Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

كلام موّجه للإخوة الساسة الأكراد,عساه يفيد كل العراقيين

الفصيل السياسي القومي الكردي في العراق بشقيّه المعروفين يشكّل جزءا مهمّا في خارطة العراق السياسية الحديثة لما يقارب نصف قرن مضى في أقل تقدير, أي منذ نجاح ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ولحد يومنا هذا , وطبيعي جدا أن يكون هذا الفصيل حاله كحال أي فصيل سياسي عراقي قد خضع في سنين نشاطه ,إلى سلسلة تجاذبات وتنافرات داخليّه وخارجيه فرضتها متغيّرات المشهد العام عبر سنين فعاليّاته والتي أثرّت في مواقفه سلباً وإيجاباً , حيث وضعته تارةً في حال شبيه بالمحبط و بالإنعزال المتكرر عن مسيرة الحركة التحررّيه الوطنيه في العراق , أو بحكم جغرافية ساحة نشاطاته وما تقتضيه مصالحه السياسية أصبح ملاذا يحتمي فيه مناضلوا الحركة الوطنيه ضد طغيان الأنظمة تارة أخرى.

يدرك كل متابع , بأنّ إحدى ثمار نجاح ثورة الرابع عشر من تموز 1958 , كانت في مبادرة زعيمها المرحوم عبدالكريم قاسم في إستدعائه المباشر للمرحوم مصطفى البرزاني للعودة من منفاه ( موسكو ) معززا مكرّما إلى العراق والسعي لإيجاد الحل الوطني السلمي للقضية الكرديه , لكن لسوء حظ الثوره , سرعان ما أحبطت هذه المحاولة وتمّ إفشالها منذ بدايتها, وجدير بالذكر بأنّ أحد أسباب فشلها , كان تسرّع القيادة الكردية في إعلان مواقفها ألتي تجسدّت في ردود أفعال الملا مصطفى البرزاني والطريقة العشائريه ألتي تمّ فيها التعامل مع مبادرات حكومة عبدالكريم قاسم الفتيّه أنذاك والتشديد في رفض فكرة مواصلة التفاوض و إعلانه الفوري لحركته المسلّحة ضد نظام حكومة عبدالكريم قاسم , ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد , بل ذهب ابعد من ذلك في موافقته الضمنيّه على مشروع إسقاط حكومة ثورة تموز تحت تأثير الوعود ألتي عرضت له في حال تأييده لفكرة الإنقلابيين للإطاحة بتلك الثورة الوليده , وقد أيّد الإنقلابيين على أمل الحصول على المزيد من المكتسبات , لكن لم يتحقق ايّ من تلك الوعود سوى المزيد من الخيبة و الدمار والإنهيار الكامل للمشروع السياسي الوطني على ايدي إنقلابييّ شباط 1963 الأسود , وقد خابت ليس فقط أمال الأكراد الذين توهموا فيهم وبوعودهم , بل حطمّوا أمال وتطلّعات شعب بأكمله , ممّا إظطر المرحوم البرزاني وقيادته إلى ألتراجع و العودة إلى خيار التلاحم مع طلائع القوى الوطنية في قيادة الحركة الوطنية التحرريه ضد الإنقلابيين الجدد.

الدخول في تفاصيل تطورات أحداث السنوات المتعاقبه ألتي تلت نكبة عام 1963 يحتاج منّا الكثير من الوقت , ونفس الشيئ ينطبق على مرحلة عمليّة إسقاط نظام صدّام حسين وما بعدها , فهي لوحدها تحتاج إلى صفحات طويلة كي نستطيع تغطية ألأحداث بتفاصيلها المتشعبّه, لكننّي سأحاول الإكتفاء بالإشارة إلى بعض اللقطات ألتي تهّم جوهر حديثنا اليوم وعنوان مقالنا.

أمّا الفسحة السياسية ألتي حاز عليها الساسة الأكراد منذ عام 1991 بعد إخراج الجيش العراقي من الكويت والى حد ما بعد سقوط نظام صدام عام 2003 , فهي كبيره وثمينه مقارنة بسابقاتها من فرص و إتفاقات ومعاهدات تم إبرامها مع الحكومات المركزيه على مدى أربعة عقود , وحتى لا نجافي الحقيقة , لابّد لنا أن نقر ونعترف بداية ً بأن الفسحة السياسية ألتي إستحوذها الإخوة الأكراد وتوسّعها العمودي / الأفقي الذي نشهده أليوم لم يكن تحقيقها ناتج عن قرار بحت أو حصيلة حتميّه للنضال الشعبي العراقي الذي ما إنفك يوما وهو يساند نضال الأكراد ويشاركهم فعالياتهم ضد الأنظمة , وهي أيضا ليست كما يطيب البعض وصفها على أنهّا نتاج حقيقي أو ثمر سنين نضال الشعب الكردي , لأننا لو كررّنا هذه الأحكام وسلّمنا بها , نكون في تكرارها إمّا قد الغينا دور الأجنبي المحتل واعفيناه من الكثير من تبعات مكره و الاعيبه السياسية التي مارسها وما يزال بعد زوال النظام الديكتاتوري الصدّامي, أو أن نكون بمثابة من يعوّل على المحتل في تحقيق مكاسبه لاغيا ً بذلك ثراء نضال الشعب ودمائه الممزوجة بكامل تاريخه , وأنا هنا لست بصدد النيل أو التقليل من شأن نضال الإخوة الأكراد في العراق , لأنني كنت على الأقل يوما ما ولازلت واحدا من ضمن الكثيرين الذين ناصروا وساندوا نضالهم من أجل حقوقهم الوطنيه والقوميه , لكن الأمانة المرجوّة في هدف تحقيق الأفضل تتطلّب و تحتّم علينا جميعا طرح الأراء بكل جرأة سواء كان عبر نقد الظاهرة أو بالإشادة بها , و لكي يبقى هدفنا الحقيقي هو تقويم مسيرة البناء وليس تشتيتها في إضعافها,يستوجب علينا عدم التغاضي عن ما يؤخذ عليّ أو عليه كخطأ واجب التصحيح مقابل عدم الإكتفاء بسماع المدائح الطوباويه التي تطرب مسامعي وهي تبيّض سواد صفحتي أو تسوّد بياض صفحة الأخر فقط .

بمجرّد مقارنة بسيطة ما بين حجم الجماهيرية ألتي تمتعّت بها الحركة الكردية وقضيتها التحرريه في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي حين كانت تلتف حولها الفصائل الوطنية الأخرى, وبين سنوات قلائل سبقت زوال النظام الصدامي ثم فترة توّلي الأميركان إدارة شأن الوطن الخالي من صدام , لوجدنا فرقا شاسعا ما بين الصورتين ,و دراسة هذه الفوراق ومسبباتها لابد أن تكون من أولويات مهام القياده السياسيه الكرديه , وواضح جدا , بأنّه من ضمن أسباب هذا التغيير الحاصل في مواقف الجماهيرهو التغييّر الطاريئ المعلن في الخطاب الكردي وسياسته ألتي بدت فيها إنعكاسات لتأثيرات الحالة المرتبكه ألتي يمرّ بها المحتل الأجنبي في وضع العراق الشائك وإنعكاسات ضبابيّتها بات ملموسا في تفاصيل فعاليّات الطرف الكردي الحليف ,ففي زمن حكم صدام على سبيل مثال, كان للقيادة الكردية ضمن خطاباتها سواد نمط يختلف تماما عن ما هو مألوف , فمثلا الموقف تجاه أكراد تركيا وعبدالله أوجلان أثار الكثير من الملابسات ألتي تشير إلى وجود شرخ كبير ما بين موقف الأكراد كشعب وموقف قيادته السياسية , والحالة هذه تنطبق أيضا على ظاهرة توتر العلاقات الكردية/ الكردية في العراق قبل قدوم الأميركان ,فالتناحر والإقتتال ألذي ساد أوساط الحزبين الكرديين لم يكن مطلبا جماهيريا , كما لم يكن مبنيّا على قاعدة نضاليّه ذات نهج سياسي واضح, كانت دوافع تلك الحروب الحزبيه وصراعاتها الضيّقه تتناوب وتتبادل أدوارها في فتح المجال واسعا ومجانّا أمام الأنظمة المركزيه لتمنحها فرص إختراق نشاطاتها و توجيه الضربات الموجعه إلى الفصائل الوطنية المعارضة الأخرى مع إستمرار ممارسة حالة التصعيد لتلك الصراعات بحيث جعلت من الحركة الوطنيه العراقية ومن المواطن المسكين الضحية رقم واحد على طول الخط, و من الطبيعي أن تكون حصيلة ذلك تبددّ الأمال وفقدان الثقة ما بين القيادات نفسها من جهة وبينها وبين الجماهير من جهة ثانيه, وغالبا ما كانت هذه الممارسات تعيد الجميع إلى المربع الصفر الذي يستدعي القوى الخيّره إلى وجوب إعادة تقريب المسافات و بذل كل ما من شأنه إستعادة هذه العلاقات و معاودة بناء الجسور التي هدّمتها تقلّبات وتذبذبات مواقف السياسيين .

لو تساءلنا عن مديات الإستفادة ألتي إكتسبتها أحزابنا الكردية من تجارب وعبر الماضي القريب, وهي بحكم تميّز قدراتها الحاليّه وتفرّدها الذي يجيز لها اليوم أن تشارك بفاعليه في رسم خطوط مستقبل عراق ديمقراطي موحّد ناضل الجميع من أجله و في تأسيس نهج جديد لعراق جديد خالي من صدّام , وليعذرني الإخوة في قيادة الأحزاب الكرديه, لو قلت بأنهم في هذه النقطة تحديدا قد توهمّوا بتكرار نفس أخطاء عام 1963 وهكذا 1975 , في مبالغة تعويلهم على الأميركان والإنكليز هذه المرّه مقابل إهمال مطبق لهموم ومعاناة الرقم الأساسي في المعادلة والمتمثل في إرادة الشعب وفصائله السياسية الوطنيه , لأن وهمهم أنساهم أو كاد ينسيهم المعاناة المريره التي يمرّ بها العراقيون يومياّ و تجاهلوا حتمية الواجب المترتب عليهم تأديته في مثل هذه الظروف,وهم في ذلك ,مع الأسف , يضربون بعرض الحائط تاريخ نبل وسخاء مواقف العراقيين على مختلف ألوانهم تجاه الحركة الكردية طوال تلك السنين العجاف من نضالهم الوطني التحرري, فحين يستغل شركاء الأمس أوضاع البلد القاهره وهو للتو قد خرج من ظلمة النظام الطاغية ليرضخ تحت تسلّط عجلة الأجنبي المحتل , حين يستغل كل ذلك من أجل رفع سقف المطاليب الذاتيه بشكل ملفت للإنتباه دون التحلّي بأي رويّة ّ او ايّة مراعاة لرد جمائل المواقف , ظنّا من بعضهم بأن مصلحة المحتل في العراق والمنطقة ستجيز لهم الكثير مما كانوا هم أنفسهم يعتبرونه من الأوهام والخروقات او ربما من المحرّمات في العمل السياسي الوطني , هذا بعينه سيشكّل المأخذ الكبير الذي ستسجلّه الأجيال القادمة بحق السياسيين الأكراد .
و الحديث عن ما تم تسجيله من إختراقات حصلت في الدورات الإنتخابيه السابقه, ومحاولات إستلاب أصوات بقية التشكيلات القومية وتذويبها بقوة المال والإغراءات , فهي الأخرى شكلّت نقاط سلبيه تمّ تجاهلها وطابهم حصادها , وبدلا من المبادرة إلى معالجتها بما يرضي المظلومين , يتفاجأ شعبنا بفيض من محاولات اخرى مضافة لتهميش و إقصاء المتبّقي من دور نخبنا السياسية المتواضع في الإلتجاء إلى إصطناع البدائل( الكارتونيه) من النماذج التي إعتادت على الرقص حيث حضر الطبل والمزمار , فعاليات كهذه في جوهرها شئنا أم ابينا محكوم عليها بإعتبارها محاولات واضحة لتهميش المكوّنات وتذويبها تكتيكيا أو قسريا ضمن بودقة مشروعها السياسي المتأرجح ما بين رغبة الإرتباط بالوطن وبين مزاجيّة الإنفصال عنه بغطاء من حجج و تبريرات جوازية و قانونيّة التنافس السياسي, كل هذه الماّخذ وأخرى مشابهة لها يستحيل لها أن تعكس الدرجة المطلوبة من المصداقيه وبالتالي سوف لن تضمن سلامة إعادة البناء الحقيقي للوطن و لن تثبت حسن نية الإدعاء على الإطلاق , لذلك , يقال بانّ المنطق المعمول به في الأحزاب العالمية يقضي أن يكون هنالك إجراءات ومراجعات على مستوى قيادات وقواعد الأحزاب من اجل تداول مجريات المسيره ومناقشة عثراتها من أجل تفاديها أو تصحيحها كي تزيد من القوة والصلابة للأرضية التي تقف عليها وتعمل فوقها تلك الأحزاب , وحينها يكون الجميع على أهبة الإستعداد دائما من أجل درء أي خطر يهدد أي جزء أو شريحة من الوطن.

وما يتعلّق بردود أفعال جنرالات تركيا , ألتي تستغل بذكاء مواقف الأميركان تجاه الإرهاب الدولي كما يسمونه, وتهديداتها للعراق من شماله وتداعيات حالة المد والجزر الذي نشهد تصعيده المستمر بإتجاه العسكره , فهو ليست سوى تحصيل حاصل لسوء حسابات ساستنا و تماديهم في إطلاق الخطابات ألنرجسية ألتي أثخنوا فيها جراح الوطن وعذابات شعبه أولاّ, ثم توسّع دائرة تشظيات تلك الخطابات إلى إستفزاز دول الجوار وإعطائها مبررات إجتياح أراضي العراق في شماله او التدخل في شؤونه .
من السذاجة القول بأنّ سبب تشدد الأتراك وإلحاحهم المستميت في عسكرة الجهد هو ناتج حصرا عن مشكلة عصابات الحزب العمالي الكردي ألتي تنفذ عمليات عسكريه داخل تركيا,و تسليم القيادة الكردية العراقيه للعناصر الثلاث من ال (ب.ك.ك)للسلطات التركيه سوف لن يحل من جوهر المشكلة أي شيئ, سوى أنّه سيعطي للأتراك مبررّ قانوني لتخوّفهم المزعوم من جماعات حزب العمال الكردي, فأساس تخوّف الأتراك الحقيقي نابع عن تفسير ما يترتب على خطاب الأحزاب الكردية الذي يبدو في معظم مناسباته وكأنّه منفصلا عن حكومة السلطة المركزيه في بغداد , خاصة حين يتناول الخطاب إعلان دولة كرديه مستقلّه او مسألة كردستانية كركوك وملكيّة نفطها, أو التهديد بتحريض لأكراد دياربكر داخل تركيا, تصريحات كهذه في مفهوم العلاقات والبروتوكولات الدوليه تنجب ردود أفعال بحجم دولها إزاء مروّجيها ,ولا يغيب عن بالنا فإنّ ما حصل رغم إستجابتنا الفاهية في تسليم العناصر الثلاث, سوف يزيد من دفع الأتراك بإتجاه مطالبة أكراد العراق والحكومة العراقية ألتي تعاني من أزمات كثيره إلى تقديم المزيد من التنازلات, علاوة على ذلك , يجب أن لا ننسى بأن الأخوة الأكراد العراقيون وبموجب مسودة دستورهم على الأقل, سيضعون أنفسهم أمام تساؤلات قانونية ودستوريه حول مدى أحقيّتهم في تسليم هؤلاء العناصر إلى سلطات ربّما ستصدّر بحقّهم عقوبة الإعدام!!

في عراق اليوم وتشكيلة حكومته وبرلمانه , لابّد من قول الحقيقة مهما كانت تبعات ذلك , وأنا لست بكاشف لأي سر لو قلت بأنّ فلسفة وعقلية السياسي القومي او الديني المتشدد و المعروفة بضبابيّة مواطنتها وتذبذب مواقفها, هذه الصفات تشكّل عماد و ركيزة تكتيكيه يرى الأجنبي في إستغلالها أسهل أداة في تحقيق مشروعه السياسي , وذلك بالتأكيد ما لا يستهويه المواطن التقدّمّي المتاّخي والمحب لوطنه , هذا العقل القومي وليكن (الكردي) مثالا, والمشبّع بتراكمات الإظطهادات القومية وإرهاصات مواقف التيارات الأخرى قد جعلته من الضبابية في وطنيته إلى الحد الذي فقد فيها ثقة الأخر ثمّ جعل شرعية إمتلاكه لهذه الفرصة إنجازا ناتج عن تعاونه وتحالفه مع الأميركان في مراحل الإطاحة بالنظام الذي إظطهده وليست نتاج طبيعي لتلاقيات توافقية صريحة ومصيريه مع تشكيلات المجتمع العراقي , النتاج الذي تبنيه وتؤسسّه ثقة التعامل المتبادله وثبات المواقف المعلنه , إذن في هذه الزحمة الشائكة التي نشهدها في العراق , ستبقى وطنيّة العقل القومي (الكردي) الذي يشكّل جزء من عقل العراق السياسي أمام إمتحان صعب ربمّا أعسر من أيّ يوم مرت به العقلية الكردية العراقيه في تاريخنا الحديث, رغم إفتراضنا بأنّها قد إكتسبت جراء تفاعلها وإحتكاكها مع التيارات الأخرى من الخبرة ما يكفيها في تذليل مراحل الإختبار الذي ستخوضه .

الساسة الأكراد يعرفون حق المعرفة بأن الإحتلال في تاريخه القديم والحديث لم يرتكن في مشاريعه ذات الحدود اللامتناهيه على عامل مصاحبة طرفٍ ما ليكون صديقا دائميا له ,الطبخات السريعه هي من سمات وجبات مطابخ و أفران المحتلّين , وفيها من الأكلات الذيذه ألتي غالبا ما يُدسّ فيها الطعم (ضم الطاء) الذي يحيّر الإنسان الجائع حين تناوله مع قطعة اللحم المسلوقه, حيث يبقى عالقا في البلعوم , إن إبتلعه حلّت الكارثة في الأحشاء , وإن حاول إخراجه فسوف يقتطع الكثير من الزردوم والحنجره, فعلام يا إخوان حرق مليارات الدولارات في تسليح الناس التي تحب العيش الهاديئ وعلام بناء الأمال والأحلام على مسطّحات رملية متحركّة؟ Opinions