات الديمقراطية التي توصلها الى السلطة، كي تسلك من خلالها نهجا آخر غير ذاك التي أعلنت عنه في برامجها الانتخابية وبشرت به .. وموّهت به نواياها الحقيقية، الاستبدادية!.
لقد أخذت مفردة الحرية مساحة واسعة من نظريات كبار مفكري الإنسانية، سيما من عاش منهم تحت الاستبداد والقهر والظلم. ونعتقد نحن عشاقها الذين كافحنا الدكتاتورية ورفعنا (الحرية) قيمة كبرى وشعارا تعبويا في كفاحنا ضد الاستبداد، ان التضحيات التي قدمناها للخلاص من الدكتاتورية، هي مقدمات حريتنا التي لن نساوم عليها. كما نعتقد جازمين ان الديمقراطية والعدالة والمساواة والحقوق والحريات، هي قضايا تستحق منا الإقدام والتضحية من اجلها. وان النضال في سبيلها لا يقل أهمية عن كفاحنا ضد الدكتاتورية والإرهاب بكل أنواعه وتجلياته.
ان العراقيين، مثل أي شعب متحرر، يحتاجون الى الحرية قدر حاجتهم الى الماء والخبز. ويتوهم من يتصور انه قادر على تحجيم حريتهم، فهم يدركون ان بديلها هو القهر والذل والامتهان.