Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من عمانوئيل الثانـي الى عمانوئيل الثالث وخطوات الى الوراء

قبل ان اشرع في كتابة موضوعتي هذه ترددت كثيرا في طرحها بالصيغة التي امام القاريّ العزيز لاعتبارات عديدة اهمها حرصي الشديد على اظهار كامل تقديري واحترامي لمدبري الكنيسة الكاثوليكية التي يشرفني ان اكون احد ابناءها رغم إصراري على عدم تبني الخط القومي الذي صار بعض مدبيرها يستقتل من اجل التشبث بهذا الخط الذي لا امت اليه بصلة قريبة او بعيدة كما اؤمن انا،وايماني هذا ليس ناتجا عن نزعة انفعالية تبنيتها لهذا السبب او ذاك انما هو مستند الى ما ورد في الكتاب المقدس وكتابات اباء الكنيسة الاوائل ومنطق العلم والعقل الذي يحاول بعض الطارئين على الكنيسة ان يلغوه لاجل تحقيق طموحات شخصية،اولئك الذين صاروا يلبسون الازياء المناسبة للموسم السياسي، ممن وصل بهم الصلف الى حد تسمية من تخلو سيرتهم من اي موقف وطني مشرف بالمناضلين،اولئك المناضلون الذين كان للاحزاب التي يتزعموها قصب السبق في تسجيل المواقف الخيانية بحق حلفائهم الاقربين حين كانت تبتسم لهم الايام، اولئك الذين ما زالت الدماء المسيحية التي اراقها ابائهم واجدادهم ندية تستصرخ الضمير الانساني لغزارتها
بعد ان حطت الحرب العالمية الثانية اوزارها قسمت ممتلكات الامبراطورية الطورانية على المنتصرين،وكان ان جعلت الولايات بغداد والموصل والبصرة من نصيب بريطانيا تحت اسم العراق بموجب اتفاقيات سايكس-بيكو المشؤومة وجاءت بريطانيا هذه بأحد اولاد الشريف حسين وجعلته ملكا على العراق متنصلة من الالتزام بمبدأ تقرير الشعوب لمصيرها،ووفقا لاتفاقيات سيفر طالبت الحكومة الطورانية الجديدة بضم ولاية الموصل الى الارض التركية،وبعد الاخذ والرد آلت الامور الى استفتاء اهل ولاية الموصل الذين فضلوا الانضمام الى المملكة العراقية
.كما هو معروف ان عدد المسيحيين في ولاية الموصل التي كانت تضم يومذاك اغلب مدن شمال العراق الحالي لعب دورا كبيرا في هذه المعادلة في ذلك اليوم الحرج جدا،اما الاسباب التي دفعت بأولئك الى إعطاء اصواتهم للمملكة العراقية فتكاد تنحصر في ثلاث اسباب رئيسية،اولا، نكاية بالاتراك الذين فتكوا بما ينيف على المليوني مسيحي ليس لسبب سوى ان المسيحي يؤمن بالله وكلمته وروحه،اما السبب الثاني فكان ناتج عن طاعة المسيحيين وخاصة الكاثوليك الممثلين بالبطريرك عمانوئيل الثاني توما لاوامر رؤسائهم الدينيين،وقد كوفأ السيد البطريرك على موقفه هذا بأن جعل عضوا في مجلس الاعيان الذي كان يومها لا يضم سوى صفوة المجتمع العراقي التي وضعت يدها بيد الملك الغريب عن التراب العراقي والمحتل البريطاني،اما السبب الثالث وربما الاهم هو كون ارض ما بين النهرين كانت دائما الموطن الاصلي لاجدادهم
حين ايقن الخيرون من ابناء هذا الشعب ان دماء مئات الاف من المسيحيين ذهبت هدرا وان ما كانون يطمحون اليه بات وكأنه تحول الى حلم من المستحيل تحقيقه بعد ان كانت كل اسباب تحقيقه باليد،لجأوا الى محاولة المطالبة بحقوقهم القومية بالقوة،فشكلوا طلائع حرب تحرير شعبية حققت نجاحات كبيرة ازعجت السلطة وقدمت للمحتل ذريعة لاطالة امد بقائه بدعوى عدم قدرة النظام الحاكم على مسك العراق كما ينبغي،فقمعت إنتفاضة البطل آغا بطرس بوحشية فاقت وحشية الطورانيين والفرس والاكراد خلال ايام الحرب العالمية التي ما زلنا ننتظر إدانتها من المجتمع العالمي بأسره
وهنا يحضرني سؤال ساذج جدا:ماذا كان ثمن ولاء البطريرك عمانوئيل الثاني توما للملك حين قدم له اصوات المسيحيين العراقيين على طبق من ذهب؟
حين نطالع سيرة الرجل لا نجد فيها ما يلفت النظر مطلقا،لا بل ان موقفه في قضية سميل يجبرنا ان نضع علامة استفهام كبيرة امام اسمه كما يفرض علينا ان نعيد الكثير من الحسابات التي يحاول بعض المطبلين في مهرجان الخسة ان يفرضوها على البسطاء بأسلوب خسيس،ان قائد الثوار الاشوريين لم يكن نسطوريا كما يتوهم الكثير من المؤمنين انما كاثوليكيا قحا (وليس على طريقة الذين افلسوا في مدرسة الالحاد فتقنعوا بقناع الكاثوليكية الكلدانية او اولئك الذين مل منهم اللون الزيتوني الذي كان يرمز الى الفاسدين والمجرمين وحين صارت لعنة المجتمع تلاحقهم اينما حلوا بعد هزائم اسيادهم المنكرة على كل الجبهات وأرادوا ان يستروا عوراتهم بالهروب من العراق واللجوء الى الدول التي تعاطفت معهم نتيجة الاكاذيب التي رووها ومواقف الخذلان التي وقفوها، نزعوا البدلة الزيتونية ولبسوا البدلة التي تعبر عن حقيقة ضمائرهم المشحونة بكره كل ما يمت الى خير الانسانية بصلة وصاروا يعملون ابواقا للايجار لكل من يدفع اكثر
،وقائد الثوار هذا لم يطلب منه اي دعم مادي سواء بالرجال او العدة والعتاد وكل الذي طلبه منه هو ان يقف على الحياد ويبارك ثورته
هل خشى مار يوسف عمانوئيل الثاني على بقية المسيحيين من غضب المسلمين في بقية انحاء العراق؟ام خشى نجاح ثورة آغا بطرس البطل القومي الاشوري ويسجل هذا النجاح لحساب الكنيسة النسطورية؟ام خشى في حالة تعاطفه مع الثوار ان يحرم عضوية مجلس الاعيان الذي دخله عام 1925 بأيعاز من المحتل البريطاني تثمينا للخدمات المجانية التي قدمها للملك الهاشمي؟هل ساور البطريرك توما قلق عودة الكاثوليك الى احضان الكنيسة النسطورية في حال انتصار ثورة آغا بطرس ذات السمة القومية الاشورية؟هل كان لروما اصبعا في الاحداث يا ترى؟ انها اسئلة كثيرة تحتاج البحث البحث الجدي
يقال ان مار يوسف عمانوئيل الثاني توما اصر على عدم مباركة الشباب الذين تطوعوا في القطعات العسكرية التي شكلها المحتل البريطاني والتي اطلق عليها حينها <الليفي>ولذلك كان عدد اتباع الكنيسة الكاثوليكية في هذه القوات محدودا مقارنة بالنساطرة،وحين تتبعت هذه القضية تبين لي ان محدودية العدد او كثرته لم يكن لاي من الكنيستين دخل فيه،وقد حدثني عام 1969 السيد انطوان مرقس والد زميلي موفق في كلية العلوم وهو من اهالي زاخو:انه وصل رتبة ملازم في هذه القوات،وكان تطوعه على يد مطران زاخو الذي كفله شخصيا
بعد سقوط النظام الحاكم في بغداد 2003 وتشكيل بول بريمر لما سميَ بمجلس الحكم السيْ السمعة حاول البطريرك عمانوئيل الثاني دلي ان يكون عضوا في هذا المجلس كممثل للمسيحيين كما اقر بريمر في كتابه عامي في العراق،وهذا يعني ان السيد البطريرك لم يكن له موقف مضاد لاحتلال العراق بحسب ما صار يصرح بعد فشل مسعاه في الحصول على الكرسي في مجلس الحكم،اما قبل بدء العدوان على العراق كوطن وشعب فأن الجميع وبضمنهم رجال الدين الشيعة قد عبروا عن رفضهم للعدوان لاسباب اعتقد انه حتى الاحمق يعرفها،وحين وقع الفأس في الرأس كما تقول الحكمة الشعبية ازداد حجم الاذى اللاحق بالمسيحيين وصارت تصريحات السيد البطريرك تعبر عن التصاقه بالعراق اكثر واكثر،ولكي تعزز روما من موقف السيد البطريرك قررت ان تمنحه رتبة الكردينال لاسباب ليس هنا مجال بحثها،ولو تتبعنا سيرة الرجل منذ رسامته الكهنوتية الاولى وحتى هذا اليوم لا نجد فيها ما يميزه عن اي بطريرك عراقي،لا بعلمه ولا بسلوكياته،لا بل انه قد بدرت عنه بوادر ادت الى ابتعاد المؤمنين عن بعضهم في الوقت الذي كانت كل العلامات فيه تشير الى تقاربهم سواء ايمانيا او قوميا،لقد لعب سيادته وما زال يلعب دور اللاعب المتميز في ساحة لا تليق بأمثاله ممن جعلوا على رأس كنيسة كان عدد اتباعها الى وقت قريب يناهز الثلاثة ملايين(اعني كنيسة العراق والهند التي ابتلعتها روما اللاتينية دون وجه حق)ففي اليوم الذي يدعي سيادته بعدم التدخل في الشأن السياسي نجده في اليوم التالي وقد شمر عن ساعديه وولج معمعان الساحة السياسية عن طريق تشجيعه لطروحات مشبوهة لاتخدم سوى اصحاب المطامح الشخصية الذين يعملون باجر مدفوع سلفا،ويوم ينادي بضرورة وحدة صف المسيحيين ونصفق له حتى تكل اكفنا تصيبنا الخيبة في اليوم التالي حين نسمعه يستخدم الفاظا غير لائقة ادبيا بحق مجموعات دينية قدرت ان تعمل ما عجز هو وكهنته واساقفته ان يفعلوها،كما يسعدني هنا ان اذكر سيادته بأن الكنيسة التي وصفها بمجرد اصحاب دكاكين كان لها الدور الكبير والفعال في تسنم جورج بوش سدة الرئاسة الامريكية،وطبعة الكتاب المقدس المتداولة اليوم بين المؤمنين هي طبعة مشتركة بين الكنيسة الكاثوليكية وهذه الكنيسة التي يحرص سيادته على تشويه سمعتها حيثما حانت له الفرصة
لو طالعنا قائمة اسماء الكهنة الكلدان ومواقع خدمتهم الرعوية سوف ننذهل من حقيقة ان كل الكهنة التلاكفة يقدمون خدماتهم الرعوية خارج حدود العراق وكذلك هو الحال مع الاساقفة،حيث حرص سيادته كما يبدوا على ان لايبقي كاهن تلكيفي واحد في العراق
وكان من سلوكيات السيد الكاردينال غير المنطقية هو مطالبته لقوات المحتل بأخلاء سبيل رجل خدم اكبر مجرم في التاريخ الانساني لثلاثة عقود ونصف من الزمن،لا بل انه كان غالبا الوجه الانصع لدكتاتور العراق في المحافل والمنابر الدولية بدعوى عدم وجود ما يثبت تورطه في جريمة،وكأن تشرد الملايين من العراقيين نتيجة السياسات المجرمة التي اتبعها صدام حسين بناء على نصائح طارق عزيز وغيره ليست جريمة بنظر سيادته،وانا هنا فعلا لا الومه،لانه لم يبقى له في العراق ومنذ امد طويل جدا اي قريب او نسيب،الا ان المسألة المثيرة لحيرة انسان بسيط مثلي تقول:ان السيد الكردينال يصر على تمسكه بالكلدانية كهوية دينية وقومية في حين ان طارق عزيز لم يشرفه ان يحسب على هذه القومية يوما والدليل على ذلك كونه احد اقطاب حزب عربي يحقق طموحاته من خلال الرسالة المحمدية(امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)وان كان سيادته لا يعرف تفسيرا لهذا الشعار فما عليه سوى بنزار ملاخا الذي كان قد حفظ ادبيات هذا الحزب عن ظهر قلب،او عليه بأبلحد أفرام الذي ارتد عن القومية الكردية الى الكلدانية او ربما حبيب تومي فهو لابد اكثر اطلاعا من الجميع كونه ناضل لعهود مع الفصائل التي ترفض الفكر القومي وهو يتبنى اليوم الفكر الكلدوكردي فهؤلاء جميعا اصحاب خبرة
الذي اعتقده جازما،ان السيد الكردينال صعب عليه وهو في هذا المركز الديني المرموق جدا ان لا يمد يد المساعدة لرجل صارت تقول عنه وسائل الاعلام ان مسقط رأسه او رأس والده هو تلكيف وهو ينتمي الى الطائفة الكلدانية،واعتقادي الجازم هذا نابع من مواقف كان بأمكان سيادته التدخل فيها وانقاذ ابرياء من الموت الا ان اولئك الابرياء لم يكونوا تلاكفة ليستحقوا عطف سيادته
كان حسن ختام ممارسة السيد الكردينال بصفته على رأس مدبري الكنيسة الكاثوليكية هو الاعلان الذي طلع علينا به سيادة المطران شليمون وردوني(سوف اتعرض هنا الى فقرة واحدة فقط)والذي يقول بعدم موافقة ممثلي الكنائس على مطالبة المسيحيين العراقيين بأي كيان سياسي في منطقة سهل نينوى دون ان يذكر البيان الاسباب الداعية الى إتخاذ القرار الذي تبين كما اثبتت الاحداث انه قرار كلداني صرف،والدليل على ما اقول هو تصريحات البطريرك مار ادي الثاني والمطران كيوركيس صليوا التي اكدت على عدم الخلط بين المسألة الدينية والقومية
عاملونا كما يحلوا لكم يا رؤساء كنائسنا الاجلاء،فنحن وحق السماء مطيعون،ولكن فقط اسمحوا لنا يرحمكم الله ان نعرف ثمن تضحياتنا في ميزان الاحداث الدائرة في العراق المثخن بالجراح،لا نطالب بمنطقة ادارية او حكم ذاتي،ليكن امركم مطاع ونفوسكم مرتاحة وعيونكم قريرة،ولكن فقط قولوا لنا مقابل ماذا؟ما الذي سنجنيه من التنازل عن حقوقنا التي كفلتها لنا شرائع السماء والارض؟هل سنجني بعد سنوات ما سيتكب عن الكردينال دلي في كتب التاريخ بأنه اجبر المسيحيين على التنازل عن حقوقهم حرصا منه على وحدة الوطن؟والله لو يقال ذلك بنزاهة حقيقية فإني شخصيا اوقع غدا صكا اقر بموجبه تخويل سيادته التصرف بحقوقي الوطنية كاملة شريطة ان يضمنها له الاخرون غير منقوصة،وكذلك يفعل كل مواطن يتشرف بالانتماء الى هذا الوطن
يا سيدي الكردينال انا موقن اني اثخنت الكلام ولكني ايضا موقن من صدق قولي والتزام عبارتي بحسن الادب،يا سيدي الكردينال عندي اب يبلغ السادسة والثمانين من العمر وكل الذي اشتهيه من سنوات طوال عجاف هو ان اقف امامه لاتبين لون عينيه فقط قبل ان اوارى انا او هو التراب،وكان من الممكن ان احقق هذه الامنية ايام النظام السابق عن طريق كتابة مقالة بسيطة اشيد بها بصدام حسين اما اليوم فقد فرض عليَ في حالة تحقيقي لهذه الرغبة ان ابيع نفسي لقاتل اهلي
وهذه البيعة يا سيدي الكردينال لا يرتضيها لي هذا الشيخ الجليل،لذلك يا سيدي الكردينال بات من منطق الحكمة ان يكون لتضحياتنا ثمن يوازي قيمتها المادية والمعنوية،لاننا وكما نلوم اجدادنا اليوم لعدم وقوفهم امام الظالم موقف الند للند هكذا ستلومنا الاجيال القادمة حين يعرفوا اننا اهدرنا فرصة يمكن من خلال استغلالها بمحبة ان نحقق وحدتنا الدينية والقومية وعند ذاك نستحق ان تتفاخر تلك الاجيال بنواصي وشواخص قبورنا وقصص محبة بعضنا للبعض
اللهم اشهد اني قلت ما قلت غيرة على وحدة كنيستك التي علمتني ان اغير على وحدة تراب وطني

(للمقالة صلة)

ياقو بلو
yakoballo@yahoo.co.uk Opinions