Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ما حدث ببهرز - إلى أين تقود العراق حكومة لا تحقق في هذا ؟

 


لم تثر المقالة الخطيرة التي كتبها سعد السعيدي ("ما حقيقة احداث بهرز؟")(1) عن مجزرة بهرز (23 و 24 آذار 2014)، ما تستحقه من إهتمام، لا على المستوى الحكومي ولا على مستوى الشارع العراقي،  ووضعت على الرف شأنها شأن أفلام الفيديو الخطيرة التي وثقت شهادة الشهود عن تلك المجزرة، والتي يدين فيها ذوي الضحايا القوات الحكومية سوات بشكل خاص، بالتآمر مع الإرهابيين وقيامهم بإرهاب السكان وإهانتهم وقتل الضحايا أمام أهلهم، وهي الأفلام التي قام الكاتب بمتابعتها والإستناد إليها. 


يكتب السعيدي عن وثائق الشهادات التي هي "اجزاء من جلسات استماع اللجنة التحقيقية برئاسة صالح المطلك التي ارسلت الى ديالى للوقوف عل حقيقة ما جرى". وقال: "يروي الشاهد صالح مهدي كيف جرى قتل اخيه وابن اخيه. كذلك روى بالتفصيل كيفية قيام افراد السوات بالاجهاز على صبي جريح من اهل الناحية بالكواتم بينما كان مختبئآ تحت احد الاسرة! وقد وصف هذا الشاهد في الفلم ملابس اعضاء السوات وسماهم باسمائهم. وذكر كذلك رعب قوات الشرطة منهم حيث ذكر عن آمر مفرزة للاخيرة قوله ان السوات قد صادرت منهم اجهزة الاتصال وانه رجاه التزام الصمت خوفآ من القتل! ونفس الكلام ردده عن قائد العمليات .. الذي رجاه التزام الصمت طالما ما زال السوات في المنطقة! (2)

في الفيلم الثاني(3) نرى شاهدآ آخر يروي قصة مقتل اخوه المسن واسمه الحاج كريم وابنه علاوي الطالب في الثانوية. فيذكر كيف انه في اليوم التالي بعد المعارك بين تنظيم داعش والقوات الامنية اي يوم الاحد دق جنود السوات على باب اخوه هذا. وكيف انه بمجرد فتح الباب دخلوا في البيت وشرعوا يتجاوزون على اهل الدار بالشتائم والسباب والتهديدات !! وذكر كيف ان السوات قامت بالاعتداء بالضرب على اخوه المسن هذا وابنه بعدما حبسوا النساء في إحدى الغرف. بعدها قاموا باعتقال الاثنين واخذهما معصوبي الاعين نحو نهر خريسان. ويمضي الشاهد في إعطاء شهادته فيتكلم بمرارة عن الشعارات الطائفية المخزية التي تركتها قوات السوات على جدران المدينة" وتحدث ممثل مفوضية الإنتخابات في بهرز(4) " كيف انه كان يحاول الاستنجاد تليفونيآ بقيادات القوات الامنية مثل الفريق عبد الامير الزيدي والمقدم جميل (الشمري)" وآخرين، وكلهم قد أغلقت هواتفهم."

ويتساءل السعيدي أخيراً "متى سنرى نتائج لجنة التحقيق برئاسة صالح المطلك حول احداث بهرز هذه؟" 


وفي تصوري، ومن مراقبتي السابقة لتصرفات الحكومة في مثل هذه الأحوال، فأن السعدي لن يرى تلك النتائج ولن نراها أبداً، أو أن ما سيقدم من "نتائج" لن يكون سوى فصل آخر من مسرحية "لجان التحقيق" التي تقوم بها الحكومة، لتتجاوز العاصفة وتدفن الجريمة في مقبرة النسيان كما فعلت مع الكثير من المجازر قبلها، وستفعل بلا شك مع الكثير بعدها. 

والحقيقة إني حين كتبت مقالتي السابقة "بنية الشعب وتأثيرها على الصراع"(5) فقد كانت مجزرة بهرز وتصرف الحكومة تجاهها في بالي كحافز لكتابتها. قلت في تلك المقالة: "إن قصر عمر التواصل الذي "يخلق" من الأفراد شعباً، هو من أهم ما يستفيد منه خصومه (خصوم الشعب) من طامعين أجانب وكذلك حكوماته التي تعمل لصالح نفسها، للإنتصار عليه. فالحكومة تفهم تماماً أنها إن تمكنت من الإنحناء، فأن العاصفة ستمر سريعاً وسرعان يتحلل هذا "الكائن" ويعجز أن يديم مطالبه وضغطه عليها. .. فإذا نهض الشعب بتأثير فضيحة حكومية مثلاً، فإنها تطمئن هذا الكيان المؤقت بأن الحل قادم كما يتمنى، وهي مدركة تماماً أنه غير قادر على الحياة مدة تكفي لمتابعتها للتأكد من ذلك. فتقوم مثلاً بتعيين "لجنة" للتحقيق في الفضيحة فيشعر الشعب عندها بأن الموضوع قد سار في طريقه الصحيح ويفقد الغضب والاهتمام الضروريان لإدامة كيانه، وينحل متبخراً إلى خلاياه المنفصلة ويعود أفراداً لايجمعها شيء وتنسى الموضوع. ... وفي العراق وظروفه الشديدة القسوة فأن الإهتمام بأية فضيحة ينسى بعد فترة قصيرة جداً، ليهتم الناس بالفضيحة التالية أو الكارثة التالية، لذا تستخدم حكومته تلك الطريقة بإسراف وبلا تحفظ أو قلق من رد الفعل عليها." 


توقعنا لرد فعل الحكومة السلبي تجاه الحدث ليس بسبب عدم ثقتنا بالحكومة بشكل عام فحسب، بل نتيجة لمجمل تصرفاتها في مثل هذه الأحداث الخطيرة للغاية، ليس فقط لما تسببه من ضحايا، بل لما تعنيه من المسيرة الحثيثة لدولة العراق إلى الإنهيار، وسط عدم اهتمام حكومي وشعبي يثير الدهشة. 


ففي الهجوم السابق لما يسمى بـ "داعش" على مدينة “عنه”، لم يتم أي تحقيق مع القوات الحكومية التي ترابط خارج المدينة مباشرة والتي "لم تتدخل" رغم تعرض المدينة لهجوم شرس منذ منتصف الليل وحتى الفجر، وتركوا الناس لوحدهم يقاتلون المهاجمين ببسالة بما لديهم من أسلحة، ووصلت أصوات بعض انفجارات الهجوم الكبيرة (عند تفجير الجسور) إلى مدينة "حديثة" نفسها! ولم تأت تلك القوات إلا بعد نصف ساعة من مغادرة المهاجمين. أنا من الناس اتساءل إن لم تكن تلك القوات وداعش، فصيلان من نفس العصابة، يأتي كل منهما إلى المسرح عندما يحين دوره! لكننا، ومثلما لم نسمع أي تفسير حكومي لتصرف تلك القوات، فإننا لن نسمع أي تفسير حكومي لموقف الحكومة من شهود بهرز.


إن شهادة الشهود هؤلاء في الروابط أدناه، والتي يجب أن يطلع كل عراقي عليها ويتخذ موقفاً منها، لا يمكن أن تكون مزورة. فهناك ضحايا لا تنكرهم الحكومة، وجنسية ومذهب هؤلاء تفند بشكل واضح لا يمكن التغاضي عنه، القصة الإعلامية بأن داعش تمثل "متطرفي السنة" الذين يهاجمون الشيعة ويريدون إبادتهم. فهؤلاء الضحايا سنة، فكيف يفسر الإعلام "الإسرائيلي" الذي يملأ أجواءنا ذلك؟ لماذا يختار "متطرفو" مذهب ما، ضحاياهم من نفس ذلك المذهب بالذات؟ ولم يكن هؤلاء الضحايا من الناس المعروفين حتى بتعاونهم مع الحكومة، بل هم بشكل عام من الناس العاديين الأبرياء الذين ليس لديهم حتى إهتمامات سياسية، ومن بينهم شيوخ وأطفال؟ كيف يمكن لشعور طائفي متطرف أو غير متطرف، أن يقتل شيوخ وأطفال أبرياء وليس لهم أي موقف محدد، ومن ذات الطائفة التي يروج القتلة أنهم "يدافعون عنها"؟ إن ذوي الضحايا يتهمون قوات “سوات” بالمجزرة، وهؤلاء ليسوا كذابين فيما يدعون، وهم يعرضون حياتهم للخطر من أجل تقديم تلك الشهادة التي يرجون منها (لبقية أمل في النفوس) أن تقوم الحكومة بواجبها - ما لم تكن مشلولة بالطائفية أو الخوف من “سوات” أو باتفاقات مع أميركا أن لا تمسها- . لكنها ليست سوى جهود ومخاطرات لا أمل يرتجى منها أكثر من كشف الحقيقة للناس، فالحكومة قد سارت في طريق لا رجعة فيه بتجاهل كل الحقائق التي "ما تصرف لها" ككتلة إنتخابية.


ويساعد الحكومة كثيراً على دفن تلك الحقائق، حالة شعبية خطيرة من عدم الإهتمام الذي يبديه مناصروها لكل ما يثار بوجهها من علامات استفهام، و ينصب تركيزهم الشديد فقط على ما يثار ضدها من تآمر. فإضافة إلى الإستقطاب الطائفي المتزايد، ينمو في العراق اليوم أستقطاب جديد اقوى من الإستقطاب الطائفي، إسمه “المالكي”. ومثلما لا يستمع السنة لرواية الشيعة ولا الشيعة لرواية السنة عن أي حدث، فأن مؤيدي المالكي لا يستمعون إلى أية رواية بالضد من حكومتهم كما لا يستمع معارضوهم إلى اية رواية تدافع عنها. ولقد أشرت إلى تلك الظاهرة الخطيرة في اكثر من مقالة كانت إحداها بعنوان "كيف تصمم "قصة شيعية" و "قصة سنية" لكل موضوع؟"(6) والتي تشرح أبعاد المؤامرة الإعلامية الخطيرة لتقسيم شعبنا تماماً إلى مجتمعات منفصلة ومتعادية. 

وقد حاولت في مقالتي الأخرى "مجزرة بهرز...عندما يكون التحقيق واجباً، تكون الثقة عدواناً"(7) أن أقدم قصة كل من الطرفين للآخر، لكسر الإستقطاب الشديد الذي صار يشمل أفضل المثقفين والكتاب دون أن يشعروا، ويبدو أن المقالة كانت خطيرة على ذلك المخطط إلى درجة أن موقع "عراق القانون" الذي اتجه بشكل صريح تماماً لترويج الإستقطاب الطائفي بشكل متزايد في الفترة الأخيرة، رفض نشر تلك المقالة بشكل صريح وهو حدث يحدث لأول مرة (كانوا يكتفون عادة بتأخير مقالاتي أو نشر بعضها حيث لا تبقى طويلاً، في لعبة القطة والفأر بيننا) ثم قاموا ، بعد تهديدي بكشف الأمر للقراء، بنشرها في الأرشيف فقط دون إشارة لها في الصفحة الأولى، وهو ما يعني أن لا يجدها أي قارئ، ويتيح لهم في نفس الوقت فرصة الإدعاء بأنهم قد نشروها بالفعل! هذه ليست سوى واحدة من كثير، وربما سأكتب يوماً مقالة عامة حول محاربة مقالاتي في بعض المواقع. فيبدو أن الهدف التكتيكي الأساسي الذي يخدم الجهات التي تتبنى مهمة ترويج الطائفية في البلاد هو: "أن لا يسمع أي طرف، قصة الطرف المقابل". 


ما نريد التركيز عليه من حقائق أصبحت ناصعة الوضوح أخيراً هو ما يلي: 

أولاً أن بعض القوات الحكومية وخاصة سوات تتصرف أحياناً كفصيل ثاني للإرهاب وتمثل الفك الثاني الذي يقابل الفك الأول: "داعش" ، "القاعدة" الخ ، لكماشة الإرهاب التي تفتك بالعراق، وأن هذا الفك يتخفى في القوات الحكومية التي أسسها نيكروبونتي وستيل وغيرهما من خبراء الإرهاب الذين تربوا في بيئة الإرهاب الأمريكي في أميركا الوسطى، وهناك الكثير من الوثائق عنهم في النت لمن تهمه الحقيقة.

ثانيا: أن الحكومة لا تجروء على التحقيق في أية قضية لها علاقة بالأمن وبـ "سوات" ويبدو أن هناك اتفاقاً ضمنياً أو مباشراً بين المالكي والأمريكان على أن لا يتحرش المالكي بهذا الموضوع وأن يترك لها حرية العمل، مقابل السماح له بالحكم، وتجنب مصير الجعفري. 

ثالثاً: تحظى سوات بدعم إعلامي غير طبيعي لحمايتها من التحقيق، وباستعمال الهجوم المسبق على أية جهة تحاول إثارة ما تقوم به هذه القوات، واتهامها بـ "التشكيك" بالقوات العراقية، وكأن هذه القوات قد شاركت أو حلت محل المقدسات الدينية والطائفية! وقد نجح هذا الإعلام في الجانب الحكومي من العراق الممزق، إلى درجة أن تبناه حتى الناس والكتاب الأبعد من غيرهم عن الطائفية، واقتنعوا به وصاروا يكتبون ضمن إطاره بتبرع منهم، وهو أهم الأدوات التي تستخدمها سوات لحمايتها من أية تحقيقات قد تثيرها أخطاءها أو فضائحها وتهدد بكشف حقيقة ذلك الجناح من الإرهاب الأمريكي، والذي لا يقل عن خطورة عن جناح “داعش” من ذات الإرهاب، ويتيح له إكمال مهمته دون عرقلة. 


لقد فشلت الإدارة الأمريكية في أن تفرض الحصانة القانونية لحماية قواتها إن افتضحت جرائمها، من المحاسبة، لكنها نجحت في فرض حصانة فعلية لإرهابييها، من خلال الإعلام والإستقطاب. حصانة تتيح لهم بالفعل أن ينفذوا المهام الإجرامية التي يكلفون بها، واشترك في ترويج هذه "الحماية الفعلية" دون أن يعلم، البعض من أشد معارضي التواجد الأمريكي الرسمي في البلاد، بمساهمته في تقديس تلك القوات والهجوم على "المشككين" بها، وحمايتها من التحقيق!


عندما يكون الإستقطاب على أشده في مجتمع ما، تفقد الحقائق قيمتها التي تنطلق من اتفاق الناس عليها وعمومية التصرف المقبول إجتماعياً إزائها، وتتحول إلى مجرد "قضايا" و "أوراق" و "ملفات" في ذلك الصراع على السلطة، لا يشمل الساسة فقط، بل ومؤيديهم أيضاً. فهؤلاء المؤيديون، وقد اقتنعوا مع الوقت والضغط الإعلامي بأن الطرف الآخر يريد له الأذى عن قصد، صار يغض الطرف عن أي أذى يلحق بذلك الجانب وعن أية حقوق في التحقيق المحاسبة لمن يعتدي عليه، بل ربما يشجع ذلك التغاضي ويتعاطف مع المجرمين الذين يضربون الجانب الآخر، كانتقام منه مما يعتقدون أنه يقوم به. 

وفي هذه الأثناء يلعب الإرهاب والإعلام العراقي المؤسس خصيصاً لتمزيق البلاد، على تحطيم أواصر الشعب وإقناع كل طرف منه بأن الطرف الآخر مجرم يبغي إبادته، وتلعب الحكومة دوراً خطيراً في هذه المؤامرة الكلية حتى إن كان بغير قصد، حين تتخلى عن دورها وتقبل بالتحول إلى كتلة إنتخابية لا تفكر ولا تحرك أصبعاً، إلا إن كان في خدمة انتخابها التالي، حتى لو كان لحكم بلد محترق وشعب محطم. 


وطبيعي فإننا في كل هذا التركيز على الجانب الحكومي من الذنب، لا نبرئ جانب الضحايا من الأخطاء التي أوصلت البلد إلى هذه الحالة، حينما تجاهلوا بانفسهم حركات المندسين بينهم وسمحوا لهم أن يعطوا إنطباعاً خاطئاً عن مواقفهم، وساروا وراءهم وأحياناً تحت شعارات طائفية وسخة، وبلا تحسب لشعور الجانب الآخر، ففتحوا أبواب جهنم على أنفسهم وبرروا لمن يتحرك ضدهم للإنتقام منهم، فعلته. 


حينما نحاول أن نتوقع المستقبل، نسعى إلى محاولة استنتاج ما يمكن أن يلده الحاضر من نتائج، وما ترسله الأحداث الحاضرة من رسائل إلى الناس وكيف تشكل موقفهم ورؤيتهم، فما هي رسائل حقائق تجاهل الحكومة ومؤيدوها، لأحداث وشهادات وبراهين كالتي لدينا على أحداث بهرز وعنه وأمثالها؟ كيف ينظر الضحايا إليهم وإلى مستقبل العراق ومكانتهم فيه، وهم يرون أن لا يوجد من يهتم فيه بدمائهم، ولا حتى بالتحقيق في من أسالها؟ 

لقد كتب لي أحد القراء معلقاً: وهل تهتم الحكومة بما يحدث من مجازر للشيعة لكي تهتم بمجازر السنة؟ وهو محق إلى حد بعيد، فالحكومة تتجاوز كل ما يمكن تجاوزه من حقائق لا تستطيع أن تضعها في خدمة العملية الإنتخابية، سواء كانت حقائق تهم السنة أم الشيعة، وتنفخ وتضخم وتصبح فجأة "ولية الدم"، للحقائق التي تقدر الحكومة أنها قد تخدم ذلك الإنتخاب. 


فموقف الحكومة ليس طائفي بشكل عام، ولا يعبر عنه التقسيم الطائفي بدقة، ورغم ذلك فهو لا يخلو من عنصر قوي من الطائفية، والسبب ليس حباً بالطائفة في تقديري، وإنما لأن الحكومة ترى الطائفة مصدر أكثر ربما من 95% من ناخبيها، وينظر إليها الناخبون بهذا الشكل أيضاً. فليس الناخبون السنة وحدهم من يراها تعبر عن مصالح الطائفة الشيعية، إنما الكثير من الشيعة يراها كذلك ايضاً ويدعمها لذات السبب بالذات. لكن هذا الدعم يتخذ موقفاً مختلاً تماماً عندما يدفع بالناخب الشيعي إلى تجاهل حقائق الإرهاب على السنة. فغالبية من العراقيين ترى، رغم كل الحث الطائفي، أن الإرهاب الموجه للشيعة هو ذات الإرهاب الموجه للسنة، فعندما يحمي الشيعة الإرهاب الموجه للسنة من خلال تجاهلهم إياه ودعمهم غير المباشر لرفض الحكومة التحقيق بشأنه واتخاذ اية إجراءات، فإنما يدعمون الإرهاب الموجه ضدهم بلا شك، والذي سيعود نفس هؤلاء الإرهابيين لممارسته عليهم. 


فعندما تترك القوات الحكومية الإرهاب الذي هاجم مدينة، وبشكل واضح التعمد، يذهب في طريقه بسلام، علماً أنه كان إرهاب "القاعدة" ذاته، أي الإرهاب الذي يرى جميع الشيعة أنه موجه ضدهم بشكل خاص، فإن هذا التجاهل يتعدى "الإنتقام من السنة" إلى مساعدة الإرهاب الموجه ضد الشيعة على البقاء وتركه يكمل عملياته وينسحب، ليضرب بعد حين في مكان آخر، ربما كان مدينة شيعية. الخطوة التي يستطيع كل إنسان أن يقوم بها دون انتظار المقابل، هي أن يقرر أن لا يتجاهل خطايا جماعته، وأن لا يشترط على مناقشتها أن يناقش الجانب الآخر خطاياه أولاً. أن يقول لنفسه ولجماعته: نحن سنصحح خطأنا، حتى إن لم يفعل الجانب الآخر ذلك، فهي ليست مسابقة في الخطأ. إن من يريد أن يحكم بالذات لا يتاح له أن يقبل بمثل هذا المنهج، فالخطأ لا يزيد فرصته في الحكم بل يحطمها، كما أن المعارض الذي يتبع ذلك المبدأ، متهم بلا رتوش بالنفاق.


إذا كانت الحكومة هي "محتكرة العنف" في الدولة حسب تعريفها الرسمي، فهي في العراق تسمح بتوزيع حق العنف على الآخرين، سواء الذين يدعون دعم طائفتها أم اؤلئك الذين يدعون عداءهم لها، ودون أن تبدي حتى قلقاً تجاه هذا الأمر، فيمكننا أن نقول دون أن نشعر بتأنيب الضمير، أنه "لا توجد حكومة في العراق"، وأن ما تسمي نفسها بالحكومة، ليست سوى واحدة من الكتل المتصارعة على السلطة، والتي لا يعنيها أي شيء آخر على الإطلاق، ولا تشعر أن لديها أية واجبات أخرى غير الإهتمام بأن تنتخب مرة أخرى، وأن تسمح لها القوى الخفية (أميركا بالدرجة الأساسية) من تكوين حكومة ثانية! إن المتابع لاهتمامات الحكوة وطرق تصرفها مع الأزمات يرى ذلك بوضوح ويكتشف أنها توزع إمكانياتها بين إرضاء الشعب والأمريكان، فتعطي لكل جانب ما يرضيه. ولأن مصالح هذان الطرفان متناقضة بشكل شديد، خاصة بخضوع السياسة الأمريكية في المنطقة للأجندة الإسرائيلية، تكتفي الحكومة العراقية بمسرحيات "ولي الدم" لإقناع الشعب البسيط، وتكذب عليه بشأن الفصل السابع والعلاقة مع كردستان، بينما تقدم كل شيء حقيقي للأمريكان وتوابعهم، فأميركا لا يمكن خداعها، ولا تبالي بمسرحيات "ولي الدم"، مادام لا يمانع أن تبقى هي "ولي النفط"، ويبقى يسلمها ويسلم ذيولها حصة مضاعفة تتزايد مع كل موسم ابتزاز، أي كل موسم ميزانية وكل موسم تشكيل حكومة، فهي المواسم التي يؤشر كل منها أنخفاض حصة الإنسان العراقي من كل شيء من بلاده، من سلطة وثروة، لحساب اصدقاء إسرائيل وأميركا، وكل عام يزداد هذا الفارق بعدد تلك المواسم التي تشهد دائماً نسيان الإبتزاز السابق وتوجيه التركيز العام إلى المطالبة بالمزيد من الإبتزاز الجديد، كما يزداد الإنشقاق والضعف والإرهاق واليأس في المجتمع العراقي وتنهار قيمه الرابطة الواحد تلو الآخر، وتزداد الشقوق التي تفصل مكوناته في إتجاه واضح لتفتيته في النهاية. 


ما يجب أن يفهمه العراقيون أن الإرهاب الذي يعيشونه ليس سيئاً إلا لضحاياه، وأن هناك من يستفيد منه وأن هؤلاء حريصون على بقائه بقدر حرص ضحاياه على القضاء عليه، والمستفيدون منه لن يسمحوا لضحاياه بالتخلص منه، ما لم يكن ذلك أمر لا مفر منه. إنها ليست معركة بين الشعب العراقي ضد "الإرهابيين" المتطرفين، بل المستفيدين من هؤلاء الإرهابيين المسيرين أما بالمخدرات أو بالجنون. وما دام لنا مثل هذا التجاهل الحكومي والشعبي للإرهاب الذي لا يمسه والسماح له بالعمل بحرية مادامت مواجهته ليست لها قيمة إنتخابية، فإن الإرهاب في أمان، وسوف يستمر حتى يحقق كل أغراضه. 


سيقول مؤيدوا الحكومة أنها بذلت جهداً كبيراً للقضاء على الإرهاب في المنطقة الغربية، وهذا صحيح، لكنها تتوقف فوراً وتتراجع عندما يتطلب الأمر تحقيقاً مع قواتها حتى في الجرائم الواضحة مثل جريمة بهرز. وبالنسبة للمنطقة الغربية فإن محاربة الحكومة للإرهاب ليس سوى تمثيلية لم تحاول الحكومة أن تنفيها عن نفسها بعمل واضح، رغم أن هناك وفرة ممن يدعمون الحكومة في المنطقة الغربية وكان بإمكانها استغلالهم لتوضيح موقفها للموهومين، لو ان موقفها سليم حقاً. لقد تركت الحكومة السنة يؤمنون أكثر فأكثر بأنها ليست معنية بهم، إن لم تكن مشاركة في إرهابهم وإبادتهم كما يعتقد البعض. وترك هذا الأمر يتطور بهذا الشكل، دون تقديم خطاب ذو مصداقية إلى ضحايا الإرهاب والمشككين بدور الحكومة في ممارساته في تلك المنطقة، جريمة كبرى بحق الوطن الذي تحكمه هذه الحكومة. 


لقد كانت شهادة البهرزيين من ذوي الضحايا وغيرهم، بذاتها، عملاً بطولياً جريئاً وفرصة قد لا تتكرر كثيراً للحكومة وللناس إن كانوا يريدون معرفة الحقيقة. لقد كان كل منهم يضع حياته على راحة يده، في بلد يشعر الناس فيه إن المجرمين يملكون السلطة الكاملة على الأمن في البلد الذي لا يشعرون بالمقابل أن فيه حكومة تحميهم بأية درجة كانت. إن ما جاء في تلك الشهادات لا يمكن أن يزاح بعيداً بحجة أنه "محاولة للتشكيك بالقوات الحكومية"، ومن يستطيع أن يبعد نفسه عن الحقائق المزعجة بهذه السهولة فسوف يفاجأ بها تعود إليه وقد تغولت تغولاً هائلاً لا يعود معه مجال لمواجهتها. إستمعوا إلى شهادات هؤلاء ولا تدعوا الطائفية والإستقطاب يقفان بينكم وبين الحق، وطالبوا الحكومة بالتحقيق الأمين في الموضوع، حتى إن شعرتم أن ذلك سيكون في صالح خصومكم ومنافسيكم على السلطة في البلد، فغداً قد لا يكون هناك بلد ليحكمه أحد، لا أنتم ولا منافسوكم، وسيضيع الطرفان تحت أقدام القوى الجبارة التي تقف وراء الإرهاب بأجنحته المختلفة، ومن يعتقد بأنه قادر على مواجهتها لوحده بعد ان يتخلص من الطرف الآخر، مغرور كبير وواهم محكوم عليه بأن يصبح في النهاية ذيلا ذليلاً آخر لتلك القوى، إن احتاجت له، او بالفناء. 


(1) سعد السعيدي :"ما حقيقة احداث بهرز؟"

http://www.yanabe3aliraq.com/index.php/mqalat/16516-2014-05-24-11-25-37

(2) سوات قتلت اخوتي

http://www.youtube.com/watch?v=XSlUlwxeIf4 

(3) شاهد يروي مآساة بهرز احداث يومي 23 24 اذار 2014

http://www.youtube.com/watch?v=E6FrdgGnmZc 

(4) استاذ عامر يتحدث بحرقة عن مجزرة بهرز وضحاياها

http://www.youtube.com/watch?v=ler1Wn7YlVQ 

(5) صائب خليل - بنية الشعب وتأثيرها على الصراع 

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/698615526862186

(6) صائب خليل - كيف تصمم "قصة شيعية" و "قصة سنية" لكل موضوع ؟ https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/678226582234414

(7) مجزرة بهرز...عندما يكون التحقيق واجباً، تكون الثقة عدواناً

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/27p00.htm

1 حزيران 2014 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
صوتك كرامتك فلا تهدره حيدر محمد الوائلي/ الأنتخابات المحلية في العراق على الأبواب، وهي ثالث انتخابات ديمقراطية تجري في البلد الذي مزقته الحروب والصراعات والسياسات الداخلية والخارجية، الحل هو إزالة قطر هادي جلو مرعي/ طلبت الى صديقتها أن تتركها والمرأة التي تقف على الباب لتتحدث إليها وتعرف بغيتها ،وحين دخلت الصديقة، اختطاف مطالب السنة صائب خليل/ المطالبات التي رفعها السنة في الموصل والأنبار تدل بشكل واضح على الفوضى الشديدة أولاً، وتدل ثانياً على أن إرادة هذه الجماعة مختطفة، وأن تظاهراتها تستعمل لتمرير مطالب ليست معنية بها، إن لم تكن ضدها رسالة إلى أبناء بخديدا الأحبة مع محبتي لكم، أستميحكم عذراً، وأضع مسيرة حياتي ووجودي المتواضع ومقالاتي وكتاباتي ورسالتي المقدسة، أمام أنظاركم ومسامعكم، ولكم كل الحق بل كل الحقيقة إذا ما شاءت إرادتكم أو أيّدت ضمائركم وتتصور أهدافكم أنْ تكتبوا ما يطيب لكم وما شئتم،
Side Adv2 Side Adv1