مبدأ السيادة الوطنية والاتفاقيات الدولية
الدولة الحديثة لها أربع اركان اساسية لكي تكون حديثة وهذه الاركان هي : إقليم وسكان " البشر" وسلطة " حكومة " وسيادة , وأول من صاغ نظرية السيادة كمعيار أساسي للدولة هو الفرنسي جان بودان " 1419- 1527 " وذلك في كتبه الستة حول الجمهورية About six clerks Republic , وكان هدفه تعزيز سلطة الملك لتمكينه من الكفاح على جبهتين : خارجية " البابوية والامبراطورية " وداخلية " الاقطاع " واهتدى بودان لنظرية السيادة كمخرج لحالة الفوضى التي كانت تعاني منها فرنسا " حروب دينية ومدنية "، وفي سبيل دعم جهود الملك الرامية الى بناء الدولة رأى بودان أن جوهر الدولة يكمن في سيادتها ووحدة حكومتها أي محكومة من قبل " سلطة عليا " وهو يرى أن " الدولة بدون سيادة كالسفينة بلا شراع " , ويضيف أن السيادة كما يمكن أن تعود للأمير يمكن ان تعود للشعب، ولكنها في كل حال دائمة وواحدة وغير قابلة للتجزئةويكمن المظهر الأساسي للسيادة في قدرة " السلطة العليا " على سن القوانين، وتبقى الدولة ملزمة بالقانون المقدس وبقانون الطبيعة وبالقوانين المشتركة لجميع الدول " القانون الدولي " والسيادة عند بودان : داخلية " سيادة داخل الدولة " وخارجية " سيادة الدولة " . وبعد بودان انحرف البعض عن هذه الفكرة ! وها هو الفيلسوف الأنكليزي هوبس " 1588- 1679 " يدعو في كتابه الشهير" التنين " الى الحكم المطلق والى عدم وجود سلطة فوق سلطة الدولة وعدم خضوعها لأي قانون أعلى منها " كما الحال مع بعض الحكومات في الشرق " , وواضح أن السيادة بهذا المنظور تعد عائقا ليس فقط أمام خضوع الدولة للقانون بل كذلك أمام تطور القانون الدولي , هذا وكان لحركة الاصلاح الديني في اوربا أثره في تعزيز السيادة الداخلية للدولة، وبالتالي أسهم في تعزيز وحدة الدولة , وتم تكريس سلطة الدولة نهائيا من القرن السادس عشر" وهذا ما نحن بحاجة اليه في بلدان الشرق الاوسط "
وفي هذا القرن ازدهرت الكتابة في مختلف مشكلات قانون الامم , وذلك بالاستعانة بالقانون الروماني والتارخ القديم والدين والقانون الكنسي ومفاهيم القانون الطبيعي , وأشهر الكتاب أنذاك هو غريسيوس " 1583- 1645 " الذي وضع كتابه الشهير في قانون الحرب والسلام في عام 1625 , وعرض فيه تفرقته المشهورة بين الحرب العادلة والحرب غير العادلة وفكرة السلام والحياد , ودعا فيه الى عقد مؤتمرات دورية بين حكام الدول , وهذا ما حدث بالفعل بعد الحربين العالميتين " الاولى والثانية " كجمعية الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والصليب الاحمر ومنظمات المجتمع المدني ,,,, الخ
إذن الاساس النظري لمبدأ السيادة الوطنية انطلق من فرنسا " كما اشرنا / بودان " وكان لمبدأ لويس 14 " أنا الدولة والدولة أنا ( را / د جهاد العقل - السيادة القومية وسيادة الدولة - عن شبكة المعلومات السورية ) دليل على تشبث الملوك بالحق الالهي، والحق الشرعي، وتنكرهم لشعوبهم الذين التفوا حول الملك ضد الاقطاعية، وهذا ما يحدث في منطقة الشرق الاوسط منها العراق ,مما ادى الى نزاع بين الحاكم (الملك) والشعب في فرنسا وكانت الغلبة للشعب " الثورة الفرنسية " 1789 " حيث اسقطت الملكية واعلن قيام النظام الدستوري الاول , وتم سن القوانين الوضعية , واستندت انظمة الحكم عندئذ الى الاقرار بأن الشعب مصدر السلطات , وهذا ما رأيناه في الأنتخابات الفرنسية الاخيرة حيث كانت نسبة فوز حاكم فرنسا 53 % فقط، ورئيس اقوى دولة في العالم يفوز بنسبة اقل من 51%! وليس 99 /99 % كما يحدث في البلدان التي يكون القائد (الملك – الزعيم) هو الوطن والوطن هو القائد ! فما الفرق بين هذا المبدأ ومبدأ لويس 14 " أنا الدولة والدولة أنا " ؟
اما بخصوص الاتفاقيات الدولية، نود ان نطرح السؤال التالي :
هل يحق لحكومة خاضعة لسلطة اجنبية أو احتلال ابرام اتفاقيات دولية ؟
تمتلك الدولة شخصية قانونية دولية , وتستمر هذه الشخصية بصرف النظر عن التغيرات التي تطرأ على تنظيم السلطات العامة فيها وعلى الاشخاص القائمين عليها , فقد يتغير دستور الدولة وحكامها الذين يتصرفون باسمها , ولكن هذا التغيير لا يؤثر على صحة المعاهدات المعقودة بأسمها , وهذا هو مبدأ استمرارية الدولة ووحدة هويتها , وكمثال حكومة العراق حاليا " وهناك جدل بشأن صحة المعاهدات المعقودة من قبل بعض الحكومات : بخصوص الحكومة القانونية التي تنازعها حكومة ثورية , فهل تملك ابرام المعاهدات الملزمة للدولة , فعلى سبيل المثال حينما تنازلت حكومة المكسيك القانونية في عام 1859 عن جزء من اقليمها للولايات المتحدة الامريكية , حذر السفير الأمريكي في المكسيك وقتئذ من سلامة هذ التنازل , لأن الحكومة كانت تخوض حربا مدنية مع حكومة ثورية تنازعها السلطة , وبالفعل طعنت الحكومة الثورية بالمعاهدة , أما الحكومة التي تخضع واقعيا لسلطة أجنبية : مثل فيشي التي نصبتها المانيا في السلطة بعد احتلالها فرنسا في الحرب العالمية الثانية , والتي عقدت عدة معاهدات , وقد انكر ديغول عام 1941 صحة المعاهدات المعقودة من قبل حكومة فيشي . وفي عام 1946 اتفق بطلان معاهدة طوكيو المعقودة في 1941 بين فرنسا وسيام والتي اعلنا فرنسا عدم أهلية حكومة فيشي بعقدها ,إذن من حق الدولة ابرام اتفاقيات دولية " كما حدث في مؤتمرشرم الشيخ في القاهرة " بخصوص ديون العراق ! وهذا يؤكد مبدأ استمرارية الدولة ووحدة هويتها , لأن التغيير الذي حصل لم يؤثر على صحة المعاهدات المعقودة من قبل حكام العراق السابقين , بغض النظر من تغيير الدستور , ولكن يمكن أن تنكر السلطة الأجنبية صحة المعاهدات التي تعقدها الحكومة العراقية وتتفق على بطلانها إن رأت ذلك
إذن أين حقوق الشعب؟ نريدها سيادة واحدة للدولة والشعب معاً
shabasamir@yahoo.com