Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مبادئ وخطوات لا صناديق وشعارات !

لا يمكننا ان نقدّم درسا في " الديمقراطية " لكلّ من يعرفها حق المعرفة ، ويطبقها كامل التطبيق في مجتمعات منتجة عرفت الديمقراطية ومارستها منذ قرنين من الزمن .. ولكننا ، نريد ان نعلمهم ان مجتمعاتنا اليوم ، لا يمكنها ان تختزل التاريخ ، وتغّطي على الواقع لتلعب لعبة الديمقراطية كذبا ونفاقا . ان الديمقراطية لا يمكن تسويقها كأية بضاعة في السوق العالمية ، انها " منظومة " فكرية كاملة يمارسها الناس ، كما تربوا عليها في مجتمعاتهم بشكل طبيعي في كل مرافق الحياة . وعليه ، فانها ليست مجرد لعبة سياسية ، وممثلي احزاب ، وصناديق انتخابات ، وبصمة اصابع لأناس لا تدرك ابسط المقاييس ، بل ولا تعرف لماذا تفعل ذلك بسبب وعيها المفقود ! كما لا يمكن ان تكون بديلا مباشرا بعد الخروج المباشر من اي حكم دكتاتوري جائر ! ان الديمقراطية ، هي اسلوب حياة ، وثقافة قيم ، والتزام بقانون ، واحترام مواقف ، ونظام حريات ، وظاهرة تقدم .. ان مجتمعاتنا لا يمكن ان تغدو ديمقراطية فجأة ، فهي بحاجة الى زمن طويل يتشبّع وعيها بمفاهيم العدالة والمساواة ، وبعد ان تمتلك رؤيتها للحياة المعاصرة ، وتستفيد من تجاربها التاريخية . فالديمقراطية لا تفّسر كونها آلية انتخابية محددة ، بل انها حالة تعامل بين الانسان والحياة ، وبين الحاكم والمواطنين ، وبين الرئيس والمرؤوس وبين اعضاء الاسرة الواحدة في البيت .. الخ انها تبدأ من الانسان في بيته ، والمدرسة ، والحياة العامة لتصل كل المؤسسات . الديمقراطية لا تبدأ من الدولة لتنتهي بالمجتمع بقدر ما تبدأ من المجتمع لتنتهي بالدولة . وعليه ، فقد اخفقت كل تجاربنا العربية المعاصرة بسبب تطبيقات مستعارة ، او تمثيليات مضحكة ، او احزاب مهلهلة ، أو زعامات جائرة ، او ترديد شعارات مفرغة من مضامينها الحقيقية !

من الصعب على المؤرخ رصد هذه " الظاهرة " الرائعة وتطبيقاتها الهزلية في تجارب عربية ليدرك بأنها مجرد سيناريوهات بلا أي فهم مقارن ، ولا أي ادراك متبادل بين الخطاب (= مقول القول ) ، وبين الواقع ( = معطيات الحياة ) .. ثمة تجارب عربية اولى لمرحلة الاستنارة والتطلعات المخضرمة بين قرنين 1989- 1919 ، وفيها ترجمت جملة من الافكار والكتب ومرت مجتمعاتنا بتجربتي المشروطية (= الدستورية ) في كل من ايران والدولة العثمانية ، ثم تطورت الممارسة ابان مرحلة ما بين الحربين العالميتين 1919 - 1949 بمثابة اصلاحات سياسية ، وتأسيسات اجتماعية حقيقية ، لكنها لم تتنفس لتأخذ مداها في اغلب البلدان العربية بسبب ولادتها في ظل كيانات جديدة سياسيا فضلا عن التأثر بتجارب المستعمرين البريطانيين والفرنسيين وقت ذاك ، ناهيكم عن التأثر ببقايا الانظمة القديمة ومواريث المجتمع الصعبة ، اضافة الى مزاحمة الايديولوجيات الجديدة التي زحفت على حياتنا العربية زحفا ، وهي تلغي كل الاعراف والتقاليد فجأة ، بل وكانت تطمح لما اسمته بـ " حرق المراحل " كي تلعب دورها في صناعة تيارات مضادة للمشروعات الديمقراطية .. وجاءت المرحلة الثانية 1949 – 1979 وهي مرحلة الراديكاليات اليسارية والايديولوجيات الثورية التي تحكمّت في الحياة العربية من خلال الانقلابات العسكرية والمد الثوري للاحزاب الفاشية او الماركسية .. وكلها استخدمت شعارات الديمقراطية ديماغوجيا واعلاميا شعاراتيا من دون ان تكون العملية تشريعية وخدعت الجماهير بالظاهرة وقد صفقت لها !

اما اليوم ، فنحن نعيش مرحلة جديدة 1979 – 2009 تختلط فيها مفاهيم الديمقراطية مع غيرها ، فكما وجد ابناء الجيل السابق من الراديكاليين مقاربة بين الماضي والحاضر كي يقولوا بالاشتراكية في الاسلام ، فان هناك اليوم عدة احزاب دينية اوجدت مقاربة من نوع آخر اذ شبّهوا الديمقراطية بالشورى ، علما بأن لا تشابه ابدا بين الاسلوبين ، ولا مقاربة بين المفهومين ، ولا اية تماثل بين الظاهرتين ! ثمة اسباب تقف صلدة للحيلولة ازاء تطور الديمقراطية حقيقة في حياتنا العربية وفي عموم العالم الاسلامي باستثناء تجارب معينة ، بسبب عدم تطوير الآليات والوعي في مجتمعاتنا مقارنة بالذي حدث في التجربة الماليزية مثلا .

لقد فقدت ملايين الناس في مجتمعاتنا ، الثقة بالديمقراطية ، اذ غدوا يعتبرونها مستوردا غربيا لا يلائمنا ، ووقعت اغلب الاحزاب الدينية في عالمنا الاسلامي نفسها في مشكلات صعبة ، فهي تعمل بالمشروع الديمقراطي وآلياته كقوى معارضة سياسية وتدخل الانتخابات من خلالها ، ولكن ما ان تصل السلطة حتى تبدأ ثنائية قاتلة ، اذ لا تطبّقها تطبيقا حقيقيا بسبب الحريات والفصل بين السلطات ، والقوانين المدنية ، وحراك هيئات المجتمع المدني وممارسات جماعات الضغط ، فتحلّ اخفاقات عدة بين الدولة والفصل بين مؤسساتها ، وبين المجتمع ! علما بأن بعض مجتمعاتنا العربية الجديدة لها تقاليد ديمقراطية سلمية توارثتها ابا عن جد ، وبالامكان تطويرها الى ما هو افضل .

ولعلّ مبادئ الديمقراطية تصطدم حتما بالقوى المتصلبة والراديكالية ، فهي بحاجة الى مجتمعات مرنة تتقبل الاشياء النافعة ! ان الديمقراطية لا يمكنها ان تعيش ابدا الا في فضاءات الحرية ، ولكن ضمن حدود القانون والاعراف الجميلة .. ان مجتمعاتنا بحاجة ماسة الى الوعي اولا والتربية ثانيا ، وان تكون الدولة دوما في خدمة المجتمع لا العكس .. من اجل تطوير اية مشروعات تلائم نسيج مجتمعاتنا ، وجعلها حرة ومنتجة ومشاركة ومحافظة على مصالحها في قلب هذا العالم .

www.sayyaraljamil.com

Opinions