قطعة الجبنة .... والثعلب والقسمة غير الممكنة
حال الشعب الكلداني السرياني الآشوري في العراق اليوم وتياراته المختلفة كحال القطتين اللتين وجدتا قطعة جبن فقسمتاها الى قطعتين لتاخذ كل واحدة منهما قطعة . ولأن إحدى القطعتين بدت اكبر من الاخرى، اختلفت القطتان لان القسمة لم تكن عادلة. فذهبتا الى الثعلب ليقضي بينهما . وضع الثعلب قطعتي الجبنة في كفتي الميزان، وعندما وجد إحدى القطعتين أكبر من الأخرى قال: هذه القطعة اكبر. يجب أن تكونا متساويتين. فاكل منها حتى صغر حجمها واصبحت اقل وزناً. وهكذا ظل الثعلب متقصداً ياكل من قطع الجبنة كلما رجحت قطعة حتى لم يبق للقطتين شيء. نظرت القطتان الى الثعلب بحزن واسى و ندمتا على ان جعلتا منه قاضيا.القصة معروفة للناس وكذلك الحكمة المنشودة من روايتها، ولكن التساؤل المشروع والملح الآن هو: هل وعى القيمون على شؤون الشعب الكلداني السرياني الآشوري ومقدراته في العراق اليوم إلى أي مصير يقودون شعبهم في ظل هذا التصارع والاختلاف على ثانويات لا أهمية لها أمام التحديات الخطيرة التي تنتظرهم؟ في حين أن الوقت والظروف الحرجة والتحولات المصيرية الكبرى التي يمر بها العراق عامة والشعب الكلداني السرياني الآشوري بصورة خاصة، تتطلب من زعامات هذا الشعب التركيز على المآل الأخير للأمور، ومحاولة تثبيت ضمانات دستورية ترسخ أصالة هذا الشعب وتضمن حقوقه التي تكفل له وجوده ومستقبله في أرض الرافدين، أرض آبائه وأجداده، إسوة بأبناء القوميات الأخرى من الشعب العراقي وربما أكثر ضرورة وإلحاحاً، في ظل الإعتداءات والقتل والتهجير التي يتعرض لها من جهات مختلفة.
إن الحكمة الباهظة الثمن التي تعلمتها القطتان، من سلوك القاضي الذي التجأتا إليه بعد أن خسرتا ما اختلفتا عليه، نأمل أن يتعظ بها من تطوع لقيادة هذا الشعب تحت أي عنوان جاءت هذه القيادة. ولا شك فإن تجربة إلغاء المادة (50) وما تلاها من تطورات وقرارات لاحقة في مجلس النواب العراقي، جعلت هذه الحكاية أقرب تجسيداً لواقع هذا الشعب في اللحظة الراهنة وأكثر تأكيداً بضرورة التحاور والاتفاق على مبدأ عام واحد يضمن الحقوق القومية المشروعة والكفيلة باستمرارية هذا الشعب ووجوده ليس فقط دستورياً بل على أرض الواقع أيضاً. وهذا ما لا يحق ، ويجب ألا يسمح لأي كان وتحت أية ذريعة بالاختلاف حوله. وأما التفاصيل الأخرى فهي تحصيل حاصل ولا يجب أن تلهي المعنيين بأي حال عن هذا المبدأ الأساسي.
وإننا إذ نُنَزِّه القوميات العراقية الأخرى كبيرها وصغيرها من ذلك السلوك الخبيث للثعلب الماكر، فإن المهزلة التي شهدناها مؤخراً في مجلس النواب العراقي وتصارع الأحزاب وتضارب المصالح الفئوية والطائفية والنتيجة المخزية التي أسفرت عنها تلك الصراعات، تدفع المتتبع للاعتقاد بأن سلوك بعض تلك الفئات والأحزاب لم يكن بأي حال منسجماً مع ما تطر حه من شعارات التعايش والعدالة والمساواة والأخوة الوطنية. وإن كل تلك الشعارات الجميلة تسقط عند أول تجربة عملية لامتحان المصالح الفئوية الضيقة. وهذا ماشهدناه أثناء جلسة إلغاء المادة (50) من قانون انتخابات مجالس المحافظات وما تلاها من تقليص لنسبة تمثيل المجموعات القومية والدينية الأصغر.
إن المسؤولية الأكبر فيما آلت أو ما يمكن أن تؤول إليه الأمور تقع على عاتق أبناء الشعب الكلداني السرياني الآشوري وقياداته بالدرجة الأولى. ذلك لأنهم المعنيون بالأمر أولاً وأخيراً. وعلى نوعية قرارهم يتوقف مستقبلهم ويتحدد مصيرهم. أما الشركاء الآخرون في الوطن العراقي فالعتب يطالهم من باب المبادئ الوطنية والإنسانية. وهم إن فُرِضَ عليهم الاختيار فإنهم غالباً ما يختارون الجانب الذي يؤمن للمجموعة التي يمثلونها أكبر المصالح والنفوذ، حتى ولو جاء ذلك على حساب المجموعات الأضعف أو الأقل عدداً. فيجب أن ندرك أن الملائكة لم تؤسس لها بعد حزباً في العراق. ولا يبدو أن لها أنصار كثر في ضوء الحالة القائمة. في حين أن حيتان السياسة العراقية لن تتورع عن ابتلاع ليس قطعة الجبن فقط وإنما حتى الثعالب والقطط والخراف الوديعة وكل ما يدب على أرض الرافدين إن تيسر لها ذلك. وفي الحكاية الشعبية السابقة رأينا كيف أن القطط هي التي يسرت للثعلب إمكانية التهام الجبنة إياها وعودتهما خائبتين.
من هذا المنطلق لابد من العمل الجاد والتركيز الشديد على وحدة الموقف بين كل تيارات هذا الشعب وأحزابه. ونأمل ألا يحتاج قادة هذا الشعب، لاجتماعهم على كلمة سواء بينهم، لتكشيرة غاضبة وذات مغزى ممن يتجاسر على التكشير حين مصالحه تتطلب ذلك، كما حدث مع غيرهم. وقد لا تتوفر لهم حتى تلك العصا التي ستجمعهم مرغمين ليتفقوا لأن مصلحة مالك العصا قد لا تقتضي ذلك. لهذا ولغيره من الدوافع والأسباب لا بد من التجرد التام والتعالي على أية حسابات حزبية أو شخصية لأنه في ظل هذه الحالة التشرذمية لن يكون هناك أي مكسب لأي كان حزباً أو فئة أو فرداً، بل ستكون الكارثة التي ستشمل الجميع بتأثيراتها المدمرة، وقد لا تكون هناك فرصة ثانية لتعويض ما يمكن تعويضه. وإذا كان الاختلاف في الرأي من طبيعة الوجود البشري فللتعامل مع هذه الاختلافات وجوه كثيرة وبأساليب حضارية متمدنة، دون أن يعني ذلك الانتقاص من الآخر أو الحط من شأنه. ولعل أهمها وأبرزها عملية الاستفتاء الشعبي، رغم أنها ليست الوسيلة الوحيدة لحسم الأمور عند اللحظات الحرجة. والشعب الكلداني السرياني الآشوري يمر اليوم بأحرج لحظاته. فهلاَّ للقيمين على شؤونه اليوم التوقف عن انتظار تلويحة العصا التي قد لا تأتي والاتفاق على الوسيلة الأنجع لحسم قرارهم واتخاذ الموقف الذي يؤمن لهم الحد الأدنى من وحدة الموقف، والضمانة الأكبر لاستمرارية الوجود كشعب حضاري له الحق في أن يمتلك المساحة التي يستحقها في حياة البشرية عامة وفي المجتمع العراقي بصورة خاصة؟
6 كانون الأول 2008