Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من قلة الخيل

بقلم / رئيس التحريـــــر
مثل عربي شائع .. يطلق على حالة شاذة في المجتمع حين يكلف شخص ما بعمل ليس من اختصاصه ، وذلك بسبب عدم وجود شخص اخر مختص بذلك العمل .. وحين تسأل صاحب العمل يقول لك .. من قلة الخيل .. الخ .. وهذا المثل يعود بذاكرتي الى منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي . حيث حدثني احد الاصدقاء قائلا:
كنت اعمل باحدى الصحف ليلا واكمل دراستي الجامعية نهارا، حيث كان لي صديق قديم ( والحديث لصاحبي ) ، كانت عرى صداقتنا متينة جدا ، وكنت اعتقد حينها بان تلك العرى لا يمكن لعاتيات الزمن مهما تكالبت عليها ان تفكك منها شيئا ، ولكون صديقي قليل الثقافة ، فقد عاتبني عدة مرات والح علي بطلبات كثيرة كي اعلمه بعض من مقومات مهنة الصحافة ، وفي الحقيقة تأثرت بعباراته الرنانة كثيرا ، فقلت في نفسي ، ربما يستطيع ان يطور نفسه ثقافيا لو ولج مجال الصحافة ، اضافة الى الفائدة المادية التي قد يحصل عليها من خلال عمله لكونه فقير الحال ، وفي الحقيقة ان صاحبي هذا كان لا يستطيع التفريق بين الفاعل ونائب الفاعل او بين الفعل الماضي والمضارع .. ورغم ذلك قدمته الى رئيس تحرير الصحيفة فقرر تعيينه معي في نفس الشعبة عن طيب خاطر وسلم مهمة تعليمه لي شخصيا ، فقمنا انا وزملائي الاخرين بمساعدته ومحاولة تعليمه ولو كتابة خاطرة او خلجة نفسية ، وبعد مرور عدة اشهر فاجأني صديقي العزيز بمقال تجاوز الـ( 200 ) كلمة وباسلوب ركيك جدا وبعبارات غير مترابطة لا يمكن لطالب في السادس الابتدائي ان يكتب مثله .. علما بانه حاصل على شهادة جامعية اولية في احد الاختصاصات .. مما حدى بي الى تصحيح المقال وجعله في قالب صحفي بسيط ومن ثم تم نشره في عدد اليوم التالي ، وحال ظهور الجريدة وما ان قرأ صاحبنا المقال اخذته حمى الفرح فاخذ بالتراقص وحملته الغبطة الى الثناء على الجريدة ورئيس تحريرها والعاملين فيها واعتبرها صحيفة عظيمة لا يمكن ان تجد منافستها في سوق الصحافة .. وبعد فترة وجيزة ، استطاع صاحبنا ان يكتب مقالا اخر .. ولكنه كان اسوأ من سابقه واردأ تعبيرا .. وكالعادة قمت وزملائي بتصيح المقال .. كما قدم معه قصيدة شعرية تمجد حالة كان صاحبنا مؤمنا بها ويدافع بشدة عن تلك الحالة ويعتبرها مبدأه الاساسي والاخلاقي في حينه .. فقمت كذلك بتصحيحها لكوني شاعرا وملما ببعض البحور الشعرية .. ثم تم نشر المقال ، وحدث لصاحبنا ما حدث له حين نشر المقال الاول .. ثم بعدها حصلت له على هوية تخص الصحفيين المحترفين ،، وهنا كانت الكارثة والتحول الكبير في شخصيته بعد حصوله على تلك الهوية .. اذ وفجأة ودون مقدمات ياتي صاحبنا ويقدم استقالته لرئيس التحرير معلنا وعلى الملأ بان هذه الجريدة لا تشرفه وانها غير نزيهة وانها تعمل لجهة ( س ) من الناس وانها كذا وكذا .. علما بانه كان يعلم جيدا بان الجريدة لا تمت لأية جهة باية صلة .. المهم .. اما رئيس التحرير فقد اغتبط من الفرح بسبب تخلص الجريدة من هذا اللص الثقافي .. وبالحقيقة فقد ارتاحت الجريدة وهيئة تحريرها منه ومن ترهاته كليا .. وبعد فترة وجيزة وقعت بيدي صحيفة من الصحف الضحلة ومن التي لا تجد كتابا لها او تشتري بعض من ضمائر الناس بابخس الاثمان ، فاذ بصاحبنا قد نشر وعلى الصفحة الاولى منها مقالا ركيكا بائسا ومليء بالاخطاء اللغوية ودون تصحيح .. والحقيقة تملكني الخوف والدهشة في ان واحد بسبب هذا المقال . اما الخوف فقد كان بسبب ادعائه بمقاله هذا عكس ما كان يدعيه تماما في ما كتبه في صحيفتنا سابقا ,, فالذي كان يعتبره عدوا اصبح صديقا حميما والانسان الشريف اصبح عنده خائن .. كما انني خفت صراحة من ملامة الناس لي لكوني انا من ادخله عالم الصحافة.. اما الدهشة فكانت بسبب نشر المقال على الصفحة الاولى .. والكل يعلم وحتى من كان جاهلا بعلم الصحافة ، ان الصفحة الاولى هي صفحة خاصة لا تنشر الا المقالات المهمة والتي تخص رئيس ومدير وسكرتير التحرير فقط او رأي الجريدة الصريح .. فاخذت الصحيفة وذهبت بها الى مقر تلك الجريدة لأقابل رئيس تحريرها .. وهنا كانت المفاجـة الكبرى ، حيث تبين بان رئيس تحريرها هو من نفس طينة صاحبنا الصحفي المزيف ، اذ قد حصل هو الاخر على هوية الصحفيين عن طريق غير مشروع ( الواسطة ) ايضا .. وهو من نوعية الناس الذين لا تهمهم الا الجيوب المملوءة وسكرتيرات جميلات وان تنشر صورته على الصحيفة في كل عدد .. المهم .. استقبلني الرجل بحرارة بعد ان تعرف علي معتقدا بانني قد تركت صحيفتي وانني قدمت للعمل معه .. وهنا قدمت له الصحيفة وسالته ان كان يعلم بتلك الاخطاء ،، فاجابني .. نعلم وانا وضعتها في الصفحة الاولى .. وهنا اظهرت له اخطائه والاخطاء اللغوية وان الصفحة الاولى هي صفحة خاصة لا تنشر الا المقالات المهمة لأنها واجهة الجريدة كلها ، كما انه لا يمكن ان تنشر مقالة مهما كانت دون تصحيح لغوي .. فقال وبكل صراحة ( يا اخي من اين نأتي بالمصححين .. لا يرغب احد بالعمل في صحيفتنا .. ثم هذا هو الموجود .. كما اننا لا نجد من يكتب في صحيفتنا الا امثال هؤلاء ، ورغم ذلك فاننا نجزل لهم العطاء مقابل الترهات التي يكتبونها رغم علمنا بانهم خانوكم وخانوا صحيفتكم وانهم لن يخلصوا لنا ولا لصحيفتنا ايضا ، اذ لو تسنح لهم الفرصة فسوف يذهبون الى صحيفة ثالثة وهكذا .. بل نعلم جيدا بانهم سيخونوننا يوما ايضا .. .. يا اخي نحن لا نملك الا امثال هؤلاء ونحن مجبرين على نشر ما يكتبون على مضض بسبب توجيه من جهات لا نستطيع ردها لكونها ولي نعمتنا ونعمتهم .. فنحن مجبرون على ذلك ، ومن مبدأ المثل القائل .. من قلة الخيل ).....


Opinions