ماذا بعد الانتخابات ؟
يبدو أن مهمة الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية القادمة لن تكون سهلة كما يتصور البعض فهناك العديد من الملفات المعقدة و الشائكة التي تنتظر رئيس الحكومة العراقية القادمة.فعلى الصعيد الداخلي هناك ملفات تتعلق:
أولا ً- بالخدمات كتوفير الماء و الكهرباء التي ما فتىء المواطن العراقي يطالب بحلها علما ً أن مبالغ مالية طائلة صرفت لحل هذه الأساسيات دون أن يكون هناك نتائج ملحوظة.
ثانيا ً- ملف البطالة و توفير فرص العمل حيث يعاني معظم الشباب العراقي و خاصة خريجي الجامعات من هاجس و كابوس التعيينات التي تؤرق مضاجعهم و تحرمهم من رسم ملامح مستقبلهم أو التخطيط له.
ثالثا ً- ملف الفساد المالي و الإداري الذي ينخر في جسد الدولة العراقية و الذي جعل العراق في المرتبة رقم واحد على سلم الدول الفاسدة بحسب تصنيف منظمة الأمم المتحدة و هو أمر يسيء للاستقرار الاقتصادي و يشوه ملامح أي تقدم يحرز في الحاضر و المستقبل.
رابعا ً- تنويع مصادر الدخل و موارد الدولة العراقية التي تعتمد على النفط بنسبة مئة بالمئة و هذا يهدد استقرار الدولة الاقتصادي و يجعلها رهينة بالمتغيرات السعرية و المضاربات في السوق العالمية و يفقدها جانب المرونة في المعاملات الدولية كما أنه يحرم العراق من تطوير قطاعات أخرى كالزراعة و الصناعة.
خامسا ً- الأمن الغذائي للدولة و هو ملف بالغ الأهمية لا سيما و أن العراق يستورد كل ما يأكل و هو أمر يساهم في إلقاء أعباء كبيرة على خزينة الدولة و يضعف موقف العراق على الساحة الدولية لا سيما و أن نسبة السكان في العراق تتصاعد و المساحات الخضراء تتناقص وسط مخاوف من جفاف شاسع يجتاح البلاد في السنوات القليلة القادمة.
سادسا ً- ملف الصناعة العراقية التي تعاني من مشكلة البيضة أم الدجاجة فهي إما تعتمد على القطاع العام المنهك أو على القطاع الخاص الضعيف و إما يسلم يبد المستثمر الأجنبي بالكامل و هذا سؤال مهم مرتبط بشكل مباشر بقدرة الحكومة القادمة على إيجاد معادلة بين كل هذه المعطيات.
سابعا ً- ملف كركوك الذي كلما برز إلى السطح تم تأجيله بغية أن لا يكون عائقا ً أمام اتفاق الكتل المختلفة على الأمور و الملفات الأخرى. و قضية كركوك شائكة إلى درجة أنها تعتبر من قبل البعض (قنبلة موقوتة) خاصة و أنها صورة لعراق مصغر يعيش فيه العديد من القوميات التي تقول بأحقيتها بالوجود و بأنها يجب أن تحصل على مساحة مقبولة في مجلس محافظتها و بالتالي فإن العائدات النفطية لهذه المحافظة هي محل خلاف آخر.
ثامنا ً-ملف النفط و سن قانون خاص به و هو ما لم يتم إقراره إلى غاية يومنا هذا و هو قضية ما تزال محل خلاف بين الحكومة المركزية في بغداد و حكومة إقليم كردستان من جهة و بين الحكومة المركزية من جانب و بعض المحافظات الجنوبية من جانب آخر.
تاسعا ً- ملف المصالحة الوطنية الذي لم يكتمل بعد و بدت آثاره واضحة على مسلسل الانتخابات العراقية. و قد يكون تحديد مفهوم المصالحة الوطنية أكثر أهمية من البدء في هذه العملية. و لا يزال الغموض يلف العديد من الأطراف المشاركة في هذه المصالحة و الخلفيات التي تستند عليها و الآليات التي يتبعها المشرفون خلال تنفيذها و تطبيقها. أهي مجرد مصالحة شكلية أم تأسيس حقيقي لمشاركة فعلية من قبل جميع الأطراف التي تضع العراق في سلم أولوياتها و من دون ارتباطات خارجية و أقليمية.
عاشرا ً- ملف مكافحة الإرهاب و القاعدة: فعلى الرغم من النجاح الكبير الذي تحقق على صعيد مكافحة القاعدة إلا أن العراق يشهد بين فترة و أخرى تصاعدا ً مشبوها ً في التفجيرات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء من المواطنين و في أوقات حساسة تستهدف الإساءة إلى أي انجازات اقتصادية و استثمارية تتحقق أو سوف تتحقق في المستقبل. و يعزو البعض هذه التفجيرات إلى أجندات خارجية و بتسهيلات من بعض الأطراف (العراقية) . في حين يركن البعض الآخر إلى عمليات ضغط سياسي من قبل بعض الأطراف لتسقيط أطراف سياسية أخرى يروح ضحيتها المواطن البريء. و سواء أكان هذا الاحتمال أم ذاك فإن الحكومة المقبلة أيا ً كان توجهها ملزمة بتوفير الأمن لمواطنيها بأي شكل من الأشكال.
أحد عشر- ملف المحاصصة الذي يقول البعض بأنه يعيق حركة أي حكومة مقبلة و يفرض عليها مجموعة من الشروط التي لها تأثير مباشر في تشكيلة الوزارات و مجالس المحافظات و بالتالي يجعل من الصعوبة بمكان اتخاذ قرارات معينة دون الرجوع إلى الأطراف الأخرى. في حين يؤيد البعض الآخر المحاصصة بحجة أنها ضمان لعدم انفراد جهة واحدة بالقرار السياسي في بلد تتعدد فيه الاتجاهات و الأعراق و الأديان و القوميات.
أما الملفات التي تواجه الحكومة المقبلة على الصعيد الإقليمي و الدولي فهي لا تبتعد كثيرا ً عن الملفات الداخلية بل نجدها متداخلة معها في كثير من الأحيان . فمشكلة المياه على سبيل المثال مع كل من إيران و تركيا و سوريا و التي تنعكس سلبا ً على قطاع الزراعة في العراق سوف يكون لها أثر كبير على طبيعة العلاقات بين العراق و هذه الدول المجاورة . و من المتوقع أن تكون في صدارة الملفات التي سوف تناقشها أي حكومة عراقية مقبلة إلى جانب الملف الأمني و التدخلات الإقليمية في الشأن العراقي الداخلي.
أما القضية الأكثر صعوبة في ملف العلاقات الخارجية العراقية مع دول الجوار فهو شكل العلاقة مع إيران لا سيما في ظل التوتر الذي تشهده المنطقة و على خلفية التهديدات المتصاعدة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران.
و لا يخفى على أحد الاحتمالات الخطيرة التي تنعكس على المنطقة برمتها في حال حدوث أي توتر عسكري بين الأطراف المتواجدة في منطقة الخليج. ففي الوقت الذي يطرح فيه احتمال بقاء بعض الألوية المسلحة الأمريكية في أجزاء من العراق نجد الجانب الإيراني يوجه تهديدات صريحة بضرب المصالح الامريكية في الخليج.
و ينعكس هذا الصراع الأمريكي الإيراني بشكل واضح في الداخل العراقي لا سيما و أن العراق ساحة مفتوحة لأطراف دولية عديدة و هو ما يجعل وقوف العراق على الحياد أمرا ً في غاية الصعوبة و يحتاج إلى حنكة سياسية غير عادية قد تحسب لصالح الحكومة المقبلة إذا ما بقيت على مسافة واحدة من كل الأطراف المتصارعة في المنطقة.
و لتحقيق هذه العلاقة المتوازنة يتوجب على هذه الحكومة الموازنة بين ملف الديون العراقية و الاستثمارات الأجنبية فيه. فمعالجة قضية الديون المتبقية على العراق تشكل عاملا ً سياسيا ً و اقتصاديا ً مهما ً قد يغير شكل العلاقات الدولية في المنطقة إذا ما تم بخطوات محسوبة و مدروسة. كما أن خطط العراق بزيادة انتاجه النفطي إلى حدود تفوق بكثير غيره من دول المنطقة يزعج هذه الدول و يضعف موقفها كقوى لها نفوذ في المنطقة و العالم. لذا يتوجب طمأنة هذه الدول إلى أن قدرة العراق على النهوض من جديد لن تهدد مصالح أي منها بل على العكس فإن هؤلاء سيكونون شركاء في تقدم البلاد و تطورها.
و تبدو مهمة الحكومة العراقية المقبلة في معالجة كل هذه الملفات صعبة و أحيانا ً مستحيلة لا سيما و أنها مرتبطة بشكل البرلمان القادم و توزع الكتل فيه. فالبعض يتخوف من اجتياح كتلة ما معظم مقاعد البرلمان لأن هذا يعني تفرد قطب واحد بسياسات الحكومة و هو أمر بالتأكيد لا يحبذه سياسييون كثر و لا حتى دول إقليمية إلا إذا كان الحكومة الفائزة تنسجم و توجهاتهم.
أما إذا كانت الحكومة حكومة وحدة وطنية فهذا يعني دخول البلاد في فترة من الغيبوبة السياسية لا سيما و أنه من الصعب جدا ً إيجاد صيغة توافقية بين الأطراف الفائزة و هو أمر يتخوف منه البعض لأنه يعني تشتتا ً واضحا ً في سياسات العراق الداخلية و الخارجية و هذا أمر لا يرغب فيه المواطن العراقي ، اللهم إلا إذا ما اتفق جميع الأطراف على وضع العراق نصب أعينهم و ترك الخلافات الحزبية و العلاقات الإقليمية و الدولية جانبا ً.
و يتخوف البعض من نتائج الانتخابات العراقية ليس لما تفرزه من ألوان و أطياف متنوعة في البرلمان العراقي و إنما لموقف الخاسرين فيها. هل سوف نشهد تبادل تهان ٍ بين الخاسر و الرابح أم أننا سوف نشهد تصعيدا ً في الاتهامات بالتزوير و التحايل و تغيير النتائج و هو أمر لاحت بوادره في الايام التي سبقت إعلان النتائج فكيف إذا ما تم الإعلان عنها وفق النتائج التي تغضب بعض الأطراف في الداخل و غيرهم من الدول الإقليمية في الخارج. إنه سؤال خطير نأمل أن يجيب عليه الناخب العراقي الذي لا يكفي أن نثقفه بضرورة المشاركة في الانتخابات و إنما بضرورة قبول نتائجها أيا ً كانت و إلا فإن حلم الديموقراطية الوليدة في العراق سوف يتحول إلى كابوس بغيض لا يخدم العراق و لا دول الجوار.