مجزرة بهرز...عندما يكون التحقيق واجباً، تكون الثقة عدواناً
لمجزرة بهرز، أسوة بغيرها من قصص الإرهاب، قصتين أيضاً: سنية وشيعية (أنظر مقالتي "كيف تصمم "قصة شيعية" و "قصة سنية" لكل موضوع؟" * ) وهذه المرة هناك نقطة لا يختلف عليها وهي أن ضحايا المجزرة سنة، أما ألمتهمون بالجريمة فهم شيعة في قصة الضحية وسنة، في قصة الجانب الشيعي، (القاتل والمقتول من السنة حسب الرواية الشيعية). وبما أن أعداء العراق الذين يتحكمون بالإعلام العراقي يريدون أن يتحول كل حدث إلى نقطة خلاف وتمزيق في المجتمع العراقي يجهدون أن لا تسمع أي من الطائفتين رواية الأخرى، فأن أحد أهداف هذه المقالة أن يقرأ كل من الطرفين رؤية الطرف الآخر للرواية والدعوة إلى ترسيخ هذا التقليد مستقبلاً، تماماً كما يفعل القاضي حين يستمع إلى الطرفين المختلفين وروايتيهما قبل أن يتخذ قراره. أما نحن، فحتى لو كنا قد اتخذنا قرارانا (مسبقاً) وحددنا الرواية الصحيحة برأينا، فمن المفيد دائماً أن نستمع إلى الرواية الأخرى "الخطأ" ونعرف ما يدور في ذهن المقابل، وكيف وصل إلى تلك القناعة وما هي الإمكانية لتصحيح فكرته ليقترب من "الحقيقة" التي نراها؟
ما الذي حدث في بهرز؟
القصة الحكومية
وفق القصة الحكومية، فإن «نحو 100 مسلح من عناصر من تنظيم «داعش»، من بينهم عرب الجنسية، دخلوا المدينة بهويات تعريفية مزورة وقاموا بإعدام عدد من أبناء السنة في الناحية، بهدف «تحويل الاتهام إلى ميلشيات يزعم أنها شيعية».
وحينها اكد الحسيني، وهو عضو اللجنة التحقيقية في أحداث بهرز، أن «الأجهزة الأمنية تقتفي حالياً اثر الهجوم لمعرفة كيف دخلت هذه المجاميع في ظل تواجد القوات الأمنية ».
وقال طه درع، عضو الائتلاف الوطني عن ديالى، «القوات الأمنية خاضت خلال الأيام الماضية في بهرز معارك شرسة مع عناصر داعش الذين سقط منهم العديد بين قتيل وجريح، أما المتبقين منهم فقد فروا إلى مناطق بعيدة».
وكشف اللواء جميل كامل، قائد شرطة محافظة ديالى، أن عناصر تنظيم «داعش» دخلوا إلى ناحية بهرز بزي نساء من عدة جهات لتجاوز نقاط السيطرة.
ونفت وزارة الداخلية وقوع أحداث طائفية في ناحية بهرز، متهمة تنظيم «داعش» بالوقوف وراء حرق عدد من المساجد. وقالت الوزارة، إن "مجموعة إرهابية قامت بقتل شرطيين اثنين في سوق بهرز وقتل امرأة حاولت التصدي لهم .. وعلى إثر ذلك نفذت القوات الأمنية في مديرية شرطة ديالى والقوات المساندة لها، عملية عسكرية سريعة أدت إلى القضاء على أفراد الجماعات الإرهابية في بهرز". وأضاف البيان، أن "القوات الأمنية في ديالى نجحت وبناء على جهود استخبارية من إلقاء القبض على كل من تعاون مع هذه الجماعات الإرهابية أو آواهم أو قدم لهم دعما بالسلاح أو من أي نوع آخر". (1)
وجاء في رواية الجانب الحكومي على لسان رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ديالى صادق الحسيني إن (تنظيم داعش وبعد خسارته معركة بهرز امام منتسبي القوى الامنية عمد الى شن جرائم مروعة بحق الاهالي تمثلت في حرق العديد من المنازل والمحال التجارية، فضلا عن اضرام النيران بالمركبات في عقاب قاس). وفسر ذلك بان (الانتقام جاء بسبب الرفض الشعبي لوجودهم وتعاونهم مع القوات الأمنية). (2)
قصة المعارضة
أما قصة السنة – (أو المعارضة) فتختلف بشكل جذري، وتركز على البعض من الثغرات التي لا يمكن تجاهلها في الرواية ا لحكومية. فحمّلت عضو مجلس محافظة ديالى السابق ، سهاد الحيالي ”الأجهزة الأمنية مسؤولية الأحداث التي شهدتها ناحية بهرز″. وقالت ان ” وصول مسلحين مدججين بأسلحة ثقيلة الى وسط ناحية بهرز وسوقها يثير العديد من التساؤلات بشأن قدرة القوات الأمنية على حفظ الأمن ومدى تعاملها الجدي مع المعلومة الأمنية”، متسائلة” ما الذي يضمن عدم تكرار ما حصل في بهرز مع مناطق أخرى في المحافظة” .”, مؤكدة ان ” جميع الشهداء هم من أبناء المدينة المعروفين بحسن سيرتهم وسلوكهم” وطالبت القوات الأمنية ”بإظهار جثث القتلى من الإرهابيين وأسلحتهم”!!, وبينت ان ”عمليات النزوح ما تزال مستمرة من الناحية بسبب فقدان الثقة بين أبناء بهرز والأجهزة الأمنية بعد الأحداث المؤسفة التي رافقت دخول تلك القوات الى الناحية”. (3)
وقال عبد الله الجبوري، القيادي في «متحدون» «هناك جثث تعود إلى 40 مدنياً تم العثور عليها بعد عملية الاقتحام، قضوا رمياً بالرصاص». ومضى إلى القول، «أهالي بهرز يتهمون القوة المهاجمة بإشراك عناصر مليشيات في العملية».
وبالفعل تظاهر أهالي المدينة مطالبين بإقالة المسؤولين المحليين في المدينة ومحاسبة مسؤولي أجهزة الأمن وتعويض أهالي الضحايا الذين تم إعدامهم، وتعويض أصحاب الأملاك المتضررة من استباحة المدينة من قبل "مليشيات طائفية"، حسب تعبيرهم. وكان شهود عيان من بهرز جنوبي محافظة ديالى قد قالوا إن أشخاصا يرتدون ملابس مدنية نفذوا مساء الاثنين الماضي - بحماية من القوات الحكومية المكونة من الجيش والشرطة- عمليات إعدام ميدانية واسعة شملت عددا كبيرا من سكان بهرز. وقد أحرقت أربعة مساجد وعددا من منازل المواطنين.
من جانبه قال ائتلاف "متحدون" بزعامة رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، إن العرب السنة في العراق يتعرضون لما وصفها بسياسة اضطهاد طائفي تعتمد القتل والتعذيب والتخوين والتهجير. وطالب عضو الائتلاف عمر هيجل بتحقيق برلماني في أحداث بهرز. وقال المتحدث باسم ائتلاف "متحدون" ظافر العاني إن "السلطة الطائفية الغاشمة المدعومة بالمليشيات تشن حربا على العرب السنة في العراق". (4)
ويبدو أن الإرهابيين كرروا هذه المرة تحويرهم للشق الإجتماعي الذين يؤسسون له، من "شيعة مقابل سنة" إلى "شيعة حكومة (وإيران) مقابل سنة وشيعة معارضة" فقد أضيفت كما يبدو بشكل مصطنع علامات لتدين التيار الصدري (عصائب اهل الحق) ، فدافع السيد مقتدى الصدر عن تياره واتهم ميليشيات شيعية تابعة لـ «الديكتاتور»، وقال عمن يرفعون صوره في تلك الأحداث «أنا على يقين أن من يزج اسمنا آل الصدر في تلك الفتنة هم أتباع الدكتاتور من الميليشيات الوقحة مستغلين بعض السذج والبسطاء من محبينا أو من دون ذلك».(5). ونفى المتحدثُ باسم السيد الصدر الشيخ صلاح العبيدي ارتباط المجاميع المسلحة التي قامت بحرق المساجد في ناحية بهرز في ديالى بالتيار الصدري، مُشيرا إلى ان هذه المجاميع دخلت مع قواتِ سوات إلى المدينة بحسبِ ما نُقِلَ عن شهود عيان ووسائلُ الاعلام. (6)
وكررت القصة السنية الإتهام الطائفي للحكومة بالقول: "الكل أصبح يدرك أن بغداد أصبحت تضع السني في خانة العدو... والدلائل كثيرة...مجزرة بهرز مخطط كبير وأيعاز خارجي ليبقى العراق يدور في حلبة الصراعات كما هي الرمادي ... طريقة أستهداف الكفاءات متعمد لأن الجميع تم سحبهم من بيوتهم فيهم وجهاء وطلبة متفوقين ..والمهندس عادل البياتي الذي تم قتله وتعليقه على أنه من داعش وهو مهندس معروف واب لخمسة أبناء والدته سيدة مقعدة .... هذة الصورة البشعة هي صورة مصغرة من أخرى كبيرة وهي التصفيات ...لمثل هذة المجازر حل بريمر الجيش العراقي "....(7)
ومن الطبيعي أن المجزرة أحدثت شقاً كبيراً بين الضحايا والقوات الحكومية، وهذا الشق والعداء للحكومة والجيش ليس سوى التحضير لاختراق المدينة من قبل الإرهاب الذي سيحتمي برفض أهلها دخول القوات الحكومية حتى لو واجهوا خطر الإرهاب كما حدث في الفلوجة والرمادي. وبالفعل طالب اهالي الناحية بتشكيل فوج طوارئ من اهالي الناحية لحمايتها، وبإقالة مدير الناحية وقائد الشرطة واحالتهما الى القضاء بسبب ترويع المواطنين وفشلهما في حماية المدنيين، وضرورة تسليم كل من خطط وساهم في العملية الاخيرة من قادة امنيين واداريين وميليشيات للقضاء والافراج عن المعتقلين الذين اعتقلوا مؤخرا وُوجهت لهم التهم جزافا. (8)
وكما هو معتاد فقد سعى المجرمون لجعل الجريمة أبشع ما يستطيعون وترك أكبر أثر في النفوس، من أجل منع التفكير، ففي بعض تفاصيل القصة السنية جاء:
“في جريمة يندى لها جبين الانسانية اقدمت قوة من المليشيات على اغتصاب فتاتين من ناحية بهرز بعد اختطافهما من المدينة، كما اقدمت على احراق اربعة مساجد وهي ابو الغيث والملا روزي ومحمد عرب والسيدة عائشة في الناحية، وقتلت ثلاثة رجال مسنين من اهالي الناحية. كما احرقت قوات سوات عددا من منازل المواطنين وفجرت عددا اخر. وقالت مصادر ان قوات سوات قامت بتفجير وحرق عشرات المنازل في الناحية رغم خلوها من ساكنيها.” (9)
وتقول القصة السنية أنه بالرغم من "المواجهة الكبيرة" بين القوات الأمنية التي دخلت الناحية و"المسلحين"، فأن أية خسائر لم تقع من أي من الطرفين! "ولماذا لم نلاحظ جرح أي شخص من كلا الطرفيــــــن؟"
ويروي لنا رعد الدهلكي، النائب عن محافظة ديالى، بعض التفاصيل المثيرة للإهتمام فقال: "أن ما يحدث حاليا في ديالى هو دخول عناصر إرهابية خارج إطار الحكومة متمثلة بالقاعدة وداعش والجماعات الإرهابية المختلفة، حيث تمكنت هذه المجاميع من العبث في المنطقة على مدار يوم كامل...القوات المسلحة تمكنت من السيطرة على المنطقة سيطرة تامة وأنه بعد انتهاء العملية بنجاح انسحب الجيش من المنطقة، تاركا حماية المنطقة بيد الشرطة المحلية وسوات، إلا أن الأخيرة (سوات) قامت بتصرفات غير مسؤولة كحرق الجوامع والمنازل إضافــــــة إلى قتل المواطنين وتدمير سياراتهم. ما دفع القائد العام للقوات المسلحة وقائد القوات البرية الى الاستجابة لصيحات الاستغاثة وسمح للجيش بالدخول مرة أخرى وإخراج القوات المتمثلة بسوات والشرطة من المنطقة. "(10)
كما نرى فأن هناك ثغرات كبيرة وعلامات استفهام في الرواية الحكومية تستدعي التحقيق في ما يدعيه أهالي الضحايا السنة من قيام قوات سوات بالمجزرة، وعدم التعجل في استبعاد كل الأسئلة على أساس أنها من أطراف معادية للحكومة.
فقصة دخول القوات بزي نساء لا يقنع أحداً، فماذا عن الأسلحة التي أدخلتها تلك القوات؟ ولماذا تفشل تلك القوات غالباً في التصدي للإرهابيين ومنعهم من اختراق المدن؟ وحسب قول الأهالي أنه لم تقع خسائر في الإشتباك بين القوتين، وهذا يمكن التحقق منه وتبيان خطأه إن كان خطأً ، وتقديم القتلى من داعش وأسلحتها للبرهنة على أن القوات المسلحة لم تكن تقف في خندقهم وأن الإشتباك لم يكن تمثيلية، إن كانت الحكومة تهتم حقاً بثقة الناس بها، وإلا فإنها تدعوا هؤلاء الناس إلى اعتبارها في فريق الإرهاب الذي يقتلهم. الغريب أن الحكومة التي تدعي أنها تعتبر الطائفة السنية تقف معها ضد الإرهاب، لم تلتفت في اي يوم من الأيام إلى شكاوي تلك الطائفة التي تقف معها، ولم تحقق مع نفر واحد من القوات المسلحة الذين تعاملهم بثقة مسبقة تامة وكأن اختراقهم من قبل عملاء الموساد ومن خلال مدربيهم الأمريكان أمر غير وارد، وأن السنة يكذبون دائماً وفي كل مرة يشتكون فيها! الحكومة تصرفت كالعادة بإهمال الحقائق والإدعاءات التي لا تناسبها، تماماً كما أهملت صور الفيديو للجندي الذي يطلق النار على المعتصمين في الرمادي بلا مبرر، ولم تعتبره يعمل ضدها هي ويسيء إلى سمعتها بين السنة وضمن المعارضة الشيعية. وكذلك تصرفت الحكومة بنفس عدم المسؤولية من حقيقة أن قوات الحماية التي تعسكر على بعد بضعة كيلومترات من عنه، لم تتحرك للدفاع عنها حين هاجتمها القاعدة منذ منتصف الليل وحتى الصباح، وتركت أهالي عنه يدافعون عن أنفسهم بأسلحتهم البسيطة واستبسلوا لوحدهم في تلك المعركة وتركتهم الحكومة يستنتجون أنها هي وقواتها تنسق مع الإرهاب، فليس لدى أهالي عنه اي تفسير آخر لتصرف تلك القوات، أو لتصرف الحكومة بعدم مساءلتها لتلك القوات.
الحكومة في كل تلك الحالات لا تتصرف كحكومة، بل ككتلة انتخابية طائفية في أحسن الأحوال، يهمها فقط ان تشرح لناخبيها ما يقنعهم. وفي ظروف العراق الشديدة الإستقطاب، فأن هؤلاء مقتنعون مسبقاً بكل ما تقوله الحكومة، بل أنها ليست بحاجة إلى أن تقول شيئاً أو تقدم اية تفسيرات، فلم أسمع أحد من مؤيديها قد طرح عليها سؤالاً واحداً في أي يوم (إلا أحياناً لمطالبتها بطائفية أكبر)، فكل الأسئلة تنسى في اليوم التالي، أما في أذهان الجانب المقابل فأن تلك الأسئلة هي حجارات بناء جدار عدم الثقة، ومعاول شق المجتمع إلى نصفين. إن الإعلام العراقي بالتعاون والتنسيق مع الإرهاب موجه لإكثار تلك الحجارات وتلك المعاول بتصميمه لقصتين متناقضتين لكل حدث في العراق كما بينت في المقالة السابقة، وتبدو الحكومة للجانب الآخر وكأنها مشتركة مع الإرهاب في هذا الهدف.
فالحكومة التي لا تستمع إلى شهادة الجانب الآخر تخون مهمتها كحكومة وسوف يستحيل عليها حكم بلد أسهمت بتصرفاتها في تمزيق وحدته رغم الكلام المنمق الذي تستعمله، حتى لو فازت بمقاعد كافية للحكم. والإنطباع الذي لدي، ومن خلال وثائق وأسماء من كلفتهم الولايات المتحدة بتكوين القوات المسلحة العراقية من مجرمين سابقين وإرهابيين مدربين في أميركا الجنوبية والوسطى، فأن القوات المسلحة العراقية مزروعة بشكل هائل بعملاء جندتهم أميركا وتوجههم من السفارة، خاصة في القيادات العسكرية والقوات الخاصة، وأن هؤلاء يمتلكون صلاحيات ودعم اتصالات أقوى بكثير من المخلصين من الجيش، وأن الضحايا في الغالب هم من هؤلاء المخلصين لبلادهم يقدمون ضحايا ويستخدمون لكسب التعاطف الذي يستفيد منه العملاء لمنع التحقيق وحتى "التشكيك" بهم. وانطباعي أيضاً المالكي لا يجرؤ أن يفتح فمه مع أي جندي من الذين حقنتهم أميركا في القوات العراقية وكأن هناك اتفاقاً أن لا يمس المالكي بضعة جهات، وتلك القوات الإرهابية داخل الجيش، أحدها. وهكذا يمكن لها أن تقوم بجرائمها وهي آمنة. أما داعش فأن حمايتها تتمثل بتعاون هذه القوات معها وكذلك بالفضائح المتتالية التي كشفت عن امتناع اميركا عن تجهيز القوات العراقية بالأسلحة، وقيام عملائهم في قيادات كردستان بمنع الحكومة من شراء الأسلحة من جهات أخرى، بحجج لم ير إنسان أكثر سخفاً منها.
ليس هناك حكومة في العالم تأمل بأية ثقة من الناس، ترفض الإستماع تماماً وبشكل منهجي وإصرار مسبق، لأية شكوى ضد قواتها المسلحة، حتى من قبل ضحايا المجازر. فشهادة الضحية أقوى الشهادات، وأنا لا ادعوا إلى تصديقها كما هي لكن إهمالها كما هي عادة الحكومة (ومؤيدوها) والركون إلى "الثقة" بالجيش وسوات والقوات الحكومية بلا تحقيق، يعتبر أعتداءاً على الضحايا، فالحكومة يفترض أن تكون قاض عادل، فأي قاض هذا الذي يعلن ثقته المسبقة بأحد طرفي النزاع المقدم أمامه؟ الكثير من مؤيدي الحكومة يعتبر أن السنة هم وراء الإرهاب وهو بالتالي سعيد بما يحدث لهم على يد الإرهاب، فهل هذا هو الموقف الحكومي أيضاً؟ إن لم يكن كذلك، وإن صدقنا ما يقوله المالكي عن السنة، فكيف يتم دائماً الحكم مسبقاً بكذب كل تلك الطائفة وتصديق الطرف الآخر دائماً وبلا تحقيق؟
من الملاحظات عن الرواية الحكومية لمجزرة بهرز، تكرار فكرة أن "السنة يقاتلون بعضهم" عندما لا يمكن إنكار أن الضحايا من السنة، والسرعة الشديدة في تصديق تلك الرواية المثيرة للإستفهام. فأية داعش هذه الحاقدة على الشيعة كما يفترض ويضحي أفرادها بحياتهم من أجل القضاء على نسلهم كما تخبرنا أساطير داعش، تأتي إلى مدينة فلا تقتل منها إلا السنة؟ وفي مرات سابقة لا تختار ضحاياها إلا من الشيعة؟ هل من الصعب أن يخطر ببال أحد المسؤولين مثل هذا السؤال؟ هل تعجز الحكومة كلها أن تفكر فيه؟ هل لم يرد مثله على بال أي من مؤيديها؟ فأي خلل في البلاد وأية حكومة وأي مجتمع وأي تمزق؟ ألا يريد هذا المجتمع أن يعرف حقيقة الإرهاب الذي يجعل دماءه تسيل؟ فلماذا يتجاهل بهذا الشكل عن الأسئلة التي قد تكشف له الحقيقة؟
ليس مستحيلاً أن يكون السنة يقتلون بعضهم البعض وأن الإرهاب الذي يقتلهم سني (ولنقل أيضاً كما يقول بعض الطائفيين ضمناً، بأن الشيعة معصومين من الإرهاب ولا يمكن شراء ذمة أي منهم، ولم يتواجد أي رجل أمن شيعي في جلاوزة صدام أو متملقيه). لنفترض أن ذلك صحيح وأن الإرهاب السني قتل السنة، ألا يبرهن ذلك بوضوح أن الإرهاب ليس طائفياً على الإطلاق، كما برهنت أحداث أخرى يتم تجاهلها تماماً مثل الهجوم على عنه؟ أليست هذه حقيقة كبيرة يفترض بمن يتألم من الإرهاب حقاً ويسعى للخلاص منه، أن يقف عندها ويبحثها؟ أليس تجاهل الحقائق الكاشفة لحقيقة الإرهاب والتي تساعد على ملاحقته ومحاربته، أليس تجاهل تلك الحقائق هو الوقوف مع الإرهاب ذاته؟ أليس إهمال كل تلك الحقائق والإصرار على طائفية الإرهاب، حتى لو كان عن حسن نية، إسهام في التغطية على من يقف وراءه؟
هذا ما أقوله للجانب الحكومي في العراق، أما ما أقوله للسنة فهو أن لا علاقة للشيعة بالجريمة ولا أي من جرائم الإرهاب، لا كمذهب ولا كطائفة ولا كناس. والمنفذين للإرهاب لا يعودون سنة أو شيعة، فقد قرروا هويتهم وأعلنوا أنهم أعداء لهذا الشعب وعملاء لمن يريد تمزيقه. كما أن الإتهامات السنية لإيران بشكل صريح ، أو ضمناً من خلال الإشارة إلى "إيعاز خارجي" أو ما شابهها، ليست سوى أوهام ليس عليها أي دليل وليست سوى ضلال وضياع يخدم الجناة الحقيقيين كما يخدمهم تجاهل الحكومة للحقائق التي تكشفهم. إن الإصرار على الهوية الطائفية والدافع الطائفي للإرهابيين (هناك فرق بين “دافع طائفي” وهدف “إثارة الطائفية”) سواء في داعش أو المتخفين ضمن القوات الحكومية من سوات وغيرها، لا يخدم إلا الإرهاب، الذي برهن المرة تلو المرة أنه لا طائفة له ولا دين، ليس كشعار جميل فقط، بل ما تثبته الوقائع الدموية المتتالية في البلاد على كل الطوائف والأديان.
إن كنا نجد الحيادية والأمانة اللازمة للوقوف عند الأسئلة المزعجة ومناقشتها، بهذه الصعوبة ، فلنقم على الأقل بالخطوة الأولى الصغيرة وهي التساؤل عن قصة الجانب الآخر من الحدث، وعلى ماذا تستند، حتى لو لم نصدق حرفاً واحداً منها.. دعونا نعرفها على الأقل لعلنا نفهم كيف يفكر هذا الطرف المقابل الذي اعتدنا أن نسهل الأمر على أنفسنا دائماً بأن نعتبره مجنوناً. إنها لن تحل لنا المشكلة لكنها خطوة صحيحة، ولنعلم جميعاً أن جهوداً كبيرة تبذل لمنع هذه الخطوة الصغيرة التي يخشى أنها قد تعيد التواصل بين الشيعة والسنة. دعونا لا نكون مشلولين تماماً بالمشاعر الطائفية التي تقتل فينا العقل والقلب والضمير معاً، ولنبق من هذا الثالوث على الأقل ما يكفي لتحمل التساؤل عن رواية الآخر للحدث، ومن الأمانة ما يكفي لتفهم ولو بعض أسئلته، لعلنا نوقف الدم القادم في مكان ما، فمن المؤكد أن مجزرة بهرز لن تكون آخر المجازر ذات القصتين.
(*)https://www.facebook.com/saiebkhalil
(1) داخلية العراق تنفي وقوع أحداث طائفية في ناحية بهرز بديالى
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=30032014&id=d49ca247-6770-4b70-bda1-7ded1a24556a
(2) إعدامات ميدانية وحرق جوامع تهجّر أهالي بهرز وسط مناشدات بتدخل حكومي
http://www.azzaman.com/?p=66702
(3) مأساة في بهرز :اكثر من 43 شهيدا واحتراق 3 مساجد بعد اقتحام الناحية
http://www.iraqpressagency.com/?p=50360&lang=ar
(4) مظاهرة ضد إعدامات بهرز بالعراق ومطالب بتحقيق برلماني
http://www.aljazeera.net/news/pages/4ab00125-b117-45e5-b042-5747ddaace62
(5) «مجزرة بهرز» في ديالى تذكي المخاوف من اشتعال صراع سني ـ شيعي قبيل الانتخابات
http://www.almustaqbal.com/v4/article.aspx?Type=NP&ArticleID=610925
(6) العبيدي : مجاميع مسلحة دخلت مع سوات إلى بهرز وقامت بحرق المساجد
http://www.albaghdadia.com/iraqnews/item/27914-2014-03-27-10-35-48
(7) شيرين سباهي :بهرز مجزرة ...مشرعنة لكتم الصوت السني ...
http://www.bahzani.net/services/forum/showthread.php?82091-
(8) اهالي بهرز يطالبون بتشكل فوج طوارئ من اهالي الناحية واعتبار قوات سوات غير شرعية
http://www.albaghdadia.com/iraqnews/item/28066-2014-03-31-10-42-24
(9) المليشيات تقوم بأغتصاب النساء وحرق المساجد في بهرز
https://www.algharbiyanews.com/?p=22525
(10) بهرز .. أحرقها داعش فنكلت بها سوات
http://www.daraddustour.com/index.php/iraqi-affairs/14326-2014-03-28-20-55-07
(11) روابط إضافية:
عصائب اهل الحق ومشاركتها في احداث بهرز ديالي العراق - YouTube
http://www.youtube.com/watch?v=6_k_PxtJL0s
100 مسلح من داعش «يحتلون» بهرز في ساعات... وعمليات التحرير كلفت مدنيين قتلى ومنازل مهدمة
http://www.newsabah.com/content/100-
صور عن منطقة بهرز .. خلال العملية العسكرية لتطهير المنطقة
http://www.alkashf.org/news.php?action=view&id=1367
لجنة أمن ديالى: داعش تنشر صور غزوة بهرز على اليوتيوب
http://www.alsumaria.tv/news/96464
بهرز تطالب بإقالة مديرالناحية واعتبار "المغدور بهم" شهداء
http://www.almadapaper.com/ar/news/462043
23 نيسان 2014