Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مشكلتنا الحالية هي اننا لا نعرف قيمة ألوان هويتنا العريقة

تتحدد الهوية لمجتمع أو شعب ما بسمات روحية ومادية وفكرية وعاطفية تميزه عن غيره . ولو تفحصنا الهوية العراقية اليوم بدقة وعناية نجدها مؤلفة من الوان زاهية ندعوها " مكونات الشعب العراقي " بجميع فئاته وشرائحه ونطلق عليها مسميات لاتختلف عن الوان قوس قزح ، فهنالك لون بارز ندعوه بـ (العربي) وآخر يقل عنه تمييزا ندعوه بــ (الكردي) وثالث ورابع وخامس وسادس وسابع يقل كل واحد منهم عن اللونين البارزين إدراكا بدرجات متفاوتة . فهنالك التركماني والكلداني والسرياني والآشوري والارمني والصابئي والأيزيدي. مسلم ومسيحي وغيرها . إذن هذه هي خاصية الشعب المتعدد الإثنيات والأديان ، كالشعب العراقي ، التي تميزه عن غيره من باقي المجتمعات.

لقد تبلورت هذه الهوية على امتداد اجيال في التاريخ البشري الرافديني ، فالهوية بالألوان التي تتشكل منها تحدد أطر مصير ومسار وانتماء الشعوب وحضارتهم وثقافتهم . وتسمية اللون بأسمه لا يلغي الألوان الأخرى . هكذا دأب أجدادنا على تسميتها وتوارثناها بالفطرة ، ونحن لها حافظون . إن كنت أسودا أم أبيضا أم أحمرا أم ورديا ..إلخ فهذا قدرك من التاريخ الذي لم تصنعه بإرادتك ، لكن للتراث عليك حق . هي أسئلة ، ربما تكون تقريرية ، نود طرحها لمن تعنيه مفردة " الهوية " بغية التلاقح الفكري ضمن أطر المراجعة الذاتية والوجدانية لكي نحاول تشخيص العلل ومصادرها وبالتالي معالجتها.

ان السؤال عن " الهوية " أمر مشروع لأنه يعبر ضمنا عن الخوف من غياب أحد ألوانها كنتيجة لمحاولات تنم عن الإقصاء ، وهو خوفً يشترك فيه الإنسان مع غيره من الكائنات الحية ، ألا وهو الذوبان في الألوان الأخرى . فهل يقبل أحد أن يكون القوس قزح مؤلف من لونين فقط ؟ إنه خوف يهدد الأرقام التي أوردناها آنفا . ولا نعتقد أن عراقيا يقبل بأن يكون قوس قزحه منقوص الألوان إلا إذا كان لا يستوعب ما تعنيه هذه الهالة المباركة على رأس العراقيين .

عندما يتوافد الناس الغرباء في عصرنا على متاحفنا ومناطقنا الاثرية يقفون مذهولين أمام هذا الإرث الإنساني . شىء جميل أن يتوافد الأغراب بأعداد هائلة ليروي لهم تاريخ بلاد الرافدين قصصا وحكايات وروايات واساطير أسلافهم ، وكل ما يتعلق بالإنسان منذ أن بدأ بتدوين حكاية الانسان على رقم طينية او نقشها على الصخور وكيف استمرت وتطورت في الزمان والمكان حتى وقتنا الراهن.

وفي ضوء مما تقدم ، نتسائل: ألا يعتقد القارىء بأن مشروع الهوية المركبة يفضي إلى خلط الألوان؟ تعلمنا في المدارس أنه لو خلطت الأحمر مع الأصفر حصلت على اللون البرتقالي ، هذا إن كان الخلط بنسب معقولة . وربما نجم عن ذلك الخلط لون هجيني لا وجود له أصلا في القوس قزح . قد يقول قائل أن للضرورة أحكام ، وأن غرض الخلطة مرتبط باهداف ستراتيجية سياسية وحدوية متناسيا في عين الوقت تذويب أحد ألوان الهوية التاريخية على حساب الأخرى.

يطلعنا تاريخ بلاد الرافدين على مر العصور بأن جميع المحاولات التي استهدفت صهرالشعوب في قومية شمولية ( الفارسية ، العثمانية ، العربية ) بطرق شتى ، ومنها القوة كما لا يخفى على القاصي والداني ، قد باءت بالفشل الذريع ،، فلو عدنا للتاريخ سنجد من هذه التجارب حكمة ، مفادها أن اعظم هدية يمكن أن يقدمها إنسان لآخر هي مراعاته لشعور وانتماء الاخر، مثلما يراعي شعوره وانتمائه ، ويراعي حقوق الآخر مثلما يراعي حقوقه . وهذا برأي المتواضع هو الاصلح للبقاء وحفظ اللون في القوس قزح . وبما أن لكل لون من الوان الهوية له نكهة خاصة ، وذلك بالرجوع إلى الأدبيات ذات العلاقة ، فأنني استغرب من بعض الناس الذين يتشبثون بهوية مركبة مصطنعة ، باعتبارها الاصل والمرجع الوجداني ، لا وجود لها تاريخيا على أرض وادي الرافدين .

إن مشكلتنا الحالية هي أننا لا نعرف قيمة ألوان هويتنا العريقة ، بل نتجاهلها عن قصد أو غير قصد ، متناسين بذلك الخصوصيات والأدبيات ذات العلاقة بكل مكون من مكونات التي أشرنا إليها. اليست ذاكرتنا هويتنا ... ها هي تنادينا بقلب أم حنون وتقول لنا انني أحمل تاريخكم العريق واحمل تراثكم الذي يعتبر كنزا من كنوز البشرية . وفي الختام ، أتسائل إن كان الشعب الكلداني يقبل أن يتحول إلى شعب آشوري أو العكس ضمن تصورات وتكهنات الساسة ، أو من بدأ يمتهن السياسة مؤخرا ، في المنظور القريب أو البعيد؟ ربما تقينا هذه المظلة المصطنعة من حرارة لم نألفها.

wadizora@yahoo.com


Opinions