متمردون عراقيون : «القاعدة» أصبحت مكروهة وعناصرها مأجورة
14/01/2006بغداد: سابرينا تافرنايس وديكستر فيلكنز * القصة التي رواها اثنان من رجال حرب العصابات، تدخل في اطار حرب داخلية، يعتقد المسؤولون العراقيون والأميركيون انها تتصاعد حاليا داخل التمرد العراقي. وقال المتمردان في مقابلة معهما، ان مجموعة من المقاتلين المحليين من «الجيش الاسلامي في العراق»، تجمعت في الهواء الطلق في زاوية شارع في منطقة التاجي، الواقعة شمال بغداد في أكتوبر (تشرين الاول) الماضي. وفي الجانب الآخر وقف رجال من تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» معظمهم عرب جاءوا من خارج العراق. وكان بعضهم يرتدي أحزمة ناسفة. واتهم رجال الجيش الاسلامي مقاتلي القاعدة بقتل رفاقهم. وقال مقاتل من «الجيش الاسلامي» يستخدم اسم «ابو الليل»، ادعى أنه حضر الاجتماع، ان «القاعدة قتلت شخصين من جماعتنا. انهم يقتلون افرادنا بصورة متكررة». وانتهت المواجهة بغضب. وقال المتمردان انه بعد ايام قليلة نشبت معركة دموية بين «القاعدة» و«الجيش الاسلامي» في ضواحي المدينة. وكانت المعركة، التي قال المتمردان انها جرت يوم 23 أكتوبر الماضي، واحدة من صدامات عدة بين «القاعدة» وجماعات المتمردين العراقية المحلية، اندلعت في الأشهر الأخيرة في منطقة المثلث السني. وبينما تحدث مسؤولون أميركيون وعراقيون، عن انشقاق بدأ منذ أشهر، فان المعلومات التفصيلية عن الصدامات قدمها رجال يزعمون أنهم متمردون محليون. وكان ابو الليل واحدا من أربعة رجال عراقيين، جرت مقابلتهم لاعداد هذا التقرير، قالوا انهم مقاتلون من الجيش الاسلامي، وهو احدى جماعات التمرد الرئيسية. وعلى الرغم من اسمه فان لأعضائه دوافع وطنية والى حد كبير علمانية. وبينما لم يكن بالوسع التوثق بشكل مستقل من انتمائهم الى التمرد، فان التوصيفات التي قدمها الرجال الأربعة كانت طويلة وتفصيلية وموثوقة. والرجال الأربعة، الذين جرت مقابلتهم، هم عراقيون عاديون وفق كل المقاييس. احدهم كان يعمل جامع نفايات. وآخر كان ميكانيكيا في مصنع للثلج. وقالوا جميعا ان لديهم أطفالا. وبينما ادعوا انهم أعضاء في الجماعة نفسها، فان أعضاء مختلفين قدموا روايات طويلة حول عمليات في طائفة من المدن في المثلث السني. وأعطى الرجال أسماء عراقية مستعارة. وقد جرى تأكيد بعض ادعاءاتهم، بما في ذلك امثلة محددة حول صدامات مع قوات القاعدة، من جانب مسؤولين أميركيين وعراقيين. ووفقا لمسؤولين استخباراتيين اميركيين وعراقيين، وكذلك متمردين عراقيين، فان صدامات بين تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» وجماعات تمرد عراقية مثل الجيش الاسلامي وجيش محمد اندلعت في الرمادي وحصيبة واليوسفية والضلوعية والكرمة. ويقول مسؤولون اميركيون وعراقيون انه في مدينة بعد أخرى بدأ متمردون عراقيون محليون وجماعات عشائرية، محاولة طرد مقاتلي القاعدة وفي بعض الحالات قتلهم. ومن غير الواضح مدى عمق الانقسام. ويقول زعماء عراقيون انه في بعض المدن العراقية تواصل القاعدة وجماعات تمرد محلية التعاون بينهما. ويعتقد هؤلاء المسؤولون، ان القاعدة تتألف الى حد كبير من عراقيين، ويقف على رأسها الأردني أبو مصعب الزرقاوي. وعلى الرغم من ذلك فان هذه الجماعة ما تزال تعتبر بين العراقيين قوة أجنبية الى حد كبير. وما تزال الدلائل على الانقسام معتمدة، الى حد كبير، على الروايات والملاحظات، ومن معظم الأدلة المتيسرة تبقى القاعدة الجماعة المقاتلة الأقوى والأكثر تمويلا في العراق. ولكن في معظم المدن السنية تحدى العراقيون تهديدات القاعدة وتوجهوا الى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة في انتخابات الخامس عشر من الشهر الماضي. وقال مسؤول استخباراتي عراقي كبير، مشترطا عدم الاشارة الى اسمه، ان «العشائر سئمت القاعدة ولن يتسامح افرادها اكثر من ذلك». واكد المسؤول الاستخباراتي تقارير اشارت الى ان قبيلة سنية في سامراء، حاكمت وأعدمت اعضاء في القاعدة، بسبب دورهم في اغتيال احد الشيوخ في المنطقة. وقال المسؤول الاستخباراتي عن اغتيال الشيخ على يد أفراد القاعدة «كانت غلطة جميلة. وستقوم العشائر الان بقتل افراد القاعدة. ان لديهم الان الشجاعة لفعل ذلك». وكانت سامراء الواقعة شمال بغداد، تضم متسللين من مقاتلي القاعدة. وكان حكمت ممتاز الباز، أحد شيوخ المنطقة، قد سافر الى بغداد في سبتمبر (ايلول)الماضي، ليلتقي مع وزير الدفاع العراقي ويطلب مساعدته، وفقا لما قاله وليد السامرائي، أحد مساعدي الشيخ. وبعد اسابيع قليلة من الزيارة قتل الشيخ باطلاق الرصاص عليه من جانب مسلحين من القاعدة في مكان اقامته. وتأكدت الرواية من جانب أحد أفراد القبيلة ومسؤول استخباراتي عراقي كبير في بغداد. وكانت القبيلة غاضبة وقام افرادها بملاحقة الرجال الثلاثة الذين نفذوا عملية القتل. وعقد كبار القبيلة محاكمة في بيت ريفي في المنطقة وقاموا بالتحقيق مع الرجال على مدى أيام. وقال الاخوة من عائلة السامرائي ان جاذبية القاعدة تعتمد على المال اكثر من اعتمادها على الدين. وقال وليد السامرائي انه يعتقد ان العراقيين الذين قتلوا الشيخ حصلوا على ما يتراوح بين 500 والف دولار، ونفس المبلغ لعشرات من العمليات الاخرى. واضاف ان المتمردين المحللين غيروا ولاءهم بسبب اغراء اموال القاعدة. فقد اجتاح افراد القبيلة المدينة وقبضوا على 17 شخصا اشتبهوا في ارتباطهم بمقتل الشيخ. وفي واحد من المنازل التي اغاروا عليها عثرت القبيلة على اشخاص من السودان والمغرب وافغانستان والسعودية. وقد شن مقاتلو القاعدة هجوما ردا على هجوم افراد القبيلة. وفجر عربي يعتقد انه سعودي الجنسية يرتدي حزاما ناسفا نفسه في جنازة الشيخ، مما ادى الى مقتل شخص واصابة اثنين، كما ذكر سالم السامرائي، الذي شاهد الهجوم. وكدرس لجميع المرتبطين بمقتل الشيخ، قتل افراد القبيلة الرجال الثلاثة الذين نفذوا العملية. وتمت العملية أمام والد الشيخ. وتجدر الاشارة الى ان الخلافات حول تكتيكات القاعدة بين المتمردين المحليين ومقاتلي القاعدة ليست بالجديدة. فأبو الليل الذي قاتل في مدينة التاجي في اكتوبر الماضي، يؤكد، على سبيل المثال، انه التقي مقاتلين للقاعدة في اواخر عام 2003. وتحدث ابو الليل، وهو رجل قصير تنم نظراته عن الدهاء، بالتفصيل عن اللقاء. وذكر ان اللقاء عقد في مزرعة بالموصل وحضره 25 رجلا من القاعدة. ويبدو ان العديد منهم قدموا من باكستان. وكان البعض يتحدث العربية بطريقة سيئة مما اضطرهم الى استخدام مترجم. واستمرت المناقشات لسبع ساعات، لكنها لم تنته بطريقة مرضية للقاعدة، فقد طالب المتمردون المحليون مغادرة المقاتلين الاجانب العراق. انتهى اللقاء فجأة وغادر ابو الليل ورفاقه المكان. واوضح ابو الليل «اتمنى لو كانت لدي قنبلة نووية. وقلنا لهم لستم عراقيين، من الذي منحكم الحق للقيام بذلك؟». وفي بلدة الضلوعية شمال بغداد، يرى السكان المحليون ان المتمردين يتحملون مسؤولية عزلهم. وفي الايام السابقة على التصويت على الدستور، توجهوا للمقاومة وطالبوا بالسماح لهم بالتصويت. وقال احد السكان «غضب السنة من المقاومة. فقد تبين للناس اننا اذا لم نشارك فسنخسر الحكومة. ووافقت المقاومة وقالوا انهم سيحموننا من أي شخص يحاول الهجوم علينا». ودفع الوعد بالحماية خمسة ائمة مساجد محلية السكان على التصويت. ودفع الحماس للتصويت القاعدة الى محاولة التهديد، فخلال الليل وضعت عناصرها ملصقات تهدد بذبح من يدلي بصوته. وقبل يومين من الاقتراع التقت مجموعة من مقاتلي القاعدة بإمام في احد المساجد المحلية وتحدثوا اليه بان التصويت يتعارض مع القرآن. وطبقا للامام الذي تحدث، شريطة عدم الاشارة لاسمه خوفا على، حياته فإن رجلين، يبدو انهما من الجزائر وسورية، تعهدا بقتل أي شخص يزيل الملصقات، الا ان خمسة ائمة ازالوا الملصقات. وفهمت القاعدة رسالة البلدة. وفي يوم التصويت تدفق الناس على مراكز الاقتراع. وبعد مرور عامين ونصف العام من الاحتلال الاميركي، اصبحت المدن والقرى الواقعة جنوب بغداد منقسمة بين جماعات المتمردين، مثل مناطق نفوذ العصابات في المدن الاميركية الكبرى. والتقسيمات غير واضحة للقوات الاميركية التي تقوم بدوريات في المدن، الا ان المتمردين يؤكدون انهم يحصلون على تصاريح للمرور في المناطق غير الخاضعة لسيطرتهم. واشار ابو مروة، وهو قائد لجماعة مقاومة من اليوسفية جنوب بغداد، الى نزاع دموي مع القاعدة في قرية تسيطر عليها الجماعة اسمها قرية قراقول جنوب بغداد. وقال ابو مروة، الذي ذكر انه كان مقاتلا مع جماعة محلية تطلق على نفسها اسم «الاعصار»، ان مهاجمة القاعدة اكثر من جنوني. وحتى شبكات المقاومة لا يمكنها التفكير في القيام بمثل هذا العمل وتحدث ابو مروة، وهو في الثانية والثلاثين من عمره هادئ الحديث، عن الحياة وسط التمرد خلال يومين من المقابلات في بغداد. وقال انه لم يكن ليصطدم بالقاعدة، غير ان الحرب الطائفية ضد الشيعة اصطدمت بولائه الى قريب له شيعي في جماعته اختطف وتعرض للتعذيب. وطبقا لروايته، بدأ الخلاف مع القاعدة في 13 اكتوبر عندما اختطف مجموعة من الرجال، يعتقد انهم سوريون، قريبه واخذوه الى قرية قراقول التي تسيطر عليها القاعدة. ولمدة ثلاثة ايام بحث ابو مروة وسط اميال من الاراضي الزراعية قبل ان يصل الى قراقول. وعندما منعه مسلحون من دخول القرية عاد وتسلل اليها خلال الليل. واخير عثر ابو مروة على قريبه في المشرحة المحلية. كانت هناك ثقوب في جسده. وكان انفه مقطوعا واثار الحروق منتشرة في جسده، وقال«اصبت بحالة من الجنون». وجند ابو مروة مجموعة من الرجال الذين يثق بهم، للانتقام لمقتل قريبه. وتمكنوا من معرفة مكان شخصين سوريين من القاعدة، وفي اواخر اكتوبر اعدوا خطة لتنفيذ انتقامهم وقتلوهما على طريق زراعي بعد ان خرجوا من البلدة في سيارة، واخذوا كوفيتيهما لزوجة قريبه المقتول. ويواجه الاميركيون صعوبات كبيرة في محاولة استغلال هذا الانشقاق. وقال عراقي في الجيش الاسلامي يستخدم اسم ابو عمر «وضع يدي في يد الاميركيين يتعارض مع معتقداتي»، لكنه اضاف انه يسمح لنفسه بالاحتفال كلما قتل عضو في القاعدة على يد الاميركيين. قال «اشعر بالسعادة عندما يقتلهم الاميركيون».