Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

نحو تفعيل العمل المؤسساتي الآشوري

بسبب تعذر لا بل استحالة التوصل الى آلية للعمل السياسي المشترك على المدى القريب مع استمرار سيطرة القيادات التقليدية على مراكز القرار في الاحزاب الآشورية المتنفذة في الوطن والتي عملت على تصدير مشاكلها الداخلية والخارجية الى مؤسسات شعبنا في الداخل والمهاجر، يمكن التوجه نحو توحيد وتأطير العمل المؤسساتي الاشوري في المرحلة الراهنة كمخرج للتهيؤ للمشاركة في تشكيلة الحكومة العراقية المقبلة كاستحقاق قومي ووطني ، باعتبار أن دفع وتفعيل التنسيق بين مختلف التوجهات مرتبط عضويا بنشوء روح المؤسسة الذي يحمل عملياً مفهوم المصلحة العامة. تستمد المؤسسة شرعيتها من قدرتها على تحقيق الأهداف المرسومة لها بشكل يضمن استمرارها وتشكل واقعاً يتجاوز المصالح الخاصة ، والواقع أن شعبنا يبدو قد غرق في صراعات داخلية كالتنافس بين الاحزاب وصراع التسميات والتي وصلت الى مرحلة متقدمة بحيث أصبح توحيد المؤسسات هو مخرج لا يمكن تجاوزه حالياً للمشاركة في الحياة السياسية لدولة مضطربة ، يجدر ذكره هنا أنه يكاد لا يوجد شعب قي العالم لم يعاني من فترات عصيبة خلال أوقات الحروب أو الكوارث الاخرى ، ونفس الشيء ينطبق على شعبنا الذي عاش فترات استقرار قصيرة نسبياً اعقبتها انتكاسات ومظالم ، والملاحظ أن شعبنا رغم تكاتفه أوقات المحن إلا أنه لم يحقق سلاماً داخلياً على مستوى الذات متمثلاً بالوحدة السياسية أو الكنسية ، لقد احتوت تلك الصدمات شعبنا لفترات طويلة ، أي أن التهميش والظلم الذي عاشه جعلته محصوراً في عالم أشبه بالنفق وكأنه خرج منه بدون عبرة ليتم أدخاله الى أنفاق اخرى ، وهذا ما يفسر سبب الجنوح لتعزية الذات في استحضار المجد الضائع .
أصبح العمل المؤسساتي الآشوري مطلباً ضرورياً بسبب تعقد أوجه الصراع والتحديات والذي بات أمامه الجهد الفردي أقل فاعلية وعملاً غير مجدي في أغلب الأحيان ، فالصيغة المؤسساتية هي المخرج باعتبار أن هامش الخطأ في التخطيط واتخاذ القرار الصحيح يكون أقل بكثير منها في العمل الفردي إضافة الى كون نتائج العمل المؤسساتي أكثر ضماناً على أساس اعتماد الشفافية في اختيار العناصر الكفوءة وتوزيع الأدوار والاختصاصات بشكل دقيق وقيام كل جهة بواجبها ، مع عدم التفريط في ثوابت المؤسسة وغاياتها وأخذ متطلبات المرحلة بنظر الاعتبار بموجب نظام داخلي واضح المعالم يتم من خلاله توضيح الثوابت والأهداف والصلاحيات . الأهم في العمل المؤسساتي هو ضعف احتمال ظهور الدكتاتورية وعملية الانفراد بالقرار لأنها تفقد مبرراتها الموضوعية ضمن هذا الإطار، جدير بالذكر أن الوحدات السياسية لم تظهر الى الوجود إلا مع نشوء المؤسسات. كان ولا يزال الهم القومي بارهاصاته المختلفة يتصدر الاولويات في حياتنا السياسية بالرغم من مرور أكثر من عقدين على بدء العمل القومي السياسي المنظم بشكله العلني في الوطن والذي شكل منطلقاً حاسماً استوعبه الوعي الجماعي الاشوري بسهولة بعد سنوات طويلة من الانحسار وتراجع الحس القومي وسكون عبر عن شبه موت مطبق في التعبير عن المشاعر القومية وقلق كبير إزاء مستقبل شعبنا ، ليعقبها بعد ذلك مرحلة من التحولات ومخاض صعب ومراجعة الذات والبحث عن نقاط ارتكاز واعادة النظر والتعامل مع الواقع الممكن وابراز الملامح الحقيقية للمظالم التي عانى منها الشعب الآشوري عبر التكيف مع المستجدات واستيعاب كافة التطورات التي طرأت على الخطاب النظري المروج والأنتقال من المطالبة بالحقوق القومية كمصطلح الى عملية ممارسة حقوقنا وإعادة بناء واقعنا في الوطن . يعاني شعبنا اليوم من وجود أزمة في توحيد الجهد السياسي، وإذا ما سلمنا ان أية ازمة ما هي إلا تحصيل حاصل لتجربة ما جرت في مكان معين وزمان محدد وما تفرزه من تناقضات والتي تعتبر ضاهرة إيجابية إذا تم احتوائها ، وذلك باستحداث نسقاً فكرياً يقودها للوصول الى نتائج تصب في خدمة وضعنا القومي ، ولا يمكننا تبرير استمرار الأزمة فقط بسبب تحديات العصر والمتغيرات المتسارعة وإن كانت اسباباً لها أهميتها إلا أن السبب الأكثر أهمية يبقى في الممارسة السياسية الميدانية للقوى والفعاليات الآشورية التي تمسك بزمام الامور ، وبغض النظر عن الاشارة لتلك القوى العاملة في الوطن يمكننا الحديث عن السمات العامة لها وبشكل محدد الجوانب باعتبار أن هناك عدد من الاحزاب واشباه الاحزاب وكل حزب يعتبر نفسه نظاماً قائماً بحد ذاته وكأنه هذه الاحزاب إنما وجدت لتكون ضد بعضها البعض جرياً وراء العادة المتبعة في عالمنا المشرقي ، ومما يلفت النظر هو أن الفعاليات السياسية التي ولدت وترعرعت في المهاجر وبسبب الآلية التي تم بموجبها تشكيل أغلبها كأجسام تحمل في داخلها الكثير من مكونات التناحر والتنافر الفكري والمنهجي وان حققت بعض المكاسب الحزبية المحدودة في مجال الاعلام المحلي إلا أنها أقرب ما تكون الى أحد أوجه النشاطات الاجتماعية والتربوية في المهجر. أن التكتم على كشف الحقائق وعدم الاعتراف بالاخطاء التى واجهت العملية السياسية الآشورية سيؤدي الى حرمان الاجيال القادمة من الاستفادة من ماضيه وتجاربه وسيبقى السجال الفكري يتم تنفيذه بواسطة التراشق بالتهم والتخوين وباسلوب غير مسؤول كما يحصل اليوم والذي أدى في النهاية الى المساومة على المبادىء والقيم القومية في بازار السياسة من أجل المناصب واحتكار القرار القومي ليتم إقحام شعبنا في معركة التسمية والمسميات والممثل الشرعي. لقد لمس المتابعون للفعل السياسي وبدون أدنى شك كيف أن القوى التي حاولت الانفراد بالعمل القومي وإضفاء صفة الخلاص والقدسية الى طروحاتها وترددت أمام مراجعة نفسها وإدخال الاصلاحات اللازمة ولم تقبل بالتعددية كأحد أشكال التعبير عن مشروع متكامل في إقامة التحالف القومي كخيار استراتيجي عانت من عدم تمكنها في بلورة العمل القومي كمفهوم يرتكز على قيم ومبادىء ثابتة ولقد أثبتت الوقائع أن العمل تحت مظلة التحالف القومي العريض كان من المؤكد الطريق الافضل لجعل كافة الفعاليات السياسية تتحمل مسؤولياتها ميدانياً ، باعتباره سيكون بدون شك العنصر الحاسم في تعبئة وتوحيد كافة القوى في الوطن تكريساً للتعددية السياسية وبشكلها الايجابي للبدء في المشاركة الميدانية في الحكومة المقبلة إسوة ببقية المكونات. انها دعوة للمبادرة إلى توحيد وتفعيل العمل المؤسساتي الآشوري ، عبر اشراك كافة القوى والفعاليات المتواجدة في الساحة للتوصل إلى خلق مرجعية آشورية مستقلة من خلال استحداث أدوات جديدة وفاعلة كتشكيل مجلس أعلى أو لجنة عليا للقوى السياسية الآشورية أو أي تسمية اخرى يتم الاتفاق عليها في اجتماع موسع يتم عقده لوضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة تتمثل فيها كافة القوى السياسية الفاعلة بالاضافة الى بعض الشخصيات القومية المستقلة للمساهمة قدر المستطاع في إنجاح الجهود الرامية لدفع العجلة إلى الأمام صوب صيغ يتم التفاهم عليها تضمن على وضع حد للتشرذم السياسي الحالي. بالرغم من المحاولات السابقة التي لم ترى النور لأسباب وعوامل كثيرة ، إلا أن المتغيرات المتسارعة والمخاض الصعب الذي يمر به العراق كلها أمور تجعل من العمل المؤسساتي باعتباره خياراً يجسد مرحلة بناء جديدة لمرجعية مؤسسية آشورية تخدم القضية وليس الحزب. اليوم نعيش في عالم لم يعد فيه أية قيمة أو مكان للأحزاب والمجموعات الصغيرة ، عالم اليوم أصبح يتعامل ويأخذ بمبدأ الاجماع والتكتلات والتحالفات لا بل أصبح العالم الآن ينمو ويتقدم بسرعة نحو نمط من التكتلات تعتمد أفكار السوق (الاقتصاد) على ضوء المصالح المشتركة وفق خطط وبرامج يتم الاتفاق حولها مسبقاً ضمن رؤى سياسية مشتركة . يمكننا الاستفادة في هذا المجال من تجارب القوى السياسية لأقرب الشعوب الينا جغرافياً في الوطن، حيث تجاوزوا خلافاتهم وحروبهم الدامية التي دامت لفترات طويلة ، ومنحوا الأولوية لوحدتهم وبناء حاضرهم وضمان مستقبل أجيالهم القادمة ، وبناءً عليه استطاعوا أن يوحدوا جهدهم السياسي ليصبحوا قوة فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي العراقي ، إنّ المطلوب اليوم هو أن نحذو حذوهم ونستفيد من تجاربهم ، كي نتمكن من إعادة تأهيل البنية التحتية المتآكلة لشعبنا الآشوري ووقف نزيف الهجرة وجعله يشعر بالاستقرار والأمان إسوة بباقي المكونات العراقية التي هي بحاجة دائمة إلى التواصل والتعايش السلمي الذي يشكل أنسب أرضية لبناء العراق الجديد . حتى نتمكن من تحقيق ذلك ينبغي هيكلة العمل المؤسسي وفق برنامج قومي ووطني سليم ، توضع بشكل جماعي وبمسئولية بعيداً عن أجواء التشكيك والبحث الدائم عن القواسم المشتركة لتقوية التحالفات السياسية الآشورية وتطويرها ، ذلك من خلال دعمها وإبراز أحقيتها ومشروعيتها ومدى حاجتنا الذاتية والموضوعية لها ، وفي ضوء ما تقدم نستطيع أن ندرك أهمية تشكيل المرجعية المؤسساتية التي لا تقبل الشك حول مدى ضرورة مثل هذه المشاريع الوحدوية التي تهدف إلى رفع وتيرة الفعل السياسي الآشوري المؤثر لشعب يمتلك كل مقومات الوحدة من لغة وتاريخ وجغرافية وثقافة وإرادة مشتركة ومصير مشترك ، كل ذلك يبرر العمل معاً في مؤسسة سياسية موحدة . ختاماً في عالم السياسة المعاصر لا مكان للتمترس خلف المملكات الحزبوية الضيقة وإختصار القضية القومية من خلال مصالح حزب معين مهما كانت المبررات ، انتهى زمن المزايدات الحزبية ، والتلاعب بالعواطف ، لقد حان وقت الدفاع عن الذات القومية والتخطيط لبناء مستقبل أكثر أمناً لأجيالنا ليتمكنوا من الانسجام مع المتغيرات المتسارعة من حولهم والتفاعل معها باعتبار أن السرعة الهائلة التي تسير بها الامور لا تدع أمامنا سوى خياراً واحداً هو كيفية التعامل مع المحيط على اسس سليمة للتحرك الى الأمام وبعكسه سوف نبقى في عالم النسيان وعالم الضعفاء .

Opinions