لستَ شجاعا حين تضيّعكَ بوصلة القرصنه ,بل جبانا لوألقيتَ بمجذافِكَ وسط الموج
على خطى كل مثقف في سعيه نحو كشف الحقيقة والبناء عليها, يكون المنطق وواقعيته المجرده هو السبيل الاقرب إلى ملامسة عقول الناس وإحترام مواقفها مهما إختلفت, أما الرومانسيات المتأرجحة ما بين تلميع المشوّه وبين الهتك بالمساكين فهي سبيل المراهقة في جذب القلوب المكسّره او نفرها , وما سأدلو به ليس بالضرورة ولا من الإنصاف إختزاله في هدف الدفاع عن قائمة الرافدين والحركة الديمقراطية الأشورية التي أصبحت هدفا سهلا امام ابناء شعبها قبل الغرباء , بل الأمر ابعد من ذلك ومن دون النيل من الأخر عدا ما يتوصل القاريئ إليه , فلو هدأت النفوس وأعترف الجميع بأن المفاجأت في العمل السياسي حالة واردة بالتوازي مع حالة التراجع الشعبية و لأسباب متعدده ,تكون ظاهرة صم الآذان وكم الافواه وعصم العيون هي مساعي لا يتحلّى بها حتى أنصاف المثقفين , فكيف بنا مع داعية الثقافة السياسية أ و رجل اللاهوت الذي أغرق نفسه ومعه الصليب الذي على صدره في بركة تغميض عينيه وصم أذنيه عن حقيقة ما يدورلينطق بالإعوجاج والكلام المفبرك الذي يعيد فيه صلب المسيح مرارا وتكرارا.حينما تتسم أية فعالية تنافسية بوسطية نزاهتها ونسبية عدالتها ,يكون الإقرار بنتيجة الفوز أو الفشل إستحقاق منطقي لابد من إحترامه والتقيّد به , ولو إفترضنا تحقق قدر معينا من هذه الوسطية في إنتخابات مجالس المحافظات, ليبقى هناك ما يؤخذ عليهاو ليكون النقد والكشف عن سلبياته نصيبه الطبيعي , أمّا محاولة تسفيه عقل الآخر وتعطيله لغض الأنظار عمّا حصل من تجاوزات مهما صغر حجمها او كبر فتلك هي الحماقة والرعونة بعينها بل وفي درجاتها المتقدمة, لأنه ضرب من التعسكر في درك فكري واطيئ حيال ممارسة لا يقبلها أي إنسان يدعّي الصدق مع نفسه .
أن وضوح معالم ما رأيناه وسمعناه من تجاوزات ( سبق وذكرنا جانب منها في مقالنا السابق) لا يتطلب وصفها وتفسيرها بذل ذلك الجهد الكبير لأنها كانت مكشوفة ومورست بالعلن , أي بإمكان كل متابع بسيط أن يقول وبملئ الفم بأن الذي جرى لايمكن تمريره إلا على العقول المخدّره والأعين المعصومة ,من هنا , حين نقول بأن كشف الحقيقة أمر مكلف على بعض طامسيها فتلك لعمري هي جوهر القضية خاصة لو طالت مرارة ذكرها وكلفة كشفها تخم البطون وبطانات الجيوب وزقزقة الكرسي الدوار , ومن يورط حاله في محاولة حجب الحقيقة عن الأنظار وتزييفها عنوة , عليه أن يتذكر جيدا بأن الروبية قد تغري نفرا في غفلة من أمرهم , لكننا في ذات اللحظة نذكرّهم بأن ذلك خزي وعار وأن لنا في تاريخنا وحاضرنا أناسا داسوا على تلك الروبية بعد ان بصقوا عليها وأستمروا بالمسيرمرفوعي الرأس وما كان للتاريخ إلا الرضوخ صاغرا ليحفر أسماءهم في صفحاته بحروف من ذهب .
مشكلتنا يا إخواني هي نفسها تتكرر وما تزال, و علّتها تكمن بألوان الجرع وطعمها اللذيذ, تلك التي يتناولها البعض من مثقفينا ورجال لاهوتنا (نشكر الرب أنهم ما زالوا قلّة) قبل ان تعلو أصواتهم و تحتد أقلامهم من أجل تظليل البسطاء في إسباغ صفة الإقتدار المطلقة و إلصاق الجمالية المتناهية على حالة مشوّهه أشبه بدمية عشقوها لحد وصفها بهذه الرومانسية و ليحملّوها ما لا طاقة لها به ,ناهيكم عن عجزهم في الإشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى جوهر المسألة وما رافقها من ألاعيب وتجاوزات يسعون غير محسودين الى التغطية عليها , إنها فعلا خيبة ما وراءها خيبة ,فهي تعكس إما مدى قصر العلم في السياسة أو تأكيد على كيدية الموقف المسبق , ناهيك عما يعنيه المثل القائل أشبع البطون كي تستحي العيون .
دعونا نتناول المشهد من الجانب الأقرب, بعيدا عن الهلوسة والتطيبرفي ملئ السطور.
في وصف حالة الخوف ودراستها , يجمع العلماء على أنها تظهر مع ولادة الإنسان وهي موجودة تعيش لتكبر أو تصغر في كل مخلوق مع تفاوت حجمها و درجة فعلها بين شخص وآخروبين زمان ومكان الظرف الذي عاش وتربّى فيه ذلك المخلوق , ومن البديهي أن قدرة الإنسان على التحكم في حجم تأثيرحالة الخوف السلبية على تفاصيل حياته هي الفاصل ما بين ان يصبح الإنسان جبانا سهل الإنصياع امام مغريات اللحظة وبين شجاعة التخفيف من وطأة شبح الخوف وإستمكانه على تفاصيل حياته اليومية ليتربّع في موقع المتحدي لحد إكتساب شرف الشهادة .
وبمجرد مقارنة تداعيات هاتين الحالتين المتناقضتين في أعلاه , سنصل بكل سهولة الى معرفة هوية المستسلم لفعل تأثيرالخوف وتبعاته على تصرفاته وهو يرتكن ويركد حيث فتات الموائد ,ليكون بإمكاننا في نفس الوقت تشخيص الشجاع المؤمن الذي تحتم عليه شجاعته أن يتواصل في جوعه مع أهله لمجابهة الوضع مهما إحتدم الصراع وكثرت السهام ,فأمامه وهو المؤمن بقضيته, مهمة إحتواء الشائبة بعقلانية و العمل على ترصين الحال دون إلإنشغال في تلميع بزة هذا او هجاء ذاك أي دون معاداته ولا حتى مجاراته لأن في الأمر مكيدة لم ينتبه إليها السواد المتورط , و عملية السعي في البحث عن البدائل تشكل في هذه الحالة خيار أولئك الشجعان الذي لا مناص منه , لأنهم عندما إتخذوا من الإصرار و التحدي في حياتهم نهجا في مسيرتهم يحتم عليهم التحسب لأي تغيير طارئ او محسوب في محيطهم لتتغير معه تصرفاتهم وسلوكياتهم وطرائق تفكيرهم .
حين يقول س من الناس بأن حل أزمة معينة هو أمر غير مستحيل لكن تحقيقه أمر صعب لذا يجب البحث عن أقصر الطرق واسهلها , يرد عليه ص بقول مغاير, كأن يقول: نعم أن الحل فعلا صعب لكنه ممكن لو بذلنا من اجل ذلك جهدا مضاعفا , من هذين الرديّن المختلفين أترك الأمر للقاريئ الحليم كي يشير ببنانه إلى من هو الجبان المتقاعس والذي وصفته في إحدى مقالاتي السابقة ب(المتطفل) , ومن هو الشجاع المثابر الذي تعوّل عليه الأمم في بناء كياناتها , ولندع الأيام تحكم .
بالنسبة للشجاع المتسلح بإيمانه بقضيته ,حينما يَطلب من زميله تبنّي الموقف الذي يثبت فيه إحترامه للآخر كي يتحقق له ذلك بالمثل, يرد عليه زميله في الجانب الثاني في قوله بأن إعتماده في تمرير لوازم حياته هو على مبدأ أخدع أخيك قبل أن يخدعك دون إجهاد النفس في البحث عن الأفضل عبرمثابرته الإنسانية المعتبره لأن مهمة الإنتقال من السيئ الى الجيد ثم الأفضل تتطلب تضحية وعطاء وذلك ما لا يمتلكه هذا الزميل , هنا إذن تبرز غلبة حالة الخوف ومساحة فعلها التقاعسي في السلوك العام للإنسان كي تثبت لنا فقدانه لمقومات الإستعدادية الإيمانية المطلوبة للخوض في تجربة يعتبرها غاية في الصعوبة كونه لم يعتد عليها لذلك تبدو في نظره متعبة ومملّه وغير حضارية لأنها تستلزم منه التضحية .
إذن ليس غريبا أن نرى الجبان ( المعذرة عن تكرار كلمة جبان, فهي نقيض كلمة الشجاع) منشغلا يتحسّب الريح ومصدر هبوبها وإتجاهها , لكن المستهجن في الأمر هو حين نراه غارقا في البحث عن وسيلته السريعة نحو إمكانية السير في نفس إتجاه تلك الريح ,وما أكثرها من وسائل مبتذله , بينما الشجاع الذي نذر على نفسه تحمل مسؤولية مسار زورقه و سلامة وصوله, يبقى ممسكا بشراعه كي يسيطر بكل ما لديه من قوة في مواجهة الريح العاتية حتى لا تحرفه عن مساره, وكلنا يعلم بأن هذا الإصرار يحتاج الى إرادة كامنة ونفس نظيف يمنحه القدرة على مصارعة الأمواج المتلاطمة التي ربما تلويه حينا وينجو منها حينا آخر لكن تبقى العبرة في عدم الإستسلام للكبوة لو حصلت .
عندما يؤكد العديد من علماء النفس, على أن تفاقم حالة الخوف لدى البعض قد تؤدي بهم الىالشعور بالدونية التي تزرع في عقله فوقية الآخر عليه بكل شيئ, بينما في وصفهم للشجاع بالمجاهد العنيد من أجل رفعة شخصيته وسيادته على مصيرها , يثبت لنا هذا التحليل بأن شعور الجبان بخواء حياته من اي مفردة او دلالة لروح التصدي يجعله يتصور بأن حياته هي فعلا خاوية من أية حالة ظلمية أو قهرية تستدعي الكفاح والتضحية, في حين لا يرى الشجاع أية جدوى من وجوده لو لم يعايش كرب الأخرين وعذاباتهم ثم لينطلق من أرضية هذا القهر والعذاب نحو خطوط الإنطلاق بأتجاه الحرية والإنعتاق للمجموع.
كنت وما زلت أؤمن بأن حق نقد الآخر أمر مضمون لكل أنسان, لكن مفعول ذلك النقد لا يشق طريقه ما لم يكن قد إكتسب ميزة المصداقية من خلال النقد الذاتي اولا, أي ان الذي ألصق لنفسه حق وحرية نقد الآخر قد اضاع من جهده الكثير حين لم يسعى ولو لمرة ان يستمع الى صوت العقل الجماعي .
في ختام كلامي أود أن أسأل السادة المحللين او بالأحرى المطبلين لمجنونتهم الممكيجة التي وجدوا في خدودها المحمرّة فرصتهم للإنقضاض , ما رأيكم يا سادة لو إفترضنا ان المجلس الشعبي لم يمتلك تلك الأموال ليبذخها لصالح فوز قائمة عشتار هل كانت النتيجة هي نفسها أم مغايرة؟؟
أرجو من الذي سيجيب على سؤالي أن يستفاد من إجابته ويفيد الأخرين بصدق في إغناء كتاباته التحليلية وتنظيراته التي سئم منها حتى الذي منح صوته لقائمة عشتار بعد تلقيه ثمن صوته . والحليم تكفيه الإشارة.