لو نجح أوباما؟
لحد كتابة هذه السطور يوم 10/2/2008، أحرز السيناتور باراك حسين أوباما انتصارا ثميناً في الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي، الممهدة للانتخابات الرئاسية، والتي جرت مؤخراً في أربع ولايات، فاز في ثلاثة منها على منافسته هيلاري كلنتون. وبذلك يكون أوباما قد فاز لحد الآن في 15 ولاية مقابل 12 ولاية لصالح سناتور كلينتون. ورغم أن هناك عدد غير قليل (23) من الولايات تنتظر أن تحسم الموقف في الأيام القادمة، إلا إن هذه الانتصارات التي حققها أوباما لا يمكن الاستهانة بها في الانتخابات الأولية لترشيحه عن الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية التي ستجري في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.لا شك إن التقدم الذي حققه أوباما لحد الآن له دلالات إيجابية وسلبية في آن واحد. فالجانب الإيجابي لفوزه في عدد كبير من الولايات الأمريكية، لدليل واضح على أن الشعب الأمريكي صار أكثر ليبرالية وأقل عنصرية وتحيزاً للبيض، وانه لم يعد يتأثر بالدعايات المضادة وردود الأفعال ضد رجل أسود، وله خلفية إسلامية، ويحمل اسماً إسلامياً في دولة معظم شعبها من البيض من الأصول الأوربية المسيحية.
كذلك يجب أن لا نستهين بإمكانية هكذا شخص مثل أوباما من خلفية متواضعة، حيث أبوه مسلم كيني، وزواج أمه بعد طلاقها من زوجها الأول بمسلم إندونيسي، وعاش ست سنوات من طفولته في إندونيسيا. فمن هذه الخلفية المتواضعة وغير المستقرة، استطاع هذا الرجل أن يشق طريقه في الحياة بنجاح عجيب ويصبح أستاذاً في القانون في جامعة هارفارد العريقة التي هي من أرقى الجامعات في العالم، ومن ثم ليكون الرجل الأسود الوحيد الذي صار عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي، وبالتالي من المحتمل أن يصل إلى الدور النهائي في الانتخابات الرئاسية لدولة عظمى مثل أمريكا وهو في عمر 42 عاماً. لا شك أن هكذا شخص يتمتع بإمكانيات شخصية استثنائية وفذة يستحق عليها كل التقدير والإعجاب.
سيناريوهات نجاح أوباما
أما سلبيات فوز أوباما فيما لو صار رئيساً للدولة العظمى ونفذ ما أعلنه في برنامجه الانتخابي، فهي كثيرة وكارثية في معظمها، ليس على أمريكا وحدها، ولا على العراق ومنطقة الشرق الأوسط فحسب، بل وعلى العالم أجمع بصورة عامة، نوجز هذه السيناريوهات كالتالي:
أولاً، كما ذكرنا آنفاً، سيكون الشعب العراقي من أول وأكثر المتضررين من فوز أوباما. ففي هذه الحالة وبتنفيذ قراره بسحب القوات الأمريكية من العراق قبل ضمان الأمن والاستقرار فيه كما وعد ناخبيه، يعني أنه سيجهض النصر المتوقع على الإرهاب والذي بدت ملامحه واضحة للعيان، وبذلك سيخلق أفغانستان جديدة في العراق كما حصل بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان دون ملء الفراغ الذي تركته، حيث أدى إلى قيام دولة طالبان الإسلامية الوهابية المتخلفة بالتحالف مع تنظيم القاعدة الإرهابية، والتي كان من نتائجها سلسلة من الأعمال الإرهابية ضد السفارات الأمريكية في نايروبي ودار السلام، وبالتالي كارثة 11 سبتمبر 2001.
أما في الحالة العراقية فهناك احتمال كبير أن يتحول العراق إلى إمارة إسلامية بانتصار تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وبمجيء أسامة بن لادن خليفة أو أميراً على الإمارة الإسلامية هذه. وإذا ما تحقق هذا السيناريو الرهيب، فدولة طالبان في أفغانستان ستبدو بمثابة لعب أطفال لأن نتائج الإمارة الإسلامية في العراق وبإمكانيات البلد الهائلة، ستكون وبيلة على العالم، وبالتالي ستضطر أمريكا إلى العودة إلى العراق ثانية لإسقاط النظام الإسلامي الطالباني المنتظر فيه، ولكن هذه المرة بتكاليف أكثر عشرات المرات في الأرواح والأموال من الاحتلال الأول.
ثانياً، والسيناريو الآخر فيما لو فاز أوباما، هو احتمال أن يتمزق العراق إلى مستعمرات ودويلات تابعة لدول الجوار، فستقوم تركيا باحتلال كردستان، ومن ضمنها كركوك والموصل بحجة حماية التركمان، ولمنع قيام دولة كردية في المنطقة. كما وستقوم إيران باحتلال المنطقة التي غالبيتها من الشيعة بحجة حمايتهم من الإبادة على أيدي التكفيريين الوهابيين وحلفائهم البعثيين، وحماية العتبات المقدسة من الهدم كما حصل لمقبرة البقيع في المدينة المنورة عندما احتل الملك عبدالعزيز ابن سعود الحجاز وضمه إلى مملكته في العشرينات من القرن الماضي. وستقوم سوريا باحتلال المثلث السني وإقامة حكم البعث التابع لها.
ثالثاً، وفي جميع الاحتمالات، فإن فوز أوباما سيكون انتصاراً لإيران وحليفتها سوريا، وستتاح لها الفرصة بتحقيق برنامجها النووي، وستصبح الدولة النووية العظمى في الشرق الأوسط تهدد الثوابت الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة والتي أشرنا إليها في مقال سابق، وهي: ضمان أمن إسرائيل وأمن الدول الخليجية النفطية، وضمان تدفق نفط الخليج إلى العالم، وبذلك ستصبح الدول الخليجية أسيرة لبلطجة إيران، كما وستتمكن إيران من ابتزاز العالم المتحضر بفرض شروطها عليها وخاصة الدول الغربية وذلك بتهديدها بوقف تدفق النفط عنها ما لم تستجب لشروطها.
رابعاً، وبتبني أوباما سياسة العزلة وتخلي أمريكا عن دورها كشرطي لحماية العالم من الدول المارقة مثل إيران وكوريا الشمالية وسوريا وليبيا وغيرها، سيصبح العالم غابة من الدول النووية وستصبح الحياة البشرية مهددة بالفناء بالحروب النووية في أية لحظة.
خامساً، وفي هذه الحالة، ستبرز روسيا كدولة عظمى ثانية مقابل أمريكا الآن، ويعود عهد القطبين والتحالفات العسكرية مع هذا القطب ضد الآخر، وعودة الحرب الباردة من جديد وما يترتب عليها من الصراع على مناطق النفوذ في العالم الثالث وسباق التسلح بين القطبين.
سادساً، إذا ما فاز أوباما، وتحققت السيناريوهات المذكورة أعلاه، فستحقق التنظيمات الإرهابية التابعة لمنظمة القاعدة دعماً معنوياً وزخماً هائلاً في أوساط الجماهير العربية والإسلامية، وستسقط الحكومات العربية شبه العلمانية في المنطقة، الواحدة تلو الأخرى كأوراق الخريف، لتقوم مكانها حكومات إسلامية متطرفة تفرض حكم الشريعة الإسلامية، على غرار حكومة حماس في غزة، وحتى يمكن تلاحمها مع بعضها البعض في اتحاد وإقامة دولة الخلافة بإمارة "أمير المؤمنين" أسامة بن لادن والذي بدوره سيقوم بتنفيذ مبدأه في الجهاد الإسلامي (الحرب على الكفار) كفرض عين على كل مسلم ومسلمة لتحويل العالم إلى دولة إسلامية واحدة.
هذه السيناريوهات قد تبدو لبعض القراء مبالغة وخيال في خيال، ولكن في جميع الأحوال هي ضمن برامج منظمة القاعدة والحركات الإسلامية التي أعلنت الجهاد من أجلها، فما الذي يمنعها من تنفيذ مخططها وتحقيق هذه البرامج في حالة توافر الظروف المؤاتية لها كما حصل للملالي في إيران ولطالبان في أفغانستان سابقاً، ولحماس في غزة الآن؟؟؟؟
وعليه، أعتقد أن الغرب ليس بهذه الغفلة والغباء بحيث يسمح لهذه السيناريوهات بالتحقيق، وهذا يعني أن احتمال فوز أوباما بالرئاسة هو احتمال بعيد في تقديري وتقدير الكثيرين من المحللين السياسيين أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الكاتبين اللامعين، الدكتور مأمون فندي والأستاذ أمير طاهري وتحليلاتهما القيمة. ولكن مع ذلك يجب أن لا نستبعد احتمال فوزه كمرشح عن الحزب الديمقراطي، وذلك لأسباب أذكرها أدناه.
أسباب احتمال فوز أوباما على كلينتون!!
استغل أنصار أوباما موقفه الرافض للحرب العراقية منذ الوهلة الأولى، وراحوا يعيِّرون كلينتون بتأييدها للحرب رغم أنها أكدت أن تأييدها كان ناتجاً عن المعلومات المتوفرة آنذاك. ولكن مشكلتها أن موقفها الآن متذبذب من الحرب وهذا ليس في صالحها. إذ تستطيع السناتور كلينتون أن تقلب الطاولة على أوباما بأن تقول له أنه وقف ضد الحرب منذ البداية، إما لأنه لم يصدق تقارير المخابرات الأمريكية عن امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وفي هذه الحالة لماذا تصرف الدولة نحو 50 مليار دولار سنوياً على وكالة لم تأخذ بتقاريرها ولم يصدقها أحد؟ أو أنه صدق بتقارير هذه الوكالة ولكنه رفض العمل بها، وهذا يعني أنه غير مهتم ولا مبال بأمن وسلامة ومصالح أمريكا. وفي هذه الحالة فهو شخص غير مناسب ليكون مصير البلاد بيده.
على أية حال، أعتقد أن هناك احتمال كبير أن يفوز أوباما على هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية، وفي هذه الحالة لن استبعد "نظرية المؤامرة" بأن يكون للجمهوريين دور غير منظور بهذا الخصوص وذلك لأن الانتصار في الانتخابات النهائية على مرشح أسود، أسهل عليهم من الفوز على السناتور كلنتون، خاصة وأن وراءها زوجها بيل كلينتون، الرئيس السابق ذو الخبرة العميقة والعريقة في السياسة والحملات الانتخابية وتأثيره على الجماهير وإدارة الدولة، والذي ذكر في إحدى حملاته الانتخابية السابقة أنه قال للجماهير مازحاً (إذا تنتخبوني فستكسبون إثنين بسعر واحد). وربما سيذكِّر الشعب الأمريكي في هذه الحملة العبارة ذاتها.
ومن دلالات ترحيب الجمهوريين بفوز أوباما في الانتخابات التمهيدية، وكما أفادت الأنباء، أن أوباما نجح في جمع نحو 32 مليون دولار للصرف على حملته الانتخابية، مقابل ثلث هذا المبلغ لهيلاري كلينتون التي اضطرت أن تصرف خمسة ملايين دولار من مالها الخاص على حملتها الانتخابية لحد الآن. ولن استبعد أن هناك مؤسسات اقتصادية موالية للجمهوريين تتبرع لأوباما بشكل غير منظور لهذا الغرض لدحر كلينتون والتخلص منها لأنها الأخطر عليهم، ومن ثم يسهل على الجمهوريين دحر أوباما في الجولة النهائية.
وأمام هذه الاحتمالات والسيناريوهات السوداء الممكن تحقيقها في حالة فوز أوباما، أعتقد أن أمريكا التي بلغت مبلغاً كبيراً في الحضارة ودولة المؤسسات، من المستحيل أن تسمح لشخص مثل أوباما أن يضحي بمستقبلها ومصالحها ويرهن مستقبل الحضارة الغربية بيد التطرف الإسلامي وبن لادن. ولنتذكر كولن باول الذي كان يتمتع بشعبية واسعة حيث حاول أن يرشح نفسه للرئاسة عام 2000، فمنعته زوجته خوفاً عليه من الاغتيال. فرغم ليبرالية الشعب الأمريكي وتصاعد روح التسامح عنده، إلا إن هناك نفر من الأقلية التي لا يتحمل رجلاً أسوداً أن يكون رئيساً لدولة عظمى يهدد مصالحها ومستقبلها. وربما يعرف السناتور أوباما هذه الحقيقة المرة ولكن في نفس الوقت أعتقد أن ترشيحه لنفسه كان بسبب طموح شخصي ليدخل التاريخ وربما يطمح أن يحظى بمنصب نائب الرئيس في حال فوز الديمقراطيين. وهذا يعني أن في جميع الأحوال، أن أوباما سوف لن يكون رئيساً لأمريكا. وإذا ما فاز كأول رئيس أسود لأمريكا، هناك احتمال أن يكون مصيره كمصير الرئيس جون كندي، الكاثوليكي الوحيد الذي صار رئيساً للولايات المتحدة.