مناجاة شهداء كنيسة سيدة النجاة
في بياض نهار تشريني يسرق الزمان ورودا من حديقة الضميرتحت خشبتين متعامدتين تسقط عشرات القتلى
تقتل البذور الأصليةالنقية، جوهر الأرض ولباب كل الأشياء
إنها صورة احياء توحي ببراءة بدائية
تغمر اطرها جزءا" من كياني
إنه انتم الذين اسمهم انا
انتم الغائبون في الوطن،
انا الغائب في البيت
انتم الغائبون في كل شئ،
انا الحاضر في لا شئ
فلا انا انا، ولا انا انتم
ليتني كنت لكم، ليتني كنت انتم
... ... ...
ما كنتم تجلسون في الكنيسة لانقاذ الهوية من خطر السقوط والتلاشي،
ولا كنتم هناك لأجل التضادّ مع الأفكار الأخرى،
ولا كنتم تنظرون الى رقعة ارض صغيرة لتحكموا فيها،
ولا كنتم تفكرون في اسباب التهميش والالغاء،
بل كنتم تتأملون في كيفية تنظيف الذاكرة المشوشة،
وتتهيأون للعيش مع الطبيعي، إن وجد، في محيط غير طبيعي
وكنتم تصلون بهدوء وخشوع وبراءة للاتصال بالرب
وحولكم امالكم وامانيكم ونظراتكم وأحلامكم
وهذا يذكرني ثانية بأن الحب موجود
وبأن الجمال يرفض العبث
ويعدني بوضوح اختلافه عن القبح والشر والظلام
ففي وقت التقرب الى الله
لا يشعر الانسان بأنه يتألم إذا مات مقتولا"
ترى، أيمكن أن يكون القتل نعمة وحيدة قبل إكمال الصلاة؟
وهل يمكن أن يكون نعمة للوصول الى الله من غير صلاة؟
هاهي الكارثة البشعة تزحم ضميري وذاكرتي
هاهي تضربني في حبة قلبي وذاتي
هاهو الموت ينتقل من واحد الى اخر
طلقة بعد طلقة مع سبق الاصرار
ومن مكان الى مكان،
لامجال لوقف التنفيذ...
بثوان قليلة تنتهي حياة البررة
وفي قلب كل واحد منهم ذكرى،
فهذه ذكرى طيبة، وهذه ذكرى اغنية حب،
وتلك ذكرى عن شجرة برتقال، وتلك ذكرى عن تسامح ومحبة
وبثوان قليلة
تقتل الذكريات وتكسّر اشجار البرتقال
وتقتل الأزقة والطرقات
وتقتل الكنائس كما تقتل ناسها
وتقتل احلام الأشياء وتأملات الأطفال ولعبهم ونظراتهم امام المذبح
ويتمزق شغاف القلب
وتتمزق الستائر والملابس والأقمشة والأشرعة
وتتمزق الأعلام الرسمية وغير الرسمية والمرشحة
وتتمزق التشريعات القديمة الأصيلة والحديثة المصطنعة
وتصريحات الأمم والسادة المسؤولين وغير المسؤولين والعبيد والمنحرفين والمنحطّين
وتتمزق قلوب الامهات
وتتمزق الغيوم التي لم تتمكن من سكب مياهها
وتسقط كل الأقنعة والصور العشائرية والقومية والوطنية والأجنبية الرسمية
وكل الرموز المعلقة على جدران الصمت المخجل
... ... ...
اريد أن أسركم بانهم يريدون الطريقة ذاتها والظلام ذاته
يخافون منكم لأنكم ما مشيتم على طريق جانبي
ولا خنتم الطريق، ولا خنتم الوطن
فان رأيتم الأوراق صفراء في الربيع
قالوا: هل هذه جهنم؟
وتساءلوا: أين الروح الوطنية في أوراقكم؟
اريد أن اقول لكم:
لا تكتبوا على الأرض ولا تضعوا تواقيعكم عليها لأنها ارضكم
ولا تكتبوا على سطح الماء
ولا تكتبوا باصابعكم على جزيئات الهواء
فان كتبتم، قالوا:
حرّفوا وجهة المسيرة
وهاهم يعيدون السماء لتحتضن الأرض ثانية
ويعود التأريخ الى أيامه الأولى
وقد تعود قوة الملوك والمجد التالد
وقديقتل قابيل هابيل ثانية"...
وتسقط التفاحة على رأسه ويعطيها لأمه، فتقول:
هذه ليست تفاحتي
هذه تفاحة نيوتن !
... ... ...
هناك، خلف الصحراء، وما بعد الآمال وقبل محاق القمر
حيث لا امال بدون رجال
ولا رجال بدون رجال
ولا رجال بدون امال
هناك، حيث لا صدى للصدى،
حيث يتساوى السبب والنتيجة
ترتفعون خارج ذواتكم في نور بلا مصدر
إن كان في غفوة، أو من صحوة
وتشاهدون أشياء كثيرة
أشياء لا تنتظر أي شئ
وانتم تحيوها وتشكروها
وتسألكم: اين كنتم ؟
تقولون: في ارض ما اردتم ان تهجروها
لأن اخر صفات الآرض هي كالأولى فيها
ولكنها كانت، ولا تزال، ضيقة
لا تتسع للحمام والصياد في ان واحد
ارض لا تتسع لوصية "لا تقتل"
ولا مجال لأنثى السنونو فيها أن تفتش عن ذكر السنونو
ارض صفراء جدباء تناجي السماء
ارض يحفر فيها الدم وجه الصخر
ارض جرداء تمشي فيها كل الألوان من غير حذر
فيستوي فيها الصيف والربيع والخريف والشتاء
... ... ...
اريد ان اقول لكم بأن التأريخ لا تترتب اعداده
فهي تملؤه وهو فارغ
فيه انس، جن، وحيوان يترنح كالبندول
حصان قوته الف قبل الكر
يجيد الصنع بنا، ولا يلاطفنا
يفاجئنا حين ننسى انفسنا
ويجئ مصادفة او صدفة او على حين غرة
بشعا"، حديديا"، متعددا"، جلادا"
فان وحّدنا، قال: لا يكفي!
وإن امنّا، قال: هذه تعددية
ياتي ويصطادنا ونحن حول الرب ومع الرب وفيه
يصطادنا واحدا" واحدا" ...ما عدا الرب
اقول لكم
سوف لن ابدل لون دمائكم بكل الوان الطبيعة
وهل يقودني الدم وانا احتويه
ام اقوده وهو فيكم وقد سكبتموه على المذبح
فقدمتم ذبيحة حقيقية في يوم حقيقي
قدمتم نورا" لا ظل له
واصبحتم نورا" لا غبار عليه
صعدتم نورا" من دون سلالم ومن دون جواز سفر
... ... ...
لمست حنجرتي
خلت أنها لا زالت في مكانها
استجمعت كل قواي لأبين فحولتي واصرخ عاليا"
فاحسست ان لا احد استدار بوجهه نحوي
والصرخة هي الصرخة
كسراب من غير السماء
وهذا مستحيل في قوانين الفيزياء
صرخة ليس لها صوت
لا اسمع صوتي في الساحة حتى وإن كانت مملوءة من الهباء
لا اسمع صوتي حتى وإن مشى المجرم فوق رقبتي ضاحكا"
وأنا ائن من الألم
لا اسمع صوت صرختي حتى وإن كان صليبي معي
لا اسمع صوتي حتى وإن كان قومي في خط الأمام
لا اسمع صوتي حتى وإن قال لي:
هذا أنا، صوتك، انا منك
لن اسمع صوتي إلا إذا تكسرت جدران الصمت
فخلفها تقبع كل اجهزة تكبير الصوت
فان كبّرت، خلت أنها تقول لي:
لا تغير فصيلة دمك
... ... ...
إن الطفل الصغير ليس بحاجة الى من يؤرخ له
فهو لن يدرك مسيرة الثنائية القلقة منذ اليوم الأول – القتل و المحبة
فهي الشئ وضده
الممتدان من فيشخابورالمبللة بمياه دجلة
وحتى السيبة المضاءة بتمور النخيل
وكرمانا" لكم اريد أن اقول:
بانني منذ الآن سيتغير اسمي
منذ اليوم سأصير واحدا"
ولست بحاجة الى اختام رسمية أو غير رسمية
أنا بحاجة الى ختم اسطواني واحد لا أكثر
د. امير يوسف -- تشرين الثاني 2010