Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مطالب الكونغرس بالتعويضات هل هي خطوة نحو جعل العراق ألمانيا أخرى؟

13 حزيران 2011
يحاجج من يود الإستجابة إلى الرغبات الأمريكية في العراق، حتى في إبقاء قواتها في البلد وما يعنيه ذلك من تداعيات ليست سهلة، في أفضل التعابير، يحاجج بأنه يأمل أن تكرر الولايات المتحدة مع العراق المحطم الذي تحتله، ما فعلته مع المانيا المحطمة التي كانت تحتلها بعد الحرب العالمية الثانية.
والمقارنة تبدو مغرية: نفس المحتل، يحتل بلاداً محطمة. "صنع" من الأولى جنة حين استسلمت له ولإرادته، فلماذا لا يكرر فعلته ويصنع من الثانية جنة أخرى؟
طبيعي أن هذا المحتل لم يصنع جناناً من كل البلدان التي احتلها، بل جلب لبعضها، متعمداً، خراباً كبيراً وربما أزلياً، كما فعل في شيلي وفي إيران، بل وفي مصر أيضاً التي استسلمت تماماً لرغباته، وكذلك هايتي ودول عديدة أخرى، لكن لم لا نجرب؟ سؤالٌ مغرٍ بلا شك، لكن كيف نتأكد أن الإستعمار الأمريكي سيجعل منا ألمانيا وليس هايتي أو مصر؟ إنهم لن يخبرونا بالطبع لو سألناهم فكيف نعرف قبل ان نتورط اكثر؟
لعل أفضل طريقة لتلمس الهدف الأمريكي من العراق هو أن ننظر إلى ما فعله الأمريكان في المانيا، ونقارن مع ما فعلوه في العراق حتى الآن، ونقدر إن كان الهدف من خطط أميركا في العراق مشابه لما كانت خططها لألمانيا. لنبدأ بألمانيا.
معلوم أن ألمانيا التي قادت الجانب المعادي لأميركا والحلفاء في الحرب، هزمت وقُسّمت إلى قسمين، ووقع القسم الغربي بيد أميركا وبريطانيا بينما وقع الشرقي بيد روسيا.
المنتصرين حاولوا أن "يعوضوا" خساراتهم الفادحة من العدو المهزوم الذي تسبب بها. فكان الحماس الروسي والفرنسي بالذات، للحصول على التعويضات أشد، مما كان الحماس الأمريكي لذلك، وهذا مفهوم، فأميركا لم تكن قد خسرت إقتصادياً في الحرب، بل على العكس. ومن الناحية الأخرى فهمت أميركا بسرعة نسبياً أن من مصلحتها ستكون إعادة بناء ألمانيا، او حصتها من ألمانيا لأسباب عديدة، أهمها دحر الشيوعية التي كانت تسيطر على اوروبا بعد الحرب، حيث كان أغلب المقاومين في جميع البلدان الغربية التي احتلها ألمانيا من الشيوعيين، وكسبوا بذلك تعاطفاً شعبياً كبيراً وجدت فيه اميركا خطراً على مصالحها. لذلك فارتأت أن الطريق الأنسب هو إعادة بناء أوروبا الغربية كطريق لتوجيهها بالضد من الشيوعية وإقناع تلك الشعوب بأن من مصلحتها أن تنتهج الرأسمالية. ولعل المانيا المقسمة إلى قسمين ستكون المقارنة المثلى بين النظامين، على الأقل من الناحية الإعلامية.
لم يبد أن الروس كانوا بنفس بعد النظر الأمريكي، أو أنه لم يكن لديهم نفس الخيارات الأمريكية. فبينما عمل الروس على نقل كل المعدات الصناعية الممكن نقلها من المانيا إلى بلادهم المحطمة وطالبوا بتعويضات مالية، اكتفى الأمريكان بنقل التكنولوجيا النووية والحربية والوثائق بشكل رئيسي، ولم يرهقوا المانيا بمطالبات بتعويضات كما فعل الروس، حيث وضع الأمريكان أمام أعينهم أنه سيكون عليهم إعادة ترميم البلاد إن أرادوا لها ان تسير خلفهم، وهو ما لم يدركه الروس إلا بعد حين.
وبعد سنتين من نهاية الحرب، أعلنت أميركا مشروع مارشال الطموح لإعادة بناء أوروبا الغربية، وتم ضخ الأموال والخبرات فيها مما ساعد كثيراً على إطعام أوروبا الجائعة أولاً، وإعادة صناعتها التي دمرتها الحرب ثانياً، وثبتت النظام الإقتصادي والأمني والسياسي الذي تطمح إليه أميركا، وتم توقيع معاهدة حلف الناتو العسكري في وجه السوفيت.
إنها البراغماتية كما يتفق الجميع، وليس "طيبة القلب" من جهة و "سوء السريرة" من جهة أخرى. لقد اعتبر الأمريكان أن من مصلحتهم إعادة بناء أوروبا وإنعاشها بسرعة، ففعلوا ذلك. وأمل العراق إذن أن تجد أميركا أن في مصلحتها أن تعيد بناءه، إن كان لحلم أبنائه في "المانيا" عراقية (مع الفارق الشاسع) أن يتحقق بأية درجة. فالأمريكان على مايبدو لم يجدو في مصر التي استسلمت لهم تماماً في حركتين متتاليتين من التراجع إثر استلام السادات ثم مبارك الحكم، وخلال زمن استغرق عقوداً عديدة، لم يجدوا أن من مصلحتهم بناء ألمانيا ثانية في مصر، بل وجدوها في امتصاصها حتى العظم وامتهان كرامة شعبها وتجويعه والقضاء على ثقافته، أو على الأقل وجدوا مصلحتهم في السماح للدكتاتوريتين الصديقتين لهم، أن تفعل ذلك. المليارين ونيف التي تقدمها الحكومة الأمريكية لمصر مقابل خروجها من دائرة القرار في الشرق الأوسط، كان تعود معظمها إلى شركات السلاح الأمريكية في صفقات كبيرة الكلفة وغير مفهومة الفائدة لمصر بعد أن استسلمت لإرادة خصومها التقليديين في المنطقة، إسرائيل، اما الباقي القليل فيذهب معظمه أيضاً إلى جيوب لصوص الرأسمال المصري، الذين يلعبون دورهم في تثبيت الوضع الإستغلالي للعلاقة بين أميركا ومصر. وبالتالي إنهار كل شيء في مصر، رغم توقف كلفة الحرب مع إسرائيل، وخسر شعبها ليس رغيف الخبز فقط بل ايضاً كرامته والكثير من ثقافته الراقية وصار يشتهر بأنه شعب المقابر، لكثرة من سكنها منهم.

لماذا فعلت أميركا ذلك في مصر، وفعلت عكسه في المانيا؟ القضية مثيرة للقلق بالنسبة للعراقيين، خاصة أن مصر ربما تكون مثالاً أقرب إلى المانيا مما هو العراق لها. فمصر كانت دولة الإستسلام العربي الأولى، وبالتالي، كان هناك حافز كبير لأميركا لتكرار المثال الأمريكي المغري للدول العربية، بينما تأتي قضية العراق في وضع عربي مغرق في الإستسلامية، وبالتالي فأن الحافز ليس بالحجم الذي كانت مصر عليه، رغم الحديث عن جعل العراق نموذجاً. ربما كان السبب الرئيسي لتدمير مصر، هو العامل الإسرائيلي. فهو أمر مركزي في السياسة الخارجية الأمريكية، وإنعاش مصر وجعلها دولة ديمقراطية متقدمة، يعني أن شعبها، مثل أي شعب آخر يحس بكرامته، سيعارض الإمتهان الذي تتطلبه المصالح الإسرائيلية، وسيكون مسيطراً على مقدرات بلاده التي ستكون قوية وخطيرة.
وربما لا نحتاج لعامل إسرائيل على قوته، لتفسير تصرف أميركا مع مصر، على النقيض مما فعلت في المانيا. فالمعتاد هو ان تبتز الدولة المحتلة او المسيطرة على دولة أخرى، تلك الدولة وتمتصها، وما حدث في المانيا كان "غير المعتاد" لظروف خاصة ذكرناها.
من بين الأدلة التاريخية التي لا عد لها على ذلك أختار مثالاً غير شائع، يتمثل في كتاب ألفه رئيس الهند الكبير الراحل جواهر لال نهرو، اشار فيه من خلال إحصائية بالأرقام، إلى أن نسبة الفقر والتخلف بين مناطق الهند بعد أن تركتها بريطانيا، كانت تتناسب مع قدم إحتلال بريطانيا لتلك المنطقة، أي، كلما كان احتلال بريطانيا أطول، كان الأذى أكثر للمنطقة وليس العكس. وكانت بنغلادش تقارن بـ لندن في القرن التاسع عشر، فأصبحت من أفقر المناطق في العالم وأشدها تخلفاً. وبعد امتصاص ثروات الهند الهائلة، قلع البريطانيون حتى سكك الحديد القديمة التي وضعوها في الهند وارسلوها كحديد خردة إلى بريطانيا!
الدولة المحتلة حيوان مفترس، ذئب، والدولة التي تقع تحت الإحتلال هي الضحية، الخروف الذي يجب ذبحه. هذه هي القصة المعتادة للإحتلال، وعندما يحدث العكس، تكون قصة غريبة وملفتة للنظر. الخط العام هو الأذى، والشذوذ هو الفائدة، أما افتراض العكس، وتصور أن "الصداقة" هي العلاقة الطبيعية بين الطرفين، لو أن الطرف الأضعف كان "لطيفاً" فهو من الأحلام وأفكار الأماني. فلو كان الأمر كذلك لصارت جميع الخراف "لطيفة"، ليس لطيبة قلبها ولكن من اجل البقاء. ولو أن الذئب كان يبحث عن الصداقة مع الخراف، لمات جوعاً.
لكن لن ندع هذه الحقائق تردعنا عن الحلم الكبير. يقول الأكثر حماساً لفكرة الصداقة الأمريكية: أليس من المحتمل أن العراق، شذوذ ألماني آخر، يغري أميركا بـ "صداقته"؟ أليس هناك ما سوف يجعل من مصلحة أميركا أن تراعي شعب العراق بالعكس مع ما فعلت مع شعب مصر، بفضل سيطرته على خزين هائل من النفط مثلاً؟ ألا يمكننا أن نزيد من احتمال أن تتعامل أميركا معنا بصداقة من خلال تقديم بعض التنازلات لها "لطمأنتها" على موقف العراق؟
بعد توقيع المعاهدة الثنائية مع اميركا قبل عامين، كتبت مقالة بعنوان: "عندما تريد شيئاً يمتلكه شخص آخر: هل صداقة أميركا ممكنة؟" وقد نشرها موقع الحوار المتمدن لدقائق فقط قبل نهاية فترة تجديد الموقع، ثم أزالها. في هذه المقالة كتبت:
"هناك طريقان للحصول على شيء يمتلكه شخص آخر: أن تكون لطيفاً معه فيعطيك مما لديه، أو ان تخيفه وتأخذ ما تريده بالقوة" وأشرت إلى أن مكيافيلي قال للأمير: "الخوف أكثر ضماناً لطاعة الناس من حبهم. لأن من يحبك يمكن أن يختار ان يطيعك أو لا، بينما من يخافك ليس له خيار."
ويمكننا ان نرى أن عاملي "النفط" و "تقديم التنازلات" ليسا عاملين مأمونين، لأنهما يغريان أميركا بكل من الخيارين. فالنفط يشجع على الصداقة، لكنه يشجع ربما أكثر على السيطرة بحكومة عميلة. كما أن تقديم التنازلات يسهل كل من الصداقة من جهة، وخيار السيطرة من الجهة الأخرى. والتاريخ يبين أن أميركا لم تختر أصدقاءها إستناداً إلى لطفهم، ولا كان خصومها البادئين بالعداء لها.
فبعد أن أسقط نظام باتيتسا ذهب كاسترو مباشرة إلى أميركا يطلب صداقتها ومعاونته على بناء بلاده لكن الرئيس الأمريكي استشاط من طلباته، وحين أخبره مساعدوه أنه ليس شيوعياً وأن الشيوعيين يقبعون في السجون في كوبا أجاب: "لايهمني إن كان شيوعياً أو غير شيوعي، إنه يتكلم كالشيوعيين". وكان الرئيس يقصد أن كاسترو كان يتحدث عن مشاريع تهدف إلى خير الشعب الكوبي وليس إلى أثراء أثريائه وإثراء الشركات الأمريكية فأثارت حنق الرئيس وغضبه. ولم تأت زيارة طلب "الصداقة" هذه لكاسترو بشيء بل حصل على حصار أمريكي - غربي قاس ومؤامرات بلا عدد لمدة نصف قرن.
وكذلك فعل القائد الفيتنامي "هوشي منه" فقد كان هو الآخر ولمدة طويلة كثير الأمل بصداقة أميركا. فقد كتب التماساً إلى وزير الخارجية الأمريكية روبرت لانسنج عام 1919، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، يطلب مساعدته في الحصول على الحريات المدنية الأساسية وتحسين ظروف المستعمرات في الهند الصينية، لكن أميركا لم تجب.
وبعد ربع قرن عاد ليكتب ما لايقل عن ثمان رسائل إلى الرئيس الأمريكي ترومان بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة طالباً مساعدة أميركا لفيتنام من أجل تحررها من الإستعمار الفرنسي. لكن أميركا ردت بالتعاون مع فرنسا في تحطيم بلاده، بل ومنعتهم من التفاوض من الفيتناميين، بالرغم من أن هوشي منه وأتباعه كانوا قد تعاونوا مع الـ (OSS)، وهي المؤسسة السابقة للـ(CIA)، بينما تآمر الفرنسيين مع اليابانيين ضد الأمريكان. وحسب ما يقول "وليام بلوم" الذي أخذت هذه المعلومات الأخيرة من كتابه (Killing Hope)، فأن هوشي منه كان يثق بأميركا أكثر من ثقته بالإتحاد السوفيتي وكان يحتفظ بصورة لـ "جورج واشنطن" ونسخة من بيان الإستقلال الأمريكي على مكتبه. لكن كل ذلك الحب والرغبة بـ "الصداقة" لم يلق أي تجاوب من الجانب الآخر، وكلنا نعرف بقية القصة.(1)
(1) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/7usa2.htm

لكن دعونا لا نيأس، ولنراقب تصرفات أميركا في العراق خلال فترة احتلالها له، وأين تؤشر: هل إلى بناء المانيا جديدة أم مصر مبارك جديدة؟
كان أول سفير أمريكي في العراق هو جون نيكروبونتي، المتهم بإشاعة الإرهاب في أميركا الوسطى سنوات حكم ريكان، الثمانينات. ومن يريد بناء ألمانيا ثانية، كان ينتظر منه ان ياتينا بـ "مارشال" آخر وليس بمثل نيكروبونتي.
صحيح ان الولايات المتحدة تنازلت عن ديونها للعراق، لكنها في الوقت نفسه ثبتت تلك الديون كديون حقيقية وليست "فاسدة"، وبهذا اوقعت العراق تحت ضغط شديد. لقد كانت أميركا قادرة على دعم فكرة فساد الديون لو أرادت ولما وقف في وجهها أحد، فالديون فاسدة بامتياز، ومن دفعها يفترض أن يدفع التعويض للعراقيين الذين استعملت ضدهم وليس لهم.
إضافة إلى ذلك فهناك حادثة تاريخية لها مغزى كبير، وهي تحرير أميركا لكوبا من الأسبان، وكانت كوبا حينها غارقة بديون دولية أيضاً. ولأن أميركا كانت تعتبر أن كوبا صارت لها، ولن تحتاج إلى الضغط عليها، اعلنت أن ديونها فاسدة، وتم ذلك! أما في العراق فجرى تثبيت تلك الديون، في جولة جيمس بيكر التمثيلية "لخفضها" والتي كانت كما اقر مسؤولون عراقيون بأنها تسببت في ضرر شديد للعراق.
كذلك لم يشبه موقف أميركا من العراق موقفها من ألمانيا حين امتنعت عن سحب ممتلكاتها، فقام بريمر بسرقة 40 مليار دولار بشكل نقود فقط! وأدخل العراق في زمن "رجل أميركا في العراق" علاوي في معاهدة لا معنى لها مع البنك الدولي، ودعمت اميركا كبار لصوص حكومة علاوي وقامت بتهريب وزيري الدفاع والكهرباء الذان تسببا في أكبر السرقات، وانقذتهما من بين أيدي الشرطة العراقية والعدالة العراقية، وضغطت بشدة لنهب النفط بعقود سيئة للغاية ونجحت في ذلك بامتياز في كردستان حيث يحكم اقرب "اصدقائها" فحولوا مواقعهم المستكشفة إلى "أراضي استكشافية" لتقليل قيمتها كثيراً ولكي يمكن تقديمها بعقود تناسب الشركات، وهناك عشرات الفضائح الأخرى، وجميعها لا تشبه تعامل أميركا مع المانيا عندما أرادت إنعاش اقتصادها.
وأخيراً جاء طلب رجال الكونغرس الأمريكي كآخر دليل على نوايا أميركا بالنسبة للعراق. ففي الوقت الذي تجنبت أميركا طلب أي تعويض من المانيا، فأنها طلبت قبل بضعة أسابيع تعويضات عن خسائر جنودها في العراق، وعاد رجال الكونغرس الضيوف في بغداد بالمطالبة يوم الجمعة الماضية بتحميل العراق المنهك مصاريف الحرب الأمريكية عليه. (2)
(2) http://www.yanabeealiraq.com/0611/n11061133.html
"يذكر أن كلفة الجيش الاميركي في العراق كانت تبلغ شهريا 4 .4 مليار دولار أميركي سنة 2003، فيما ارتفعت عام 2008 ، لتصل الكلفة إلى 12 مليار دولار شهريا، وبلغت القيمة الإجمالية للحرب على العراق طبقا للمصادر الأمريكية وفي مقدمتها تقرير اللجنة الاقتصادية المشتركة التابعة للكونغرس الأمريكي، 8 .1 تريليون مليار دولار أميركي" (3)
(3) http://www.babil.info/printVersion.php?mid=32042
رفضت الإدارة الأمريكية التعليق على الطلب في بادئ الأمر ، ثم قالت أن ذلك لا يمثل موقفها، وراحت تتحدث عن "مساعدات" للعراق.
لاحظوا أن الحرب الأمريكية كانت بمبادرة أمريكية صرفة، وأنها كانت تستند على أسس اعترفت أميركا نفسها "بخطئها" (عدم وجود اسلحة دمار شامل، عدم وجود قاعدة، عدم وجود تهديد مباشر) وبالتالي فمن العجيب أن تطالب أميركا بالتعويض بدلاً من العكس! وإذا تذكرنا أن المانيا هي التي اعلنت الحرب على أميركا، وأنها لم تطالبها بتعويض بل بادرت إلى مشروع مارشال، نفهم تماماً أن أميركا لم تختر أن تسير بالعراق في اتجاه بنائه كما فعلت في المانيا، ولا أن تجعل منه، لا ألمانيا ولا أي شيء مستقر ومتقدم.
طالب أعضاء الكونغرس أيضاً وضغطوا من أجل الدفاع عن مجاهدي خلق الذين تعتبرهم أميركا منظمة أرهابية. وحين رفضت الحكومة العراقية هذا التدخل في شؤونها، واستعراض الدعم للمنظمة غير المرغوب فيها في العراق، استشاط رجال الكونغرس غضباً على تجرؤ الحكومة ان ترفض لهم أمراً وقالوا أن ذلك سيزيد إصرارهم على الدفاع عن خلق، بل وطالبوا بـ"محاسبة من أصدر الأمر بقتل المدنيين في معسكر اشرف". وهو أمر يؤشر ما سيكون عليه القادم من الزمان في هذه العلاقة التي ستصبح اكثر صراحة في عدم توازنها، إن سمح لها أن تسير في طريق القواعد العسكرية وتمديد القوات المرة تلو المرة، وفي فرض عملائهم من بقايا الأمن الصدامي في السلطة.
ورغم ان الإدارة قالت ان موقف أعضاء الكونغرس لا يمثلها، إلا أن هذا لا يعني زوال التهديد بمثل هذه المطالبات من العراق مستقبلاً. فهذا الموقف قد لا يكون سوى موقف دبلوماسي، كما أن الكونغرس واتجاهات تفكيره أكثر بقاءاً من الإدارات الأمريكية وسياساتها، وأن خلاف الإدارة مع اعضاء الكونغرس ليس سوى قولها لهم: "إنتظروا قليلاً حتى نوقع اتفاقية جديدة لبقاء القوات ثم يكون لكل حادث حديث". لقد برر رجال الكونغرس الطلب بأن أميركا في وضع مادي صعب. وإذا علمنا أن أميركا تمر بأكبر أزمة دين في تاريخها، وأن هذا الدين لم يبدأ بالإنخفاض بعد، بل هو في تزايد مستمر، فعلينا ان نعلم أن هذا السبب للطلبات والمطالبات من العراق ، سبب دائم وثابت ولن يتوقف.
يفهم العراقيون أن مثل هذا الطلب، وكذلك موضوع مجاهدي خلق، والفصل السابع الذي مازال موجوداً رغم التنازلات وتوقيع المعاهدات، ليست سوى عمليات ابتزاز لا تبدو لها نهاية، وإنها تفهم على أن الإدارة الأمريكية والكونغرس، ليسا معنيين بجعل العراق دولة مستقرة مستقلة، بل ينظرون إليها كدولة يجب شفط ما يمكن من خيراتها بأسرع وقت ممكن، كما تبين الأحداث التي ذكرناها اعلاه، وتبين أيضا أن اميركا تتجه إلى انتهاج طريق الضغط والعملاء لتحقيق طموحها في العلاقة مع العراق وليس الصداقة، وتتوقع أن يرفض العراقيون هذه السياسة ويشتبكون معها حين يكتشفون الحقيقة. ويعبر عن هذا التقدير الأخير، السعي الحثيث إلى تسليم السلطة وخاصة السلطة الأمنية إلى عملائها وبقايا البعث، وكذلك حجم وشكل "السفارة" الأمريكية المحصنة التي أعدت لليوم الذي يوف تقصف به بالصواريخ، إضافة إلى الإصرار غير المفهوم لإبقاء قواتها بحجج سخيفة عن التدريب مرة وعن فراغ أجواء العراق أخرى، لكن المؤكد أنها ورقة ضغط خطيرة قد ينتظر أستخدامها في الوقت المناسب لدعم أي ابتزاز قادم قد يحاول العراقيون رفضه.

Opinions