Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مقابلة مع قداسة البطريرك مار ادي الثاني

حاجتنا اليوم إلى الوحدة الكنسيةالحقيقية هي أكبر من أي وقت مضى قداسة مار أدى الثاني: معظم الدعوات السابقة للوحدة الكنسية كانت لأغراض دعائية وإعلامية

(من مجلة الأفق، العدد 27 كانون الثاني – آذار 2006، ص 6 – 10)

أجرى اللقاء: رئيس التحرير

بعد أن باركت نعمة الرب المقدسة مسعانا في استئناف صدور "الأفق" عقب تلكؤ دام بضعة شهور، كان لابد أن نستهل المشوار بالوقوف في حضرة قداسة أبينا مار أدى الثاني بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة في العراق والعالم، واللقاء بقداسته لأجل أن ننقل للمؤمنين ما استجد من تطورات، ونطلع على تصورات قداسته في الظرف الراهن في مختلف الشؤون الكنسية والعامة.

فحملنا ما يجول في خاطرنا من أسئلة واستفسارات والتقينا قداسته ملتمسين بركته الأبوية، وكان سؤالنا الأول:

ـ ما هي الفعاليات والمستجدات التي شهدتها الكنيسة الشرقية القديمة خلال العام الماضي؟.

* شهدت بعض أبرشيات ورعيات كنيستنا المقدسة بعض النشاطات والتغييرات، فقد تم نقل غبطة المطران يعقوب دانيل من أبرشية سوريا إلى أبرشية استراليا، وذلك لموجبين أساسيين: الأول تنامي وتزايد عدد أبناء أبرشية كنيستنا في استراليا وبما يقتضي وجود رئيس أساقفة لرعاية شؤونهم، والثاني أن غبطة مار يعقوب دانيل كان قد وضع أساسا متينا من التنظيم لأبرشية سوريا وأدى خدمات جليلة لهذه الأبرشية ووضعها على طريق ثابت، وقد قمنا بتعيين الخوري هرمز شيبا وكيلا بطريركيا على هذه الأبرشية حتى تتحقق إمكانية رسامة أسقف لهذه الأبرشية الراسخة في إيمانها والمتمسكة بموروثها بثبات.

وفي أبرشيتنا بالولايات المتحدة تم شراء مبنى كنيسة جاهز لرعيتنا في مدينة أريزونا، إضافة إلى مدرسة ملحقة وقاعة متعددة الاستعمالات وغرف لأغراض الإدارة مجهزة بأجهزة كهربائية حديثة من تكييف وأجهزة صوتية متطورة، وأقيمت هذ المرافق على أرض واسعة المساحة.

أما في الوطن فقد تم تشييد المبنى الجديد لكنيسة مار يوخنا في كركوك وبإشراف مباشر من قبل غبطة مار نرسي توما مطران كركوك، إضافة إلى قاعة متعددة الاستعمالات ودارين أحدهما للكاهن والآخر للساعور، وتم وضع حجر الأساس لقاعة المناسبات في كنيسة مار كيوركيس الشهيد في قضاء الشيخان بمحافظة نينوى من قبل غبطة المطران مار توما إرميا، وتم تشييد قاعة متعددة الاستعمالات ملحقة بكنيسة مار كيوركيس في قرية كرنجوك أيضا، وشهدت بعض أبرشيات ورعيات الكنيسة في العراق وفي بلدان الاغتراب عدة رسامات لكهنة وشمامسة إنجيليين ورسائليين.

وفي مقر بطريركية الكنيسة ببغداد والذي يضم كاتدرائية مريم العذراء تم تزويد الكاتدرائية بمختلف التجهيزات التي توفر المناخ المناسب للمؤمنين لأداء الطقوس والمناسبات صيفا وشتاءً، وشمل ذلك أيضا عددا من الرعيات، كما تم افتتاح قاعة لخدمة الإنترنت في مقر البطريركية فضلا عن تطوير مكتبة الكنيسة، وقامت الهيئة الإدارية للكنيسة بتقديم المساعدات المادية للمؤمنين ولعدة وجبات وحسب الإمكانيات المتوفرة.

كما قمنا بإرسال عدد من الكهنة في زيارات لرعياتنا في بلدان المهجر لأداء بعض المهام الكنسية.

ـ بعد نحو ثلاث سنوات، كيف تنظرون إلى التغيير الذي شهده العراق، بشكل عام أولا.. قبل أن نتطرق إلى الشأن الكنسي في ظل هذا التغيير.

* بشكل عام.. التغيير كان كبيرا وسريعا.. وقد أفرز بعض الإيجابيات إلى جانب العديد من السلبيات. وفي مقدمة الإيجابيات تأتي بطبيعة الحال حرية الرأي والفكر والتعبير، والانفتاح على الآخر في مختلف الميادين، ورفع القيود التي كانت مفروضة على بعض الممارسات سواءً الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الفنية أو السياسية.. في ظل ما يسمى في المفهوم السياسي بالديمقراطية والتعددية.

هذه كانت أبرز الإيجابيات، أما السلبيات فقد كان تأثيرها أكبر، حيث تحولت الحرية والديمقراطية إلى نوع من الانفلات الواسع والذي انعكس بدوره على الشأن الأمني، فتردت الأوضاع الأمنية كثيرا، وكان من إفرازات ذلك الهجمات المتكررة التي تعرضت لها الكنائس في العراق إلى جانب باقي دور العبادة من جوامع ومساجد وحسينيات.. في سابقة خطيرة لم يشهدها التاريخ الحديث في المنطقة، الأمر الذي انعكس سلبا على المؤمنين سواء من العراقيين عموما ومن شعبنا المسيحي بشكل خاص حيث تجلى ذلك في حملات النزوح الواسعة خلال السنوات القليلة الماضية بالسفر إلى سوريا أو الأردن، والتي عزز من أسبابها تردي الوضع الأمني في الشارع عموما، وما سببه ذلك في وقوع عدد كبير من الضحايا من المواطنين الأبرياء، فضلا عن تردي قطاع الخدمات والطاقة بمختلف أنواعها.

وهكذا نرى أن الأثر السلبي للتغيير هو حتى اللحظة أكبر من الأثر الإيجابي، ونحن نصلي ونبتهل على الدوام أن تزول هذه الغمة عن شعبنا ويحل الأمن والاستقرار والسلام في ظل مباديء المحبة والتآلف والعيش المشترك واحترام حقوق الإنسان.

ـ نتحول إلى الشأن الكنسي، ماذا عن مشاريع الوحدة الكنسية؟.

* لقد كشف هذا التغيير الذي شهده البلد وبوضوح تام أن معظم الدعوات والنداءات والمشاريع التي كانت تتحدث عن الوحدة في السابق إنما كانت دعوات وشعارات دعائية وإعلامية أكثر من كونها حقيقية، وكانت فقط لإشعار المؤمنين بالأمل في الوحدة. فقد شهدت السنوات الثلاث الماضية غياب أي حديث جاد عن الوحدة، أو أية خطوات عملية على هذا الطريق.

ـ تعودنا من رعاتنا الأجلاء عند الحديث عن هكذا مواضيع.. أن تأتي إجاباتهم بطريقة دبلوماسية عمومية دون الدخول في التفاصيل، ولأن الرب يسوع المسيح أوصانا بقول الحق دائما دون أن نخشى شيئا، نلتمس من قداستكم أن تقدم لنا تفاصيل أكثر بهذا الشأن.

* إذا أردت التفاصيل وبالمسميات فنحن نسأل: إلى أين وصل مشروع الوحدة بين الكنيستين الشقيقتين الكلدانية والمشرق الآشورية؟، إنه معلق.. وربما توقف.

وفيما يتعلق بنا فإن أقرب الكنائس إلينا تاريخيا ولاهوتيا وطقسيا هي كنيسة المشرق الآشورية برئاسة أخينا قداسة البطريرك مار دنخا الرابع، حيث لا تختلف كنيستينا إلا بالتقويم. وقد ظلت مشاريع الوحدة بيننا في مد وجزر منذ عام 1980.. وحسب ظروف هذه الكنيسة الشقيقة، وقد تلقينا أواخر العام الماضي 2005 رسالة من قداسة مار دنخا الرابع بشأن مشروع الوحدة، تضمنت دعوة إلى عقد مجلس سينودوسي مشترك للكنيستين لمناقشة كل ما يتعلق بالأمر.

لكننا نرى أن ما يُعرض على العلن.. يخالف ما هو مخفي.

فالذي يتحدث عن الوحدة يفترض أن يمتلك الإرادة الحقيقية لها ويضع أساسا سليما للمشروع معززا بطريقة التعامل، وهذا ما لم نلمسه من الأخوة في كنيسة المشرق الآشورية، فعندما خالف أحد كهنة كنيستنا وخرج عن قانون الكنيسة وتم إيقافه.. سرعان ما قام الأخوة في كنيسة المشرق الآشورية بقبوله كاهنا فيها، وقد حدث هذا مرتين.. في استراليا وفي الولايات المتحدة، فضلا عن قيام الأخوة الرعاة في كنيسة المشرق الآشورية بإرسال أسقفين إلى أبرشيتنا في الهند بهدف ضمها إليهم، وقد استعمل الأسقفان خلال زيارتهما هذه وسائل عدة من إغراءات مالية أو تهديدات لتحقيق هذه الغاية التي تحققت لهما فعلا وانضم أساقفة كنيستنا والكهنة والرعية إلى كنيسة المشرق الآشورية!!.

ومن جهة أخرى.. فالمعلوم أن نيافة الأسقف مار عمانوئيل إيليا أسقف كنيستنا في الولايات المتحدة الأميركية والذي وإن كان قد تخلى عن مسؤولياته في كنيستنا، فإن قرارا رسميا عن السينودس المقدس لكنيستنا لم يصدر بشأنه حتى اليوم. لكن قداسة مار دنخا الرابع سمح له بإقامة القداديس في رعيات كنيسة المشرق الآشورية، مع ملاحظة أن إذاعة الكنيسة تقوم بالإعلان عن هذه القداديس قبل إقامتها، في الوقت الذي لا يتم فيه الإعلان من خلال هذه الإذاعة عن القداديس التي يقيمها قداسة مار دنخا نفسه وهو بطريرك الكنيسة ورئيسها. مما يدل على أن ذلك يتم لأغراض إعلامية ودعائية كما هو واضح.

وبعد هذا كله، فإن بعض الأخوة في كنيسة المشرق الآشورية عاتبونا مؤخرا لأننا سمحنا لنيافة الأسقف مار باوي سورو قبل فترة بإقامة القداس في كنيسة رعية مار عوديشو في مدينة شيكاغو والتابعة لكنيستنا الشرقية القديمة!!.

فإذا كانت النوايا صادقة في تحقيق الوحدة لماذا هذه الممارسات غير الودية التي تعتبرا تدخلا في الشؤون الداخلية وترسيخا للتباعد والاستقلالية.

نحن لا ندين أحدا "لا تدينوا لكي لا تُدانوا" لكننا نتمنى من الآخرين أن يسلكوا بصدق ووضوح مثلما نفعل نحن، لا أن يعلنوا شيئا ويضمروا شيئا آخر. أو أن يستغلوا مسألة الوحدة للتغطية على أزمة ما وصرف الأنظار عنها، أو لإقناع المؤمنين بحرصهم على الوحدة.. ولكن قولا لا فعلا.

وعلى أية حال.. ورغم كل ما تقدم، فإننا سنعرض الرسالة الأخيرة لقداسة مار دنخا الرابع التي ذكرناها قبل قليل على المجمع السينودوسي لكنيستنا والذي سينعقد في بغداد في الوقت والظرف المناسب، لغرض دراستها بإمعان والرد عليها.

ـ وكيف تنظرون إلى مدى تأثر المشروع الوحدوي بالملابسات التي شهدتها كنيسة المشرق الآشورية مؤخرا والتي ينظر إليها البعض على أنها انقسام جديد..إذا جاز التعبير؟.

* في الواقع.. نحن لا نتمنى أن يكون النظر إلى ما حصل من هذا المنظور.. أي انقسام جديد. إننا نحترم نيافة مار باوي سورو ونقدر ما يمتلكه من علم كنسي رفيع.. مثلما نحترم أخوتنا الرعاة في المجمع السينودوسي لكنيسة المشرق، بمعنى أننا نحترم قناعات الطرفين، لا سيما أننا لسنا بصدد تقييم ما حصل مؤخرا لسببين رئيسين، الأول: أن الأمر شأن داخلي لا نتدخل نحن فيه، والثاني: أن الصورة النهائية لما حدث لم تتضح بعد، وربما تكون هناك معالجة معينة لهذه الإشكالية. وكل الذي نتمناه، أن تُحسم هذه القضية بما فيه مشيئة الله وصالح الكنيسة والمؤمنين.

ـ وماذا عن المشارع الوحدوية مع باقي الكنائس؟.

* علاقاتنا مع الأخوة رعاة الكنائس الكلدانية والسريانية والأرمنية واللاتين والروم في العراق علاقات طيبة، هناك لقاءات واجتماعات منتظمة، وتعاون وتنسيق في المواقف، وقد اجتمعنا صباح السبت الثامن عشر من شباط 2006 في مقرنا البطريركي ببغداد لمناقشة موضوع تشكيل مجلس لرؤساء الطوائف المسيحية في العراق، وتم خلال اللقاء توزيع نسخ من مسودة النظام الداخلي للمجلس بهدف إطلاع الأخوة الرعاة عليه وإبداء ملاحظاتهم ومقترحاتهم.

أما بشأن الوحدة الكنسية فليست هناك أية مشاريع وحدوية بالمعنى التنفيذي للكلمة. وقد طُرح مؤخرا في المجمع المسكوني المنعقد في البرازيل في شهر شباط 2006 مقترح توحيد عيد الفصح عبر العالم، وهو مقترح إيجابي سندرسه في مجمعنا بعناية.. ونرى أن توحيد الأعياد الرئيسة وبالتالي التقويم.. خطوة مهمة على الطريق الوحدوي، مع الأخذ بنظر الاعتبار الشرعية القانونية.

ـ وماذا عن موقف قداستكم أنتم في هذا الشأن.. أي الوحدة؟.

* أعود وأقول أن التغيير الذي حصل في العراق وما أفرزه من تداعيات معروفة للجميع.. يجعل حاجتنا نحن مسيحيو العراق للوحدة الحقيقية اليوم أكبر منها في أي وقت مضى، ذلك لأننا نلاحظ بوضوح أن مختلف المكونات التي يضمها الشعب العراقي تسعى اليوم جاهدة للحصول على كامل حقوقها وربما ما يفوق ذلك، ولا نقصد بالمكونات.. القوى السياسية فقط، إنما أيضا المكونات الدينية والمذهبية والقومية أيضا.

لذلك فإن وحدة شعبنا اليوم.. كنسيا وقوميا صارت أمرا مصيريا محتوما، بدون تحقيقه سنخسر الكثير في هذا البلد الذي هو بلدنا وبلد أجدادنا.

من هنا.. وبقدر تعلق الأمر بنا كراعي كنيسة، فإننا نعلنها واضحة ومن خلال هذا المنبر الإعلامي: إننا على أتم استعداد للمشاركة في أي مشروع وحدة صادق وحقيقي.. من أي من كنائسنا الرسولية، مع مراعاة حقنا في الحفاظ على ثوابتنا اللاهوتية والطقسية القائمة على تعاليم الكتاب المقدس والآباء القديسين، واحترامنا لحق الكنيسة الأخرى في الحفاظ على ثوابتها المماثلة أيضا لأنها بالتأكيد ستكون ثوابت مشتركة كونها مبنية على التعاليم المقدسة، ومن ثم تتم دراسة ومناقشة القضايا غير المتفق بشأنها.. لاهوتية كانت أو طقسية، وذلك من خلال المجمع المقدس واللجان التي تشكل لهذا الغرض.

وإذا كانت النوايا صادقة فنحن على ثقة أن تكون النتائج طيبة.. ونكون بذلك قد جسدنا كلمة الرب: "كونوا واحدا كما أنا والآب واحد". أما أن تكون الدعوات للوحدة مجرد شعارات إعلامية أو خطوات وقتية لأغراض معينة أو لصرف الانتباه عن مشاكل داخلية.. فإن ذلك يلحق أشد الضرر بأبنائنا وأخوتنا من المسيحيين في العراق والمهجر.

ـ التقيتم وتلتقون باستمرار عددا من أبناء شعبنا العاملين في المجال السياسي والقومي، كيف تقيمون الوضع في هذا المجال؟.

* نحن نحترم رموز وقيادات كل الأحزاب والحركات السياسية والمؤسسات القومية العاملة في أوساط شعبنا كلدانا سريانا آشوريون.. ونكن لهم المحبة والتقدير. لكن يبقى المقياس لدينا بما يتحقق من إنجازات تخدم شعبنا المسيحي والشعب العراقي عموما، ونبارك وندعم الجهود التي تسعى إلى وحدة هذا الشعب، لا إلى تقسيمه، ونبارك التنظيمات التي تقدم المصلحة العليا الوطنية والقومية.. على المصالح الحزبية والطائفية والشخصية.

نباركهم وندعمهم بصلواتنا وأدعيتنا، ولا نتدخل في عملهم ونشاطاتهم لأن واجباتنا روحية رعوية، ويمكن لنا أن نقدم النصيحة والمشورة عندما يُطلب منا ذلك، ولا سيما في الأمور المتعلقة بالشؤون الدينية والرعوية والشرعية.

ـ كلمة أخيرة نختم بها تشرفنا بقداستكم.

* نصلي بحرارة من أجل شعبنا العراقي الذي يستحق كل خير، ونبتهل إلى الله أن ينعم عليه بالأمن والاستقرار والعيش الرغيد في ظل وحدة وطنية وأسس التآخي والعيش المشترك. كما نصلي بحرارة لأجل شعبنا المسيحي في العراق ونبتهل إلى الرب أن يعيننا جميعا في تجاوز هذه التجربة المريرة.

وأخيرا.. نسعى مع أنفسنا بقوة، وندعو أخوتنا رعاة مختلف الكنائس، إلى تجسيد مقولة الرب يسوع المسيح له المجد: "لا تجمعوا لكم كنوزا على الأرض، حيث يُفسد السوس والصدأ كل شيء، وينقب اللصوص ويسرقون. بل اجمعوا لكم كنوزا في السماء، حيث لا يفسد السوس والصدأ أي شيء، ولا ينقب اللصوص ولا يسرقون.. متى19:6". Opinions