نزار حيدر في حوار صحفي، صريح ومثير: لمحاكمة النظام السياسي العربي
29/01/2011شبكة أخبار نركال/NNN/نزار حيدر/
عن امكانية انعقاد قمة بغداد المرتقبة بالزعماء العرب:
من يجرؤ على الحضور؟
مع انطلاقة المارد العربي من قمقمه، وانتشار رياح الثورة والتغيير من تونس الخضراء، مرورا ببقية البلدان العربية، لتكنس ما بقي من النظام السياسي العربي الفاسد والمهترئ، اجرى الزميل (سردار زنكنة) مراسل صحيفتي (آسو) الصادرة باللغة الكردية في محافظة السليمانية، و (الصوت الاخر) الصادرة باللغة العربية في محافظة اربيل، في اقليم كردستان العراق، في محافظة كركوك، الحوار الخاص التالي مع نـــــزار حيدر مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، في (19 كانون الثاني الحالي) ليستقرئ معه ملامح الصورة التي لم تكتمل بعد للمشهد السياسي العربي الجديد.
ادناه نص الحوار:
السؤال الاول:
ما هو تعليقك على ما يجري في تونس اليوم؟ واحتمال وصول تلك الشرارة الى البلدان العربية الأخرى؟.
الجواب:
لقد وصلت الشرارة بالفعل الى البلدان العربية الاخرى، وليس غريبا ابدا ما يجري اليوم في تونس الخضراء، انما الغريب ان تتاخر بقية الشعوب العربية في اللحاق بركب التغيير التي هبت رياحه من هذا البلد الافريقي العريق بحضارته والعميق بثقافته.
نحن العراقيون، كنا ننتظر ان تتاثر الشعوب العربية بما يجري في العراق الجديد باسرع من هذا، ولكن، ولاسباب عديدة نجحت الانظمة الشمولية البوليسية الحاكمة بالحديد والنار في تاخير هذا التاثير الى اليوم، ولذلك ارى ان المارد العربي خرج اليوم من قمقمه ولم يعد احد بامكانه ان يعيده الى سابق عهده، فيحصره في صندوق اسود لا يميز، بسبب ظلمته الحالكة، بين الليل والنهار.
انه تاثير الديمقراطية في العراق، وهكذا هي تترك اثرها يتراكم في وعي الشعوب الى ان ينفجر بركانا يهز عروش ويسقط تيجان.
فعلى الرغم من ضخامة التضحية التي قدمها العراقيون للصمود من اجل تحقيق هدف بناء النظام الديمقراطي التعددي، التضحية التي فرضها عليه النظام السياسي العربي ليبعث بذلك رسالة الى الشعوب العربية مفادها ان ثمن الديمقراطية كبير جدا من الافضل ان لا يتورط في دفعه احد، ولذلك فمن المستحسن ان تتعايش مع نظام بوليسي قمعي تعرفه، بدلا من ان تفكر ببناء نظام ديمقراطي لا تعرفه، على الرغم من كل ذلك، فان التجربة بدات تتسلل الى مخادع الانظمة الشمولية رويدا رويدا لتسقط عروش وتهز اعمدة انظمة قامت على جماجم الابرياء.
لقد اعد التاريخ اليوم مزبلة كبيرة تتسع لكل الديكتاتوريات التي تحكم في البلاد العربية وازلامهم وزبانيتهم، فلقد ولى زمن السكوت والخنوع، واذا غفا شعب هنيئة فمن المستحيل ان ينام كل عمره.
ان ما يجري اليوم في تونس طمأنني على مستقبل التجربة في العراق، فالديمقراطية كالماء، اذا ركدت اسنت، واذا تسربت الى روافدها الطبيعية زللت، انها كالعين الصافية يجب ان يسري ماؤها في روافد الارض لتسقي وتنعش ما تمر عليه، فتنبت حبا، وعنبا وقضبا، وزيتونا ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وابا، فبالامس كان العراق واليوم تونس الخضراء وغدا كل البلاد العربية مهما طال الزمن، فالحرية والكرامة والعزة قدر الشعب العربي، وان الديمقراطية مفتاح الحل لكل مشاكله على الرغم من ضخامة الثمن الذي يجب ان يدفعه الشعب التواق الى الحرية، فلقد علمتنا تجارب كل شعوب الارض بان ثمن الحرية دم احمر يجب ان يراق من نحور الاحرار ليورثوا ابناءهم عزا وكرامة، وقديما قال الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى حتى يراق على جوانبه الدم
السؤال الثاني:
هل برأيك ان مصير ديكتاتور تونس المخلوع كان هو الحل لتطويق ازمة النظام السياسي العربي المستفحلة؟ أم ان هناك حكومات أخرى مشابهة بحاجة الى التغيير كذلك؟.
الجواب:
عمرها الديكتاتورية لم تكن حلا لاي مشكلة من مشاكل العالم، بل هي اس المشاكل التي تعيشها الشعوب، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية وغير ذلك.
وانا اجزم بان الحل الافضل والامثل والانسب لكل مشاكل البلاد العربية هو ان تجري شعوبها عملية مسح شاملة للنظام السياسي العربي الحاكم، بما يضمن بناء نظام سياسي ديمقراطي جديد يعتمد صندوق الاقتراع للعمل بمبدا التداول السلمي للسلطة، في اطار مشاركة شعبية حقيقية وغير مزيفة، وتعددية سياسية واقعية.
ان من الجريمة بمكان ان نفكر بطريقة انانية فنطلب الحرية لانفسنا ونمنعها عن الاخرين، او ان نتطلع الى الكرامة لشعبنا ونحرمها الشعوب الاخرى، ابدا، فان مثل هذه القيم يجب ان يتمتع بخيراتها كل الشعوب العربية المقهورة، ولذلك لا يكفي ان نتصور بان سقوط الديكتاتورية في تونس هو البديل او الثمن لاستمرار بقية الديكتاتوريات في البلاد العربية، ان ذلك اجحاف بحق بقية الشعوب التي تتطلع هي الاخرى الى ان تعيش بحرية وكرامة وعزة.
ان كل هذه الانظمة التي تحكم البلاد العربية منذ ما يقارب الثمانين عاما، هي نتاج مرحلة ما بعد الاستعمار والتي عادت بها القوى الاستعمارية الى بلداننا من الشباك بعد ان اخرجتها الشعوب الثائرة من الباب.
ولقد ضحت الشعوب العربية بالغالي والنفيس من اجل طرد الاستعمار والتحرر وتحقيق الاستقلال والتنمية الحضارية الشاملة التي تنتج الاستقرار الاجتماعي، الا انها وللاسف الشديد فشلت في بناء البديل الوطني القادر على استثمار التضحيات وتحقيق اهداف هذه الشعوب الحرة، اذا بنا نشهد قيام انظمة عسكرية بوليسية او وراثية، وحفنة من العملاء الذين يتبادلون الادوار ويتوارثون السلطة اما بالانقلابات العسكرية، السرقات المسلحة، او بالتآمر والتقاتل والتصفيات الجسدية بعضهم للبعض الاخر، لدرجة ان بعضهم لم يصل الى السلطة الا بالتآمر على ابيه عندما خدعه وبعث به الى خارج البلاد في زيارة رسمية، ليخبره فيما بعد بانه غير مرغوب بعودته الى البلاد وان من مصلحته، اذا اراد ان يحتفظ براسه مستقرا فوق رقبته، ان يظل خارج البلاد، كما هو مثلا حال امير قطر الحالي الذي تآمر على ابيه ليخلفه في السلطة.
ان الفاجعة كانت عندما قفز العملاء الى السلطة ممتطين تضحية الشعوب وهم يرفعون شعارات براقة، كاذبة ومخادعة، فيصبح رجل امن مثلا رئيس دولة، كما هو الحال بالنسبة الى ديكتاتور تونس المخلوع، او ان زعيم عصابة للقتل يتولى السلطة في بلد حضاري عمره ستة آلاف عام، كما كان الحال بالنسبة للطاغية الذليل صدام حسين، فماذا يمكن ان ننتظر من امثال هذه الزعامات ان تحقق لشعوبنا؟ الا التخلف والجهل والمرض والذل والعبودية؟.
انا اعتقد بان على شعوب البلاد العربية ان لا تكتفي بان يسقط نظام ويهرب ديكتاتور، بل لابد من الكشف عن كل الخفايا التي احاطت بهذه الانظمة من خلال المبادرة الى محاكمة النظام السياسي العربي بالتهم التالية:
اولا: السرقة، فهذه الانظمة لم تكتف بسرقة قوت الشعوب وانما قبل ذلك سرقت السلطة، فباي حق فعلت ذلك وقد ضحى كل الشعب من اجل تحقيق اهداف انسانية ووطنية محددة؟ ولماذا يحاكم لص سرق قرص رغيف ليسد به جوع عائلته واطفاله، ولم يحاكم لص سرق بلد باكمله؟.
ثانيا: القتل، فهذه الانظمة مارست القتل المنظم عقودا طويلة من الزمن، ولقد اضاعت فرصة الحياة على ملايين الشباب والشابات في طول البلاد وعرضها، فلماذا يحاكم قاتل على جريمة فردية ولا يحاكم قاتل على جريمة جماعية؟ ام ان الحال ينطبق عليه قول الشاعر:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسالة فيها نظر
لقد فرضت هذه الانظمة الحروب العبثية على شعوبنا مدة قرن كامل تقريبا، فلا الارض حمت ولا العرض صانت ولا الحقوق المسلوبة اعادت، افليس من اللازم ان يحاكم هذا النظام على جريمته الشنيعة هذه؟.
اولم تتسبب الحروب العبثية التي فرضها الطاغية الذليل على العراقيين، الداخلية منها ومع الجيران، بملايين القتلى والجرحى والمعوقين؟ فماذا كانت النتيجة؟ انها ببساطة لا شئ، وهكذا هو الحال بالنسبة الى الحروب العبثية التي فرضها ديكتاتور السودان وغيره، ولذلك ينبغي محاكمة النظام السياسي على جرائم القتل والابادة الجماعية هذه.
ثالثا: التدمير، فهذه الانظمة دمرت مستقبل الناس واضاعت عليهم الفرص، فبينما يحجز ابن الزعيم مقعده في ارقى الجامعات وهو بعد لم ينزل من بطن امه، تضيع فرص التعليم على اذكى الطلاب لانهم ليسوا من ابناء الذوات، او لان آباءهم لا يعملون في بلاط الحاكم، يتملقون ويمدحون ويخدمون ويمسحون احذيته.
رابعا: التمييز، فهذه الانظمة ليست قومية كما تدعي، فالزعيم القومي لا يقتل ابناء جلدته ولا يدمر بلده، وانما هي انظمة عنصرية بامتياز، مارست التمييز بين ابناء البلد الواحد، ان على اساس الدين او المذهب او القومية، وما تجربة نظام الطاغية الذليل في العراق الا نموذج لذلك.
خامسا: التقسيم، فهذه الانظمة هي السبب المباشر لتفتيت وحدة البلاد العربية، ولقد راينا كيف قايض طاغية السودان استمراره في السلطة بالقبول بتجزئة البلاد وانفصال الجنوب، من دون ان ينبس احد ببنت شفة، فاين القوميون؟ واين العروبيون؟ واين دعاة الوحدة العربية؟.
لقد اقسم كرد العراق باغلظ الايمان على انهم لا يريدون الانفصال عن بلدهم الام، كما ان الدستور العراقي ثبت مبدا وحدة العراق في اكثر من عشرة نصوص دستورية، ومع ذلك فان العنصريين من القوميين والعروبيين والوحدويين ينعقون ليل نهار متهمين كرد العراق بنيتهم في الانفصال، وها هم يرون بام اعينهم كيف ينسلخ جنوب السودان عن بلاده ولكن لا احد يعترض او يردد ترنيمته الكاذبة والمنافقة، فماذا يعني هذا؟.
السؤال الثالث:
والى أين تتجه الأوضاع العربية الأخرى؟ وهل سيؤثر ماجرى في تونس على الحكومات الأخرى، خاصة الحكام الذين حكموا بلدانهم لسنين طويلة؟.
الجواب:
ومن من الحكام العرب لم يحكم بلاده مدة زمنية طويلة؟.
ان اقصر مدة زمنية قضاها حاكم عربي في السلطة هي ربع قرن تقريبا كما هو حال ديكتاتور السودان، اما غيره فقد ذرف على السبعين كما هو حال ديكتاتور تونس المخلوع الذي ورث السلطة عن سلفه المقبور.
ان الظروف التي دفعت بالشعب التونسي البطل لينتفض ويثور فيقود رياح التغيير، هي نفسها موجودة في بقية البلدان العربية، ولذلك فانا اجزم بان العالم العربي مقبل على التغيير ان عاجلا ام آجلا، وهي حركة انقلابية تغييرية تشبه الى حد بعيد حركة التغيير الانقلابية التي شهدها المعسكر الاشتراكي اثر انهيار الاتحاد السوفياتي، فلقد راينا كيف تهاوت العروش (اليسارية) الواحد تلو الاخر بمجرد ان تحركت الرياح، وسنرى كيف تتهاوى العروش (العربية) الواحد تلو الاخر، والا، لماذا يمكن ان نتصور تغييرا في تونس ولا يمكن ان نتوقع تغييرا مماثلا في مصر مثلا او ليبيا او اليمن او الاردن او الجزيرة العربية؟ اوليست الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي نفسها في كل هذه الدول؟ ام ان الشعب في تونس اوعى من بقية الشعوب العربية؟ ام انه احرص على كرامته من الاخرى؟ ام انه اشد تطلعا للحرية؟ ام ان طاغية تونس كان اقل قساوة من زملائه الطغاة ولذلك تمكن التونسيون من التمرد لقيادة التغيير ولم يتمكن غيره من الشعوب العربية؟.
على العكس من ذلك تماما، فانا شديد التعجب كيف ينتفض الشعب التونسي ولم ينتفض الشعب المصري لحد الان؟ وهو الشعب الذي علمنا الكثير من الفكر والمعرفة والادب والثقافة؟ الشعب الذي يمتلك جيشا من المفكرين والمثقفين والاعلاميين والعلماء والادباء والزعماء والقادة والمحللين الذين يطلون علينا من خلال شاشات كل الفضائيات، يحللون ويفسرون ويتوقعون، فكيف يغفلون واقع مصر؟ وبماذا يمكن ان يبرر شعب مصر سكوته على الظلم والقهر والسحق المنظم للكرامة الذي يمارسه النظام العسكري البوليسي الحاكم؟.
لم اكن اتصور يوما من الايام انني ساشهد ثورة الشعب التونسي قبل ان اشهد حركة تغييرية حقيقية للشعب في مصر، وهو الشعب السباق الى التغيير على مر التاريخ، بل انه معلم الثورات والتغيير.
كذلك لم استطع ان استوعب سكوت الشعب الليبي على الضيم والقهر والذل، وكيف انه لم يعد الى رشده لحد الان فيتحرك ليسقط الجنرال الاحمق الذي باع البلاد والعباد من اجل سلطة زائلة عاجلا ام آجلا، وهو، شعب ليبيا، الذي قاد في العصر الحديث واحدة من اعظم حركات التحرر التي لازلنا نتغنى بامجادها وبطولاتها ومواقف قادتها، خاصة شيخ المجاهدين البطل عمر المختار رحمه الله.
اما اليمن السعيد، فهذا البلد الذي مجد القران الكريم ديمقراطيته في اكثر من آية كريمة يوم لم تعرف المنطقة هذا المفهوم، كيف يخضع شعبه لديكتاتور ارعن واهبل خادم للمصالح الاجنبية على حساب رفاهية الشعب اليمني الذي يعاني الامرين بسبب سوء الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟.
اما الاردن والجزيرة العربية فحدث ولا حرج، فانا استغرب كيف يسكت شعب الجزيرة العربية الذي خصه الله تعالى بشرف حمل نور الاسلام الى العالم قبل 1400 عاما، كما شرفه تعالى باحتضان بيته العتيق ومسجد وقبر رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، كيف يسكت على الضيم والظلم والهضم والتمييز؟ وكيف يسكت على حكم اسرة متخلفة لا يعرف لها اصل ولا فصل، نزت على السلطة بالغزو والنهب، ثم راحت تسمي بلاد العرب باسمها في بادرة ليس لها مثيل في العالم لا القديم منه ولا الجديد؟.
وهل سال الشعب الاردني الشقيق نفسه كيف اجاز لنفسه ان يحكمه صبي من صبيان انجلترا، وفي الشعب كل هذا الكم الهائل من العلماء والمثقفين والمفكرين والقادة والزعماء؟ ألان امه صاحبة العيون الزرقاء فقط؟ أم ماذا؟.
السؤال الرابع:
اذن، هناك تخوف لدى بعض رؤساء الحكومات العربية من أن يلاقوا نفس مصير الرئيس التونسي المخلوع؟.
الجواب:
بالتاكيد، فكل هؤلاء الحكام يركبون في مركب واحد سيغرق بهم ان عاجلا ام آجلا.
ان من حقهم ان يخافوا المصير الاسود الذي سبقهم اليه طاغية تونس الخضراء، فهم من مدرسة واحدة وينتمون الى ناد واحد، وقد مارسوا نفس الجرائم البشعة ضد شعوبهم.
ولذلك فانا اشك كثيرا في امكانية ان يحضر الزعماء العرب الى القمة المرتقبة التي ستعقد في بغداد في آذار القادم، لانهم يعيشون كابوس العزل والطرد، فمن منهم يجرؤ على ترك بلاده ليحضر قمة لا تحمي سلطانه من الزوال ولا تحميه من غضبة الشعب اذا ثار عليه؟.
انا ادعو الحكومة العراقية الى ان تعيد النظر في الملايين التي ستصرفها على القمة، اوليس فقراء العراق اولى بهذه الاموال؟ اوليست مشاريع التنمية واعادة البناء اولى بها من هؤلاء (الزعماء)؟ لماذا لا يصرف عليها الامراء المتخمين بالمال والذين لا يعرفون كيف واين يصرفونه؟ فترى احدهم يشتري، مؤخرا، فريقا رياضيا اوربيا بملايين الدولارات؟ والاخر يدفع رشوة قدرت بملايين اخرى من اجل ان تستضيف بلاده بطولة كاس العالم لكرة القدم؟ لماذا لا يصرف هؤلاء على القمة؟ ويصرف عليها العراق الذي خرج للتو من تحت ركام النظام الشمولي الاستبدادي فهو باشد الحاجة اليها؟.
ان امام الحكام العرب خيار واحد فقط لا غير، وهو ان يختاروا المنفى قبل ان يجبروا عليه، فلقد ولى الزمن الذي يعتمدون فيه على اميركا او فرنسا او غيرها من الدول (العظمى) التي مكنتهم من السلطة في بلدانهم، للبقاء فيها والاستمرار مدة اطول، للحفاظ على عروشهم، ولقد راينا كيف تصرفت فرنسا تجاه الاحداث الثورية في تونس، فهي لم تكتف برفض استقبال الطاغية التونسي المخلوع على اراضيها بعد ان طرده شعبه من بلاده وطهرها من دنسه، وانما سارعت فور طرد الطاغية الى طرد كل اقاربه واصدقائه من الاراضي الفرنسية، لان المجتمع الدولي لم يشا هذه المرة ان تتناقض تصرفاته مع مبادئه السامية التي قام على اساسها النظام السياسي كالحرية والمساواة والعدل والمشاركة وغير ذلك.
كما اننا راينا بام اعيننا كيف تعاملت الولايات المتحدة الاميركية مع الاحداث في تونس عندما بادر الرئيس اوباما الى تحية ارادة الشعب التونسي واحترام خياراته الوطنية.
يخطئ الديكتاتور الذي يتصور بان الزمن لم يتغير، فيعتقد ان بامكان اية قوة عظمى في هذا العالم ان تهب لنجدته اذا ما تعرض الى رياح التغيير، كما حصل قبل نيف وثلاثين عاما عندما هبت اميركا لنجدة ديكتاتور ايران عندما ثار الشعب الايراني كرجل واحد لاسقاطه وتحرير البلاد من سطوته، ابدا فالظروف تغيرت والمصالح تبدلت ومعاني المفاهيم تحسنت.
يجب على (اصدقاء) القوى العظمى، خاصة اصدقائها الكلاسيكيين والتاريخيين كالنظامين العتيقين الحاكمين في الجزيرة العربية والاردن، ان ينسوا امكانية ان تتدخل اية دولة لنجدتهم اذا ما تعرضوا لرياح التغيير، وهي قريبة آتية لا محالة، وانا اجزم بان هذه القوى ستتركهم يلاقوا مصيرهم بمفردهم على ايدي شعوبهم الثائرة بعد ان تعبت منهم، وبعد ان شاخت هذه الانظمة وهرمت بما لا ينفع معها زرق الابر لا في الوريد ولا في المؤخرة.
السؤال الخامس:
الحكام العرب عندما يثور عليهم شعبهم يقولون بأنهم تعرضوا للتضليل من المقربين لهم ومن مستشاريهم، كما قال ديكتاتور تونس المخلوع بأنه تعرض للتضليل من مستشاريه وأنه كان ضحية لحجب الكثير من المعلومات عنه.
برأيك، الا يكشف لنا هذا الامر الوجه القبيح لهؤلاء الطغاة الذين يحكمون شعوبهم لعقود طويلة ولايعرفون ماذا يريد شعبهم وما ينقصهم؟.
الجواب:
لقد قيل فيما مضى:
ان كنت تدري فتلك مصيبة وان كنت لا تدري فالمصيبة اعظم
وهذا دليل على ما يلي:
اولا: حجم الفساد السياسي الذي ينخر بالنظام، فعندما يعتمد الحاكم على مقربين يضللونه، وعلى مستشارين يخدعونه ولا يصدقونه المشورة، فهذا يعني ان الفساد وصل الى قمته، ولذلك يجب ان يتغير النظام برمته.
ثانيا: السعي للتهرب من المسؤولية، فعادة ما يبحث الديكتاتور عن كبش فداء في كل مرة يتعرض فيها لهزة ثورية عنيفة تكاد ان تطيح به.
انه يبحث عن كبش فداء ليرمي عليه مسؤولية كل الجرائم التي ارتكبت بحق الناس، ظنا منه بان الشعب يمكن ان تخدعه مثل هذه البهلوانيات، او انه سيقبل تبريره للجرائم بهذه الطريقة الساذجة، ولقد نسي ديكتاتور تونس ان يذرف بعض دموع التماسيح ليستدر بها عطف الشعب عليه، كما فعل طاغية ايران ابان الثورة الاسلامية وطاغية العراق ابان الانتفاضة الشعبانية.
ثالثا: انه لا يقرا ولا يرى ولا يسمع، لانه مشغول بالسلطة ونهب المال العام والاهتمام باسرته وحاشيته وجلاوزته، والا هل يعقل ان حاكم مستبد كطاغية تونس لم يعرف حقيقة ما يجري في بلاده وقد انتشرت اخبارها وقصصها في كل مكان؟ ام نسي اننا نعيش اليوم في ظل عالم القرية الصغيرة التي يعرف كل واحد ماذا يجري في اي مكان؟.
رابعا: الجهل والتخلف، فالحاكم الذي يضلله مستشاروه ويكتفي بما يسمعه منهم، من دون ان يحمل نفسه بعض عناء المطالعة بنفسه والتواصل مع الشعب، لهو جدير بان يلتحق بركب الزعماء المخلوعين وما اكثرهم على مر التاريخ، فهو بهذه الحالة كالزوج المخدوع، اذا صدق بما قال وادعى، بطن الارض افضل له من ظهرها.
السؤال السادس:
تكرار حوادث حرق المواطنين لأنفسهم بداية في تونس ومن ثم في الجزائر و الصومال ومصر الكنانة، هل هذا دليل على ان القافلة تسير ومصير بعض الحكام العرب في خطر؟.
الجواب:
اولا: فان هذه الظاهرة دليل على ان شعوبنا العربية وصلت الى حد الياس من امكانية تغيير النهج السياسي الذي تعتمده الانظمة الحاكمة، فلو بقي لشعوبنا ذرة امل لسلك الناس طريقا آخر للضغط باتجاه التغيير السياسي.
هذا اولا، وثانيا: فان هذه الظاهرة دليل على ان العالم في غفلة عما يرجي في البلاد العربية من قهر منظم للانسان وسحق مستمر لحقوقه واهانة دائمة لكرامته، ولذلك عمد المواطن العربي الى هذه الطريقة المؤلمة من تعذيب الذات من اجل لفت الانتباه الى واقعه المر، في مسعى منه لاحداث صدمة في ضمير العالم، خاصة الحر، من اجل تنبيهه الى ما يجري في بلداننا العربية، والتذكير بان بلداننا ليست بترولا فقط او ذهبا فحسب او مناجم فحم، وهي كذلك ليست بقرة حلوب حبلى بالخيرات المتنوعة، وانما في بلداننا كذلك انسان يمتلك مشاعر واحاسيس وتطلعات نحو غد افضل، فلماذا يشغل العالم نفسه بالحكام فقط ولا ينتبه ابدا الى الانسان المقهور؟.
لقد شهدت الكثير من الدول التي تسعى شعوبها الى لفت انتباه الراي العام الدولي الى حقيقة ما يجري خلف الاستار الحديدية الى مثل هذه الظاهرة، وقد نجحت في ذلك، وان مما يؤسف له حقا هو عندما لم تجد الشعوب المقهورة والمغلوب على امرها غير هذه الطريقة للتعبير عن نفسها وعن آلامها وآمالها.
والمؤسف كذلك عندما يتجاهل الراي العام الدولي حقائق الامور في البلدان التي تحكمها انظمة استبدادية، فلا ينبهها الى الحقيقة الا صورة انسان برئ يحرق نفسه امام عدسة الكاميرا.
انها ماساة انسانية كبيرة يجب ان ينتبه اليها العالم.
اكيد ان مثل هذه الظاهرة سوف لن تهز (شاربا) في وجه اي حاكم من حكام البلاد العربية، الا انني استغرب من بعض وعاظ السلاطين الذين تذكروا موقف الدين الاسلامي من مثل هذه الظاهرة ليصدروا فتاوى دينية تعبر عن هذه الموقف، عجبا، لماذا نسوا او تناسوا ان يصدروا فتوى يحددون فيها موقف الدين الاسلامي من الاستبداد السياسي ومن الظلم والقهر والعدوان والحروب العبثية واللصوصية واكتناز الذهب والفضة، وترك الشعوب تتضور جوعا وفاقة وعوزا؟.
انها فتاوى تحت الطلب يخرجها وعاظ السلاطين من مخابئهم كلما احتاجت الانظمة الاستبدادية الى طوق نجاة للهروب من ازمة تعصف بسلطانهم، ولقد ذكرتني هذه الفتاوى بتلك التي اصدرها فقهاء البلاط السعودي ضد الطاغية الذليل صدام حسين عندما غزا الجارة الكويت، وقتها احتاج نظام آل سعود الى فتوى تجيز له استدعاء القوات الاجنبية للانتشار في بلاد الجزيرة العربية، فاصدر كبيرهم آنئذ (بن باز) فتوى قال فيها ان صدام كافر ولا تقبل منه توبة فهو لا يستتاب، ولكنهم، نفس فقهاء البلاط هؤلاء، اصدروا فتوى اخرى يوم اعدام الطاغية الذليل قالوا فيها بانه شهيد ومثواه الجنة.
الم اقل لكم انها فتاوى تحت الطلب؟.
لماذا لم يشر اصحاب هذه الفتاوى الى الاسباب التي دعت مثل هؤلاء الابرياء لحرق انفسهم وبهذه الطريقة المؤلمة والمفجعة؟ لماذا لم يذكروا الاسباب التي دفعت بهؤلاء الابرياء الى ان يسترخصوا ارواحهم واجسادهم ليشبوا فيها النار بهذه الطريقة المفجعة؟.
لماذا لم يشيروا الى راي الدين الاسلامي ازاء حالة البؤس التي يعيشها شعبنا العربي في كل البلاد العربية؟ لماذا لم يشيروا الى راي الاسلام في حالة التخمة التي يتمتع بها الحكام الى جانب حالة الجوع التي يتضور منها الفقراء وهم يعيشون على بحار من البترول والخيرات؟.
الى متى يظل هؤلاء الفقهاء اداة بيد الحاكم الظالم يخدمونه كلما اشر لهم بسبابته، او لوح لهم بصورة دولار ولا يفكروا ابدا في ان يقفوا الى جانب المظلوم، ينتصرون له ممن ظلمه؟.
انهم يتحملون مسؤولية دينية وتاريخية عظيمة اذا ما تردت الاوضاع اكثر فاكثر، لانهم لم ياخذوا على يد الظالم، وصدق رسول الله (ص) عندما قال {اذا فسد العالم، بكسر اللام، فسد العالم، بفتح اللام}.
السؤال السابع:
تذكرني قصيدة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي عندما قال قبل 80 عاماَ تقريبا:
اذا الشعب يوماَ أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
اليست هذه، برأيك، رسالة من الشعوب لحكامهم بأن الصبر له حدود والتغيير قادم عاجلاَ أم آجلاَ؟.
الجواب:
لم يكن يقرا فنجانا شاعرنا الشاب هذا عندما نظم قصيدته هذه، كما انه لم يكن يعلم الغيب عندما امسك بقلمه ليكتب هذه الابيات الخالدة من ملحمته الانسانية العظيمة، بل انه كان يعبر عن واقع يجب ان يمر على الامة ان عاجلا ام آجلا.
انها، كما تفضلت، رسالة الشعوب الى حكامها، الا ان المشكلة هي ان الطاغوت سريعا ما ينسى حاله وما يدور من حوله من مظاهر للتغيير والتحولات التاريخية، لانه يظن بان الفلك يتوقف عن الدوران بمجرد ان يمسك بالسلطة، ظنا منه بان زبانيته وحرسه الخاص وقواته المسلحة وحزبه الاوحد وامواله التي اكتنزها بالحرام وعشيرته التي تؤويه واعلامه المضلل، ان كل ذلك سيرغم الفلك على التوقف الى ان يشاء هو ان يتحرك، ولذلك ترى الطاغوت يرعد ويزبد ويقتل ويطارد ويتبختر وينتفخ ويزهو وكأن السماء غضت الطرف عنه وان شعبه سكت عندما خدعه بقرارات زيادة الرواتب مثلا او زيادة الحصة التموينية او تخفيض اسعار المحروقات او الاعتذار منه بعد (32) عاما من السلطة المستبدة والبوليسية، كما سمعنا مثل هذا من ديكتاتور اليمن مؤخرا، وكل ذلك في مكرمات رئاسية او ملكية او اميرية وكأن البلد وخيراته ملكه الخاص ورثه عن ابيه عن جده عن امه، وكأن الشعب قطيع من الحمير او الخراف او العبيد متى شاء ركبها ومتى شاء نحرها ومتى شاء علفها.
انهم يتجاهلون حركة التاريخ لتهدئة خواطرهم المرعوبة من رياح التغيير، ولكنني على ثقة عالية بان التغيير الذي طال انتظاره قادم لا محالة {انهم يرونه بعيدا* ونراه قريبا}.
ختاما:
اتقدم بجزيل الشكر ووافر التقدير لصحيفتي (آسو) و (الصوت الاخر) واخص بالذكر الزميل كاك سردار زنكنة، لاتاحة هذه الفرصة الثمينة لاطل من خلالها على القراء الكرام، على امل لقاء قريب آخر وقد تحقق لشعوبنا المغلوب على امرها ما تصبو اليه.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
25 كانون الثاني 2011