مكر الساسّه و رياء السماسره
لو إعتمدنا تعريف السياسة على أنّها مشروع لأفكار بشريه تكاد تتلاقى في الهدف و تتباين في تفاصيل وسائلها ليُصاغ منها نموذج وسطي ينظّم حياة الناس و يعلمّهم كيفية إدارة أعمالهم وتلبية إحتياجاتهم بما يعود على الجميع بالرفاه و المكاسب المشروعه, لابّد لنا بالمقابل أن نعرّج أيضا على أحد معاني وتفاسير الأخلاق والفضائل ألتي فرضتها العقائد وإستخلصتها العقول , ومن معانيها أنّها هي الأخرى تضمّ باقة وفيره من قيَم محموده يتفق عليها الجميع ,و يفترض بها أن تشارك في تقريب الإنسان من الطريق الصحيح وتنوير عقله نحو تحقيق الخير العام لعموم البشر ولتحفظه بعيدا عن كل ما هو مبعث شر و مفسده.لكن ما بين التعريفين أعلاه, يلاحظ المرء أحيانا ماهو العكس حيث فيه تتكوّن الصورة القاتمه لما يدعيه المثقفون والسياسيون , فحين تغيب عن حسابات الداعيه المثقف أهميّة قضايا أمته و مهام وطنه أو يكون مستغِلاّ لمشاكلها من أجل مصلحته , يكون بالتأكيد قد حصر واقع تحرّكه وجلّ قدراته داخل الدائره ألتي مهما ضاقت فهي في منظوره كافيه لضمان إنجاز ما تستهويه نفسه إلى حد الإنغماس في وحل شهواته ثم إلإنحدار التدريجي به إلى الأدنى ليصار (غ) منه أداة سهلة و طيّعه بمثابة الخنجر في خاصرة جسد أهله المعذبين ,وليس مستبعدا أن ينتاب هذا السياسي (المتوهم بأنه مثقف) بين الفينة والأخرى إحساسا خجولا في داخله ينبّهه بعزلته عن حياة ناسه وأبناء قومه مادام يصرّ على إتخاذ هذا السلوك مسارا بتحقيق أماله , لكنه مع ذلك , تراه يأبى ألرضوخ ليس فقط لضميره الذي يؤنبّه , لا بل لأي صوت عقلاني يصدر من محيطه ولا ينصت إلاّ لصدى ما تمليه عليه غرائزه كي تمطره من النعم والهدايا ما لذ وطاب بعد أن إستلبته من أهله وقومه , ونظرا لكون إختياره لهذا المسار هو بمحض بإرادته من دون أي ضغط عليه لا من هنا ولا من هناك, فهو في هذه الحالة يكون معرّض دائما لتساؤلات أو إتهامات من قبل أبناء جلدته خاصة حين يعلو صوته في الحاره , أو يمتلك بيتا أو سيّاره أو حتى لو لبس بدلة جديدة في عرس أحدهم.
معروف عن الإنسان الصيني(الأصفر) أنه بإمكانك أن تحظى بعفوه لو شتمته وأهنهته بشخصه, وربّما سيسامحك حتى لو سبَبَتَ أمه أو أبيه, لكنه لن يغفر لك لو أهنت شرف وطنه الصين أو سمعة قومه, وربّما سيسعى إلى قتلك لو تعمّدت تكرار توجيه الإهانة إلى وطنه , وعلى هذا الأساس فالفرق شاسع جدا ما بين الذي ينتمي إلى أرضه سواء كانت جرداء ام معطاء كماهي الحال مع الصيني , وبين الذي يدعي ثقافة الحرص على الجار القوي من أجل منصب او مقاوله او فتح حساب بنك له بينما أهل بيته يتولولون من ظلم ذلك الجار , فعند النموذج الثاني, تتساوى معايير إهانة الأخرين له او لأمّه وأبيه وبين شتيمة وطنه وقومه , بينما تثور ثائرته حين يحسّ أن أحدهم يطعن فيه رياءه وولاءه لمكر الأخر , والسبب معلوم وواضح وهو خشية أن يخسر جولة ً تكلفه صفقة طال حلمه بها خاصة لو حصل الطعن به أمام حضور وسمع أسياده الذين يغدقون عليه جزاء ما تقترفه يداه و فمه وقلمه بحق أهله.
ألأمم والأوطان باقية بأخلاق أهلها , فإن ذهبت الأخلاق ذهبوا و أوطانهم مع الريح, لذا فبنظرة نلقيها على الأمم ألتي تطورّت وتقدّمت دون الأخريات , سنجد أنّ حب أهلها لعنوان إنتمائها وإحترام تاريخها هوالمفتاح الذي أدخلها فناءات إمتلاك سيادتها على أرضها وحرية إتخاذ قراراتها.
بإمكان الحُر البسيط مهما كانت درجة بساطته , أن يكون جزءا سليما ومفيدا في جسد أمته ووطنه دون شرط حصوله على الشهادة التي أصبح دعاتها يتغنّون بها لإسكات البسطاء وبأنهم كانوا مناضلون وقد حملوا السلاح وعارضوا وقاتلوا وما إلى ذلك , وبين ليلة وضحاها تراهم ينقلبوا إلى متدينين تارة و منظرّين علمانيين أممين تارة و نشطاء قوميين تارة أخرى, لا مستقر لهم إلا حيث تمتليئ جيوبهم!! ,بينما الحُر في مفهوم مجتمعاتنا الشرقيه رغم بساطة أو إنعدام تعليمه , معروف عنه أنه يستحرم التجسس على وطنه وأهله ويفضل الموت على النيل أو التنكيل بقومه من أجل حفنة اوراق خضراء لبناء قصر حتى في شدة مأزقه , وبسيطنا في مواقفه الرجوليه يكون الاقرب إلى قول الفيلسوف الأشوري أحيقار الذي يقول في نصائحه التي أسداها لنادين أبن أخته: (لا تسحب يدك عن أهلك إطلاقا), وصلابة هذا الحر تجدها مجسدّة ً مع أهله حين يحتاجوه ,فهو صاحب كلمته , وهو الحامي الحقيقي لأسرار أهله وفي مقدمّة المدافعين عنهم في الشدائد , و يرفض الهرولة خلف ترويج الإشاعات ضد أهله, فكيف له بترك أهله والذهاب وراء موائد الغرباء؟ على العكس, تراه بعفويته المعهوده ينبذ المراوغين من أشباه المثقفين /الساسه الذين عشقوا ملذاتهم ,ولا يتردد في وصفهم بأنهم خونة لشعبهم وأمتهم ودينهم , ومن هنا يصح لنا القول بأننا نفتقد اليوم بالفعل إلى دور هذا النموذج الطبيعي في فطرته لمواجهة الاذى الذي لحق بنا جراء تذبذب (المثقف) الذي يتنقل في أروقة مشاريع الأخرين بحثا عن رزقه!!!!
حال عراقنا المأسوي أليوم قد أفرز لنا العديد من الحقائق المخفيّه التي كانت مسدولة بقناع الوطنيه ووشاح التحرر , والكارثة ألتي أصابت العراقيين أليوم هي مدعاة حزن ويأس و تتطلّب منّأ وقفة تأمل ومراجعة جديّه كامله من أجل تدارك ما هو الأكثر خطورة في الأيام المقبله.
نحن (الكلدواشوريون السريان) ومعنا الصابئه والشبك والإيزديين الذين نمثلّ جزءا اصيلا تاريخا وحاضرا في العراق , بتنا نشكّل الجزء المتقدم على بقية العراقيين في الخساره التي حلّت بنا ,لأن وطننا العراق أمام هذا الكم الهائل من الخلافات والصراعات الخارجيه المتشابكه قد إستطاعت قوى الشر أن تحشر أنوفها وتغرز اصابعها لتغور في داخل كيان وجسد شعبنا العراقي عموما, وهو أمر يعكس علينا , ونحن كجزء من هذا الشعب, شعورا باليأس والخيبه أمام رياء السياسيين الكبار ومكر الصغار من ضعفاء النفوس ,لقد فاق إحباطنا التوقعات جرّاء فرض أجندات الأغلبية الغنيه , فشراءالذمم من أصوات وأقلام البعض من أبناء جلدتنا اصبح له سوق رائجة وذلك أمر مؤلم جدا , وكلامي ليست تسويق لأوهام, فهناك العديد من الدلائل ألتي تؤيّد إدعائي, لكن إعتقادي وأملي في عودة الابناء الضالين إلى حضيرة أهلهم هو الذي يقف حائلا دون ذكر تفاصيل بعض الخفايا التي ربما ستزيد العقد تعقيدا لو تم إعلانها , ولا يخفى على أحد بأن قسم من كبار كتلنا السياسيه التي تسيطر على أموال البلاد ومنهم من يشغل منصب وزاره سياديه , يعلنونها في لقاءاتهم وعلى موائد الويسكي والفستق بأنهم يدفعون الأموال ويشترون السيارات ويبنون القصور لأصحاب أقلام مأجوره من أجل أن تلّمّع صفحة كتلة ذلك الوزير أوتنوب عن إعلام حزبه في شن الهجمات الإعلاميه المدفوعة الثمن ضد أهلنا و نشاطاتهم السياسية المتواضعه.
القول بأننا سنشهد على المدى القريب حلا لهذه الأزمة هو إدعاء غير مبني على أي أساس إستقرائي حقيقي, لأن ألأزمات في العراق تتكاثر بشكل إنشطاري وبتشعّب عجيب وأحد الأسباب الأساسية لذلك هو رياء ساستنا والوطن تحت كابوس الإحتلال, وهنا تتحقق صحة قول اللورد البريطاني ديزرافييللي, رئيس وزراء بريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر في وصفه العام لطبيعة سياسيينا قائلا, إنّ العمل السياسي في الشرق يمكن وصفه بإيجاز و بكلمة واحده فقط بأنه الرياء بعينه, وهو يبدو محق, لأنناحين نقوى ننقلب من صنف الحمل الوديع إلى الصنف المتأسّد والغارق في عشق سلطان الماضي ومأسيه و السعي إلى إبقاء مفاهيمه وألعودة بنا للوراء , ومنهم من هو غارق في التغنّي ببناء حلم الكيانات على أنقاض جماجم الأخرين حتى لو كلّلفهم ذلك قبول عار تسلط المحتل على رقاب الشعب.
ماذا سنقول عن الذي يرى في العار وسيلة تحقيق أهدافه؟ وماذا عساه المكر أن يكون في أسلوب تعاطيه؟