نحن نطرد ولا نهاجر
من حقنا أن نعتبر ما يحدث اليوم من تشتيت لوجودنا في العراق وتوجه أعداد هائلة للخروج منه أو حتى أعادة توزيعـنا في مناطق تواجدنا في الداخل عملية طرد أجبارية ولا تحسب ضمن خانة الهجرة أو النزوح الجماعي . فمعاناتنا لم تأتي صدفة ولكنها جاءت بشكل ربما منظم وتدريجي وشملت جميع المستويات الرسمية (( الدولة والدستور )) وغير الرسمية (( الميليشيات والعصابات والحركات الدينية الأسلامية المتطرفة )) فقد يكون بين مكونات هذه المستويات أختلافات هائلة وعميقة ولكنها على الأغلب ألتقت جميعها في نقاط شكلت أنتكاسة لقضية وجودنا ولمصيرنا ومستقبلنا كشعوب غير عربية ولا إسلامية في منطقة يعتبرها الكثير من المتطرفون حكرا على كل ما سبق ذكره . فالدستور كان قاسيا معنا إلى حد بعيد ولم يحاول واضعي أسسه على الأقل أبتكار نقطة صغيرة تمكننا من التفكير بجدية في البقاء والتحضير لأشراقة المستقبل . لقد بدأوا كل شيء بالأسلام وختموه بما لا يتعارض مع الأسلام ومع أحترامنا الأزلي والقديم لكل الديانات . نحن لسنا مسلمين . ويحق لنا أن نتصرف كما نشاء كما يتصرف المسلم (( المهاجر )) بكل حرية في دول تهضم ثورة غضبه وتسعى إلى توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الحرة الكريمة التي أفتقدها في بلده الأم فكم بالأحرى يحق لنا ونحن مواطنون أصلاء ولم يمن علينا أحدهم بجنسية عراقية ولا بملكية أرض ولا حتى بأسلوب في الحياة . لماذا فقط هنا في عالمنا العربي والأسلامي لا يمكن أثبات الذات ألا بألغاء الأخرين ؟ ومن يخالف هذه النظرية فليشرح لنا من ذلك الغبي الذي يترك تاريخه وجزء أساسي من حياته ومن مبررات وجوده ويضرب بعرض الحائط عاداته وتقاليده ويضحي بأسباب ألفته الأجتماعية إذا لم تكن خلف تلك التضحية والتوجه المدمر أسباب مقنعة . أسباب قد تكون أقتصادية أو أجتماعية أو سياسية أو أمنية وكل ما سبق ذكره من أسباب يمكن أن تزول مبرراتها في يوم من الأيام ولكن تلك التي أقلقت أبناء جلدتي هي أسباب مصيرية وجودية عليها يتوقف نوع الجواب . الرحيل أم البقاء . فنحن دائما عشنا في قلق دائم وخوف من الأخر فهو الأقوى ونحن دائما من يجب عليه أن يخضع ويستسلم . نحن أول المتهمين إذا حصلت خيانة في الحروب ونحن من يحق عليهم دفع الجزية إذا حكم بشرع الأسلام الصحيح نحن مجرد ضعـفاء ، كنا بالأمس نحتاج إلى تغيير القومية وتحويلها إلى العربية إذا أردنا أن نتعين في أية وظيفة حكومية واليوم كسرنا وهزمنا لأننا فكرنا لوهلة بأننا نستطيع أن نحقق ذواتنا بذاتنا بأحزابنا المستقلة وأعلامنا الحر لا بل قد أثبت لنا أقرب أصدقاءنا بأن لا حياة للأقليات ألا في الظل . وراء كواليس القوميات الكبيرة والأحزاب الظخمة ، كردية كانت أو عربية . فكيف ولماذا علينا أن نبقى ؟ مجرد سؤال واقعي لا يمكن أن نهرب منه يجب أن يطرحه الجميع سواء في الداخل أو أولئك الجالسون في سدني المشمسة أو تورنتو الضبابية . لا يمكن لأي شخص ان يضمن لنفسه حياة حرة وكريمة تكفلها له دساتير وحكومات أوربية وأمريكية ثم يوجه لأبناء جلدته رسائل مباشرة أو غير مباشرة يحضهم فيها على البقاء على مقاومة هذه الظروف القاسية حيث المستحيل بكل مسمياته ذلك الذي يعيشه العراقيون اليوموكأن المسيحيون في العراق اليوم هم من يختارون خلع الجذور وليسوا ضحية لأكبر عملية طرد في التاريخ . أجل فنحن نطرد (( بضم االنون )) ولا نهاجر نحن نقلق على فلذات اكبادنا من السيارات المفخخة من العصابات من طرقات بغداد والموصل التي قتل على أرصفتها المئات فكيف يمكن أن نبقى في ظل هذه الهيستريا والجنون والفوضى . هل فكر الكبار بالبقاء لماذا لا يثبتوا ذلك للبسطاء ويتركوا مقرات كراسيهم الرسولية ويلتحقوا بالأب فرج رحو لكي نقلدهم نحن أيضا ونبقى . لا يمكن أن احمي نفسي وأفعل المستحيل من أجل الحصول على فيزا أية دولة في العالم ألا العراق ومن ثم أخرج على الملأ واطلب من الناس أن لا يتركوا الوطن والتاريخ والوجود بالتأكيد تلك نرجسية مني ولكنني يمكن أن أقول وأنا كلي ثقة وأملا بالله وبمشيئته بأنني طردت اليوم من بلدي لأن الأسباب أكثر من أن أحصيها الأن ولكنني حيثما أقيم سأسس للعودة بكل ما أوتيت من قوة ولن تغرب عني شمس الحياة دون أن يسجل بأسمي بيت أو حتى خرابة في مسقط رأسي حيثما تناولت القربان لأول مرة وتعلمت السريانية التي عززت قوميتي وهويتي لا بد أن أعود يوما إلى موضع شقاء أبي وأجدادي وأمسك المنجل من جديد لأحصد العشب مع أمي حيث التاريخ ينتظرنا ومن رفضنا عليه أن يفرش الورود في قلبه ودستوره وعلى طرقاته من جديد وألا فحسابه عسير جدا لأنه تخلى عنا ونحن المميزون في كل شيء .
عصام سليمان – تلكيف .
Assyrian_publisher@yahoo.com