Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

موسم الطاهرة في الموصل

القراءات الطقسية:
القراءة الأولى: التكوين 11 / 1 _ 32 وكانت الأرض كلها لغة واحدة وكلاماً . .
القراءة الثانية: رومة 8 / 12 _ 27 فنحن إذاً أيها الإخوة علينا حق ولكن . . .

القراءة الثالثة: متى 21 / 23 _ 46 ودخل الهيكل فدنا إليه عظماء الكهنة . . .



كنيسة الطاهرة: تحمل الكنيسة اسم العذراء مريم، وهي معروفة بـ " الطهرة التحتانية "، وهي في الأصل كنيسة الدير الأعلى ، والمعروف بدير باسم مار كورييل الكشكري[1] ومار إبراهيم بر دشنداد،[2] فالكنيسة قديمة جداً. وهذا لا يعني أن البناء الحالي القائم اليوم يعود إلى الجيل السابع أو ما قبله، لكن الكنيسة القائمة حالياً مبنية على أسس وآثار كنيسة الدير القديمة.

ولقد أطنب الجغرافيون العرب في وصف هذا الدير المسمى بالدير الأعلى، لأنه مشيد في أعلى مرتفع مطل على نهر دجلة، في موضع رائع شمالي مدينة الموصل. وكان يضرب به المثل في رقة الهواء وحسن المستشرف وله درجة منقورة في الجبل تفضي إلى دجلة نحو المائة مرقاة، وعليها يستقى الماء من دجلة. ويقال إنه ليس للنصارى دير مثله، لما فيه من أناجيلهم ومتعبداتهم. وفيه قلايات كثيرة.

وقد اجتاز الخليفة المأمون[3] بهذا الدير في خروجه من دمشق، فأقام به أياماً. ووافق نزوله عيد الشعانين. وكان عيد الشعانين من الأعياد التي يحتفل بها بأروع احتفال. وقد جاء وصف ذلك لدى شعراء كثيرين.

وكان الدير مركزاً مرموقاً للنشاطات العلمية والليتورجية. وكان له مدرسة عامرة بالمخطوطات ولا سيما بالمؤلفات الطقسية. وقد أطرى المؤرخون كثيراً ما بلغته المدرسة من التقدم في العلوم. ومن مدرسيها عمانوئيل بر شهاري[4] اللاهوتي الشهير.

وقد تخرج فيها رجال علماء عرفوا بالفضل والأدب. واستمر الدير في نشاطه العلمي الواسع حتى سنة 1261، حيث اندثر على أثر الاضطرابات التي أثارها في البلاد ابن بدر الدين لؤلؤ[5]. ولم يبق من الدير سوى قسم من كنيسة الدير، وقد جددت مرات عديدة في القرون الماضية.[6]

ومن خلال تواريخ الترميم والتجديد تؤكد أن الكنيسة بهيئتها الحالية تعود إلى التجديد الذي تم سنة 1705. علماً أن مساحة الكنيسة من الداخل يبلغ 800 م2.

وجرى ترميم أخر للكنيسة سنة 1872 في عهد البطريرك يوسف أودو.[7]

وجرى ترميم من جديد للكنيسة سنة 1935 في عهد البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني.[8]

وفي سنة 1948 على عهد البطريرك يوسف غنيمة[9] شيد على نفقة أحد المؤمنين شبه مغارة لورد العجائبية ونصب وسطها تمثال العذراء المحبول بها بلا دنس أصلِ.

وفي سنة 1968 جددت الكنيسة على عهد المطران عمانوئيل ددي.[10]

وفي بداية التسعينات من القرن الماضي على عهد المطران كيوركيس كرمو[11] لبست الكنيسة من الخارج بالحجارة، وشيد برج عالٍ وضع في أعلاه ثمتال ضخم للعذراء مريم.

وحتى يومنا هذا يتناقل أهالي الموصل خبر ينسبوه إلى العذراء مريم صاحبة كنيسة الطهرة كيف صدت حملة طهماسب " نادر شاه "[12] وعساكره أبان محاصرتهم الموصل سنة 1743 مدة 42 يوماً وضرب المدينة بالقنابل والتي يقال أنها بلغت سبعين ألف قنبلة، فردتهم على أعقابهم مخذولين، بعد أن قتل منهم 5400 جندي. وعليه أمر والي الموصل الحاج حسين باشا الجليلي[13] بترميم البيعة على نفقته. وقد حضر الوالي حفل افتتاحها. وخلاله ألقى الشاعر حسن عبد الباقي الموصلي قصيدة جاء فيها:

عرج بنا يا أخا الأسرار معتســــــفاً لبيعة ملئت عزاً وتقديســـــــــــــــــــــا

واقصــــــد بنا قاعة للطاهرة بنيت حتى بها نذهب الأتراح والبؤســــا

فيها أناجيل لا تحصــــى فضائلها كم عبدت كل مطران وقسيسـا

وتيمت كم وكم رهبان بـــهجتها وفي الأوائل كم دقوا نواقيســــــــــا

قم واستمع ســحر ألحان نغمتهم تخالهم في ظلام الليل فانوســـــــا

في هيكل الدير قم وانظر تر عجبا من الأشعة كالمصباح مقبوســـــا

ويصف السائح الإنكليزي جيمس بكنغهام[14] الكنيسة بعد زيارته لها في 6 تموز 1816 بالقول: " وقد تهيأت لي فرصة مشاهدة الرسوم الداخلية في كنيسة مريم العذراء الكاثوليكية في الموصل، وهي تعد من أقدم أماكن العبادة لدى المسيحيين والتي ما تزال قائمة حتى الآن. ويقال أنها شيدت على ذات الطراز الذي شيدت به كنيسة مار يعقوب النصيبيني في نصيبين. وأطواق الممشى فيها من الطراز العربي الاعتيادي المدبب. والأقواس المفرطحة المقرنصة التي رأيناها في مسجد إبراهيم الخليل في الرها تشاهد في هذه الكنيسة أيضاً، وفيها زخارف عربية بشكل ظاهر نقشت الكتابات المحيطة بها بالخط الكلداني. ويمكن القول بأن هذه الكنيسة من أقدم الأبنية في هذا الجزء من البلاد ".

وقد جرى العديد من المناسبات في هذه الكنيسة العريقة نذكر منها حفل تقليد درع الباليوم للبطريرك يوسف السادس أودو وذلك في 15 أيار 1849، حيث اشترك فيها سكان الموصل من مسيحيين ومسلمين على اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم.

ويقصد كنيسة الطهرة سنوياً آلاف الناس من كل حدب وصوب، ومن جميع الأعمار والأجناس والملل والأديان للتبرك والتماس النعم الإلهية بشفاعة العذراء الطاهرة مريم، حتى أنه يستطاع اعتبارها المزار المريمي الأول ليس في الموصل فحسب، بل وفي العراق كله.[15]

وتحتفل كنيسة المشرق بموسم الطاهرة في الأحد الرابع من سابوع الصوم.





--------------------------------------------------------------------------------


1_ كورييل الكشكري: هو غير كورييل الكشكري المذكور في كتاب " العفة " لإيشوعدناح مطران البصرة، والذي أسس ثلاثة أديار: الأول بجوار ماحوزا أريون. والثاني بقرب دور اقوني. والثالث ببلد باروشمي. وكورييل هذا هو شخص مجهول الهوية،ولعله شهيد عاش ما بين الجيل الرابع والسادس.

2_ إبراهيم بر دشنداد: أصله من قرية بيث صيادي القريبة من أربيل. أخذته أمه إلى باباي الجبيلتي في مدرسة كفر عوزيل ليصلي عليه لأنه كان أعرج وضعيف البنية. فوضع يده عليه وقال: " إن هذا ليس نصف إنسان، بل سيصبح أبا الآباء ورئيس الملافنة، وينتشر اسمه وعلمه في المشرق كله ". وقد تحققت أقوال باباي، فما عتم أن أصبح إبراهيم أستاذاً في مدرسة باشوش. ثم توجه إلى الدير الأعلى وعلم هناك، وفيه مات ودفن. وضع جدالات ضد اليهود وكتاباً في طريق الملك، ومقالات في التوبة. أدب اللغة الآرامية الأب ألبير أبونا ص 285 _ 286.

3_ الخليفة المأمون ( 786 _ 833 ): هو عبد الله بن هارون الرشيد, أمه جارية فارسية. وهو الخليفة العباسي السابع. عهد إليه أبوه بالقسم الشرقي من الإمبراطورية. احتل بغداد وقتل الأمين. قضى على الخوارج في خراسان. حارب الإمبراطور البيزنطي تيئوفيل وأجبره على قبول الصلح سنة 820. عني بالثقافة والآداب والفلسفة والعلوم فأنشأ " بيت الحكمة ". ازدهرت في عهده حركة النقل والترجمة. توفي بالقرب من طرسوس. المنجد في الأعلام ص 624.

4_ عمانوئيل بر شهاري: ولد في النصف الأول من القرن العاشر. علم في مدرسة مار كبرئيل الملحقة بالدير الأعلى بالموصل. وضع كتاب الأيام الستة هكساميرون شعراً، ويتألف هذا الكتاب من 28 مقالة. وله تعاليم وتفاسير عديدة. أدب اللغة الآرامية الأب ألبير أبونا ص 282 _ 283.

5_ بدر الدين لؤلؤ ( 1180 _ 1259 ): عتيق نور الدين زنكي. تسلم إدارة الدولة بعد وفاته سنة 1211، ثم الوصاية بعد موت الملك القاهر وانتقال الحكم إلى نور الدين ارسلان شاه ابنه القاصر سنة 1218. أتابك الموصل بين سنتي 1222 _ 1259. حارب الصالح نجم الدين الأيوبي والناصر يوسف صاحب حلب. المنجد في الأعلام ص 614.

6_ ديارات العراق الأب ألبير أبونا ص 173 _ 176.

7_ البطريرك يوسف السادس أودو: ولد في ألقوش سنة 1793. دخل الرهبنة الهرمزدية الأنطونية سنة 1812. رسم كاهناً في آمد سنة 1822. رسم مطراناً على الموصل سنة 1825. نقل إلى كرسي العمادية سنة 1827. انتخب بطريركاً سنة 1847. توفي سنة 1878 ودفن في دير السيدة قرب ألقوش. يعتبر من أشهر بطاركة كنيسة المشرق بعد الإتحاد.

8_ البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني: ولد في ألقوش سنة 1852، وضعه البطريرك يوسف السادس أودو في مدرسة اليسوعيين في غزير لبنان وهو بطريقه إلى روما. رسم كاهناً سنة 1879. رسم مطراناً على أبرشية سعرت 1892. عمل الكثير في هذه الأبرشية رغم كثرة الصعوبات، فشيد كنائس ومدارس عديدة في مراكز الأبرشية المترامية الأطراف. انتخب بطريركاً سنة 1900. توفي سنة 1947 ودفن في كنيسة مسكنتا بالموصل.

9_ البطريرك يوسف غنيمة: ولد في الموصل سنة 1881. درس في معهد مار يوحنا الحبيب بالموصل. رسم كاهناً سنة 1904. عين مديراً للمعهد البطريركي. سنة 1918 عين وكيلاً عاماً على أبرشية الموصل. رسم أسقفاً سنة 1925، واتخذه البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني معاوناً عاماً. رسم بطريركاً سنة 1947 في دير السيدة في ألقوش. نقل الكرسي البطريركي من الموصل إلى بغداد. توفي سنة 1958 ودفن في كنيسة مار يوسف في بغداد.

10_ عمانوئيل ددي: ولد في الموصل سنة 1894. درس في مدرسة الآباء الدومنيكان. سنة 1912 دخل المعهد البطريركي. رسم كاهناً سنة 1919. عين مدرساً في مدرسة شمعون الصفا، وبعد خدمة استمرت 34 سنة تقاعد عن التدريس. سنة 1954 عين راعياً لكنيسة أم المعونة بالموصل. رسم مطراناً على الموصل سنة 1961. توفي سنة 1980 ودفن في كاتدرائية الشهيدة مسكنتا.

11_ المطران كيوركيس كرمو: ولد في تلكيف سنة 1921. دخل معهد شمعون الصفا الكهنوتي بالموصل. سنة 1938 أرسل إلى روما للدراسة، وحصل على دكتوراة باللاهوت، والليسانس بالفلسفة. رسم كاهناً سنة 1945. علم في المعهد البطريركي، ثم ترأسه سنة 1949. نقل للخدمة في ديترويت سنة 1960. انتخب مطراناً للموصل سنة 1980. توفي في أمريكا سنة 1999.

12_ طهماسب: حاكم بلاد العجم ويعرف أيضاً بـ كولي خان أو نادر شاه. شن سنة 1743 حملة عشواء على المنطقة، فبعد أن دمر قرى الموصل حاصر المدينة بجيشه البالغ 300000 جندي. لكن حاكم الموصل الحاج حسين باشا الجليلي جهز الأهالي بالسلاح والمؤن، فقاوموا ببسالة قواته الغازية، حتى تقهقرت ورجعت على أعقابها.

13_ أسرة عبد الجليل: عميد الأسرة هو عبد الجليل بن عبد الملك، كان يمارس التجارة بين ديار بكر والموصل. استقر نهائياً في الموصل وتوفي فيها سنة 1681. ومن هذه الأسرة حكم الموصل 33 حاكماً عرفوا بآل الجليلي، واستمر حكمهم قرناً ونيف وذلك من سنة 1721 وحتى سنة 1834. وقد اشتهر رجالها بالنجابة والشجاعة والهمة العالية والعدل بين الناس. وشيدوا في الموصل العديد من الكنائس والجوامع والمدارس.

14_ جيمس سيلك بكنغهام: سائح إنكليزي مر في العراق سنة 1816 وهو في طريقه إلى إيران والهند، وانتهز الفرصة للتجوال فوق مواقع المدن القديمة، ولم تطل إقامته. تاريخ الموصل الأب ( المطران ) سليمان صائغ ج 3 ص 15.

15 _ الدير الأعلى وكنيسة الطاهرة كتيب للأب الدكتور يوسف حبي.

Opinions