مسيحيو ألشرق ٬ رمز حضاري .. إحذروا زواله
لم تكن ألأخبار ألتي وردتنا عبر ألتأريخ ألقديم وألمعاصرعن أحوال مسيحيو ألشرق هي مبعث للرضا وألسرور أبدا ٬ ولكن كان بألأمكان نعتها بأنها (محتملة) . أما أخبارهم ألأخيرة وألمتواردة عنهم فمن ألواضح وألسهولة وصفها بأنها مقلقة ٬ لابل مرعبة أحيانا .. فمن أقباط مصر إلى جنوب ألسودان ٬ إلى مسيحيي ألعراق ٬ فمسيحيو إيران وأوضاعهم ألمجحفة ٬ ومسيحيو جنوب تركيا وألذين أصبحوا يعدّون على ألأصابع ٬ ناهيك عن مسيحيي لبنان وفلسطين وألذين بدأ عدّهم ألتنازلي يتسارع بتعجيل واضح لاتخطئه عين ٬ وأللأئحة قد تطول كثيرا إن رغبتۥ ألأسترسال فيها .. كل هؤلاء ومن تبقى منهم ٬ هم على طريق ألزوال ٬ ليلحقوا بركب طويل سار قبلهم ٬ إذ هاهي آثار مسيحيي شمال أفريقيا قد أختفت عنا تماما ٬ وكذلك ألحال مع مسيحيي ألكثير من ألبلدان ألعربية وألتي كان تأريخها يعجّ بهم ٬ كاليمن وألبحرين وقطر مثلا ٬ وألتي لاتصح فيهم غير كلمة ألمنقرضين . كل هؤلاء ميّزتهم صفة تأريخية واحدة لايختلف عليها إثنان٬ هي في كونهم سكانا أصليين لبلادهم ٬ هؤلاء ألذين بإمكاننا أن نقول فيهم (منهم من زال ومنهم من ينتظر) .وحين أتحدث عن مسيحيي ألشرق ٬ أعني ضمنا أقليات ألشرق ألأخرى ٬ ألعريقة وألكثيرة ..
وألحديث كان هنا عن مسيحيي ألشرق لكونهم ألأقلية ألأكبر٬ وذو ألتواجد ألأشمل ..
وقد قلتۥ فيهم أنهم رمز حضاري .. فلماذا هم كذلك ؟
لسببين رئيسيين ..
أولا ٬ وجودهم هو رمز للتعددية في مجتمعاتهم .. وألتعددية كانت وستظل رمزا للتعايش ألحضاري ٬ هذا ألذي نجد أجمل صوره في ألغرب ألعلماني على ألصعيد ألعالمي٬ ونجده في نموذج أقليمي محليّ مصغر٬ متمثل في ألتجربة ألناشئة في كردستان ألعراق وألتي تتمتع جميع قومياتها فيها ٬ وبدون إستثناء ٬ بحقوق ألمواطنة ألكاملة ٬ ومشاركة نسبية غير منقوصة ٬ أسوة بمواطنيهم الأكراد ٬ هؤلاء ألذين يميز وضعهم جميعا حالة أستقرار يعكسها أستقرار كردستان ألعراق .. ألحضاري .
ولم يعد ألمقياس ألحضاري ألحقيقي أو مقياس ألديمقراطيات في أيامنا هذه هو في حق ألأغلبية في ألحكم ٬ وألذي بات نيله سهلا كما حصل للكثير من شعوب ألعالم في ألسني ألأخيرة ٬ بل هو في ألقدرة على حفظ حقوق ألأقليات وصيانتها ٬ تلك ألحالة ألتي قلّ أن تجدها ٬ إلا في ألديمقراطيات ألعريقة . فزوالهم إذن هو ألمؤشر على إختفاء قدرة ألتعايش وألتعددية ٬ وألذي ينتج عن طغيان وسيادة ألفكر ألأحادي ٬ وألذي سيتبعه إنهزام ألحضارة من تلك ألمجتمعات وإختفاء مضاهرها بالتالي .
وإختفاء ألتعددية ٬ وغياب ألقدرة على ألتعايش ألمشترك في ألمجتمعات هو مؤشر صارخ لكوارث مؤجلة ٬ ولكنها قادمة لامحالة ٬ فألذي لايستطيع ألتعايش مع من يختلف بالدين معه أليوم ٬ لن يستطيع ألتعايش مع من يختلف بالمذهب معه غدا٬ ولن يستطيع ألتعايش مع من يختلف قوميا عنه بعدها ٬ وليصبح ذلك بالتالي نهجا لاحدود له .
وثانيا ٬ وجودهم كان رمزا لأمان وأستقرار مجتمعاتهم نسبيا ٬ حيث تميز ألمسيحيون ألشرقيون ٬ وهم أقدم من أعتنق ألمسيحية في ألتأريخ ٬ في تبنيهم ألواضح لفلسفة ألتسامح وألمحبة قولا وفعلا ٬ هاتان ألصفتان أللتان هما ألجوهر ألذي تدور مسيحية ألمسيح في فلكه ٬ فما أتخذوا من ألعنف وسيلة ٬ وكانوا قوما مسالمين عن طواعية ٬ تلك ألصفة ألتي ماذكروا إلا وذكرت معهم ٬ فزوال من كان مثلهم ٬ هو مؤشر واضح لسيادة حكم ألقوة وألفوضى ٬ وألتي باتت تعمّ معظم مجتمعاتهم ألمقيمين فيها مؤخرا ٬ وحيث أصبح ألقوي هو ألآمر ألناهي ٬ يفتك بالآخر متى شاء ٬ ولتصبح (شريعة ألغاب) هي ألصفة ألتي تستحقها هذه ألمجتمعات ٬ وبجدارة ٬ ولنا في ألحالة ألعراقية خير دليل على ذلك .
وألمجتمعات ألتي لاتستطيع حماية أبنائها ٬ وألمسالمين منهم خاصة ٬ لكونهم ألحلقة ألأضعف ٬ لاتمتلك ديمومتها كمجتمعات حضارية ٬ لأن ذلك يعني غياب ألقانون فيها ٬ وإن غاب ألقانون غابت ألحضارة ٬ حيث لاحضارة بدون قانون٬ وسيكون ألظلم وألقوة وألقسوة سمتها ألمميزة ولاشك ٬ وسيسودها بطش لن يستثني أحد . وألقوة حين لم تكن حكرا لأحد ٬ فحكمها بالتالي ٬ هو ألمدخل٬ وألدعوة ٬ وباب مفتوح لصراعات أكبر تلوح في ألأفق .. تلك ألتي تجد منها ألكثير في بلدان ألعالم ألثالث ٬ وألأمثلة على ذلك كثيرة ٬ وما عليك إلا ألنظر إلى خريطتا آسيا وأفريقيا لتغرف منها ماتشاء .
و(ألفرهود) ألمخجل وألمخزي ألذي حل بيهود ألعراق ٬ وهجرتهم (ألأبدية) بعد ذلك ٬ هما خير دليل على كلامي هذا.. ذلك (ألفرهود) ألذي تفننا في تبريره ٬ لننأى بنفسنا عن تلك ألجريمة ألتي أقترفت بحقهم ٬ هؤلاء ألذين ما كانوا إلا خير ألمواطنين ٬ وألذين لن تعيدهم إلينا حسراتنا عليهم أبدا .
فلا تدعوا ألتأريخ يعيد نفسه هنا .
وماعساي أن أنهي كلامي هذا إلا من حيث بدأت فأقول ..
أن مسيحيي ألشرق ٬ وكما كان يهود ألشرق وألأقليات ألأخرى ٬ هم رموز لحضارة مجتمعاتكم ٬ أعملوا جاهدين على أن لاتخسروهم أبدا ٬ فوجودهم بينكم هو إثراء لمجتمعاتكم هذه ٬ تلك ألتي إن أزاحتهم عنها ٬ فقدت من خواصها الحضارية ألكثير٬ وتخلفت .
ومسيحيو ألشرق ٬ وكما أنبأ ألتأريخ ٬ هم كيان هش يسهل زواله فيختفي ٬ وقد ينقرض ..
وأعلموا أنهم ألآن على طريق ألزوال سائرون .. فأحفظوا تنوعكم ألحضاري ٬ هذا ألثمين ٬ وأحفظوهم ٬ لأنهم إن زالوا ٬ فلن يعودوا إليكم أبدا .. ديترويت