Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

كيف نقرأ تقارير المنظمات الدولية عن واقع حقوق الإنسان في العراق؟

حين كان النظام الدكتاتوري في العراق قبل 2003 يمعن في ممارسة سياساته القمعية الجائرة ضد قوى الشعب بشكل عام وضد قوى المعارضة بشكل خاص, كانت المعارضة العراقية ترفع تقاريرها حول الانتهاكات الفظة التي كانت تتعرض لها حقوق الإنسان إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف وإلى منظمة العفو الدولية وإلى المنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة وإلى العديد من المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى وإلى الرأي العام العالمي ترجو وتؤكد فيها ضرورة التضامن مع الشعب ودعم المعارضة العراقية في نضالها ضد إرهاب النظام. وكانت تلك الانتهاكات القمعية تتميز بالشراسة والاضطهاد البشع والتعذيب والقتل الواسع النطاق شمل الأحزاب والقوى والشخصيات المعارضة من جميع الاتجاهات, كما شمل أتباع القوميات والأديان والمذاهب الدينية العديدة. وخير دليل على ذلك تلك المجازر البشعة في عمليات الأنفال والسلاح الكيماوي في حلبچة في إقليم كردستان العراق وتشريد وتجفيف الأهوار في الجنوب وتشريد وتهجير الكُرد الفيلية والعرب الشيعة, إضافة إلى التعذيب والتغييب والقتل أثناء وبعد قمع الانتفاضة الشعبية في العام 1991. وكانت هذه اللجان والمنظمات الدولية تحاول التيقن من تلك المعلومات بأساليب وأدوات مختلفة ومجربة. وكانت هناك بعض التقارير غير الدقيقة أو ربما معدة سلفاً ودون وقائع فعلية, التي كانت تثير لدى تلك المنظمات الخشية الفعلية على مصداقيتها إزاء العالم كله, إذ أن مصداقيتها هو رأسمالها في الدفاع عن الإنسان السجين والمعتقل والمعذب فيهما من قبل السلطات الحكومية. وكان الشك بأرقام هذه المنظمات الدولية والإقليمية قليلاً حقاً, إذ كانت تعتمد على معايير مهمة ومجربة, وكانت النتائج جيدة بالنسبة للناس المضطهدين والقابعين في السجون حينذاك.
واليوم حيث توجد قوى أخرى في المعارضة العراقية, فهي الأخرى ترفع تقاريرها حول حالة حقوق الإنسان في العراق, كما توجد قوى سياسية مناصرة لقوى الإرهاب الدموي ومؤيدة لها أو منها ترفع تقارير مبالغ فيها حول وضع أتباعها في سجون معتقلات العراق. ولكن لدي القناعة والثقة بأن هذه المنظمات الدولية ذات المصداقية الكبيرة تفحص بدقة وعناية فائقة تلك المعلومات التي ترد إليها حول انتهاكات حقوق الإنسان لكي لا تتورط بنشر معلومات كاذبة, ولكي لا تفقد مصداقيتها لدى الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي, ولكي تمارس دورها بشفافية وفعالية ومصداقية, ولكي تحقق نتائج إيجابية لصالح حقوق الإنسان وضحايا الإرهاب أو الحكومات وأجهزتها الأمنية.
ولكن غالباً ما تعترض الحكومات المتتالية بشدة على تلك التقارير بحجة عدم مصداقيتها أو المغالاة فيها. ومثل هذا الإنكار معروف للناس من جانب الحكومات الاستبدادية, وكذلك بعض الدول التي تدعي ممارسة الديمقراطية, ولكنها شكلية حقاً. ولهذا فأن الإنكار لا ينفعها شيئاً, إذ لا مصداقية لها لدى الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي.
ولهذا فأنا, والكثيرون غيري, ممن يثق بصحة المعلومات التي ترد من المنظمات الدولية المستقلة التي تعرض علينا حالة حقوق الإنسان في العراق. والتقارير الأخيرة الواردة عن العراق, وبضمنها أحوال حقوق الإنسان في إقليم كردستان, يمكن اعتبارها صحيحة ونسبة احتمال انحرافها عن الواقع الفعلي ضئيلة جداً جداًً. ولهذا لا بد من أن نتعامل معها بجدية ومسؤولية عالية, لأنها تمس الإنسان وكرامته وحقوقه وحياته.
تشير تقارير حقوق الإنسان حول العراق إلى أربع مسائل جوهرية:
1. موضوع السجون والمعتقلات, فإلى جانب العدد الكبير من السجناء والمعتقلين الذين يقدر عددهم أكثر من 30 ألف إنسان, فأن التقارير تشير إلى تعرضهم للتعذيب والمعاملة السيئة التي تُنتهك فيها حقوق الإنسان, وخاصة كرامته, وتتناقض مع التزامات العراق الدولية في هذا الصدد.
2. موضوع الفقر والجوع والحرمان الذي يشمل نسبة مهمة من العائلات العراقية.
3. موضوع الإرهاب الذي يمارس ضد الشعب من جانب القوى الإسلامية السياسية المتطرفة والمليشيات الطائفية المسلحة, ومن القوى البعثية وغيرها.
4. الفساد المالي الذي يستنزف موار البلاد المالية ويقلص إمكانية استخدامها لأغراض التنمية الوطنية.
إن المواضيع الأربعة ذات أهمية فائقة بالنسبة لحقوق الإنسان في العراق, سأحاول معالجة الأولى لأهميتها بشأن الواقع العراقي الراهن. وربما سأعالج القضايا الأخرى في حلقات لاحقة.
للعراق سجل قديم غير مشرف في مجال التعامل مع حقوق الإنسان ومع السجناء والمعتقلين بذمة التحقيق, رغم أن العراق كان من الدول التي ساهمت في وضع اللائحة الدولية لحقوق الإنسان ومن أوائل الموقعين عليها, ولكنه كان من أوائل من انتهك مبادئ تلك اللائحة والمواثيق والعهود الأخرى التي صدرت فيما بعد أيضاً.
والغريب بالأمر حقاً هو أن ضحايا انتهاك حقوق الإنسان حين يصلون إلى السلطة يتحولون بين ليلة وضحاها إلى جلادين بكل معنى الكلمة, جلادين ضد من كان يجلدهم قبل ذاك بدلاً من ممارسة المعايير الحقوقية والقوانين التي تحرم التعذيب والقهر والمس بكرامة الإنسان واعتبار المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته والتعامل معه قبل وبعد الحكم عليه بصورة إنسانية. الضحية يتحول إلى جلاد, والجلاد يتحول إلى ضحية, وهكذا عاش العراق في حلقة مفرغة من تبادل المواقع! وهي مسألة مرتبطة دون أدنى ريب بعدد كبير من العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية والتقاليد والعادات الناشئة عن طبيعة العلاقات الإنتاجية التي سادت أو لا تزال سائدة في العراق, أي أن المسألة مرتبطة بمدى تخلف او تقدم المستوى الحضاري لهذا البلد أو ذاك وطبيعة الدولة والسلطة.
لا شك في كون العراق يتعرض لعمليات إرهابية مريعة, ولا شك في وجود مطاردة ضد تلك القوى الإرهابية بمختلف أطيافها الفكرية والسياسية, ولا شك في وجود جمهرة من المعتقلين والسجناء لهذا السبب أو ذاك من الأسباب المرتبطة بجرائم قوى النظام السابق أو القوى والعصابات والمليشيات الطائفية الإرهابية في الوقت الحاضر. وإذا كان هذا معروفاً, فأن المعروف في الوقت الحاضر أيضاً أن الحكومات العراقية المتعاقبة خلال الفترة التي أعقبت إسقاط النظام الدكتاتوري وقوات الاحتلال الأمريكية قد سمحت لأجهزتها الأمنية بممارسة أبشع أنواع التعذيب بحق المعتقلين والسجناء السياسيين والإرهابيين. إذ يمكننا أن نشير إلى ما يلي حول واقع حقوق الإنسان في العراق:
1. هناك عشرات المعتقلات والسجون في العراق, وهي ليست أقل كثيراً من سجون النظام السابق.
2. هناك سجون سرية يكشف عنها صدفة أو بمساعدة الأهالي وعبر التحري الدقيق من قبل صحفيين ونشطاء حقوق الإنسان أو عن طريق الصدفة.
3. هناك عدد كبير من المعتقلين الذين لم يقدموا إلى المحاكمة أو حتى التحقيق رغم مرور سنوات على وجودهم في المعتقل.
4. هناك تأخير كبير في حسم معاملات المعتقلين على ذمة التحقيق مما يزيد من عذابات المعتقلين, إذ أن بعضهم لا يدرك أو لا يعرف حقاً أسباب الاعتقال. فقد أوردت منظمة العفو الدولية عن إقليم كردستان ما يلي:
"وردت تقارير مماثلة عن ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وإن على نطاق أضيق. إذ اعتقل عشرات الأشخاص بلا تهمة أو محاكمة، ولفترات وصل بعضها إلى 0 10 سنوات. وبينما كان بعض هؤلاء ضحايا للاختفاء القسري، تعرض البعض للتعذيب."
5. هناك تعذيب منظم ومستمر وهادف ضد المعتقلين والسجناء بهدف إسقاطهم وتحطيم كرامتهم للحصول على معلومات منهم. وما حصل في أبي غريب أو المثنى يؤكد مدى الجرائم التي كانت أو لا تزال ترتكب بحق المعتقلين والسجناء في العراق.
6. إن أساليب التعذيب التي تمارس في المعتقلات والسجون العراقية نفسية وجسدية, حيث يصبح الفرد رهينة بيد جلاديه يمارسون معه الكثير من أدوات التعذيب والتي تقود أحياناً إلى موته أو أن يتعرض إلى الاغتصاب الجنسي أو غير ذلك. وأحياناً غير قليلة تتعرض عائلات المعتقلين والسجناء إلى التعذيب النفسي وغير المباشر أو إلى الابتزاز.
7. إن الأساليب التي تمارس في السجون هي خليط بين أساليب قديمة من العهود الإقطاعية والشرقية القديمة, وبعضها حديث مأخوذ من ترسانة أساليب التعذيب التي مارستها قوات الاحتلال الأمريكية في سجن أبي غريب الذي عاد للعمل من جديد باسم سجن بغداد المركزي. وهي تذكرنا ببعض الأساليب الذي كان يمارس من جانب حزب البعث وحكمه في قصر النهاية ببغداد. فقد أورد آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان في العراق صورة مريعة لأساليب التعذيب الجارية حالياً في العراق نوردها فيما يلي:
" الاغتصاب أو التهديد بالاغتصاب. والضرب بكيبلات الكهرباء وخراطيم المياه. التعليق لفترة مطولة بواسطة الأطراف. والصعق بالكهرباء لأجزاء حساسة من الجسم. وتكسير الأطراف. ونزع أظافر أصابع القدمين بزرديات. والخنق بحشر الرأس في كيس بلاستيكي. وثقب الجسم بمثقاب. والإجبار على الجلوس على أدوات حادة كالزجاجات المكسورة. هذه ليست سوى بعض أساليب التعذيب التي استخدمت ضد الرجال والنساء والأطفال من قبل رجال الأمن العراقيين التي وصفتها منظمة العفو الدولية خلال السنوات الأخيرة وأحد المرافق التي خرجت منها العديد من التقارير عن ممارسة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة
يقع في «المنطقة الخضراء » وتتقاسمه «وحدة مكافحة الإرهاب » مع «اللواء »56 ، المعروف سابقاً باسم «لواء بغداد » التابع لسلطة وزارة الدفاع والمكلف بمسؤولية حماية «المنطقة الخضراء .»
إن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة قد تفشى على نطاق واسع في السجون ومرافق الاعتقال في شتى أنحاء العراق على مدار العديد من السنين. وقد نشرت منظمة العفو الدولية عدة تقارير توثِّق استخدام التعذيب على نطاق واسع في العراق، وأثارت بواعث قلقها في هذا الصدد في مراسلات مكتوبة مع السلطات العراقية."
8. التغذية في السجون العراقية غير جيدة وكذلك ظروف السجن, كما إن الحياة اليومية للسجناء والمعتقلين بعيدة كل البعد عن حياة البشر والتعامل الآدمي معهم.
9. وتؤكد تلك التقارير إلى أن التعذيب في التحقيق وفي المعتقل أو السجن وإساءة المعاملة لا يقتصر ممارسته من جانب أجهزة الأمن التابعة للحكومة الاتحادية, بل يشمل أيضاً أجهزة الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان وفي المحافظات الثلاث. إذ تورد تلك التقارير أسماء العديد من الناس الذين اعتقلوا منذ سنوات ولم تجر محاكمتهم حتى الآن,
10. وتؤكد التقارير إلى عدد من المعتقلين ممن تعرض إلى التعذيب أو مات في السجون والإدعاء بأنه قد أصيب السجين أو المعتقل على ذمة التحقيق بجلطة قلبية أو ما شاكل ذلك, إضافة إلى الاعتداءات عليهم في الشوارع أو إلى الاغتيالات التي يتعرض لها المواطنون, ومنهم بشكل خاص الصحفيون والعلماء والأطباء, والتي لا يعرف من مارس تلك الاغتيالات, والتي يتراوح الشك باغتيالهم بين عصابات الإرهاب وأجهزة الأمن الحكومية!
إن هذه الملاحظات تكشف بحق عن غياب مفاهيم الديمقراطية وغياب الوعي بحقوق الإنسان لدى قوى الحكومة وأجهزتها وعن التعامل غير الإنساني مع السجناء أياً كانت الجريمة التي ارتكبوها, إذ أن القانون هو الذي يعاقبهم على الجرائم التي ارتكبوها لا غير.
ينبغي أن لا نسكت عن التعذيب في السجون, يفترض أن نرفع الأصوات لإيقافها, ولا يجوز تبريرها بأي شكل كان, ولا اعتقد بوجود مبالغات من جانب المنظمات الدولية بما يجري في السجون العراقية. فعدد 30 ألف سجين, كما أشارت إليه منظمة العفو الدولية هو رقم غير بعيد عن الواقع, بل أقل من الوقاع الفعلي.
إن عدداً كبيراً من العاملين في أجهزة التحقيق والأمن يفكر بطريقة بشعة, بطريقة الثأر والانتقام من السجناء والمعتقلين, في حين أن المعتقل على ذمة التحقيق أو السجين هو أمانة بيد سجانه الذي يفترض فيه أن يعتني به وليس أن يعذبه, يفترض أن يعيده إلى جادة الصواب بطريقة إنسانية بدلاً من تعميق روح القهر والغضب والانتقام لديه.
إن المسؤولية لا تقع على عاتق الأجهزة الأمنية فحسب, بل وبالأساس على حكومة نوري المالكي, وعلى شخصه مباشرة, كرئيس للوزراء, وعلى مجلس الوزراء وعلى وزارات العدل والداخلية والدفاع, وعلى رئيس وحكومة إقليم كردستان العراق ومجلس النواب في كردستان العراق, ومن ثم على رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والقضاء العراقي كله الذي لا يعلن شجبه ويعمل على إيقاف الاعتقالات الكيفية والتعذيب في السجون أو الاعتداءات والاغتيالات السياسية التي تقع بين فترة وأخرى, إضافة إلى العجز عن مواجهة الإرهاب الذي هو انتهاك فظ لحقوق الإنسان.
إن على الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق أن تأخذ بتوصيات منظمة العفو الدولية فوراً, إذ أن أي تأخير في ذلك يعرض المعتقلين والسجناء إلى مزيد من الإيذاء ويحملهم المسؤولية أولاً وقبل كل شيء, كما يسئ إلى ما يتحدثون به عن طريقة النظام السياسي في العراق ومعه الإقليم. إن عدم الأخذ بذلك يفترض أن يعي الشعب العوامل الكاملة وراء التلكؤ وعدم الاستجابة لمنظمات حقوق الإنسان الدولية وما يفترض فيه أن يمارسه في هذا الصد, إذ أن الساكت عن الحق أكثر من إبليس أخرس, بل ومشارك في ما يحصل للمعتقلين والسجناء في العراق.
24/9/2010 كاظم حبيب




Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
الأول من نيسان عطلة رسمية في قضائي بغديده وتلكيف عنكاوة كوم:

قرر مجلس محافظة الموصل اعتبار الأول من نيسان يوم عطلة رسمية في قضائي حمدانية (بغديده) وتلكيف جديد الموسوعة: الخامس من تاريخ المراقد شبكة اخبار نركال/NNN/ المركز الحسيني للدراسات - لندن/ عن المركز الحسيني للدراسات بلندن صدر حديثا (1430هـ - 2009م) الجزء الخامس من كتاب قوات العمليات الخاصة العراقية تشتبك وتقتل 22 في البصرةو هجوم اخر يسفر على قتل 13 مسلح شبكة أخبار نركال/NNN/ اعلنت القوات المتعددة الجنسيات من بغداد بأن قوات العمليات الخاصة العراقية قامت بالاشتباك وقتل عدد من المقاتلين المجرمين في البصرة العراق .. نظام مأزوم وشعب مهزوم ليس هناك أحلى من نصر يحققه أي شعب كان ، لمّا تأتيه الفرصة التاريخية كي يعبر عن ارادته في اقامة نظام ديمقراطي على انقاض حقب طويلة من الحكم الشمولي الإستبدادي . وليس هناك احق من الشعب أن يكون مصدر السلطات وأن يرهن مواطَنة حرة على ارضه بيد ممثليه الصادقين ا

Side Adv1 Side Adv2