من ذاكرة التاريخ: أسرار وخفايا الحرب العراقية الإيرانية حرب الخليج الأولى
25/8/2010تمهيد
منذُ أن قام صدام حسين بدوره المعروف في الانقلاب الذي دبره ضد شريك البعثيين في انقلاب 17 تموز 968 [عبد الرزاق النايف ] بدأ نجمه يتصاعد حيث أصبح نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، وبدأ يمارس السلطة كما لو أنه الرئيس الفعلي للبلاد، رغم وجود الرئيس أحمد حسن البكر على قمة السلطة، وأخذ دوره في حكم البلاد يكبر ويتوسع يوماً بعد يوم، وخاصة سيطرته على الحزب والأجهزة الأمنية، والمكتب العسكري، وبدا وكأن صدام يخطط لاستلام القيادة من البكر بحجة كبر سنه ومرضه.
وعندما حلت الذكرى الحادية عشر لانقلاب 17 تموز 1979، فوجئ الشعب العراقي بإعلان استقالة الرئيس البكر في 16 تموز 1979، وتولي صدام حسين قيادة الحزب والدولة، حيث أعلن نفسه رئيساً للجمهورية، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة، وقائداً عاماً للقوات المسلحة.
أما كيف ولماذا تم هذا الانتقال للسلطة من البكر إلى صدام حسين فلم يكتب عن ذلك الحدث لحد الآن إلا القليل، إلا أن المتتبع لتطورات الأوضاع السياسية في البلاد، وما أعقبتها من أحداث خطيرة يستطيع أن يتوصل إلى بعض الخيوط التي حيك بها الانقلاب، ومن كان وراءه !!.
أن هناك العديد من الدلائل التي تشير إلى أن ذلك الانقلاب كان قد جرى الإعداد له في دوائر المخابرات المركزية الأمريكية، وأن الانقلاب كان يهدف بالأساس إلى جملة أهداف تصب كلها في خدمة المصالح الإمبريالية الأمريكية وأبرزها:
1ـ إفشال التقارب الحاصل بين سوريا والعراق، ومنع قيام أي شكل من أشكال الوحدة بينهما، وتخريب الجهود التي بُذلت في أواخر أيام حكم البكر لتحقيق وتطبيق ما سمي بميثاق العمل القومي آنذاك، والذي تم عقده بين سوريا والعراق، حيث أثار ذلك الحدث قلقاً كبيراً لدى الولايات المتحدة وإسرائيل، تحسبا لما يشكله من خطورة على أمن إسرائيل.
2ـ احتواء الثورة الإسلامية في إيران، ولاسيما وأن قادة النظام الإيراني الجديد بدءوا يتطلعون إلى تصدير الثورة، ونشر مفاهيم الإسلامية في الدول المجاورة، مما اعتبرته الولايات المتحدة تهديداً لمصالحها في منطقة الخليج، ووجدت أن خير سبيل إلى ذلك هو إشعال الحرب بين العراق وإيران، وأشغال البلدين الكبيرين في المنطقة بحرب سعت الولايات المتحدة إلى جعلها تمتد أطول فترة ممكنة، كما سنرى .
3ـ مكافحة النشاطات الشيوعية، والإسلامية في البلاد على حد سواء، والتصدي للتطلعات الإيرانية الهادفة إلى نشر أفكار الثورة الإسلامية في المنطقة.
4ـ بالإضافة لما سبق كانت تطلعات صدام حسين لأن يصبح شرطي الخليج، وتزعم العالم العربي قد طغت على تفكيره، ووجد في الدور الذي أوكل له خير سبيلٍ إلى تحقيق طموحاته .
لم يكن انقلاب صدام ضد البكر بمعزل عن المخططات الأمريكية، فقد قام مساعد وزير الخارجية الأمريكي بزيارة لبغداد، حيث أجرى محادثات مطولة مع الرئيس احمد حسن البكر وبحث معه في مسالتين هامتين بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية:
المسألة الأولى: تتعلق بتطور العلاقات بين العراق وسوريا، وتأثير هذه العلاقات على مجمل الأوضاع في المنطقة، وبشكل خاص على إسرائيل التي تحرص على عدم السماح بإقامة الوحدة بين العراق وسوريا.
المسألة الثانية: دارت حول الأوضاع في إيران، بعد سقوط نظام الشاه، واستلام التيار الديني بزعامة [الخميني] السلطة، والأخطار التي يمثلها النظام الجديد على الأوضاع في منطقة الخليج، وضرورة التصدي لتلك الأخطار، وسعى الموفد الأمريكي إلى تحريض حكام العراق على القيام بعمل ما ضد النظام الجديد في إيران، بما في ذلك التدخل العسكري، وقيل بأن الرئيس البكر لم يقتنع بفكرة الموفد الأمريكي، وخاصة وأن البكر رجل عسكري يدرك تمام الإدراك ما تعنيه الحرب من ويلات ومآسي، وتدمير لاقتصاد البلاد.
وبعد انتهاء اللقاء مع البكر التقى الموفد الأمريكي مع صدام الذي كان آنذاك نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، وبحث معه نفس المواضيع التي بحثها مع البكر، وقد أبدى صدام كل الاستعداد للقيام بهذا الدور المتمثل بتخريب العلاقات مع سوريا من جهة، وشن الحرب ضد إيران من جهة أخرى.
لم تمضِ غير فترة زمنية قصيرة حتى جرى إجبار الرئيس البكر، بقوة السلاح، من قبل صدام حسين وأعوانه، على تقديم استقالته من كافة مناصبه، وإعلان تولي صدام حسين كامل السلطات في البلاد، متخطياً الحزب وقيادته، ومجلس قيادة الثورة المفروض قيامهما بانتخاب رئيس للبلاد في حالة خلو منصب الرئاسة.
أحكم صدام حسين سلطته المطلقة على مقدرات العراق، بعد تصفية كل المعارضين لحكمه ابتداءً من أعضاء قيادة حزبه الذين صفاهم جسدياً بأسلوب بشع وانتهاءً بكل القوى السياسية الأخرى المتواجدة على الساحة .
لقد أخذت أجهزته القمعية تمارس أبشع الأعمال الإرهابية بحق العناصر الوطنية من ِشيوعيين وإسلاميين وقوميين وديمقراطيين، بالإضافة للشعب الكردي، وملأ السجون بأعداد كبيرة منهم، ومارس أقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي بحقهم وقضى العديد منهم تحت التعذيب.
لقد كانت ماكنة الموت الصدامية تطحن كل يوم بالمئات من أبناء الشعب، لكي يقمع أي معارضة لحكمه، وحتى يصبح مطلق اليدين في اتخاذ أخطر القرارات التي تتحكم بمصير الشعب والوطن، ولكي يعدّ العدة، ويهيئ الظروف المناسبة لتنفيذ الدور الذي أوكلته له الإمبريالية الأمريكية، في العدوان على إيران.
لقد وصل الأمر بصدام حسين أن جمع وزراءه، وشكل منهم فريق إعدام في سجن بغداد، لكي يرهب كل من تسول له نفسه بمعارضته، كما قام بإعدام عدد كبير من ضباط الجيش، لكي يصبح وحده الأقوى في المؤسسة العسكرية، رغم أنه لم يكن في يوم من الأيام عسكرياُ.
العلاقات العراقية السورية:
رغم أن العراق وسوريا يحكمهما حزب البعث، إلا أن العلاقات بين الحزبين، والبلدين اتسمت دائماً بالخلافات والتوتر الذي وصل إلى درجة العداء والقطيعة لسنين طويلة، وتطور العداء بين الحزبين إلى حد القيام بأعمال تخريبية، وتدبير التفجيرات، وغيرها من الأعمال التي أدت إلى القطيعة التامة بين البلدين.
ولاشك أن لأمريكا وإسرائيل دور أساسي في إذكاء العداء والصراع بين البلدين الشقيقين، ذلك لأن أي تقارب بينهما ربما يؤدي إلى قيام وحدة سياسية تقلب موازين القوة بين سوريا وإسرائيل نظراً لما يمتلكه العراق من موارد نفطية هائلة، وقوة عسكرية كبيرة، بالإضافة إلى ما يشكله العراق من امتداد إستراتيجي لسوريا في صراعها مع إسرائيل، وهذا ما تعارضه الولايات المتحدة وإسرائيل أشد المعارضة .
وفي أواخر عام 1978، وأوائل عام 1979، جرت محاولة للتقارب بين البلدين، تحت ضغط جانب من أعضاء القيادة في كلا الحزبين السوري والعراقي، وقد أدى ذلك التقارب إلى تشكيل لجان مشتركة سياسية واقتصادية وعسكرية، وعلى أثر توقيع ميثاق للعمل القومي المشترك الذي وقعه الطرفان في تشرين الأول عام 1978، وقد أستهدف الميثاق بالأساس إنهاء القطيعة بين الحزبين والبلدين الشقيقين وإقامة وحدة عسكرية تكون الخطوة الأولى نحو إقامة الوحدة السياسية بين البلدين وتوحيد الحزبين.
كان وضع سوريا في تلك الأيام قد أصبح صعباً بعد أن خرجت مصر من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي، وعقد السادات اتفاقية [ كامب ديفيد] مع إسرائيل مما جعل القادة السوريين يقرون بأهمية إقامة تلك الوحدة للوقوف أمام الخطر الإسرائيلي.
وبالفعل فقد تم عقد عدد من الاتفاقات بين البلدين، وأعيد فتح الحدود بينهما، وجرى السماح بحرية السفر للمواطنين، كما أعيد فتح خط أنابيب النفط [التابلاين ] لنقل النفط إلى بانياس في سوريا، والذي كان قد توقف منذُ نيسان 1976.
وفي 16 حزيران تم عقد اجتماع بين الرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس العراقي أحمد حسن البكر في بغداد، ودامت المحادثات بين الرئيسين ثلاثة أيام أعلنا في نهايتها أن البلدين سيؤلفان دولة واحدة، ورئيس واحد، وحكومة واحدة، وحزب واحد، وأعلنا تشكيل قيادة سياسية مشتركة تحل محل اللجنة السياسية العليا التي جرى تشكيلها بموجب اتفاق تشرين الأول 1978، والتي ضمت 7 أعضاء من كل بلد، يترأسها رئيسا البلدين، وتجتمع كل ثلاثة أشهر لتنسيق السياسات الخارجية، والاقتصادية، والعسكرية.
تدهور العلاقات العراقية السورية
لم تمضِ سوى بضعة أشهر على الاتفاق الذي عقده البكر والأسد، حتى أزيح البكر عن السلطة، وتولى صدام حسين قيادة الحزب والدولة في العراق، وبدا بعد إقصاء البكر، أن هزة عنيفة قد ألمت بالعلاقة بين قيادة البلدين والحزبين، وبدأت الغيوم السوداء تغطي سماء تلك العلاقة.
وفي 28 كانون الأول 1979، جرى لقاء قمة بين الأسد وصدام في دمشق دام يومين، وقد ظهر بعد اللقاء أن الخلافات بين القيادتين كانت من العمق بحيث لم تستطع دفع عملية الوحدة إلى الأمام، بل على العكس تلاشت الآمال بقيامها.
وهكذا بدأت العلاقة بالفتور بين البلدين من جديد، واتهمت سوريا القيادة العراقية بوضع العراقيل أمام تنفيذ ما أتُفق عليه في لقاء القمة بين الأسد والبكر.
أدى هذا التدهور الجديد في العلاقة بين الحزبين، إلى وقوع انقسام داخل القيادة القطرية في العراق، قسم وقف إلى جانب الاتفاق المبرم بين الأسد والبكر، وقسم وقف إلى جانب صدام حسين، فما كان من صدام إلا أن أتهم الذين أيدوا الاتفاق بالاشتراك بمؤامرة مع سوريا على العراق، وجرى اعتقالهم، وتعذيبهم حتى الموت، ثم أعلن صدام حسين، عبر الإذاعة والتلفزيون، أن هذه المجموعة قد تآمرت على العراق، وأحيلت إلى محكمة حزبية قررت الحكم عليهم بالإعدام وجرى تنفيذ الأحكام بحقهم.
لكن الحقيقة أن هذه المجموعة أرادت تحقيق الوحدة أولاً، والتخلص من دكتاتورية صدام حسين ثانياً، بعد أن أغتصب السلطة من البكر بقوة السلاح.
وهكذا ذهبت الآمال بتحقيق الوحدة أدراج الرياح، وتدهورت العلاقة بين البلدين من جديد، وفرض صدام حسين سلطته المطلقة على قيادة الحزب والدولة دون منازع، وأصبح العراق ملجأ لكل المناوئين للحكم في سوريا ابتداءً من [ أمين الحافظ] و[ميشيل عفلق] وانتهاءً بالإخوان المسلمين الذين لجأوا إلى العراق بأعداد كبيرة، بعد فشل حركتهم في مدينة حماه عام 1982.
ولم يقتصر تدهور العلاقات بين البلدين على القطيعة، والحملات الإعلامية، بل تعداها إلى الصراع العنيف بين الطرفين على الساحة اللبنانية، حيث أدخلت سوريا عدد من قطعاتها العسكرية في لبنان ضمن قوات الردع العربية لمحاولة وقف الحرب الأهلية التي اندلعت هناك عام 1975.
غير أن القوات المشتركة العربية انسحبت من لبنان فيما بعد، تاركة القوات السورية لوحدها هناك.
وانتهز صدام حسين الفرصة ليرسل إلى القوى الطائفية الرجعية المعادية لسوريا السلاح والعتاد والعسكريين لمقاتلة الشعب اللبناني، والقوات السورية والفلسطينية، وأصبح لبنان مسرحاً للصراع بين البلدين، واستمر الحال في لبنان حتى سقوط حكومة [ميشيل عون] حليف صدام ضد سوريا، وانتهاء الحرب الأهلية، وانعقاد مؤتمر الطائف للأطراف اللبنانية المتصارعة لحل الخلافات بينهم، وإعادة الأمن والسلام إلى ربوع لبنان الذي مزقته تلك الحرب التي دامت خمسة عشر عاماً.
وهكذا حقق صدام حسين للإمبريالية الأمريكية ما كانت تصبو إليه، حيث عادت العلاقات بين سوريا والعراق إلى نقطة الصفر من جديد، وتحقق الهدف الأول الذي رسمته له، وبدأت تتفرغ للهدف الثاني الهام، هدف التصدي للنظام الإيراني الجديد، وخلق المبررات لصدام لشن الحرب على إيران في الثاني والعشرين من أيلول عام 1980، تلك الحرب التي كانت لها نتائج وخيمة على مستقبل العراق وشعبه، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، وكانت سبباً مباشراً لأقدام صدام حسين على غزو الكويت، وبالتالي قيام حرب الخليج الثانية، التي جلبت على العراق وشعبه من ويلات ومآسي ، وخراب ودمار لم يسبق لها مثيل.
العلاقات العراقية الإيرانية،ودور أمريكا في تأجيج الصراع بينهما
اتسمت العلاقات العراقية الإيرانية منذُ سنين طويلة بالتوتر والصدامات العسكرية على الحدود في عهد الشاه [محمد رضا بهلوي]، حيث قام الحكام البعثيون في العراق بإلغاء معاهدة 1937 العراقية الإيرانية المتعلقة باقتسام مياه شط العرب بموجب خط التالوك الوهمي الذي يقسم شط العرب إلى نصفين أحدهما للعراق والآخر لإيران، وقيام شاه إيران والولايات المتحدة بدعم الحركة الكردية التي حملت السلاح ضد السلطة القائمة آنذاك، وسبب الإجراء العراقي إلى قيام حرب استنزاف بين البلدين على طول الحدود، واستمرت زمناً طويلاً، ووصل الأمر إلى قرب نفاذ العتاد العراقي واضطر حكام بغداد إلى التراجع، ووسطوا الرئيس الجزائري [هواري بو مدين ] لترتيب لقاء بين صدام حسين وشاه إيران لحل الخلافات بين البلدين
. وبالفعل تمكن الرئيس الجزائري من جمع صدام حسين وشاه إيران في العاصمة الجزائرية، وإجراء مباحثات بينهما انتهت بإبرام اتفاقية 16 آذار 1975، وعاد حاكم بغداد إلى اتفاقية عام 1937 من جديد!، ووقفت حرب الاستنزاف بينهما، ووقف الدعم الكبير الذي كان الشاه يقدمه للحركة الكردية، حيث استطاع البعثيون إنهاءها، وإعادة بسط سيطرتهم على كردستان من جديد.
وفي عام 1979 في أواخر عهد البكر وقعت أحداث خطيرة في إيران، فقد اندلعت المقاومة المسلحة ضد نظام الشاه الدكتاتوري المرتبط بعجلة الإمبريالية الأمريكية.
أتسع النشاط الثوري، وبات نظام الشاه في مهب الريح، وسبّبَ ذلك الوضع الخطير في إيران أشد القلق لأمريكا، فقد كانت مقاومة الشعب الإيراني لنظام الشاه قد وصلت ذروتها، وبات من المستحيل بقاء ذلك النظام، وبدت أيامه معدودة.
كان هناك على الساحة الإيرانية تياران يحاولان السيطرة على الحكم، التيار الأول ديني يقوده [آية الله الخميني] من منفاه في باريس، والتيار الثاني يساري، يقوده [حزب تودا الشيوعي]، ووجدت الولايات المتحدة نفسها أمام خيارين أحلاهما مُرْ،
فهي لا ترتاح لسيطرة للطرفين.
لكن التيار الشيوعي كان يقلقها بالغ القلق، نظراً لموقع إيران الجغرافي على الخليج أولاً، ولكونها ثاني بلد منتج للنفط في المنطقة ثانياً، ولأن إيران تجاور الاتحاد السوفيتي ثالثاً.
وبناء على ذلك فإن مجيء الشيوعيين إلى الحكم في إيران سوف يعني وصول الاتحاد السوفيتي إلى الخليج، وهذا يهدد المصالح الأمريكية النفطية بالخطر الكبير، ولذلك فقد اختارت الولايات المتحدة [أهون الشرين] بالنسبة لها طبعاً!، وهو القبول بالتيار الديني خوفاً من وصول التيار اليساري إلى الحكم، وسهلت للخميني العودة إلى إيران من باريس ، لتسلم زمام الأمور بعد هروب الشاه من البلاد، وهكذا تمكن التيار الديني من تسلم زمام السلطة، وتأسست الجمهورية الإسلامية في إيران في آذار 1979.
إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهِ السفن، كما يقول المثل، فلم تكد تمضي سوى فترة قصيرة من الزمن حتى تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بعد أن أقدم النظام الجديد على تصفية أعداد كبيرة من الضباط الكبار الذين كانوا على رأس الجيش الإيراني، كما جرى تصفية جهاز [السافاك] الأمني الذي أنشأه الشاه بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية، وجرى أيضاً تصفية كافة الرموز في الإدارة المدنية التي كان يرتكز عليها حكم الشاه.
.وجاء احتلال السفارة الأمريكية في طهران، من قبل الحرس الثوري الإيراني، واحتجاز أعضاء السفارة كرهائن، وإقدام الحكومة الإيرانية على طرد السفير الإسرائيلي من البلاد وتسليم مقر السفارة الإسرائيلية إلى منظمة التحرير الفلسطينية، والاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، كل تلك الأحداث المتتالية أثارت قلق الولايات المتحدة، ودفعتها لكي تخطط لإسقاط النظام الجديد في إيران قبل أن يقوى ويشتد عوده، أو على الأقل إضعافه وإنهاكه.
وتفتق ذهن المخابرات المركزية إلى أن خير من يمكن أن يقوم بهذه المهمة هو صدام حسين، وبهذه الوسيلة تضرب الولايات المتحدة عصفورين بحجر واحدة. فالعراق، وإيران دولتان قويتان في منطقة الخليج، ويملكان إمكانيات اقتصادية هائلة، ولحكامهما تطلعات خارج حدودهما، إذاً يكون إشعال الحرب بين البلدين وجعل الحرب تمتد لأطول مدة ممكنة، بحيث لا يخرج أحد منهما منتصراً ويصل البلدان في نهاية الأمر إلى حد الإنهاك، وقد استنزفت الحرب كل مواردهما وتحطم اقتصادهما، وهذا هو السبيل الأمثل للولايات المتحدة لبقاء الخليج في مأمن من أي تهديد محتمل.
وهكذا خططت الولايات المتحدة لتلك الحرب المجنونة، وأوعزت لصدام حسين، بمهاجمة إيران والاستيلاء على منطقة [خوزستان] الغنية بالنفط، واندفع صدام حسين لتنفيذ هذا المخطط يحدوه الأمل بالتوسع صوب الخليج، وفي رأسه فكرة تقول أن منطقة [خوزستان] هي منطقة عربية تدعى [عربستان ].
لم يدرِ بخلد صدام حسين ماذا تخبئه له الأيام ؟ ولا كم ستدوم تلك الحرب ؟ وكم ستكلف الشعب العراقي من الدماء والدموع ، ناهيك عن هدر ثروات البلاد، واحتياطات عملته، وتراكم الديون الكبيرة التي تثقل كاهل الشعب العراقي واقتصاده المدمر.
لقد سعت الإمبريالية بأقصى جهودها لكي تديم تلك الحرب أطول فترة زمنية ممكنة، وهذا ما أكده عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، وعلى رأسهم [ريكان] و[كيسنجر]، وغيرهم من كبار المسؤولين الأمريكيين.
فلقد صرح الرئيس الأمريكي [ ريكان ] حول الحرب قائلاً:
{ إن تزويد العراق بالأسلحة حيناً، وتزويد إيران حيناً آخر، هو أمر يتعلق بالسياسة العليا للدولة}!!.
وهكذا بدا واضحاً أن الرئيس ريكان كان يهدف إلى إطالة أمد الحرب، وإدامة نيرانها التي تحرق الشعبين والبلدين معاً طالما أعتبر البلدان، بما يملكانه من قوة اقتصادية وبشرية، خطر على المصالح الإمبريالية في الخليج، وضمان وصول النفط إلى الغرب، وبالسعر الذي يقررونه هم لا أصحاب السلعة الحقيقيين.
أما هنري كيسنجر، الصهيوني المعروف، ومنظّر السياسة الأمريكية، فقد صرح قائلاً :{ إن هذه هي أول حرب في التاريخ تمنينا أن تستمر أطول مدة ممكنة، ولا يخرج أحد منها منتصراً وإنما كلا الطرفين مهزومين}!! .
وطبيعي أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إذا لم تستمر الحرب إلى أمد طويل، وإضافة إلى كل ذلك كان سوق السلاح الذي تنتجه الشركات الغربية مزدهراً ومحققاً أرباحاً خيالية لتجار الحروب والموت، في حين استنزفت تلك الحرب ثروات البلدين المادية والبشرية، وسببت من الويلات والماسي والدموع ما لا يوصف، فلم تترك تلك الحرب عائلة في العراق وإيران دون ضحية.
لكن الإمبريالية لا تفهم معنى الإنسانية، فقد كان الفرح يغمر قلوبهم وهم يشاهدون كل يوم على شاشات التلفزيون، وصور الأقمار الصناعية، تلك المجازر الوحشية التي بلغ أرقام ضحاياها حداً مرعباً، فقد قتل في يوم واحد من أيام المعارك أكثر من عشرة آلاف ضحية، وتفاخر صدام أمام القائم بأعمال السفارة الأمريكية بعد مغادرة السفير [كلاسبي] العراق وقبيل غزو صدام للكويت قائلا بزهو قائلاً:
{ هل تستطيع الولايات المتحدة تقديم 10 آلاف شهيد في معركة واحدة؟ نحن أعطينا 50 ألف شهيد في معركة تحرير الفاو}.
هكذا وبكل وقاحة دفع صدام وأسياده الأمريكان أكثر من نصف مليون شهيداً من شباب العراق في عمر الزهور، ودون وازع من ضمير وأخلاق.
كانت مصالح الإمبرياليين الاقتصادية تبرّر كل الجرائم بحق الشعوب، ولو أن تلك الحرب وقعت في أوربا، أو أمريكا أو بين العرب وإسرائيل لسارع الإمبرياليون إلى وقفها فوراً، وبذلوا الجهود الكبيرة من أجل ذلك.
أن الحقيقة التي لا يمكن نكرانها هي إن تلك الحرب كانت من تدبير الإمبريالية الأمريكية وشركائها، وأن عميلهم صدام قد حارب نيابة عنهم، ولمصلحتهم، بكل تأكيد، وأن لا مصلحة للشعب العراقي إطلاقاً في تلك الحرب، ولا يوجد أي مبرر لها، وإن الشعب الإيراني شعب جار تربطه بنا علاقات تاريخية ودينية عميقة، تمتد جذورها لقرون عديدة.
كما أن إيران لم تكن مستعدة لتلك الحرب، ولم يعتقد حكام إيران أن النظام العراقي يمكن أن يقدم على مثل هذه الخطوة، وهذا ما يؤكده اندفاع القوات العراقية في العمق الإيراني خلال أسابيع قليلة دون أن يلقى مقاومة كبيرة من قبل الجيش الإيراني .
لكن ذلك التقدم لم يدم طويلاً، وتمكن الجيش الإيراني من طرد القوات العراقية الغازية من إقليم خوزستان شّر طردة عام 1982، مكبداً القوات العراقية خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، ولنا عودة إلى تلك الحرب، وتفاصيل مجرياتها، في حلقة قادمة.
بداية الحرب وتوغل القوات العراقية في العمق الإيراني:
في صباح الثاني والعشرين من أيلول 1980، قامت على حين غرة 154 طائرة حربية عراقية بهجوم جوي كاسح على مطارات إيران وكافة المراكز الحيوية فيها ثم أعقبتها 100 طائرة أخرى في ضربة ثانية لإكمال ضرب المطارات والطائرات الحربية الإيرانية، وكانت الطائرات تغير موجة إثر موجة، وفي الوقت نفسه زحفت الدبابات والمدرعات العراقية نحو الحدود الإيرانية على جبهتين:
1 ـ الجبهة الأولى: في المنطقة الوسطى من الحدود باتجاه [قصر شيرين]، نظراً لقرب هذه المنطقة من قلب العراق لإبعاد أي خطر محتمل لتقدم القوات الإيرانية نحو محافظة ديالى و بغداد، وقد استطاعت القوات العراقية الغازية احتلال[ قصر شيرين].
2ـ الجبهة الثانية: في الجنوب نحو منطقة [ خوزستان ] الغنية بالنفط وذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى حيث تطل على أعلى الخليج.
وفي خلال بضعة أسابيع من الهجوم المتواصل استطاعت القوات العراقية التي كانت قد استعدت للحرب من السيطرة على منطقة [خوزستان] بكاملها، واحتلت مدينة [خرم شهر] وقامت بالتفاف حول مدينة [عبدان] النفطية وطوقتها.
وعلى الجانب الإيراني قامت الطائرات الإيرانية بالرد على الهجمات العراقية، وقصفت العاصمة بغداد وعدد من المدن الأخرى، إلا أن تأثير القوة الجوية الإيرانية لم يكن على درجة من الفعالية، وخصوصاً وأن النظام العراقي كان قد تهيأ للحرب قبل نشوبها، حيث تم نصب المضادات أرض جو فوق أسطح العمارات في كل أنحاء العاصمة والمدن الأخرى، وتم كذلك نصب العديد من بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات حول بغداد.
وهكذا فقد فقدت إيران أعدادا كبيرة من طائراتها خلال هجومها المعاكس على العراق، كما أن القوة الجوية الإيرانية كانت قد فقدت الكثير من كوادرها العسكرية المدربة بعد قيام الثورة، مما اضعف قدرات سلاحها الجوي، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبح للسلاح الجوي العراقي السيطرة المطلقة في سماء البلدين.
وفي الوقت الذي كانت إيران محاصرة من قبل الغرب فيما يخص تجهيزها بالأسلحة، كانت الأسلحة تنهال على العراق من كل جانب.
كما أوعزت الولايات المتحدة إلى الرئيس المصري أنور السادات ببيع جميع الأسلحة المصرية من صنع سوفيتي إلى العراق، وتم فتح قناة الاتصال بين البلدين عن طريق سلطنة عمان، حيث كانت العلاقات بين البلدين مقطوعة منذُ أن ذهب السادات إلى إسرائيل، وقام السادات بالدور الموكول له، وأخذت الأسلحة المصرية تُنقل إلى العراق عن طريق الأردن والسعودية خلال عام 1981، كما بدأت خطوط الإنتاج في المصانع الحربية المصرية تنتج وتصدر للعراق المعدات والذخيرة والمدافع عيار 122 ملم طيلة سنوات الحرب.
لقد كانت تلك العملية فرصة كبيرة للولايات المتحدة لإنعاش سوق السلاح الأمريكي، حيث سعت لأن تتخلص مصر من السلاح السوفيتي وتستعيض عنه بالسلاح الأمريكي، فقد بلغ قيمة ما باعه السادات من سلاح للعراق يتجاوز ألف مليون دولار خلال عام واحد، وكانت أسعار الأسلحة المباعة تتجاوز أحياناً أسعارها الحقيقية، وكان صدام حسين مرغماً على قبولها.
أما الاتحاد السوفيتي فقد بدأ بتوريد الأسلحة إلى العراق بعد توقف لفترة من الزمن وبدأت الأسلحة تنهال عليه عام 1981 حيث وصل إلى العراق 400 دبابة طراز T55 و250 دبابة طرازT 72)) كما تم عقد صفقة أخرى تناولت طائرات [ميك] و[سوخوي ] و[ توبوليف] بالإضافة إلى الصواريخ.
كما عقد حكام العراق صفقة أخرى مع البرازيل بمليارات الدولارات لشراء الدبابات والمدرعات وأسلحة أخرى، وجرى ذلك العقد بضمانة سعودية، واستمرت العلاقات التسليحية مع البرازيل حتى نهاية الحرب عام 1988.
وهكذا استمر تفوق الجيش العراقي خلال العام 1981 حيث تمكن من احتلال مناطق واسعة من القاطع الأوسط منها [سربيل زهاب ] و[الشوش] و[قصر شيرين] وغيرها من المناطق الأخرى.
كما تقدمت القوات العراقية في القاطع الجنوبي في العمق الإيراني عابرة نهر الطاهري، وكان ذلك الاندفاع أكبر خطأ أرتكبه الجيش العراقي بأمر من صدام حسين !!!، حيث أصبح في وضع يمكن القوات الإيرانية من الالتفاف حوله وتطويقه، رغم معارضة القادة العسكريين لتلك الخطوة الانتحارية التي دفع الجيش العراقي لها ثمناً باهظاً من أرواح جنوده، ومن الأسلحة والمعدات التي تركها الجيش بعد عملية التطويق الإيرانية، والهجوم المعاكس الذي شنه الجيش الإيراني في تموز من عام 1982، والذي استطاع من خلاله إلحاق هزيمة منكرة بالجيش العراقي، واستطاع تحرير أراضيه ومدنه في منطقة خوزستان، وطرد القوات العراقية خارج الحدود.
إيران تبحث عن السلاح:
أحدث تقدم الجيش العراقي في العمق الإيراني قلقاً كبيراً لدى القيادة الإيرانية التي بدأت تعد العدة لتعبئة الجيش بكل ما تستطيع من الأسلحة والمعدات، وقامت عناصر من الحكومة الإيرانية بالبحث عن مصادر للسلاح، حيث كان السلاح الإيراني كله أمريكياً، وكانت الولايات المتحدة قد أوقفت توريد الأسلحة إلى إيران منذُ الإطاحة بالشاه، وقيام الحرس الثوري الإيراني باحتلال السفارة الأمريكية واحتجاز أعضائها كرهائن، وتمكنت تلك العناصرعن طريق بعض الوسطاء من تجار الأسلحة من الاتصال بإسرائيل عن طريق أثنين من مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك وهما[أودولف سكويمر]و[يلكوف نامرودي]،بالاشتراك مع تاجر الأسلحة السعودي[عدنان خاشقجي]الذي قام بدور الوسيط؟
وجدت إسرائيل ضالتها في تقديم الأسلحة إلى إيران حيث كانت تعتبر العراق يشكل خطراً عليها، وإن إضعافه وإنهاك جيشه في حربه مع إيران يحقق أهداف إسرائيل، ولم يكن تصرفها ذاك يجري بمعزل عن مباركة الولايات المتحدة ورضاها واستراتيجيتها، إن لم تكن هي المرتبة لتلك الصفقات بعد أن وجدت الولايات المتحدة أن الوضع العسكري في جبهات القتال قد أصبح لصالح العراق، ورغبة منها في إطالة أمد الحرب أطول مدة ممكنة فقد أصبح من الضروري إمداد إيران بالسلاح لمقاومة التوغل العراقي في عمق الأراضي الإيرانية، وخلق نوع من توازن القوى بين الطرفين.
وفي آذار من عام 1981 أسقطت قوات الدفاع الجوي السوفيتية طائرة نقل دخلت المجال الجوي السوفيتي قرب الحدود التركية، وتبين بعد سقوطها أنها كانت تحمل أسلحة ومعدات إسرائيلية إلى إيران، وعلى الأثر تم عزل وزير الدفاع الإيراني [عمر فاخوري] بعد أن شاع خبر الأسلحة الإسرائيلية في أرجاء العالم.
إلا أن ذلك الإجراء لم يكن سوى تغطية للفضيحة، وظهر أن وراء تلك الحرب مصالح دولية كبرى تريد إدامة الحرب وإذكاء لهيبها، وبالفعل تكشفت بعد ذلك في عام 1986 فضيحة أخرى هي ما سمي [إيران ـ كونترا]على عهد الرئيس الأمريكي [ رونالد ريكان] الذي أضطر إلى تشكيل لجنة تحقيقية برئاسة السناتور [جون تاور] وعضوية السناتور [ ادموند موسكي ] ومستشار للأمن القومي [برنت سكوكروفت] وذلك في 26 شباط 19987، وقد تبين من ذلك التحقيق أن مجلس الأمن القومي الأمريكي كان قد عقد اجتماعاً عام 1983 برئاسة ريكان نفسه لبحث السياسة الأمريكية تجاه إيران، وموضوع الحرب العراقية الإيرانية، وقد وجد مجلس الأمن القومي الأمريكي أن استمرار لهيب الحرب يتطلب تزويد إيران بالسلاح وقطع الغيار والمعدات من قبل الولايات المتحدة وشركائها، وبشكل خاص إسرائيل التي كانت لها مصالح واسعة مع حكومة الشاه لسنوات طويلة، وأن تقديم السلاح لإيران يحقق هدفين للسياسة الإسرائيلية الإستراتيجية:
الهدف الأول: يتمثل في استنزاف القدرات العسكرية العراقية التي تعتبرها إسرائيل خطر عليها.
الهدف الثاني: هو تنشيط سوق السلاح الإسرائيلي.
لقد قام الكولونيل [ أولفر نورث ] مساعد مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي بترتيب التعاون العسكري الإسرائيلي الإيراني من وراء ظهر الكونجرس الذي كان قد أصدر قراراً يمنع بيع الأسلحة إلى إيران، وجرى ترتيب ذلك عن طريق شراء الأسلحة إلى متمردي الكونترا في نيكاراغوا حيث كان هناك قرارا بتزويد ثورة الردة في تلك البلاد، وجرى شراء الأسلحة من إسرائيل، وسجلت أثمانها بأعلى من الثمن الحقيقي لكي يذهب فرق السعر ثمناً للأسلحة المرسلة إلى إيران بالإضافة إلى ما تدفعه إيران من أموال لهذا الغرض.
وقد أشار تقرير اللجنة الرئاسية كذلك، إلى أن اجتماعاً كان قد جرى عقده بين الرئيس[ريكان] ومستشاره للأمن القومي [مكفرن] عندما كان ريكان راقداً في المستشفى لإجراء عملية جراحية لإزالة ورم سرطاني في أمعائه، وقد طلب مستشاره الموافقة على فتح خط اتصال مع إيران حيث أجابه الرئيس ريكان على الفور: [أذهب وافتحه].
وبدأ الاتصال المباشر مع إيران حيث سافر [أولفر نورث] بنفسه إلى إيران في زيارة سرية لم يعلن عنها، وبدأت الأسلحة الأمريكية تنهال على إيران، لا حباً بإيران ونظامها الإسلامي المتخلف، وإنما لجعل تلك الحرب المجرمة تستمر أطول مدة ممكنة.
ولم يقتصر تدفق الأسلحة لإيران، على إسرائيل والولايات المتحدة فقط، وإنما تعدتها إلى جهات أخرى عديدة، ولعب تجار الأسلحة الدوليون دوراً كبيراً في هذا الاتجاه.
إسرائيل تضرب المفاعل النووي العراقي
انتهزت إسرائيل فرصة قيام الحرب العراقية الإيرانية لتقوم بضرب المفاعل الذري العراقي عام 1981، فقد كانت إسرائيل تراقب عن كثب سعي نظام صدام لبناء برنامجه النووي حيث قامت فرنسا بتزويد العراق بمفاعل ذري تم إنشاءه في الزعفرانية إحدى ضواحي بغداد، وكانت إسرائيل عبر جواسيسها تتتبّع التقدم العراقي في هذا المجال باستمرار.
وعندما قامت الحرب العراقية الإيرانية وجدت إسرائيل الفرصة الذهبية لمهاجمة المفاعل، مستغلة قيام الطائرات الإيرانية شن غاراتها الجوية على بغداد، وانغمار العراق في تلك الحرب مما يجعل من العسير عليه فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل آنذاك.
وهكذا هاجم سرب من الطائرات الإسرائيلية يتألف من 18 طائرة المفاعل النووي العراقي في كانون الثاني 1981، وضربه بالقنابل الضخمة، وقيل حينذاك أن عدد من الخبراء الفرنسيين العاملين في المفاعل قد قدموا معلومات واسعة ودقيقة عن المفاعل مما سهل للإسرائيليين إحكام ضربتهم له، وهكذا تم تدمير المفاعل، إلا أن العراق استطاع إنقاذ ما مقداره [12,3 كغم] من اليورانيوم المخصب بنسبة 93% وهي كمية كافية لصنع قنبلة نووية.
لم يستطع حكام العراق القيام بأي رد فعل تجاه الضربة الإسرائيلية بعد أن غرقوا في خضم تلك الحرب المجنونة، واكتفوا بالتوعد بالانتقام من إسرائيل، ولم يدر في خلدهم أن تلك الحرب سوف تطول لمدة ثمان سنوات، ويُغرق الجلاد صدام الشعب العراقي بالدماء، ويعم بالبلاد الخراب والدمار، وينهار اقتصاد العراق.
للبحث تتمة