كم من الجرائم ارتكبت بإسمك ايتها الديمقراطية؟
عند النظر الى الوضع الحالي وخاصة اقليم كردستان العراق، بل والعراق عموما، لرأينا ومنذ سقوط الصنم 2003 قد اصبح الهم الاكبر لأكثر المسؤولين هو الحفاظ على كرسي الحكم بأية وسيلة كانت، لملأ جيوبهم العميقة التي ليس لعمقها من قرار، حيث يتم خداع عامة الشعب بالشعارات الرنانة التي تسبق الحملات الانتخابية، وبعد الفوز وما أن يلتصق جسدهم بالكرسي الذي هو كرسي النسيان حتى تبدأ رحلة التنصل من الوعود العرقوبية الكاذبة .. المخادعة، وذلك ما حصل ويحصل في نهاية كل المواسم الانتخابية أسوة بما يحصل في اقليم كردستان العراق اليوم.
فلا ننسى بأن الكثير من المسؤولين في الاقليم هم من أصحاب الماضي السيئ من حيث الفساد والبعض الآخر من حيث العمالة للبعث الصدامي، بل منهم من تأكدت عمالتهم بالإثباتات والمستمسكات الحية المرئية والمسموعة والمكتوبة، خاصة ما وقع من تلك المستمسكات بيد بعض الجهات الرسمية والحزبية في الفترة التي أسقط فيها النظام الصدامي وبعد اقتحام المؤسسات المخابراتية والأمنية و وضع اليد على الملفات الحساسة في أروقة تلك المؤسسات، والتي تم نشر قسم منها في وسائل الاعلام الألكتروني فيما حضى القسم الآخر بالتعمية والإخفاء الى اليوم لكونها تمس سمعة بعض المسؤولين الكبار في الاقليم.
وكما هو الحال مع الكثير من المسؤولين في بغداد، فالكثيرون منهم في الاقليم أيضا باتوا يصنفون من أصحاب الأموال والأرصدة الكبيرة ومن ملاكي العقارات الفخمة في الداخل والخارج بعد أن دخلوا ابواب السلطة وهم حفاة عراة لا يمتلكون قوت يومهم آنذاك، وكل ذلك كان قد حصل نتيجة الفساد وسوء استخدام الأموال المخصصة للإقليم من ميزانية العراق. فقد أدى غياب المؤسسات الرقابية الفاعلة وعدم محاسبة الرؤوس الكبيرة للفساد الى اليوم، الى تشجيع الآخرين على ركوب الموجة وسرقة قوت الفقراء وحقوق الشهداء، والاكتفاء في إعمار وتزيين الشوارع الرئيسية في أواسط مدن الإقليم وبعض المناطق السياحية على حساب الأحياء والأقضية والقرى والقصبات التي لا زالت تئن من الفقر وتغط في الخراب.
لقد انتهج البعض من هؤلاء المسؤولين نهجا مفضوحا يعكس ضحالة اخلاقهم، وكما هو حال أحد المسؤولين الذي أسندت له مسؤولية سكرتارية أحد الاحزاب الرئيسية والذي لم يعد اسمه خافيا على الجميع نتيجة الايغال في استفزاز كل الخيرين وملاحقة المثقفين والعلماء وأساتذة الجامعات ممن لم يستطع شراء ذممهم، حتى وصل به الحال الى اختطاف البعض منهم وايداعه السجون السرية أو اغتيال البعض الآخر وتصفيتهم جسديا، دون أن يرف له أي جفن أو أن يُتخّذ بحقه أي اجراء قانوني رادع، وما الأديب الشهيد عبد الرؤوف عقراوي (أبو كاوه) إلا أحد ضحاياه الذين وقعوا في شِباك عصاباته الاجرامية التي مارست القتل والترهيب منذ 1992 والى اليوم.
وقد أدى التكريم المتلاحق لهذا المسؤول عقب كل جريمة ابتداء من محاولته اغتيالي 1989، وكذلك تعزيز موقعه وتوسيع مسؤولياته من عضو مكتب سياسي في تلك الفترة الى سكرتير الحزب الديمقراطي اليوم، أدى به ذلك الى الاستخفاف أكثر فأكثر بحياة الآخرين وحرياتهم، بل والتطاول على قيادات الأحزاب السياسية الأخرى وعلى الرموز الثقافية والاعلامية والعلمية في اقليم كردستان العراق. فقد استطاع هذا الشخص تحجيم حرية الرأي والكتابة وإزهاق الأنفس في أحداث عدة لا زال الضمير الكردي يستعيد ذكراها بمنتهى الغُصّة والألم.
أن كل ما سبق التطرق اليه كان قد أرتكب تحت ظلال الديمقراطية، وفي ذلك اساءة كبيرة لهذا المفهوم الحر وبما يجعل منها (ديمقراطية صورية) لا تقيم حقا ولا تدفع باطلا، خاصة عندما يكون أول ضحاياها هم (التكنوقراط) من ذوي الخبرات والكفاءات على يد أكثر الناس جهلا وفسادا.