ملكة بريطانيا العظمى فكتوريا اصدرت فرمانا لحماية المندائيين في منتصف القرن التاسع عشر
كان العراق ارضا بكرا للنشاط التبشيري و حقيقة بدأ الفرنسيون نشاطهم هناك منذ اوائل العهد العثماني . ولكنه لم يكن يلفت نظر الحكومة العثمانية و لذلك تركوا المبشرين الدومانيكانيين و الكبوشيين الكاثوليك يعملون دون ان يتعرض لهم احد . و كانت مهمة هؤلاء المبشرين الكاثوليك هي تحويل اكبر عدد من الطوائف المسيحية الى اعتناق المذهب الكاثوليكي .و كانت تلك الحركات التبشيرية الكاثوليكية تلقى مقاومة من الرؤوساء الدينيين المحليين . ولكن كانت حركات مقاومة مفككة تعجز عن الوقوف على قدميها امام البعثات التبشيرية البابوية الفخمة بما يحوطها من القاب و مظاهر عظيمة .ولم تصادف الحركة الكاثوليكية مقاومة فعالة الا عندما التفتت السلطات الدينيةالانجليزية و الامريكية الى اهمية تحويل مسيحيي الشرق الى المذهب البروتستانتي . وكان الوكلاء السياسيون البريطانييون هم الذين يقاومون اتساع الحركة الكاثوليكية في العراق (1) و لكن مقاومتهم كانت سلبية غير مجدية لان مقاومة
حركة دينية لا تتم غالبا بنجاح في ذلك الوقت الا بحركة دينية مضادة فبدأ وصول
المبشرين البروتستانت الانجليز الى العراق في نهاية العشرينات من القرن التاسع
عشر .
وكان جروفز اول مبشر بروتستانتي يصل الى العراق ( 1829) , و كان هذا في نهاية
حكم داود باشا في العراق ,و قام الرجل بمجهودات واسعة شملت فيما شملت البصرة و
بغداد و الموصل وهي معاقل الكاثوليكية في العراق (2) و كانت امال هذا المبشر
واسعة , ولكن دهمته حروب داود مع السلطان و كوارث 1830- 1831 فترك العراق الى
الهند في 1832 (3) .
لقد كانت طائفة الصابئة المندائيين مجالا للتنافس الانجليزي الفرنسي ايضا . و
خاصة عند مجيء بعثة ( جسني ) التي كانت من العوامل الرئيسية التي نبهت اذهان
اوربا الى الصابئة . فقد كتب عنهم ( جسني chesney ) في مؤلفاته (4) واخذ
الافراد يتوافدون على الصابئة المندائيين لدراسة احوالهم . كما اخذت المجهودات
السياسية البريطانية منذ ذلك الوقت تسعى الى كسب الصابئة الى جانب بريطانيا
شأنها في ذلك شأن السياسة البريطانية ازاء طوائف الدولة العثمانية على وجه
العموم .
لقد دخل القنصل الفرنسي ( فونتانيه Fontanier ) بالمنافسة مع غريمه ( تايلور )
ممثل بريطانيا في العراق في الهيمنة على الصابئة (5) وذلك ببسط حمايته على
الصابئة المندائيين . على ان هذه المنافسة كانت مؤقتة بينما استمر الانجليز على
اتصالهم بالصابئة في عربستان و في العراق على حد سواء . فيقول ( لايارد ) ان
الصابئة كتبوا له شاكين طالبين من ملكة بريطانيا حمايتهم مما ينزل بهم من عذاب
. ولا شك ان هذه الشكوى على تلك الصورة لم تقدم الا بأيعاز من ( لايارد )
بالذات . و قدمت هذه الشكوى الى ( ستراتفورد كاننج ) سفير بريطانيا في الاستانة
ثم رفعت هذه الشكوى الى ابردين Aberdeen لترفع من بعد ذلك الى بلاط الملكة (6)
و بعد ذلك بعد سنوات استصدر فرمانا بحمايتهم (7) .
كان طبيعيا ان تزداد علاقة الصابئة بالانجليز بمرور الوقت . و في منتصف القرن
التاسع عشر وفي النصف الثاني منه ظهرت شخصية الشيخ يحيى ( شيخ صابئي ) ميال
تماما الى الاوربيين بصفة عامة و الانجليز بصفة خاصة (8) . فذهب الى الهند وبعد
عودته اكثر من الاتصال برجال الدين و المبشرين الكاثوليك و الانجليكان . وادى
ذلك الى حدوث تصدع بين رجال الدين الصابئة . اذ عاب عليه عدد من الشيوخ و على
رأسهم الشيخ ( داموك Damouk ) و الشيخ ( داود ) تلك الاتصالات . وكان من
الطبيعي ان يستند الشيخ داموك و زميله الى الحكام العثمانيين الذين كانو يعملون
في ذلك الوقت على وضع حد للنفوذ البريطاني المتزايد بين الطوائف . رد الشيخ
يحيى على ذالك بان خفض رسوم التعميد و الزواج وغيرها من الرسوم الدينية (9)
ليكسب الصابئة المندائيين الى جانبه . اما الشيخ داموك و زميله فحرضا مراد
افندي قائمقام كوت العمارة على نفيه . و فعلا نفاه الى سوق الشيوخ (اوائل 1867)
و مع ان نامق باشا ( والي بغـــداد ) عفا عنه الا ان مركزه كان قد ضعف امام
خصميه (10) .
و بالرغم من هذه المجهودات السياسية و التبشيرية و خاصة تلك التي قام بها
قساوسة الموصل و الرهبان البروتستانت خلال القرن التاسع عشر فانهم لم يتركو
اثرا محسوسا في العقائد الصابئية و ظل الصابئة المندائييون متمسكين بديانتهم و
معتقداتهم الى وقتنا هذا .
نحن نقول ما اشبه اليوم بالامس ونحن نبحث عن اجوبة لتسؤلاتنا :
هل فشل الصابئة المندائيون في تاسيس كيان اجتماعي سياسي قوي في العراق ؟
هل الصابئة المندائيون بحاجة الى حماية من قوة عظمى ؟
هل الصابئة المندائيون بحاجة الى انعاش الذاكرة البريطانية لاحياء الفرمان الذي
اصدرته الملكة فكتوريا منتصف القرن التاسع عشر القاضي بحماية الصابئة
المندائيين لانقاذهم من محنة القرن الواحد والعشرين ؟
نحن نعرف ونسمع ان البريطانيون يلتزمون بقراراتهم و خاصة ما يقرره التاج
البريطاني . فهل سيتنكرون لهذا الفرمان الان ؟ ام سيلتزمون به ؟
هل نشطاء الصابئة المندائيون مستعدون لاثارة هذا الموضوع مع الحكومة البريطانية
؟ وخاصة المندائيون المقيمون في بريطانيا ومن الذين يحملون جنسيتها ؟ و متى
سيكون هذا ؟ اذا لم يكن الان !؟
بغــداد ايلول 2006
الهوامش :
*من كتاب ( تاريخ العراق الحديث ) من نهاية حكم داود باشا الى نهاية حكم مدحت
باشا | د. عبد العزيز سليمان نوار - 1968
(1) Alexander : Bagdad Bygone Days P. 227 .
)2) Anderson: opcit , vol . I . p . 367 - 368 , 374
(3) Skinner : opcit , vol . II . p ; 245
(4) من الذين اهتموا بدراسة امور الصابئة المندائيين :
1 . هنري لايارد H.Layard
في عام 1873 اصبح وكيل البصرة يسمى Assistant Political Agent و تحت حماية
المقيمات البريطانية قامت الجالية البريطانية بنشاط ملحوظ في العراق دورا مهما
في تقوية النفوذ البريطاني وعلى رأس تلك الجالية في الاربعينات و الخمسينات و
الستينات هنري لايارد H.Layard وكان مغامرا بريطانيا من ذلك الطراز الذي عرفه
الشرق خلال القرن التاسع عشر و العشرين . وكان يعمل لحساب المخابرات البريطانية
في العراق و فارس و تدرج من بعد ليصبح عضوا في البرلمان البريطاني ثم سفيرا في
الاستانة في السبعينات و امضى في العراق حوالي عشر سنوات بدات في 1840 و كتب عن
العراق مجموعة من الكتب في الوصف العام والعلاقات السياسية و الاقتصادية واحوال
الطوائف المسيحية و اليزيدية و الصابئة و العشائر العربية , وخاصة شمر الجربا .
2 . بتر مان Peterman
الذي اقام بينهم فترة من الزمان في القرن التاسع عشر .
3 . لوفتس Loftus
عضو بعثة تحديد الحدود الايرانية - العثمانية .
4 . وليام اف قارص
رئيس بعثة تحديد الحدود الايرانية - العثمانية . ويقال انه استصدر فرمانا من
شاه ايران يعطيه حق حمايتهم .
5. وقد عنا روبرت تايلور R. Taylor - الوكيل السياسي البريطاني في بغــداد خلال
الثلاثينيات - بدراسة احوالهم الاجتماعية و لغتهم و درس كتبهم و تاريخهم .
انظر كتابي جســني Chesney : Expeditions . & Narrative
(5) Fontanier : opcit , I . p . 270
(6) Layard : Early . Vol . II . PP . 170 - 171
(7) Ibid : Vol . II . PP . 170 , 171 , 177 , 357 , 358 .
(8) Herbert to Elliot No. 40 . Aug . 19 . 1823 . F . O . 195 - 1030
(9) خفظ رسوم الزواج من 55 شاميا الى 30 شاميا فقط .
(10) Lycklama nijholt : opcit III . P. 236 - 238
عن موقع جيران