Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

كوتا الأقليات بين الكوردستانية و التغيير

إن الاحداث الاخيرة التي شهدها إقليم كوردستان و في مقدمتها الانشقاق الذي حصل في تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني ، و تسرب رائحة الفساد المالي و الإداري و السياسي في المؤسسات الحكومية و المؤسسات الحزبية والتي أزكمت الأنوف ، وبروز تكتلات و انقسامات سياسية على الساحة الكوردستانية من أجل كبح سلطة الحزبين الكبيرين الحاكمين ، البارتي و اليكيتي ، في محاولة لمنع تحول نظام الحكم في الاقليم الى نظام ديكتاتوري بشروال ديمقراطي ، و أملاً في مستقبل أفضل من خلال حكم المؤسسات الحكومية بدلا من حكم الأحزاب.هذه الأحداث و الازمات أفرزت وضعاَ جديداً في الإقليم وتحركاً لبعض النخب الفكرية و السياسية بإتجاه إحداث التغيير في العديد من المؤسسات و في مقدمتها البرلمان الذي يعتبر الباب الرئيسي نحو أي تغيير ممكن في مفاصل الحياة الأخرى .

إن ما طرحته تلك النخب بخصوص التغيير قد نال تأيداً كبيراً في الشارع الكوردستاني ، و الذي تبلور فعلياً الى تشكيل قوائم عدة لها مآخذ مخالفة على مسيرة الحزبين الكبيرين في كيفية إدارة دفة الحكم خلال السنوات السابقة .
هذا التغيير قد ادخل الذعر في صفوف و قيادات الحزبين الرئيسيين من خلال التفكير بإحتمالية فقدان تفوقهما في الاقليم. و عليه لم يستطع الحزبان الرئيسيان من إخفاء هذا الخوف ، حيث كان يظهر في الكثير من المواقف والممارسات ، آخرها في فترة الدعاية الانتخابية و من ثم في يوم الانتخابات.

لقد كانت كل التقارير و الاستفتاءات تؤكد بنجاح قائمة التغيير و حصولها على المرتبة الأولى في السليمانية و على المرتبة الثانية بعد القائمة الكوردستانية (المؤلفة من الحزبين البارتي و اليكيتي معاً) في محافظتي أربيل و دهوك و حصدها لعدد لا بأس به من مقاعد البرلمان، بالاضافة الى وجود قوائم أخرى معارضة أيضاً ذات توجهات اسلامية و يسارية قد تحصد لها عدداً لا بأس به من المقاعد في البرلمان ، و بالتالي ستكون هناك معارضة قوية و مؤثرة في البرلمان ومن ثم الحكومة ، و قادرة على إحداث تغيير شامل في موازين القوى في الإقليم و من ثم تحدد سياسته المستقبلية.

إن ما قاما به الحزبين الرئيسيين و بالدرجة الأولى البارتي من تهيئة الارضية المناسبة للإستيلاء على أكثرية مقاعد كوتا الاقليات و بطريقة غير مباشرة ، كان أمراً مدروساً بدقة و إجراءاً إحترازياُ ذكياً في نفس الوقت ، بعد أن أدركت قوة و زخم القوائم الأخرى المتنافسة و في مقدمتها قائمة التغيير التي يقودها السياسي المخضرم نوشيروان مصطفى.
و بذلك يضمن الحزبين الرئيسيين تفوقهما في عدد الاصوات على معارضيهم داخل البرلمان لكون ألأعضاء الفائزين بالمقاعد ضمن (كوتا) الأقليات اكثرهم من كوادرالبارتي! ، و بالتالي الوصول الى الحد الذي تتمكن فيها القائمة الكوردستانية من حصر دور قائمة التغيير و القوائم الأخرى و التقليل من تأثيرها داخل قبة البرلمان .

إن دعم الحزب الديمقراطي الكوردستاني اللامحدود كان واضحاً لما يسمى بالمجلس الشعبي (الكلداني السرياني الآشوري) الذي هو أساساً من صنع القيادي في البارتي و وزير المالية السابق سركيس آغاجان ، بعد ان تمكن من أن يجعل كل المرشحين ضمن قائمة هذا المجلس من كوادر البارتي و التي كانت تجاهر بذلك علناً.
كما صوّتَ بعض الإخوة الكورد و بتوجيه من الحزبين الحاكمين لصالح قائمة المجلس الشعبي (الآشوري) المنافسة على المقاعد الخمسة المخصصة للمسيحيين لكي تضمن تفوقها و فوزها بأكثرية المقاعد ، وهذا ما حصل بالفعل.
كما قام المجلس الشعبي المذكور و بالتعاون و التنسيق مع الجهات الحزبية نفسها في أربيل و دهوك بتوزيع بطائق الانتخابات على النازحين من محافظات الوسط و الجنوب لكي يصوتوا لقائمتهم بالرغم من كون النازحين لا يحق لهم التصويت في انتخابات الإقليم.
و هذه الممارسات تؤكد بطلان كوتا الأقليات من معناها و مفهومها الحقيقي في كونها حصة خاصة بالأقليات لتتحول الى حصة إضافية للأحزاب المتنفذة حالياً (البارتي و اليكيتي) ، كما و تعتبر هكذا ممارسات طعناً واضحاً في الديمقراطية المنشودة في الاقليم من جهة ، بالاضافة الى كونها اختراقاً لضوابط الانتخابات من جهة أخرى.
وهكذا الحال بالنسبة الى كوتا الإخوة التركمان ، حيث تصريحات المسؤولين التركمان و شكاواهم تؤكد تدخل الاحزاب المتنفذة في الكوتا المخصصة لهم.

كل هذه الممارسات تحتاج الى دراسة و توثيق من قبل كتلة المعارضة داخل البرلمان لضمان عدم تكرارها أولاً، و لكي لا يتم التحكم بمصير الأقليات و حقوقهم و رموزهم من خلال ممثلين عنهم فرضوا بأساليب غير حضارية و غير نزيهة.

و لو نظرنا على نتائج الانتخابات لتوصلنا الى حقيقة تأثير الـ (11 مقعداً لكوتا الأقليات في البرلمان الكردستاني من المسيحيين و التركمان و الأرمن) على قرارات البرلمان و على رسم سياسة الإقليم المستقبلية و على تشكيل الحكومة ، و خاصة بعد أن أصبحت أكثرية هذه المقاعد في عهدة الحزبين الكبيرين . لاحظ التوزيع أدناه:

القائمة الكوردستانية (للبارتي و اليكيتي) = 59 مقعداً
قائمة التغيير برئاسة نوشيروان مصطفى = 25 مقعداً
قائمة الخدمات و الإصلاح التي تتكون من (إئتلاف إسلامي و يساري) =13 مقعداً
كوتا الأقليات مجتمعة( الكلدان و السريان و الآشوريين و الأرمن و التركمان) = 11 مقعداً
قائمة الحركة الاسلامية = مقعدان
قائمة الحرية و العدالة الاجتماعية = مقعد واحد
مجموع مقاعد البرلمان الكوردستاني = 111 مقعداَ

كما تؤكد نتائج الإنتخابات على إن التغيير قد بدأ بالفعل ،و إن توزيع المقاعد البرلمانية بالشكل اعلاه يؤكد على وجود معارضة قوية داخل قبة البرلمان الكوردستاني ، لكن الذي نتمناه ان يكون التغيير بعيداً عن التشنجات و النظرة الفوقية التي تميزت بها بعض الاحزاب و التي سببت في خلق حكومتين بعد قتال دامٍ دفع ثمنه المواطنين الأبرياء التواقين الى الحرية و العيش الكريم.
كما إن هذا التغيير في الإقليم سيلقي بظلاله على البرلمان الفيدرالي العراقي و الحكومة العراقية المقبلة ، حيث تشير المعلومات الى دخول الأكراد لإنتخابات البرلمان الفيدرالي المقبلة بعدة قوائم مختلفة و ليس بقائمة واحدة كما حدث في المرة السابقة ، مما سيؤدي الى تشكيل تكتلات و إئتلافات جديدة هي التي تحدد مسيرة العراق السياسية.

سعد توما عليبك
saad_touma@hotmail.com



Opinions