لماذا تهدأ بغداد
سؤال ليس في محله لأول وهلة فقط.. لمن يرغب بالأمن وهو بالفعل أساس الاستقرار وإعادة الأعمار، ولكن عندما تجري الامور بلا مقدمات حتى في شقها الايجابي فان هذا باعث على القلق ، ومن شواهده ذلك الهدوء المفاجأ للعاصمة بغداد ، وانهيار إمبراطورية طالبان العتيدة في بلاد الرافدين وحصول نوع من التوافقات بين النسيج الاجتماعي العرفي "العشائري " على مساعدة الحكومة في إرساء الأمن في مناطقهم وبعضهم ذهب الى ابعد من ذلك الى التصالح والتحاور مع قوات متعددة الجنسيات أو الاحتلال كل هذه الملفات الساخنه تأتي في غضون شهور قلائل حسمت موقف السنوات التي شهدت تداعيات في الملف الأمني جعلت من العراق البلد الأول في القتل العشوائي والإعدام على الهوية ، وشل مفاصل الدولة بما أمكن للمسلحين إن تصل إليه أيديهم ،هذه الحركة السحرية تحلل على مسارين :السبب الاول : إن هذا الأمن السريع ماهو إلاّ اتفاق امني بين دول الجوار والحكومة العراقية ، وربما بالتحديد بين ايران والعراق تاتي على خلفية تصعيد الولايات المتحدة لهجتها مع رئيس الوزراء نوري لمالكي ونعته بانه بدا يتمرد أو انها قد تستبدله بعبد المهدي مرشح المجلس الاعلى أو اياد علاوي رئيس قائمة التوافق ، وكلاهما لن ينالا موقع رئيس الوزراء في حال اقصي المالكي عن السلطة لان انجح الاستراتيجيات هي تفتيت هيمنة الكتل على المواقع السيادية العليا واعتماد مايعرف "بالتوكنقراط" وهي مكيدة أمريكية لسحب البساط من أحزاب السلطة الحاكمة في بغداد ، يعرفها من يحقق في تفاصيل الوزارات وكل المناصب المهمة يجد إن دور الوزير قانونيا لايتعدى الاشراف والتوقيع ومعظم إدارتها تنحصر في الوكلاء ولاسيما الوكيل الأقدم للوزير والذي قد يوقع عند غياب الوزير أو سفره .. الوزير للقاءات التلفازية ، الوزير للبركة في الوزارة ، العمل بيد الوكلاء والمستشارين وكبار الإداريين في الوزارة ، الشرط الصحيح في اختيار الوزير هي الخبرة وقوة الشخصية ثم تأتي الشهادة ثانيا متمم للخبرة والا فهناك شهادة الدكتوراه والبروف أثبتت الفشل والفساد ..
السبب الثاني : الجماعات المسلحة التي كانت تهدد الأمن في بغداد انقسمت الى فئتين ، الفئة الأولى غير مستقلة وتتبع الى إحدى الدول التي تعاهدت الاتفاق الامني لتفويت الفرصة على الولايات المتحدة الرامية الى اسقاط حكومة المالكي ووضع رجل يحكم العراق بمثابة "كش ملك" لايران وسوريا ، وهذه الجماعات ايضا انقسمت الى فئتين إحداهما تعمل مع دول الجوار بمعنى الأوامر والتنظيم الهرمي وهذه تتوقف بمجرد صدور الأمر بالتوقف ، أما الفئة الأخرى فتتوقف ضمن تحصيلات بديهية ، تقضي بان السلاح يأتي من سيولة المال والأخير من دول وحكومات فاذا جفت منابع الأموال أصبحت هذه الجماعات شبيه باسماك الشباك تتحرك بأنفاس المحتضر ، أما الفئة الثانية وهي المستقلة ظاهرا أو تشعر بأنها تعمل باستقلالية ، في مثال كهذا يصبح أمر ايقافها يحتاج الى معادلة من قطع الإمداد عنها _ قد يظن البعض ان دول الجوار قد لا تمول الجماعة السنية لانها شيعية أو العكس والحقيقة مغايرة تماما لهذا التصور لان الدول المعادية لسياسات أمريكا تمول وتساعد كل مايطلق عليه لفظ ضد أمريكا _ زائدا توريد الحكومة العراقية معلومات عن بعض قياداتها التي قد تتحرك نحو ممول آخر فيكون بيد الحكومة قائد وبيد مورد المعلومة القاعدة وتساوي المعادلة في النهاية عوامل مسلحة خاملة تستثار في أوقات الضرورة وتخدر عندما يراد ان تهدا بغداد !
بمقدار ما حملت العولمة الرأسمالية للولايات المتحدة في العراق الكثير من الثنائيات المتناقضة بداً من مناهضتها للأنظمة الاستبدادية وتبنيها استبداد الفوضى و تفكيك الكتل والتماسك الاجتماعي ، ودفاعها عن الحقوق السياسية للإنسان مع رعايتها لتصفية الانسان اولا وتقليص وجوده ، وحربها الدولية على الإرهاب و الارهاب يوقع علنا وسرا اتفاقية السلام معها ويحمل شعار من ليس معي فهو عدوي والإنفراد في اتخاذ القرارات الدولية الخطيرة مع الادعاء بضرورة احترام الشرعية الدولية لمنظمة الامم المتحدة حينما يكون القرار في نفس المسار مع هذه الثنائيات المتناقضة والمتناحرة …بنفس المقدار تشاكل معها في سياق واحد دول الجوار وجعلوا من معايير الأخلاقية والدين التي كانت تعتبرها واشنطن سابقا نقطة ضعف تمثل نقطة ارتكاز لاختراق الدول الإسلامية والتحكم يها تفصيليا، هذه المعايير ذاتها مثلت قوة دول الجوار لاصطياد السياسة الامريكية بفخ تعودت على نصبه لهم سلفا .فهم لم يتركوا حيلة في الدين أو السياسة تؤذي الادارة الامريكية الا وبالغوا في صناعتها ، أو عملية تثمر هزة في البيت الابيض يستساغ معها خرائب في البلاد ينعب فيها الغربان احقابا ، ولكن للانصاف لايتساوى ماهم عليه مع ماتتمرس به امريكا من فتك بالشعوب عجيب ، مع إن نفس هذه الشعوب لو ارتحلت الى سان فرانسيسكو أو بوسطن أو اريزونا أو نيويورك فانها تعامل بكل حضارية وتمدن ، لا ادري لماذا لاتنعكس هذه الرقة الدولية عليهم وهم في بلدانهم ؟ لقد ارتكزت الثورة الفرنسية الكبرى عام 1798 في الخطوات الأولى لتثبيت الحقوق المدنية على اعتبار المواطن أساس شرعية الحكم وديمقراطيته ، اما الولايات المتحدة فانها ثبتت هذا البند من منجزات الثورة الفرنسية في العراق الا انها سلبت في حروبها الاستخبارية مع الدول القريبة والبعيدة المناهضة لها كل أمل للمواطن بجدوى وجوده في العراق حاكما أو محكوما لم يعد يرى ضرورة تذكر فيما لو تحسن الامن أو ساء جدا المحصلة في النتيجة انه فقد حلاوة الاستقرار في بلده.. فقد مناخ الهدوء والذي يقاس بالسنوات وليس بأشهر قلائل ، شرائح عديدة من الشعب العراقي تحولت الى لصوص محترفه في صناعة الموت وإماتة الحياة والتصنع بالمثل والاديان والاعراف ..من سيعمره المالكي المسكين اولا : الجسور، الشوارع المعامل ، المصانع ...ام الإنسان العراقي الذي يهذي من مخدر لعمليات جراحية قاسية مرّ بها ،ياحسرة على العراق كلما اردت إن اكتب محايدا فاض دمعي على شبابه وكهوله نسائه واطفاله قادته وعلمائه وهم في مركب يختطفهم الرعب من امواج تحركها اعاصير القدر...
اثير الخاقاني
atheertaher@yahoo.com