ندوة رابطة الشباب المسلم عن المرجعية الدينية
اقامت رابطة الشباب المسلم في العاصمة البريطانية ندوة بعنوان دور المرجعية الدينية في الحياة السياسية في العراق الحديث اشترك فيها كل من الدكتور عبد الحسن السعدي المتخصص في القانون والدكتور فؤاد ابراهيم الاستاذ في الجامعة الاسلامية العالمية في لندن والاستاذ عباس الامامي الباحث الاسلامي وكانت الندوة بادارة الدكتور حسين ابو سعود الذي تحدث في البداية عن المرجعية الدينية والاهمية التي اكتسبتها على الساحة السياسية المعاصرة في العراق مؤخراً، مؤكداً على الدور نفسه سيبقى لا محالة نظرا لالتزام الشعب العراقي بالدين، وللمكانة المقدسة للمرجعية الدينية في المجتمع العراقي.ومن الجدير بالذكر ان الندوة كانت ايضا بمثابة حفل توقيع على باكورة اعمال الباحث العراقي عباس الامامي الذي صدر مؤخرا من بيروت بعنوان ( الدور السياسي للمرجعية الدينية في العراق الحديث) في 352 صفحة من القطع الوزيري توزعت صفحاته على ثلاثة أبواب في سبعة فصول وخمسة عشر مبحثا وعشرة مطالب، وقدم له عميد كلية الشريعة في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن الفقيه والأكاديمي الدكتور فاضل الميلاني.
ويعتبر الكتاب الذي نال به الباحث العراقي عباس الإمامي المقيم في لندن، درجة الماجستير من الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية عام 2010 م، جهدا معرفيا وأكاديميا يناقش فيه مفردة خطيرة من مفردات العراق الحديث لم تكن واضحة، لاسيما عند القارئ العربي بعامة والمراقب السياسي بخاصة حيث برز وبشكل مؤثر دور المرجعية الدينية في ترشيد العملية السياسية في العراق من دون التدخل في التفاصيل، تاركة إدارة الحكم لاختيارات الشعب عبر صناديق الإقتراع.
وكان الدكتور عبد الحسن السعدي اول المتحدثين وهو استاذ جامعي متخصص في القانون العام حيث اشاد بالبحث وبجهود الباحث.
مضيفا كان لي شرف العضوية في مناقشة البحث الذي عقدت من أجلها هذه الندوة من قبل رابطة الشباب المسلم في هذه الأمسية، وقبل ذلك كنت على إطلاع في إختيار الباحث لهذا الموضوع المهم والحساس والمثير للجدل، ومن هنا تأتي أهمية وصعوبة هذه الدراسة، ذلك لأن للمرجعية الدينية قدسيتها ومكانتها الدينية والعلمية والأخلاقية.
ومن جانب آخر ثمة أقاويل وتخرصات تصل الى حدِّ الافتراء نتيجة الإختلافات الفكرية والعقائدية والسياسية والايديولجية سيما في مجتمع كالمجتمع العراقي، الذي شهد حكومات متعددة في اتجاهاتها وأهدافها كالماركسية والقومية والمصالح الشخصية التي تبعد الأشخاص عن الموضوعية والتجرد، ومن هذا وغيره من الأسباب والعوامل يصبح لزاماً على الباحث أن ينهج المنهج العلمي المجرد الذي يعصمه من الزلل ويحصِّن موضوع البحث من أن يجد الناقد منفذاً للنيل منه، فكان الباحث عباس الامامي بهذا القدر من المستوى، ولم يأتِ ذلك إلا من خلال الجهد الاستثنائي الذي بذله في هذا المجال، والذي يلفت النظر هنا أن الخطة التي تبناها الباحث وسار في ضوئها كانت على درجة من العلمية في أبوابها وفصولها ومباحثها، وكانت العناوين التي وضعت للابواب والفصول والمباحث على درجة من التماسك والتكامل بحيث يجد القارئ شيئاً من المتعة في القراءة وتشدُّه الى الاستمرار فيها مستمتعاً بها ومستفيداً منها.
وقد كشف البحث عن الحرص الكبير للمرجعية الدينية في إستقرار الأوضاع السياسية ووأد الفتن في مهدها وهو ما يوجه النظر الى أن المرجعية ذات ثقافة سياسية وطنية ودولية وهو ما سلط عليه الباحث الأضواء في أكثر من مناسبة، وهو ما يفند بعض التخرصات والطعون التي توجه للمرجعية، وبطبيعة الحال لم يقف الباحث على الدور السياسي للمرجعية فحسب بل ربط هذا الأمر ربطاً محكماً بما للمرجعية من دورٍ في وسط المجتمع العراقي سعياً وراء وحدة المجتمع وتماسكه وذلك من خلال الدور الرقابي للمرجعية في هذا الشأن، ولا يخفى أن جهود المرجعية في هذه الشؤون ينبع من المسؤولية الشرعية الملقاة على عاتقها في حماية الاسلام في جانبيه العقائدي والشريعي، وبصدد الدور الرقابي سلط الباحث الضوء أيضاً على دور المرجعية في رقابة سياسة سلطة الاحتلال والمنظمات الدولية العاملة في العراق.
وما تجب الاشارة اليه هنا أن للمرجعية موقفها من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية وعدم الرضا على هذا القانون حيث أفصحت المرجعية في أكثر من مناسبة عن أن إستقرار الوضع السياسي لا يتحقق الا بالرجوع إلى الشعب، لأن بإرادته يعتبر مصدر سلطات الدولة وشرعيتها حسب أحدث النظريات في علم السياسة والنظم السياسية.
كذلك كان للمرجعية موقفها من مشاريع تقسيم العراق وحالت دون إدخال مشروع الفيدرالية في قرارات مجلس الأمن، وكل ذلك أكده الباحث بأسلوبه العلمي والموضوعي، وحتى لو خولفت آراء المرجعية في بعض تلك الأمور من قبل السياسيين في العراق لكن يبقى من الناحية التاريخية أن المرجعية قالت رأيها ولم تتهاون أو تتسامح في ما يفعله المحتل من خلال أهدافه وطموحاته.
وفي كلمة أخيرة أن الباحث عندما أقدم على دراسة هذا الموضوع الحيوي والحساس إستهلَّهُ بالوقوف على الجذور التاريخية للمرجعية في نشأتها وأسباب هذه النشأة والأدوار والمهام التي قامت بها المرجعية الدينية حفاظاً للشريعة والعقيدة وكان بحثه هنا مجرداً متماسكاً كما هو ثابت في البحث بتفاصيله.
وأود الاشارة هنا أخيراً الى أن الدراسات والبحوث في المجالات الانسانية من النادر أن يأتي الباحث بنظرية مبتدأة، لكن ما يعتبر شيئاً جديداً هو بعض الأفكار التي تلفت النظر وقد تكون أسساً لبحوث أدق وأشمل، وهو ما سعى اليه الباحث وقد وفق في هذا المجال.
وبعده القى الدكتور فؤاد ابراهيم الاستاذ في الجامعة الاسلامية العالمية والناشط في مجال حقوق الانسان والمتخصص في شؤون المرجعية محاضرة بالمناسبة اكد فيها على اهمية هذا البحث واشاد بجهود الكاتب التي بذلها في سنوات البحث.
تعتبر (المرجعية الشيعية) كموضوع بحثي بالغ الجدّة، فهي وإن تعود في جذورها التاريخية الى القرن الرابع الهجري ظهوراً عملياً والى ما قبل ذلك تأسيساً نظرياً، فإن اندماجها في مجال البحوث العلمية لم يتّم في حقيقة الأمر الا في العقود الثلاثة الأخيرة، وتحديداً بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران.
ـ المرجعية الشيعية التي استغرق بناؤها الذاتي ما يقرب من ألفية تامة، لم تؤرّخ لذاتها، ولكن المراكمة الفقهية والمعرفية كانت تدل عليها ذاتاً وموضوعاً وتاريخاً..
ـ إذا كانت الإمامة هي الدالّة على التشيع، فإن المرجعية اليوم هي التظهير البنيوي للمجتمع الشيعي، والامتداد الموضوعي والتاريخي الماثل للإمامة.
ـ قد تتباين مساحات المرجعية من حيث الدور والوظيفة، فمنهم من رأى حصرها في الأمور الحسبية (تبليغ الأحكام، ورعاية الأيتام، والولاية على الأوقاف)، أو بعبارة بأن يكون المرجع وليَّ من لا ولي له، ومنهم من رأى بسطها بحيث تشمل كل صلاحيات الإمام المعصوم بما في ذلك تعطيل الحج في ظروف خاصة، الى جانب بطبيعة الحال الجهاد، والاموال، وإقامة الحدود، وصلاة الجمعة، وكل ما يختص بالنبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام، ومنهم من التزم خطاً وسطاً بين المقيّدة والمطلّقة، وقال بأن ولاية الفقيه تتوقف على المكنة، فإذا كان للفقيه سلطان على بلد ما فولايته تستغرق هذا البلد دون باقي البلدان. وقد لحظنا في السنوات الأخيرة، أن ثمة نزوعاً لدى بعض المرجعيات الشيعية بلعب دور (التسديد) و(الإرشاد) دون الانغماس في الشأن السياسي العام. وقد يرد ذكر المرجع السيد السيستاني، رغم أنه من أنصار الولاية الواقعية جنباً إلى جنب المرجع السابق أبو الأعلى السبزواي، والمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله..
ـ كتاب الشيخ عباس الإمامي وهو من الكتب المهمة في حقله، وقد أنست بقراءته والافادة منه أيضاً، فقد أجهد الشيخ نفسه في استيعاب الموضوع من أبعاده المختلفة، وسعى إلى تقديم كل ما يلزم من أجل تقديم قراءة ذات أبعاد متعددة لدور المرجعية الشيعية في العراق منذ ثورة العشرين وحتى الوقت الراهن.
عناوين كثيرة تناولها الكتاب: منها دور المرجعية في تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وخصوصاً بعد ثورة العشرين وما رافقها وأعقبها من تحديات تطلبت من المرجعية إجابات عن مسائل كبرى حول هوية السلطة ودور الشعب في اختيار الحاكم، وحول الدستور.
عناوين أخرى مثل: المرجعية والدفاع عن الاسلام، ديناً وشريعة ومنهاجاً في مقابل الطروحات الفكرية والايديولوجية الأخرى، كما في مثال كتاب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون) للرد على مؤتمر عام 1954 في بحمدون بقرار أمريكي وبالتنسيق مع بريطانيا لمواجهة الخطر الشيوعي، وقد حمل المؤتمر شعار (القيم الروحية في الديانات وموقفها من الشيوعية)، وكذلك دور السيد محسن الحكيم في موضوعات كثيرة فكرية واجتماعية وسياسية من بينها فتواه الشهيرة في الشيوعية، وكذلك حرمة محاربة الأكراد في الشمال سنة 1965، وكذا الحال بالنسبة للمرجعيات الشيعية في النجف مثل السيد الخوئي والشهيد الصدر وصولاً الى السيد السيستاني.
ـ دور المرجعية في التآلف بين المسلمين، وهنا يجب تسجيل موقف فلا يكاد تجد من بين المرجعيات الشيعية قاطبة من ليس لديه رؤية إيجابية في الوحدة الاسلامية ويمكن العودة الى الآخوند الخراساني والميرزا الشيرازي صاحب ثورة التنباك والشيرازي قائد ثورة العشرين مروراً بكل مرجعيات الشيعة الكبرى في العراق وايران ولبنان الا ولها مواقف وحدوية.
ـ الكتاب يعالج مسألة الدور السياسي للمرجعية، وينطلق ابتداء من تحديد مفهوم العمل السياسي في منظور المرجعية، والاشكالات التي تحوم حول تدخّل المرجعية في السياسة، وموقف المرجعية من الأحداث السياسية عموماً وكذلك تشكيل الأحزاب السياسية، وهل لها دور في تأسيس أو شرعنة الاحزاب.
سؤال يطرحه الكتاب ويجيب عليه عن موقف المرجعية من عمل رجال الدين في دوائر الدولة، وماهي طبيعة دور المرجعية في مجال عمل الدولة. واذا كان دوراً رقابياً، فماهو مداه، ونوعه، وهل تمتد الرقابة لتشمل المؤسسة المرجعية نفسها، والامة، والوضع السياسي، وكل الموجودات الأخرى (وفي حالة العراق الحالي هل للمرجعية موقف من سياسة سلطة الاحتلال في العراق، وهل للمرجعية دور رقابي على المؤسسات الدولية).
ثم قام الشيخ عباس الامامي بالتحدث عن كتابه والمراحل التي قطعها في الاعداد للكتاب منذ ان كان مجرد فكرة وكيف تبلورت وتحولت الى بحث جامعي نال على اثرها درجة الماجستير من الجامعة الاسلامية العالمية في لندن ، حيث اشار الى الابواب العديدة التي طرقها في بحثه عن المرجعية مثل عمل رجال الدين في دوائر الدولة والدور الرقابي للمرجعية وهو الاهم في البحث حيث تحدث عن مراقبة المرجعية على ذاتها ووكلائها وشرح معنى المراقبة وانواعها واهميتها واثارها على الوضع السياسي وعلى حركة الامة وعلى الوجود الاجنبي وعلى المنظملت الاجنبية وموقف المرجعية من سياسة سلطة الاحتلال في العراق.
وأضاف بأن المرجعية تعتبر الحصن الأخير للأمة في دفاعها عن نفسها ووطنها ومعتقداتها وأن المرجعية بما تعتقد بها الأمة من عدالة وتأخذ منها أحكامها الشرعية بلا أي حساسية وذلك ناشئ من إعتقاد ديني راسخ فلسنا بحاجة الى من يراقب المرجعية في تصرفاتها، بل المرجعية ومن خلال مسؤولياتها الشرعية مسؤولة عن مراقبة كل الأوضاع للصالح العام، وحتى في مجال مراقبة الأمة للمرجعية فقد وضع الفقهاء فتاوى وقواعد فقهية لا سيما في باب التقليد تشير الى الرجوع عن تقليد في من يفقد العلم أوالذاكرة أو العدالة.
ولا يخفى أن المرجعية جهة إرشادية وتوجيهية ةلا تحمل صفة رسمية بحيث تتمكن من إلزام الطرف الآخر بما تراه من آراء ومواقف تجاه القضايا والمواضيع المختلفة، وتبقى الطبيعة الالزامية لآراء ومواقف المرجعية الدينية للطرف الآخر ومدى إلتزامه بأحكام الشرعية ونظرته للمرجعية ومكانتها ومسؤولياتها الشرعية والوطنية.
وأياً كان ان المرجعية الدينية تقف دائماً الى جانب المصلحة العامة التي هي مصالح مجموع أبناء الوطن فرداً فرداً، وليس المصالح العامة التي هي إطار يضم مصالح متداخلة وذائبة مع بعضها.
وحسب ما أعتقد أنني فتحت مجالاً جديداً بالكتابة عن المرجعية الدينية ولا سيما في الجانب السياسي وعلاقتها بالسلطة الحاكمة وردود أفعالها تجاه سياسات السلطات القائمة سلبا او ايجاباً.
ولعل اهم ما تميزت به الندوة هو الحضور المتميز لنخبة من رجال الفكر والعلم والثقافة في العاصمة البريطانية ومستوى الاسئلة والمداخلات التي حدثت في الفترة المخصصة لذلك وقد انتهى الوقت دون ان تنتهي الاثارات الجيدة والاضافات المفيدة من قبل الحضور.
وقد انتهى الحفل بقيام الباحث عباس الامامي بالتوقيع على نسخ الكتاب.