لماذا كل هذا الحقد على العراق؟
القاعدة تلجأ لتكنيك القنابل البشريةمالذي فعله العراق لتنظيم القاعدة الإرهابي والهمجي لكي يصب مجرمو هذا التنظيم التكفيري جام غضبهم عليه ويعاملوه بهذا الكم لهائل من الحقد والكراهية؟ لقد أصابني الذهول الممزوج بالحزن والأسى، وانتابني الألم والقنوط والسخط الشديد وأنا أتابع وسائل الإعلام العربية والأجنبية وهي تتحدث عن تكتيكات تنظيم القاعدة الإرهابي الميدانية في العراق وتفننه في ابتكار وسائل جديدة للقتل الجماعي الأكثر وحشية وبشاعة مما عرفته البشرية في تاريخها الحديث.وكانت آخر المآثر الإجرامية لهؤلاء القتلة هي القنابل البشرية الأقل عرضة للشك والتفتيش أي المعوقين عقلياً والنساء والأطفال في أعمار متدنية تتراوح بين الثامنة والثانية عشر عاما بعد أن ضاق الخناق حولهم وقيدت تحركاتهم داخل وخارج العاصمة العراقية بغداد وباقي المدن بفعل التدابير الأمنية الشديدة التي لجأت إليها الدولة للحد من أعمال العنف وتردي الحالة الأمنية في البلاد. فقد تبين أن التفجيرات الانتحارية في سوق الطيور وسوق الغزل وأماكن أخرى مكتظة بالسكان المدنيين الأبرياء كانت بفعل تفخيخ نساء متخلفات عقلياً تم تفجيرهن عن بعد بواسطة هواتف محمولة دون علم أو دراية مسبقة من قبلهن وسط تجمع كبير من المدنيين وأدت الانفجارات إلى سقوط المئات من الضحايا والشهداء الأبرياء في حين تم العثور في خان بني سعد على أشرطة فيديو تم تصويرها في حزيران الماضي بنوعية تقنية عالية وعثر عليها في ديسمبر 2007 وتظهر أكثر من خمسة عشر صبياً مراهقاً أو حتى دون سن المراهقة بين 12 و 15 سنة يرتدون ملابس قتال سوداء وكوفية على الرأس مدججين بالسلاح والأحزمة الناسفة وهم يتدربون على أساليب القتل والخطف والهجوم على المنازل وقتل ساكنيها وسلب المارة تحت إدارة وإشراف إرهابي بالغ وفي لقطات أخرى يظهر طفل يلف صدره وخصره بحزام من المتفجرات كأنه مشروع انتحاري قادم يحمل المسدس بيده ويغني نشيد القاعدة وهناك مجموعة أخرى من الأطفال يرتدون زي لاعبي كرة القدم يجلسون في حلقة دائرية و يرددون نشيد المقاتلين الإسلامويين التكفيريين وآخرين ملثمين ومسلحين يتدربون على عمليات مسلحة ويقلدون أساليب القتل والذبح والخطف والغرض من هذا الشريط هو الدعاية والتعبئة للأتباع الجدد من الأطفال بغية إعداد جيل جديد من المقاتلين الإرهابيين الذي يسمون أنفسهم بالجهاديين الجدد وهؤلاء يسهل استخدامهم في عمليات خاصة من قبيل اغتيال شخصيات معينة وزعماء في الصحوات ورؤساء العشائر الذي انقلبوا على القاعدة وحاربوها. فبعض هؤلاء الأطفال تم خطفهم من ذويهم ولم تدفع فدية لاستردادهم فقررت القاعدة ضمهم إليها وتجنيدهم وتدريبهم للقيام بعمليات إرهابية انتحارية والبعض الآخر أرسلهم ذويهم مقابل مبالغ معينة أو لأنهم يصدقون أطروحات التكفيريين ويتعاطفون معهم، ليتم تدريبهم على فنون القتال وزرع الألغام والعبوات الناسفة مع رجال هذا التنظيم الإرهابي والإجرامي بلا أي وازع ولا ضمير ويسمونهم " الأطفال القنابل". وقد استطاع هؤلاء المجرمون زرع روحية الحقد والانتقام وارتكاب الجريمة بدم بارد في نفوس هؤلاء الأطفال الذين لم يعد أمامهم أي أفق أو مستقبل أو طموح أو مشاريع غير الموت لهم ولمن سيحكم عليه قدره أن يكون على مقربة منهم. وقد قادت التحقيقات الأولية إلى أن هناك بعض العشائر متواطئة مع هذا التنظيم الإرهابي المتطرف وهي التي ترفده بالمقاتلين ومن بينهم هؤلاء الصبية الصغار الذي قتلت فيهم طفولتهم البريئة بعد إخضاعهم لتمارين جسدية قاسية وتسميم عقولهم وغسل أدمغتهم بالخرافات والوعود الغيبية لكي يكونوا في طليعة الجيل الجديد من المجاهدين كما يصفونهم.
القاعدة تريد تدمير العراق وإدامة الفوضى وانعدام الأمن وانتشار الجريمة فيه كما سعت إلى تدمير أفغانستان قبله ونجحت في توريطه في أعمال تتجاوز إمكانياته بكثير وكادت أن تتسبب بتدمير السودان والصومال قبل ذلك بسنوات فأينما يحل مجرمو القاعدة يحل الدمار والخراب والقتل الجماعي وكل ذلك يتم تحت غطاء الإسلام وهو منهم براء.الإرهاب في العراق ممثلاً بتنظيم القاعدة والمتحالفين معه هو العدو الأخطر الذي يجب أن يواجهه البلد بكل قواه الحية وتنظيماته السياسية والاجتماعية والعشائرية ومؤسساته الأمنية والعسكرية ويسخر له كل قواه ويمنحه الأولوية القصوى على خلفية مصالحة وطنية حقيقية وتفاهم وطني بين جميع مكونات الشعب العراقي بعيداً عن المحاصصة الطائفية والعرقية و في ظل نظام ديمقراطي ودستوري حقيقي يعبر عن إرادة الشعب العراقي برمته من خلال صناديق الاقتراع. فهذا الاتجاه التكفيري يريد إرجاع العراق إلى عصور الظلام والتخلف حيث يحرم ويمنع كل مظاهر الحياة الحديثة والمتطورة ويجهر، بل ويفتخر باحتقاره للثقافة والعلم والإبداع وكرهه للفنون الجميلة وللحريات وعلى رأسها حرية التعبير وحرية الاعتقاد وإخضاع البلاد إلى نمط حياة بدائي بقوة السلاح والترهيب وتدمير الذات البشرية الحرة كما كان الحال مع تجربة طالبان في أفغانستان.
هناك قوى سياسية عراقية ساهمت بدون وعي في احتضان هذا الوباء القادم من خارج الحدود وتوفير الدعم اللوجيستي له في سياق حسابات خاطئة وبعيدة عن المصلحة الوطنية العليا وقد استفاق بعضها مؤخراً على هول ما أقدم عليه ولمس بيده فداحة موقفه السياسي والأيديولوجي وتبعاته الكارثية وانعكاساته الإجرامية، لاسيما بعد تناقض وتصادم الإرادات واختلاف الأهداف وتفاقم طغيان القاعدة على مدن بأكملها في عراق الرافدين وتأسيسه لإمارة العراق الإسلاموية، وهذا ما أدى إلى انبثاق ظاهرة الصحوات التي وقفت في وجه تنظيم القاعدة وقاتلته لتطهر أرضها من رجسه ونجاساته وجرائمه البشعة بحق المواطنين. فإذا تم استئصال هذا التنظيم الإجرامي من أرض السواد وجردت الميليشيات الخارجة على القانون من أسلحتها بما فيها الصحوات بطريقة أو بأخرى،وإنهاء عمل وعقود الشركات الأمنية الخاصة وجدولة خروج القوات المحتلة، فسوف يتعافى العراق من وباء العنف والجريمة المنظمة عندها سيتعين على الحكومة أن تركز طاقتها على استئصال آفة الفساد التي تنخر في جسد البلد بلا رادع ولا رقيب.وفي هذه الحالة فقط سيكون بالإمكان بدء ماكينة الإعمار وإعادة البناء بالعمل وتأسيس دولة القانون وتفعيل المؤسسات الدستورية ومؤسسات المجتمع المدني الضرورية جداً لضمان وصيانة وحماية المجتمع الديمقراطي الحر والمستقل.فكل الخلافات والمشاكل القائمة قابلة للحل عن طريق الحوار والتفاوض والتفاهم بين جميع الأطراف والقوى الممثلة لمكونات الشعب العراقي عدا قضية الأسلحة غير المشروعة التي تهدد أمن المواطن وحياته والفساد الذي ينهش جسد الوطن.
د. جواد بشارة
باريس
Jawad_bashara@yahoo.fr