كل عام وأنتم بلا كهرباء
لا أتصور أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، وان لدينا ساسة يفكرون بعقلية القرن الواحد والعشرين، ووزراء يتطلعون ان يكونوا بمستوي (ثوران) القرن الواحد والعشرين.. وان لديناولدينا-.. الي آخر الصرعات والاكتشافات.فقبل ايام ودعنا عاماً مليئاً بالازمات والاختناقات المرورية والاقتصادية وشددنا احزمتنا اكثر من السنوات السابقة حتي بدأت تتلاشي بطوننا وتلتصق علي ظهورنا، بينما تكبر (الكروش) المترهلة التي تأكل من لحمنا وترمي عظامنا التي تطحن نفسها بنفسها لهشاشتها بسبب الحصارات والويلات والجوع الذي لازمنا منذ ان فتحنا اعيننا وحتي يومنا هذا.
استقبل العراقيون عامهم الجديد بانقطاع تام للكهرباء التي منحها المواطن لقب (الوطنية) بكل معني الاباء والشموخ والانتماء والصبر والمكابرة ونكران الذات، وعوضها بعض العراقيين بـ(كهرباء) المولدات التي (تجعر) في رؤوسنا واصبحنا لا نفرق بين (هديرها) وهدير الاباتشيات والدبابات وقناني الغاز المتدحرجة علي الاسفلت لنعرف ان هناك (غاز) مازال يواصل المسيرة النضالية.
التصريحات التي يطلقها المسؤولون عن قطاع الكهرباء لا تناسب الواقع، يتحدثون عن زيادات في الطاقة الانتاجية واضافة اطنان من الكيلو فولتات والميكافولتات والتي لا اعتقد ان لها علاقة بالميكافيلية، وربما لها علاقة بالنسبية (للمسؤولين) عن هذا القطاع الكسيح الذي اعلن انه خارج منطق ومفهوم القرن الواحد والعشرين قرن التطور والسباق التكنولوجي والمعلوماتي، قرن الافعال لا الاقوال والتصريحات الطنانة التي لن يسمع منها المواطن غير (طنين) بعوضة لا اكثر. الي متي تستمر المأساة يا ايها السادة، شعب بأكمله يعيش في دياجير الظلام ويكابد ويعاني ويحرم من ابسط متطلبات الحياة بل فقد متعتها والاحساس بلذتها.
فلو أقدمت اية مؤسسة دولية محايدة لعمل احصاء حول اكثر الشعوب التي تفتقد للكهرباء وتعيش ظلام القرن الواحد والعشرين لوجدت ان العراقيين بدون منازع او منافس يتربعون علي عرش الظلمات وبدت لهم اعمدة الكهرباء مثل (الطناطلة) وان المولدات ليست سوي ادمغة ديناصورات من عصور ما قبل التاريخ.
لعنا الظلام سنين، واشعلنا مليون شمعة، وحملنا الفوانيس، ودخان اللالات تغلغل في رئاتنا وحويصلاتنا وانساب في عروقنا، واصبحنا مميزون في دمائنا بانها تحمل اعلي نسبة من ثاني اوكسيد الكاربون وبصبغة تميل الي السواد. وصبرنا.. وصبرنا.. وما زلنا نواصل مسيرة الصبر، ونشكر القمر لانه يضيء ليالينا الموحشة التي اجبرنا ان ننام فيها مبكرين في ليال شتائية طويلة وباردة كبرودة اعصاب المسؤولين الذين لم تهتز اوتار المعاناة او المكابدة لديهم.