مشروع قانون الأحزاب بين ذهنيتين
هناك ثلاثة نماذج رئيسة للأنظمة السياسية في العالم وهي: النظام الرئاسي ونموذجه النظام السياسي في الولايات المتحدة الأميركية، والنظام البرلماني ونموذجه النظام السياسي البريطاني، ونظام الجمعية ونموذجه النظام السياسي السويسري. ومهما اقتربت او ابتعدت باقي الأنظمة السياسية في العالم عن هذه النماذج الثلاث، فإنها تتفق على ان الأحزاب السياسية أساس المنظومة السياسية فيها. ويمكن الجزم بعدم وجود نظام ديمقراطي واحد في العالم بدون الأحزاب السياسية ونشاطها.ولا يمكن تصور حياة سياسية مستقرة دون وجود قانون للأحزاب ينظمها ويضمن التعددية السياسية. وبطبيعة الحال تأتي فلسفة القانون بالاستناد الى نص الدستور وروحه، وبما ينسجم مع حزمة قوانين ديمقراطية أخرى منها: قانون الانتخابات، قانون منظمات المجتمع المدني، وقانون النقابات والاتحادات المهنية، وقانون الإعلام الحر، وقانون الشفافية وإتاحة المعلومة للجميع.
ونظرا لأهمية قانون الأحزاب، يجب ان يوفر مجلس النواب فرصة مناقشته وإبداء وجهات النظر بشأنه، من طرف كل المعنيين، وذلك قبل الشروع بقراءته في المجلس. ولكن هذا لم يحصل مع الأسف الشديد، فبدا وكأنه يخص القوى الممثلة في البرلمان وحسب، أو صمم لتأبيد الواقع الحالي، بينما هدف القانون هو تنظيم الحياة الحزبية والسياسية في العراق الآن ومستقبلا، سواء كانت الأحزاب القائمة الممثلة في البرلمان، ام غير الممثلة فيه، او التي يمكن أن تتشكل مستقبلاً. وهذه أول ملاحظة على طريقة التعامل مع قانون له مثل هذه الأهمية. ومن جهة أخرى يتوجب على القانون المذكور ان يشكل قطيعة كاملة مع عهد الدكتاتورية، وان يبتعد عن ذهنية الاستبداد والتهميش والإقصاء.
ومن البديهيات ان لا تكون مؤسسات السلطة التنفيذية هي الجهة التي ترخص للأحزاب، كما ورد في مشروع القانون، انما يجب ان تناط هذه المهمة الى جهة مستقلة محايدة. بهدف إبعاد هيمنة السلطة التنفيذية وأجهزتها عنه بكل الأحوال. ومن المؤكد ان أهمية تشريع القانون، تأتي من كونه يترجم قيم الديمقراطية ويتبناها من الناحية الفكرية، وفي البناء التنظيمي والممارسة السياسية، ويجسد الأحكام الخاصة بالحقوق والحريات الواردة في الدستور، بكل دقة وإيجاز ووضوح، كي يتيح ممارسة الحياة الحزبية بسلاسة وانسيابية وبدون عقبات ( إدارية وسياسية) وبدون عوائق وتعقيدات مفتعلة، ما يتطلب تسهيل الإجراءات واختصارها بإخطار الجهة المسؤولة عن منح الإجازة، والتي ينبغي ان تقوم بإشهار ذلك ونشره في وسائل الإعلام، بعد تدقيق الشروط المطلوبة.
كما يتعين ان يوفر القانون فسحة مناسبة للشباب وذلك بخفض سقف عمر المؤسسين والمنتمين لكل من بلغ الثامنة عشر، وهو السن الذي اقره الدستور لممارسة الحق الانتخابي. وفي نفس الوقت يتطلب ضمان إشراك المرأة في هيكلية الأحزاب وتعزيز مساهمتها في الحياة الحزبية، وان تبنى الأحزاب على أساس المواطنة والمساواة، وليس على أساس اثني او ديني او طائفي، وتقر آليات العمل الديمقراطية في أنظمتها الداخلية وتعكس ذلك في أنشطتها وعلاقاتها، وتؤكد حق جميع الأعضاء في الترشح لتبؤ المسؤوليات في الحزب، وتوفر أجواء المساهمة الديمقراطية في صنع القرار وتنفيذه.
وعلى القانون ان يكون واضحا من جهة التمويل والمال السياسي والمليشيات واستغلال مؤسسات الدولة ورموزها ومواردها وعلاقاتها الخارجية. وبطيعة الحال يجب ان يضمن استقلالية الأحزاب وخصوصياتها وعدم التدخل في حياتها الداخلية الا حينما تتقاطع مع الديمقراطية والياتها وتتناقض معها، لا كما ورد في مشروع القانون حيث تدخل في أمور تفصيلية هي حق لأعضاء الحزب وحدهم، كما تعد من الصحيح تقديم الدعم المالي من ميزانية الدولة، وحسب قواعد العدالة والإنصاف.
الملاحظ في مشروع القانون انه كتب تحت تأثير ذهنيتين، الأولى منشدة للماضي كثيرا، فيما تتنازع الثانية بين تأبيد الحاضر والتطلع الديمقراطي.