لقاء المالكي والحكم الذاتي لشعبنا في ( أُوجٍبْ مايا )
في الطريق الى استوكهولم للمشاركة في اللقاء الذي نظمته السفارة العراقية في السويد , بين رئيس الوزراء العراقي والوفد المرافق له الى مؤتمر العهد الدولي وبين نخبة من ابناء الجالية العراقية في السويد , ذهبت بنا الاحاديث والامال , بل والتفاؤل عند البعض حد التحليق في الفضاءات الرحبة مُمَنين النفس بالثقة في ان رئيس الوزراء العراقي سيعزف ما يُشرح القلب وتطيب له النفوس في اقرار واضح وصريح بحقوق شعبنا , ينطلق من عاصمة السويد ليحمله هوائها العليل صوب شعبنا الصامد في الداخل , وفي غمرة نشوة التفاؤل هذه ذهبنا ورفيقي في الرحلة الاخ العزيز سعيد شابو حد المزح والنكتة , فتساءل إن كنت أعلم ان شعبنا في عنكاوة وشقلاوة ومناطق اخرى يُطلق على شعبنا في سهل نينوى بِ ( أوجٍبْ مايا ) , بمعنى سكنة الجانب الاخر من الماء والمقصود هنا طبعا هو الزاب , فقلت له انني اعلم ذلك , ولهذا فهي فرصة ثمينة ان نطالب اليوم السيد المالكي بالحكم الذاتي لِ ( أوجٍبْ مايا ) ولانقول لسهل نينوى عسى ولعل الامور تخبط لدى رئيس الوزراء العراقي فيعتقد ان ( اُوجٍبْ مايا ) ربما هي منطقة لاتقع ضمن خارطة العراق , وبالتالي فهو لايخسر بمنحها الحكم الذاتي ( لاجير ولابسامير ) . شعرنا بالضجر عندما وجدنا انفسنا في ازدحام كبير للسيارات بعد دخولنا العاصمة في الطريق الى المطار , حيث اللقاء في احد الفنادق القريبة منه فقد بدا القلق واضحا على ملامح الزميل العزيز سعيد شابو عضو المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري , وكنت بين فترة واخرى احاول طمأنته في اننا سنصل انشاءالله في الموعد المحدد ,( بالرغم من اننا كعراقيين أشك حقا في احترامنا للدقة في المواعيد , وفعلا تأخر اللقاء اكثر من نصف ساعة عن موعده المحدد ) , وسيجد صديقي الغيور على شعبه مجالا واسعا ليطالب بجميع حقوقنا المشروعة ومن ضمنها الحكم الذاتي لِ ( أوجٍبْ مايا ).كما ان الكتاب في عنوانه هكذا بدا اللقاء برئيس الوزراء العراقي مُحبطا منذ لحظة بدايته , حيث ما أن دخل السيد المالكي القاعة واعتلى مكانه في المنصة حتى بدأت الدعوات والصلوات الدينية تدوي في القاعة , مما يعطي انطباعا للحاضر بانه في ( حسينية كربلائية ) و ليس في اجتماع سياسي في استوكهولم . اننا هنا لسنا ضد الدعوات والصلوات والطقوس الدينية , بل نكًن لها كل احترام واجلال , وقد كتبنا منذ فترة , واثناء ازمة الرسوم الكارتونية ,باننا مسيحيون حتى النخاع ولكننا نحترم ايضا الاخرين حتى النخاع , وهكذا نرى ان لكل طقس او تقليد زمانه ومكانه , فما أجملنا ونحن في استوكهولم لو ننشد جميعا للوطن الذي يجمعنا نشيده الوطني او ماشابه ذلك عوضا عن ان ينفرد بعضنا بما هو خاص به , اضف الى ذلك فان هذه الطقوس والاهازيج الدينية تفرض على الاخرين , وفي المقدمة منهم ممثلي شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , بيئة لا تصلح باي شكل من الاشكال للمطالبة باية حقوق قومية او دينية بل تُذكرهم على الدوام انهم ( اهل الذمة ) الذين ينيغي لهم ان يطالبوا فقط ( بستر الحال ). ربما جاءت تركيبة المنصة لتؤكد هذا الشعور حيث حرصت الحيتان الكبيرة على تمثيل نفسها في الوقت الذي عزً عليها ان تدعو الى جانبها ( اسماك الزينة ) , والمقصود فيها ممثلي شعبنا , بالرغم من ان تلك الحيتان تعلم علم اليقين ان اسماك الزينة هذه لاتملك القدرة على منافستها في النهم والنفوذ , ولكن يبدو ان تلك الحيتان قد وجدت حتى في دعوة اسماك الزينة , من باب المجاملة , امرا لايستدعي الاهتمام .
ثم عن اية حقوق وحماية يمكن ان نتحدث ورئيس الوزراء العراقي قد اقتصر الطريق الى ذلك , حيث نفى , جملة وتفصيلا , ان يكون هنالك اضطهاد ضد ( المسيحيين ) في العراق , بل زعم ان الاضطهاد واعمال العنف والارهاب تستهدف جميع ابناء العراق ومن ضمنهم المسيحيون , وكأن السيد المالكي يرى ان اغتيال المطران الشهيد ورفاقه الكهنة كان ضمن عمليات طالت مارة عاديون في الشوارع , او تجارا ضمن عمليات تصفيات السوق والمنافسة , او اقطابا في احزاب سياسية وميليشات متصارعة , وليس لذلك اية علاقة بالخلفية والخصوصية الدينية التي يمثلها اؤلئك الشهداء , اما عمليات تفجير الكنائس فهي ربما في نظر السيد المالكي اعمالا تخريبية استهدفت وتستهدف ( سفارات و قنصليات اوربية او نوادي اجتماعية ورياضية ! ) والهدف منها تشويه سمعة الحكومة في الساحة الخارجية . لقد غاب عن بال دولة رئيس الوزراء ان المسيحيون كانوا على الدوام عرضة لاضطهاد التمييز بسبب الهوية الدينية والشعور بدونية الدرجة الوطنية , وبات هذا الاضطهاد حاله حال الاشعة الخلفية في الفيزياء , يعيش معهم ويرافقهم , يقاسمهم حياتهم حتى اصبحوا يؤمنون انهم جزء منه وهو جزء منهم , فهو قدرهم , تختلف مستويات فعاليته باختلاف المناطق والزمن. وهكذا بدت مستويات هذا الاشعاع ( الاضطهاد ) قابلة للقياس ايضا , اذا كان السيد المالكي يبدي رغبة في قياسها حتى في اثناء اللقاء وفي استوكهولم , من خلال تعقيبات واجابات للسيد همام حمودي رئيس لجنة التعديلات في الدستور والعضو النافذ في الائتلاف الموحد والجالس على يسار السيد المالكي في اللقاء , فأعلن الشيخ حمودي ( وبشًرَنا ) بانهم الان في طور دراسة ( موضوع الاقليات ) ,حيث ستخرج تلك الدراسة بضوابط تحدد من ينطبق عليهم وصف ( الاقلية ) لتتبعها دراسة اخرى تضع لائحة بحقوقهم , اما واجباتهم فلا تحتاج الى تحديد لانها كانت على الدوام لاتقل قيد انملة عن واجبات الاخرين . ( كل الدعاء الى الرب , له المجد , ان يشملنا بعنايته ورعايته ويحشرنا يوم الحشر في قائمة الاقليات ! ). اما في موضوع اقصاء شعبنا من التمثيل في مفوضية الانتخابات , فقد كان الشيخ همام حمودي ( كريما جدا ) حين عبًر عن امله في ان تصل الحيتان الكبيرة الى اتفاق يسمح بوجود مراقبين ( وليس اعضاء كاملين ) يمثلون المكونات الصغيرة في مفوضية الانتخابات !. امام هذا الوصف المختصر , ألا يصبح الحديث عن الحكم الذاتي في ( أُوجٍبْ مايا ) او في غير (أُوجٍبْ مايا ) تجسيدا حيا للمثل المعروف ( عرب وين وطنبورة وين )! . ليس هذا بمعنى الاستهزاء بحقوقنا ومطالبنا , فليس الحكم الذاتي قط رداء اكبر من قياسنا , بل ان في شعبنا من الامكانيات والطاقات مايسمح له بقيادة بلد بكامله , بقيادة نفسه والاخرين , ويقينا ان الاخرين سيجنون تحت قيادته فوائد اكثر بكثير من التي جنوها ويجنوها تحت قيادات اخرى , وسيجدون انفسهم في حلٍ من الدخول في انفاق الامس واليوم , وليست هذه نرجسية مجردة وغرور فارغ بقدر ما هي حقيقة يعترف بها البعض علنا والكثيرون سِرا. لكن القصد فقط هنا هو استعراض الواقع الأليم الذي يعيشه شعبنا ( كدور سياسي ) و الملئ بالتهميش والاقصاء.
ان القاسم المشترك الذي خرج به جميع من حضر اللقاء وهو محسوب على شعبنا , بمختلف مكوناته القومية والمذهبية وانتماءاته السياسية او المستقلة , كان الشعور بالاحباط الشديد والشك بحدوده القصوى من ان تمنح هذه التشكيلة التي تقود العراق رسميا اليوم اية حقوق لشعبنا , ربما ليس بدافع عدم قناعة هؤلاء القادة في تلك الحقوق , بل لان هؤلاء ليس لهم الوقت اساسا للتفكير فيها , فهم منشغلون يتصارعون على مايحصلون عليه , ولايعتقدون ان هنالك في المستقبل المنظور ما قد يفيض عن حاجتهم ( ليتكرًموا ) به للاخرين وخاصة للصغار !. لقد كان الاحباط هو السمة المشتركة البادية على وجوه من يُمثل الحركة الديموقراطية الاشورية كما على وجوه من يمثل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري وكذلك بالتأكيد على كاتب هذه السطور وعلى غيره من المستقلين المهتمين بقضية شعبنا. وهنا يصبح السؤال ملحا في ضرورة ان يكون هذا الإحباط هو القاسم الشترك الذي , ربما لوحده , يمثل عاملا كافيا للجلوس على مائدة واحدة وتشكيل ( هيئة انقاذ قومية ) لشعبنا , بعد ان نترفع عن كل المصالح الحزبية والشخصية الضيقة و نترك اجندة شعبنا تتقدم على كل الاجندات الاخرى , فتنطلق هذه الهيئة بعمل منسجم يتوحد حول الثوابت لتشكٍل ( لوبي ) قادر على تحشيد الدعم الدولي و فرض نفسه ثقلا مؤثرا على الساحة الوطنية .
تُرى , هل سينتبه ممثلي شعبنا لخطورة الحالة ؟! أم انهم قرروا الاستمرار في مسلسل الخسائر حتى النهاية , حيث ستختم الزيارة القادمة لرئيس الوزراء العراقي و الشيخ همام حمودي الى استوكهولم هذا المسلسل بإعلان ( البشرى السارة ) في ان شعبنا لاتنطبق عليه ضوابط ( الاقلية ) ولذلك عادت الحكومة رسميا الى اعتماد التسمية التي استخدمتها في السابق سهوا , ألا وهي ( الجالية ) كونها الأنسب والاوفى !.
wadeebatti@hotmail.com