مؤشرات مقلقة لأحداث العراق الأخيرة من بتروناس إلى العيساوي
26 كانون الأول 2012
حادثتان مثيرتان للقلق الشديد مرت على العراق خلال الأيام الماضية، ولعلها تتميز من بين العديد من الأحداث السياسية المقلقة الأخرى، في تأشيرها خللاً مخيفاً في المجتمع العراقي ودولة العراق، ومدى التحطم في بناءه الإجتماعي وسهولة تجييش شعبه في قضية ما اعتباطية، إن وجدت من يعزف على الأوتار المناسبة لها. فعندها يترك العقل مكانه لنوبات الهياج لتحسم الأمر!
الحادثة الأولى حادثة الهجوم الهمجي على مقرات شركة بتروناس النفطية الماليزية، ويمكنكم مشاهدة فلم فيديو عنها في اليوتيوب (1) والإطلاع على تفاصيلها المخيفة من شهادة مهندس عراقي حضر الحادث وكتب تحت عنوان "حقيقة ما حدث في حقل الغراف النفطي ( بتروناس("(2) وفيما يلي مقتطفات مما كتب المهندس:) لمن قرأها أن يقفز إلى عبارة "إنتهى الإقتباس" في الأسفل)
عشية يوم الاربعاء (الموافق 28-11-2012 -------13 محرم الحرام و هو يوم ذكرى دفن الامام الحسين عليه السلام) قام احد مسئولين شركة لتقديم خدمات الطعام تعليق بعض النفاخات البالغ عددها عشرون نفاخة في سقف القاعة، وعند العشاء قال رئيس الطباخين الماليزي انه روتين نعمله نهاية كل شهر، ولكن بيننا نحن العراقيين شاع الرأي القائل بأن الماليزيين يحتفلون بذكرى انتصار يزيد بن معاوية و قتله الامام الحسين. اعتصمنا فجاء مدير ماليزي مسلم وشرح له المترجم سبب الاعتصام و سرعان ما قال استغفر الله و اعتذر منا و امر بإنزال النفاخات مباشرة ولم يمضي على تعليقها اكثر من 45 دقيقة وخلال هذه الاحداث كان هناك تلفاز في المطعم نقل مباشر لخطيب المنبر الحسيني السيد محمد باقر الفالي لم يكن هناك اي مظاهر للفرح او الاحتفالات في المطعم.
في صباح اليوم التالي شاع ان الماليزيين احتفلوا حفلا راقصا كبيرا وآخر يقول انهم احتفلوا و داسوا على صورة الامام الحسين هذه الشرارة ابتدئها رجل مسن رايته بعيني وسمعته بأذني يتصل بكل ممن يعرف من الاحزاب والشخصيات الدينيه والاجتماعية و يرسل من يأتي بجميع طلاب المدارس الواقعة في القرى المجاورة مع التوصية بجلب العصي و السكاكين و القامات و البواري و سرعان ما تجمع الناس الغاضبين من جميع الاعمار و الطبقات على الشارع الرئيسي، وشاع أن هناك
حفلة غناء و خمر و فيه راقصات و البعض يقول " ان الماليزيين رفعوا الرؤوس على العصي و احتفلوا بانتصار يزيد لعنة الله عليه " والبعض الاخر يقول انهم وضعوا رأسا يمثل راس الامام الحسين عليه السلام في طشت و ضربوه بالعصي.
استمر تجمع المئات ان لم يكن الالاف على شكل مواكب مع راياتها و دماماتها من ابناء القرى المجاورة و ايضا من الناس الذين حرضتهم مكاتب الاحزاب الدينية في المناطق المجاورة من خلال مكبرات الصوت في الجوامع و الحسينيات والشوارع و يشعلون فيهم روح الطائفية و اصبحوا يطلقون الاهازيج الحماسية و الشعارات الحسينية مثل " لبيك يا حسين "
تهاون و تخاذل شرطة نفط الجنوب و افراد الحمايات لأنهم من ابناء هذه العشائر والمتظاهرين هم من اقاربهم وحتى النساء كانت مع المتظاهرين صاروا يدمرون كل ما امامهم من السيارات وزجاج النوافذ لمكتب استعلامات المخيم يصيحون "لبيك يا حسـين" و يدمرون جميع نوافذ المسجد أوالمصلى وهو ملئ بالترب الحسينيه الطاهرة و الماليزيين لا يعترضون على ذلك ابدا بل انهم هيئوا الجامع لنا لإقامة المحاضرات الحسينيه بعد العشاء طيلة ايام عاشوراء...فأصبحوا يرمون الحجارة علينا ويسبونا ويطلقون علينا تعابير كفرة و يزيدية و هرب جميع الموظفين الاجانب والعراقيين الذين غيروا ملابس العمل الرسمية بأخرى مدنية و اختبئوا في غرفهم التي يحيط بها سياج مشبك داخلي بعد ان ضربهم الاطفال و الشباب المدفوعين من جهات مغرضة بالحجارة و لوحوا لهم بالسكاكين والقامات والعصي. ايضا تم ضرب رائد من الشرطة ضربا مبرحا من قبل الاطفال و الشباب لأنه حاول نصحهم بعدم التخريب نقل على اثرها الى مستشفى الرفاعي.
في صباح اليوم التالي الجمعة وهو موعد انتهاء مناوبتنا لهذا الاسبوع ,تقرر اخلاء الموقع بعد ورود اخبار بان بعض المتظاهرين قادمين من المحافظات العراقية خصوصا من النجف و العمارة يريدون التظاهر و اقامة صلاة الجمعة داخل المخيم فحزم كل فرد من الاجانب و الماليزيين و العراقيين حقائبه و صعد الجميع الى السيارات مع وجود رتل من سيارات مغاوير الشرطة لحمايتنا ....
و يجب ان اذكر انه عندما كان المتظاهرون يهتفون لبيك يا حسين و يدمرون و يرشقوننا بالحجارة سائلنا بعض الموظفين الاجانب وهم من غير المسلمين ماذا يقول المتظاهرون و من هو "حسين" هذا الذي يصيحون باسمه بحماس.
(إنتهى الإقتباس).
ما هو الجهد الذي بذلته الحكومة لدراسة معاني هذا الحادث وعلى من القت القبض من المحرضين في المساجد والحسينيات ضد الشركة الماليزية؟ ألا يحتمل أن يكون الحادث كله مدبراً من شركات اخرى لدفع الشركة إلى الهروب ومحاصرة العراق ليقدم لتلك الشركات عروضاً إبتزازية ولصوصية تعطيها أربعة أو خمسة أمثال الأرباح مثل عروض كردستان؟ هل حققت الحكومة في هذا الإحتمال؟
ليست هذه هي الحادثة الوحيدة المقلقة من هذا النوع، وليس على مستوى البسطاء فقط، بل شمل فئات أخرى، فهوجمت نائبة بعنف لأنها انتقدت اليعقوبي، وانبرت التصريحات الخطيرة ضد نائب آخر لمجرد أنه قال أن المرجعية "منظمة عمل مدني" ووجهت إليه إنتقادات بعيدة عن كل لياقة وادب كما أهدر " تجمع مجلس عشائر محافظة البصرة " دمه! إلا إذا اعتذر "خلال 24 ساعة ..., وبخلافه يصبح قرار هدر دمك المتخذ من قبل العشائر ساري المفعول , وقد أعذر من أنذر ." وفق البيان. (3) هذا كله رغم أن الرجل قد اعتذر فوراً وبين أنه لم يقصد الإساءة وأنه يحترم المرجعية إلخ...! (4)
هل يمثل هؤلاء تسامح المرجعية؟ نعم أن للمرجعية احترامها وبالتالي احترام من يمثلها، لكن للشعب الذي تقوم المرجعية على خدمته، احترامه الأكبر، وبالتالي فاحترام ممثليه أوجب من احترام ممثلي المرجعية، وهذا منطق بسيط فهل احترم وكيل المرجعية في نبرة خطابه ممثل الشعب؟ وهل يمثل وكلاء السيستاني أخلاقه حقاً؟ لماذا إذن لا يوقف السيد السيستاني من يتكلم باسمه ويسيء إليه؟ إذا كان السيد السيستاني راض عن هذا وهو المرجع الأكبر لأكبر طائفة في العراق، فنحن في مشكلة كبيرة، بل في حالة محبطة ميؤس منها!
الحادثة الثانية الخطيرة كانت على الجانب السني والتي تمثلت بذلك الهياج غير الطبيعي وقيام الناس بقطع الطرق الرئيسية على مشارف الأنبار،(5) وكل ذلك بسبب إلقاء القبض على حمايات الوزير رافع العيساوي إثر شكاوى بالإرهاب ضدهم! ومن هم حماية العيساوي؟ بل من هم جميع الحمايات في العراق؟ هل يأتون بشخص "ورع" أو "مثقف" ليكون حماية أم يفضل اؤلئك الذين تعاملوا بكثرة مع السلاح؟
ماذا سيقول هؤلاء المدافعون المتحمسون إذا اعترف هؤلاء بجريمتهم كما يبدو أنه حدث فعلاً؟(6) ألا يقلق أحد من الذين يدافعون بحماس، أن يكون قد أثار مشكلة في البلاد من اجل مجموعة حماية قد يتبين انها مجرمة فعلاً؟ إنهم لا يثقون بالحكومة، وأستطيع أن اتفهم ذلك، لكن ألا يهم السنة أن يعرفوا إن كان بينهم فاسدين وإرهابيين فعلاً؟ ألا يخشوا أن قياداتهم قد حشيت بالإرهابيين فعلاً؟ وهل برهنت قياداتهم تلك، خاصة من بقي منها في العراقية، أي مستوى من المصداقية واستحقاق الثقة؟ أن الشخص الحقيقي المشاعر تجاه وطنه أو حتى طائفته، سيكون في غاية الحرص على تنظيفه من الأقذار التي وضعت في ظرف مظلم غامض، وما أظلم الظرف الذي مر به العراق ويمر! على السنة والشيعة وكل العراقيين أن لا ينسوا لحظة واحدة أن الهيكل السياسي والأمني والإقتصادي والإجتماعي الحالي قد تمت تصفيته والموافقة عليه من قبل الإحتلال الذي نكتشف كل يوم لغماً جديداً بشكل أنظمة أو عملاء، وضعهم في العراق قبل خروجه.
إن لم ير السنة والشيعة كل ذلك، ويعون كل الخراب الداخلي والفساد المتعمد والمدروس، وأن يضعوا طائفيتهم جانباً، ويعرضون كل شخص للتحقيق والمساءلة، ويعتبرون أنهم في سباق مع الزمن مع فرق الفساد والتخريب، وأن مهمتهم الأولى العاجلة هي تنظيف بلدهم مما ترك الإحتلال، فإن الأمل بإنقاذ البلد ضئيل للغاية! لقد قال الإسرائيليون أنهم حققوا في العراق فوق ما كانوا يتوقعون، وأنا أصدقهم هنا!
إذن من هم حماية العيساوي لكي يجن جنون السنة من أجلهم؟ بل من هو رافع العيساوي نفسه؟ ما هي الإنجازات العظيمة التي حققها للعراق أو للسنة لكي يستحق هذا الهيجان لمنع مساءلته وحمايته؟
العيساوي صاحب القضية لا يرفض طبعاً هذا الهياج من أجله، لا حرصاً على القانون ولا حرصاً على بلده، بل يشارك فيه و "يحذر من تداعيات خطيرة في الشارع العراقي إذ لم يتم إطلاق سراح حمايته وحل القضية بشكل عاجل"!(7)
هل هناك أثر في العبارة لاحترام قانون الدولة التي قبل فيها العيساوي أن يصبح وزيراً؟ إن كان الوزير يطالب بإطلاق سراح مطلوبيه فوراً بغض النظر عن القانون، أليس من حق كل مواطن عراقي آخر ان يفعل ذلك إذن؟
إن كانت حجته أن الحكومة فاسدة فهو جزء أساسي منها، وكان يسايرها طوال الوقت، ووقف بقوة بجانب أفسد سياسي عرفه العراق بعد 2003، (وربما قبله ايضاً) - أياد علاوي!
ففي الوقت الذي كانت الفضائح تحطم القائمة فيخرج منها كل من يستحي أن تنسب اليه، كان العيساوي "يجدد امتثاله لقيادة الدكتور اياد علاوي وتوجيهاتها"(8) وهو لا يجد حرجاً في أن يفاخر بدفاعه عن الفلوجة من جهة، وأن يدعم نفس الرجل الذي قام الأمريكان بمذبحة الفلوجة تحت ولايته! (9)
ومن الطبيعي أن يستلم مثل هذا الشخص دعماً من أياد علاوي،(10) و حين يأتي الدفاع من مثل علاوي فهو علامة استفهام! لكنها ليست علامة الإستفهام الوحيدة فقد حصل على الدعم ايضاً من مجاهدي خلق الذين تستميت القائمة العراقية في الدفاع عنهم وكانوا لعشرات السنين هراوات لصدام حسين لضرب شعبه، (11) و من السفير ا لأمريكي بيكروفت الذي يصرح معه في بيان مشترك أن "استهداف الشركاء والرموز الوطنية أمر خطير" وهو الذي يدعي أنه يحترم قوانين البلد، ولا يتدخل في شؤونه. (12)
إن مجرد دفاع سفير الإحتلال عن شخص بشكل غير معتاد لهو تهمة ومنقصة لذلك الشخص، فكيف يثور السنة من أجل الذي يدافع عنه السفير، وكيف ينتخبون قائمة يقودها من انتخبه الأمريكان، وهم الذين يؤكدون أنه لولا مقاومتهم لما خرج الإحتلال، كما يقول نائب العراقية مظهر الجنابي؟ (13) فهل يدافع الإحتلال عمن تسبب في خروجه، أم أنهم "أصدقاء" صريحين للسفارة؟
ويدخل السيد مقتدى الصدر على الخط ولا يعرف إن كان دافعه الدفاع عن السنة أم تصفية حسابات مع خصمه اللدود(14)، وكذلك منفذ المخططات الإسرائيلية الجديد في المنطقة، أردوكان الذي "ينصب نفسه والياً على سنة العراق" ويبشر الحكومة بأن حالها سيكون مثل سوريا، كأي إرهابي صفيق. (15)
وكأن عارات "العراقية" قليلة، وفضائحها نادرة، ليأتي نائب عنها هو أحمد العلواني ليصف السياسيين الشيعة بـ "عملاء ايران، الخنازير ابناء الخنازير، والخونة"!(16)
هل تتحملون مسؤولية هذا الكلام أيها السنة؟ هل تتحملون نتائج مثل هذا السهم الطائفي المسموم الموجه إلى قلب وحدة دينكم وبلادكم؟ هل تتحملون أن يقال عنكم وعن أهلكم نفس هذه العبارات؟ هل يمثلكم هذا الذي لم يعرف ابواه كيف يربيانه ليعبر عن شارعيته وانحطاط أخلاقه بهذا الشكل الصريح؟هل يصلح وصف لمثل هذا الصعلوك غير كلمة "سرسري"؟ هل تنتخبون سرسرية للدفاع عن حقوقكم أيها السنة؟ كل هذه الدناءة والإنفلات الأخلاقي لأنه القي القبض على حماية رافع العيساوي!
ولعل أغرب ما حدث هو رفع علم كردستان في تظاهرات الأنبار، وهو من جهة "تصرف يضع علامات استفهام حول دوافع الأزمة المفتعلة ومن يقف وراءها "، كما وصفتها النائبة الرائعة عالية نصيف بحق(17)
ورغم أن نائباً كردستانياً حاول تلافي الفضيحة بالقول بأن من كان في الأنبار لا يمثل سياسة الإقليم(18) إلا إن من الأسهل أن نصدق أن توجيهاً كردستانياً بحضور التظاهرة ودعمها ورفع العلم، من ان نصدق ان كردياً قام بمبادرة عفوية منه بخياطة علم كردستان في الأنبار ورفعه. الحادثة تكشف أن قادة الإقليم لا يتورعون عن أي عمل في سبيل مصالحهم ودفاعهم عن ما ابتزوه بالرشوة والسطو على الأراضي، حتى لو تحطم البلد من جرائه، ولطالما وقفت كردستان في صف كل مشروع تقسيمي للعراق، وسارعت بالترحيب بأي طرح لأية فدرالية جديدة.
هذه كردستان وأجندتها وأساليبها المعروفة، فكيف صدق السنة أن إصدار أمر قضائي بالقاء القبض على مجموعة حماية، تثير ضمائر الساسة الكرد وغيرتهم على القانون، وهم الذين حكموا على صحفي بالسجن ثلاثين عاماً لأنه كتب منتقداً سلطة كردستان، واغتالوا شاباً لمجرد أنه كتب أنه يريد الزواج ببنت مسعود، ووصف برزاني وحدة العراق بأنها أحلام عصافير؟
هل يدل علم كردستان أنها تقف حقاً مع الأنبار والسنة وهي التي تغتصب بقوة السلاح أراضيهم ونفطهم في الحدود الشمالية لمحافظاتهم وتبتزهم كغيرهم بنسبة ظالمة، ام يشير إلى فرصة تفرقة أخرى تتيح ابتزازات قادمة؟
كيف سيقرأ الشيعة رفع علم كردستان؟ يحق للموسوي أن يقول أن "رفع علم كردستان في تظاهرة الفلوجة دليل على نوايا التجزئة".(19) وأخيراً كيف سيقرأ العراقيون جميعاً رفع علم النجمات الثلاثة وعلم "الجيش الحر"؟ أترك ذلك لكم، لكني لا أرى تفسيراً عاقلاً أو مشرفاً لذلك!
من سيقول أنه لا يثق بأجهزة الدولة من شرطة أو قضاء، قد يكون محقاً، لكن "عدم الثقة" يجب أن يعامل بوضع الضوابط اللازمة التي تجبر هذه الأجهزة بالعمل ولو بالحد الأدنى المقبول. فإن رفضت الحكومة تلك الإجراءات ، فعندها يمكن الإحتجاج والإعتصام وغيره، وليس القفز مباشرة إلى الإحتجاج العنيف، وتحويل عدم الثقة إلى شلّ الدولة والقانون.
وماهي الرسالة التي يراد إيصالها للحكومة؟: "إن تجرأت على محاسبة مسؤول سني فستدفعين الثمن"! قد يفخر بعض السنة بهذا، لكنها الحماقة بعينها. إنها حماية للصوص ومجرمي السنة وليس للسنة. إنها الضوء الأخضر لهم ليعيثوا فساداً في مناطقهم قبل مناطق غيرهم ويبيعوا ثرواتهم كما حاول اللص أثيل النجيفي في الموصل، فهل هذا ما يريده السنة؟
وحقيقة الأمر أن المنطق العدواني والحكم المسبق اشترك به الطرفان بامتياز، سنة وشيعة. فمثلما حكم السنة على العيساوي وحمايته بالبراءة المسبقة، حكم الشيعة عليهم بالجرم المسبق، ولعل هذا اشد خطراً. فعلى المواقع الشيعية تقرأ التعليقات التي تؤكد أن المتهمين أرهابيون وقتلة، ليس فقط قبل المحاكمة، بل حتى قبل ظهور بيانات اعترافاتهم. بل ذهب البعض إلى دعوة المالكي لعدم الإلتزام بالقانون لأن القانون برأيهم يعرقل محاسبتهم بشكل قاس. إن الذين ينادون ويصرخون بالعقاب الشديد قبل صدور الحكم، يضيعون في حقيقة الأمر حقهم في القانون. فمن المعروف قضائياً أن المحاكمات يجب أن تتم ليس فقط من قبل قضاء محايدين، ولكن أيضاً في جو حيادي. وهناك قصص معروفة عن محاكمات تم استغلال الجو الشعبي غير المحايد لإلغائها! لذلك فأن صاحب الحق هو الأحرص على أن تتم تلك المحاكمات بشكل نظامي وفي جو حيادي. والسبب بسيط، فبعد إثارة الهياج بتجريم المتهمين أو تبرئتهم سوف يسهل الطعن بالحكم على أساس انتفاء المحاكمة العادلة.
والآن، ماهو دور الحكومة في الموضوع وهل هي مذنبة ايضاً؟ بالتأكيد، وذنب كبير، ففي الحادثة الثانية يتبين أن الحكومة لم تكسب ثقة الناس في هذه المناطق ولم تكن مقنعة بشكل كاف بعدالتها. صحيح أنها بذلت جهداً مميزاً في إثبات عدالتها في قضية الهاشمي فوضعت من القضاة السنة أكثر من الشيعة مثلاً واعلنت الإعترافات، وكانت نتيجة ذلك أن الغالبية من السنة اقتنعت بالإدعاء، رغم إلقاء بعض الشكوك المحقة الناتجة عن وفاة أحد الحمايات في السجن، وورود أخبار عن تلفيق لسبب الوفاة، وهي حادثة تثير الشكوك لدى أي إنسان، وأنا من ضمنهم.
وكانت هناك شكوك أكبر في حوادث أخرى كثيرة لا أريد الدخول فيها هنا. والملاحظ أن ما تقدمه الحكومة من أدلة لا تكفي إلا لإقناع أتباعها ومؤيديها المستعدين للإقتناع بأي شيء تقوله بلا مناقشة، مما يستنتج منه أن الحكومة والقضاء قد لا تمتلك الأدلة الكافية، وغير قادرة على الإجابة عن جميع علامات الإستفهام بشكل واضح. من الطبيعي أن بعض الناس لن يقتنعوا أبداً مهما قدم لهم من براهين، تماماً مثل المؤيدين بدون براهين، لكن هذا لا يعفي الحكومة، خاصة في هذا الوضع الحساس من السعي لتقديم البراهين على حياديتها بكل الطرق.
الحادثة الثانية تبرهن أن الحكومة لم تكسب ثقة الشارع السني، أما في الحادثة الأولى فنشعر أننا في بلد ليس فيه حكومة أصلاً! لنفترض أن الشارع السني واقع تحت ضغط الإعلام المضاد للحكومة، وأن الأخيرة عجزت علن الوصول إليه، فماذا عن شوارع المدن المؤيدة للحكومة ومن مذهبها؟ لماذا عجزت عن الوصول إليهم لاحترام القانون وأجهزة الحكومة؟
لقد زعل المالكي على العيساوي لـ "تسمية قوى الأمن والشرطة والجيش الذين قدموا أرواحهم من اجل أن ينعم جميع العراقيين بالأمن والاستقرار، باسم المليشيات" وقال أن هذا "لا يليق بمن يحتل موقعا كبيرا بالدولة اويحتل مناصب عليا فيها".(20)
صحيح أنه "لا يليق"، ولكن الشرطة تتصرف كميليشيات وتبرر للناس رؤيتها لها كذلك! إنها تبدو كميليشيات عقائدية حينما تنفذ ما يوافق عقيدتها ومذهبها فقط، وبشكل يتناسب مع ذلك وليس بحرفية ومسؤولية شرطة دولة. لا أحد يشعر أن هذه الشرطة تشعر أنها تابعة للدولة، وأنه لو تغيرت الحكومة وطلب منها أن تعتقل نوري المالكي بطلب من القضاء فأنها ستفعل ذلك كما تفعل الآن مع خصومه. الحادثة الأولى أعلاه تبرهن ذلك، فقد تركت هذه الشرطة واجبها بل وشاركت في إثارة الإضطراب لأنها تعتبر أن الواقفين وراءه "جماعتها". وقد تغلبت مشاعرها الطائفية حتى على أي احترام لتسلسلها المرتبي فلا تستمع إلى ضابط برتبة رائد يقدم النصيحة، بل يقومون بضربه ضرباً مبرحاً حتى ينقل إلى المستشفى! لكنها تنفذ "واجبها" بكل حماس، بل وتهاجم بكل "بسالة" وعنف حينما يكون الأمر متعلقاً بتنفيذ الإستيلاء على ممتلكات وقف لصالح طائفتها، أو تحطيم مكاتب حزب تراه في عقيدتها كافراً وتقوم بالإهانات حين تكلف بإغلاق ناد يقدم فيه الشراب! فهل هذه تصرفات شرطة وجيش ام ميليشيات منفلتة؟ من لا يراها ميليشيات فلأنه سعيد بتصرفها الذي يناسب ما يعتقده هو، لكن أيلام الآخر أن يراها مليشيات؟ وتخيل وضع البلد الذي يرى فيه نسبة معتبرة من السكان شرطته وجيشه ميليشيات موجهة ضده!
يقول المالكي أن "العراق بلد الجميع ولامجال فيه لطغيان جانب على جانب أو طائفة أو قومية على أخرى"، وهو كلام جميل وتعبير عن القلق من الطائفية وموقف منها، لكن اين الجهود التي بذلت في سبيل منعها؟ لماذا لا توجد حتى اليوم مؤسسة لدراسة أخطر أمراض هذا المجتمع، تقوم بمراقبة مساره وتطوره والعوامل المؤثرة عليه. لماذا يكون هناك "وزير دولة لشؤون مجلس النواب" ولا تكون هناك وزارة لمحاربة الطائفية بشكل علمي؟ لو فعلت الحكومة ذلك وأبدت حرصاً حقيقياً لتجاوز الطائفية وحققت بشكاوي المواطنين بأمانة، فإني أشهد أن في السنة الكثيرين ممن لن ينكروا فضلها ولن يمكن لأية جهة أن تستثيرهم ضد الحكومة. فحتى في هذه الأحوال التي تقصر فيها الحكومة في التوضيح نجد أصواتاً سنية عديدة تقف ضد موجة الطائفية والفتنة (21) فأين الجهد لإستقطابها ودعمها وحمايتها؟
وهناك أصوات تشكوا بشكل أصولي مثل قول حامد المطلك من العراقية: "كنا نتمنى أن تكون طريقة تنفيذ القانون قانونية في نفس الوقت ليست عدائية ولا حسابية ولا تخلق أزمة بهذا الشكل....أنا مقتنع قناعة تامة بأن هناك إنتقائية وإستهداف لمن يراد إستهدافه لإن هناك الكثير من الحالات لا يتم التطرق اليها"(22) ، فما هي الجهود التي بذلت لمناقشتها وفحص شكواها وما هي "الحالات التي لم يتم التطرق إليها" والتي تعطي الناس شعوراً بالإنتقائية والاستهداف؟
إذا كانت الحكومة لا تحترم هذه التساؤلات وتجيب عنها، فمن الطبيعي أن لا يحترم أصحابها الحكومة بالمقابل.
وهناك قصة الملفات التي تفقد أي إنسان لأية بقية ثقة بالمقابل، وقد طرحها بشكل مباشر كل من أياد علاوي(22) وحامد المطلك، الذي قال: "وقد هدد السيد رئيس الوزراء بنفسه للبعض بأن هناك ملفات وقضايا تحت اليد وأنا أقول إذا كانت هناك قضايا تحت اليد لماذا لا تعرض لماذا يتم إختيار الوقت والطريقة المناسبة لعرض هذه القضايا إن هذه الطريقة غير قانونية وغير سليمة ولا يمكن إدارة الدولة بهذه الطريقة وبهذا الاسلوب." (23)
ولا أجد إلا أن أقف معه في هذا، وسبق أن كتبت رأيي في هذا الأمر بشكل مفصل. لقد كشف رئيس الحكومة أنه يحتفظ بملفات بتهم إرهاب لنفسه منذ سنين، في انتظار "الوقت المناسب" لطرحها. ويبدو لي من حقيقة الطرح العلني لهذه النقطة أن رئيس الوزراء لا يعي أن هذا عمل ممنوع وخطير. وفيما عدا ذلك فهو عمل مدمر للبلد وللجو السياسي والإجتماعي فيه. الناس لا تستطيع أن تعيش تحت تهديد وجود ملفات يفتحها رئيس الحكومة متى ما شاء. وليس هناك أي مبرر أمني في عدم كشف كل الملفات وإعلان انتهائها. لأن تأجيل طرحها هو الخطورة بعينها. فلو كنت إرهابياً وأرى من يتهددني فإنني سأفعل كل ما أريد بسرعة واهرب أو أحاول قتل صاحب الملفات، ولا أنتظر أن "يكشفها في الوقت الذي يناسبه". لذا نقول ثانية: على المالكي أن يبادر فوراً بكشف كل ما تحت يده، أو أن يعلن أنه لا يمتلك اية معلومات مخفية، وإلا فهو يتحمل كل جريمة تحدث نتيجة هذا التأجيل إضافة إلى جريمة إخفاء معلومات خطيرة، وهي جريمة يحاسب عليها القانون بشدة! فوق ذلك، فإنني من الناس لا اصدق أنه سيختار الوقت بحساب ما يناسب البلد، بل بما يناسب الصراع السياسي للسيد رئيس الحكومة، الذي يحتفظ بالملفات، ومن يقول غير ذلك لا يصدق!
ما الذي يفعله المالكي الآن في هذه الأزمة؟ لقد تركها وذهب إلى عمان ليوقع اتفاقيات إستراتيجية اقتصادية. (24)
ومن خلال سوابق تعامله مع هذا الملف، والصلافة التي يصعب تفسيرها للحكومة الأردنية مقابل خنوع عراقي محير، فإني أضع يدي على قلبي من نتائجها، واطالب بعرضها بشكل شفاف على الشعب والنواب. المؤشرات الأولى لا تبشر بخير، وبالتأكيد فأنها بحاجة إلى تصديق مجلس النواب، وأن تم تجاوز ذلك سيكون برهاناً قاطعاً على أنها مؤامرة أخرى على ثروة الشعب العراقي، رغم أن الجميع يبدو متفقاً على هذه المؤامرة بالذات وأن مجلس النواب لن يتعرض!
لقد كانت الإتفاقات والتبرعات السابقة ممارسات وجدت رفضاً شعبياً قوياً، ولما لم تقدم الحكومة تفسيراً رسمياً مقنعاً لها، رغم كثرة ما كتبنا عنها فإن الأمر كله لا يدعو إلى الثقة، ويسهم في زيادة الشق بين الشعب وحكومته التي يراها بعينه تتبرع من أموال العراقيين الذين يحصلون على دولار واحد في اليوم إلى الأردنيين الذي يحصل أفقرهم على ثمانية دولارات في اليوم، ثم يتشدق ممثلوا الحكومة بأنها "حالة إنسانية"! لا اخفيكم إني آخذ بنظر الإعتبار أن تكون كل هذه الضجة تمثيلية مصممة خصيصاً للفت النظر بعيداً عن تلك الإتفاقية! أرجو أن أكون مخطئاً في هذا وفي تشاؤمي مما يحدث، وإلا فسيتأكد صدق ما قاله الإسرائيليون عما حققوه في العراق!
(1) http://www.youtube.com/watch?v=7fwqj7u2gM4
(2) http://alrefiey.net/ar/index.php/permalink/4297.html
(3) http://www.shatnews.com/index.php?show=news&action=article&id=2303
(4) http://www.iraaqi.com/news.php?id=1353
(5) http://www.faceiraq.com/inews.php?id=1243296
(6) http://sna-news.net/index.php?aa=news&id22=14201
(7) http://khabaar.net/index.php/permalink/9457.html
(8) http://www.mojahedin.org/pagesar/detailsNews.aspx?newsid=17385
(9) http://www.youtube.com/watch?v=gtfuGXgFTUI
(10) http://iraqnewspaper.net/news.php?action=view&id=16574
(11) http://www.ncr-iran.org/ar/component/content/article/25/17925-2012-12-22-13-40-35.html
(12) http://www.nosratashraf.com/ar/content/15981
(13) http://ipairaq.com/?p=69210
(14) http://khabaar.net/index.php/permalink/9455.html
(15) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=23600
(16) http://www.shafaaq.com/sh2/index.php/news/iraq-news/50250----------q----q.html
(17) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=23593
(18) http://www.faceiraq.com/inews.php?id=1243355
(19) http://www.qeraat.org/news.php?action=view&id=1524
(20) http://www.iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/28153-2012-12-21-18-11-15.html
(21) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=23493
(22) http://iraqnewspaper.net/news.php?action=view&id=16574
(23) http://www.assafirnews.net/index.php/2012-05-14-03-04-35/10373-----24----------.html
(24) http://almirbad.com/news/view.aspx?cdate=24122012&id=f8b7aa03-3069-40fd-bb13-de6e50f0d171