مقترح اختيار مسيحي رئيسا مؤقتا لمجلس النواب العراقي.. أبعاد ومعان
مما لا شك فيه أن العملية السياسية في العراق اليوم تكاد تبلغ من التعقيد بما يؤهلها دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية من ناحية الفترة الأطول لتشكيل حكومة في بلد ما.. عضو في المنظومة الدولية (الأمم المتحدة)!!.فقد جرت الانتخابات العامة الأخيرة في العراق في 7 آذار من العام الحالي 2010، ونحن اليوم في نهاية آب 2010، ما يعني مرور أكثر من خمسة أشهر على هذه الانتخابات، ولما تزل الحكومة الجديدة لم تتشكل!!. وأرجو من القاريء الكريم، ولا سيما المطلع على بعض الثقافات الأجنبية،!! أن لا يتبادر إلى ذهنه عقد مقارنة مع الانتخابات البريطانية التي جرت قبل فترة حيث تم تشكيل الحكومة الجديدة بعد أيام معدودة من ظهور النتائج.. لا بل أن هذه الحكومة شهدت بعد أيام معدودة أخرى من تشكيلها استقالة أحد الوزراء!!.
ندع ذلك جانبا، فنقول: إن الانتخابات العراقية الأخيرة أسفرت عن تقدم ثلاث كتل سياسية بمقدار متقارب مع مشاركة ثلاث أو أربع كتل أخرى بعدد أقل من المقاعد.. الأمر الذي أفضى، مع تفسير المحكمة الاتحادية لمصطلح الكتلة الأكبر، إلى عملية من الشد والجذب، مع تدخلات إقليمية واضحة (شرقا وغربا.. شمالا وجنوبا، وجنوب غرب)!!.. قادت بدورها إلى نوع من الفراغ الدستوري شئنا أم أبينا، وصار الحديث عن حكومة تصريف.. أعمال، وما ترتب على ذلك من فراغ أمني يرافقه فراغ تشريعي وتنفيذي وخدماتي.. بل وحتى قضائي!!.. وبما جعل من البلد أن يكون على كف عفريت!!.
والأسماء الأبرز في المعادلة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة كانت القائمة العراقية ودولة القانون والائتلاف الوطني إلى جانب قوائم أخرى وطنية وقومية مهمة يمثل بعضها مكونا دينيا وقوميا عريقا في العراق.
وما شهدته الأشهر الخمسة الماضية كان فعلا مثيرا للدوار و(دوخة الراس) وفصلا مضافا إلى الرفاهية التي يعيشها المواطن من غياب التيار الكهربائي وحتى الماء عن بعض المناطق فضلا عن الضعف المزمن لباقي الخدمات!!. فتارة نسمع عن التحالف بين هذه القائمة وتلك، وتارة أخرى بين قائمة أخرى والأولى، أو بين الثانية والرابعة، أو بين الأولى والثالثة أو بين الأولى والرابعة.. أو بين الثانية والثالثة!!.. وهذه القائمة تتقاطع مع تلك.. ثم تعود وتتلاقى معها، والعكس صحيح!!. والعقدة تكمن تحديدا في منصب رئيس الوزراء.. الذي يلي رئاسة رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية دستوريا.. لكنه يسبقهما تتابعيا!!.. على أن يتم ذلك في صفقة واحدة.. يليها تشكيل الحكومة لاحقا!!.. يا لها من دائرة مفرغة نعيشها منذ أكثر من خمسة أشهر عجاف.
ولما كان العراق الجديد قائما على النظام النيابي (البرلماني) فقد صار مجلس النواب (البرلمان) ورئاسته بمثابة مفتاح الحل والمدخل إلى تحقيق الانسيابية والشفافية في إقرار باقي الخطوات والتحديدات.
وكانت قد برزت قبل فترة، ومن ضمن الأفكار الكثيرة والمثيرة!!، فكرة اختيار رئيس مؤقت للبرلمان العراقي بدلا من رئيس السن، لكي يتمكن هذا البرلمان من استئناف جلساته والمباشرة بعمله.. وممارسة صلاحياته التشريعية والرقابية الدستورية على أمل تسريع تشكيل الحكومة والحفاظ على مصداقية النواب الجدد الـ "325" أمام ناخبيهم وأمام الشعب العراقي.
ومن ثم تبلورت هذه الفكرة، وبحسب إطلاعي على بعض التفاصيل، من خلال الائتلاف الوطني العراقي ثم قائمة العراقية.. وأخيرا الكتلة الكردستانية الموحدة على أن يكون الرئيس المؤقت شخصية محايدة من الناحية القومية والدينية والطائفية وحتى السياسية: (مستقلا أو مسيحيا).. هكذا ورد في الأنباء وفي سبتايتل بعض الفضائيات. ثم تطورت الفكرة أن يكون مسيحيا.. وبالتحديد من قائمة الرافدين (للحركة الديمقراطية الآشورية).. وكتحصيل حاصل (رئيس القائمة والسكرتير العام للحركة.. السيد يونادم كنا).
ولما كانت قائمة الرافدين تتقدم ممثلي شعبنا (المسيحي) الكلداني السرياني الآشوري في مجلس النواب العراقي الجديد امتدادا لتمثيلها له في السنوات الماضية.. ونظرا لما تعرض له شعبنا الذي تمثله قوميا ودينيا من تحديات معروفة للجميع بعد 2003، فإننا نريد هنا أن نتوقف عند هذا المقترح (تولي رئيس قائمة الرافدين " المسيحية " منصب الرئاسة المؤقتة لمجلس النواب في ظل التعقيدات الحالية).
فإذا كان قبول هذا الموقع مقرونا باحترام هذه الكتل والقوائم لتاريخ ومكانة هذا المكون العراقي الأصيل.. فضلا عن اقترانه أيضا برضا وموافقة جميع الأطراف والقوائم الفائزة والمؤثرة في العملية السياسية القائمة اليوم، ومنسجما مع تطلعاتها وبما يساهم في استئناف العملية السياسية بشكل دستوري وانسيابي شفاف على طريق التسريع في تشكيل الحكومة الجديدة بما يخدم الشعب العراقي الطيب المعاني منذ عقود وسنوات مستمرة حتى اليوم.. فأهلا وسهلا بهذا التشريف الذي نستحقه.. ونحن أهل له بما هو معروف عنا من نزاهة ومصداقية وحيادية ووطنية ومساهمة فاعلة ومؤثرة في تاريخ العراق قديما وحديثا (وسنناقش مسألة " المؤقت " بعد سطور).
أما إذا جاءت هذه الفكرة على طريقة (كلمة حق يراد بها باطل) و(الغاية تبرر الوسيلة).. وكانت مجرد مناورة سياسية تهدف إلى تمرير بعض الأجندات أو تهميش كتلة أو قائمة أو شخصية معينة على حساب كتلة أو قائمة أو شخصية أخرى، فأقول: لا وألف لا لهذا المنصب المهم لشعبنا في العراق الجديد.. فإننا كشعب كلداني سرياني آشوري "مسيحي"!!.. لا نريد هذا التشريف طالما أنه يهدف إلى (لوي) ذراع طرف معين وإبعاده أو تهميشه.. لأنه أمر سيجعلنا ندفع ضريبة جديدة نحن في غنى عنها.. وإن شعبنا اليوم تحمل من المعاناة ما يكفيه ويوفر عليه تحمل مسؤولية جديدة تجعله، من جديد، وقودا لصراع آخر لا ناقة له فيه ولا جمل.. مثلما تجعله جزءا من المشكلة لا جزءا من الحل.
إننا باختصار.. نتشرف أن نكون موضع نزاهة ومصداقية في العراق الجديد بكل تعقيدات العملية السياسية فيه.. فهذا حقنا الشرعي والتاريخي. لكننا، وكما أسلفنا قبل قليل، لا نرضى أن نكون وقودا لمعركة جديدة ندفع ثمنا لها بالاستهداف تهديدا وقتلا وتهجيرا وإقصاء!!.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى.. فإذا كانت القوى والكتل والقوائم السياسية الفعالة اليوم تجد في المكون أو المرشح المسيحي، ومن ذلك قائمة الرافدين، من النزاهة والمصداقية والحيادية ما يجعله حلا مناسبا للعقدة القائمة حاليا، فلماذا يكون هذا الإجراء مؤقتا لا دائميا (لدورة تشريعية كاملة)!!.. لماذا يكون شعبنا بهويته الدينية وهويته القومية وممثليه في العراق الجديد بمثابة (اللاعب الاحتياط الذي يشترك في المباراة في الربع الساعة الأخيرة لأغراض تكتيكية، أو في الدقيقة الأخيرة لغرض إضاعة الوقت)!!!.
لماذا لا نكون حلا جذريا لمرحلة دستورية كاملة لا سيما أن لا شيء يعوزنا أو ينقصنا كأبناء أصلاء للعراق ابتداءا من دور شعبنا في حضارة ما بين النهرين (ملوك ومبتكرون وحكماء وأطباء وفلاسفة وأدباء ومترجمين) وانتهاءا بدورنا في البناء.. ومن ثم في تقديم التضحيات الثمينة وفي مقدمتها الدماء الطاهرة وعلى مدى عقود ممتدة من الزمن البائد إلى الزمن اللاحق.. لا سيما أن الدستور العراقي لا يمنع تولي "مسيحي" منصبا رئاسيا، مثلما لا يتضمن ما يمكن توصيفه بالـ "الرئيس المؤقت"؟؟.
إذن إما أن نكون جزءا من الحل فيحضى شعبنا بما يستحقه في العراق الجديد.. أو أن لا نكون جزءا من المشكلة فينال من الأذى المتجدد ما لايستحقه أبدا!!.