Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

نصيحة يوليوس قيصر للمالكي

 

                           

سألت عدداً من الأصدقاء،  الذين عرفوا جواد ( نوري ) المالكي عن قرب خلال فترة لجوئه الى كردستان المحررة في منتصف التسعينات من القرن الماضي ،  عن شخصية  هذا الرجل ، وكانت اجاباتهم متشابهة وتكاد أن تكون متطابقة . قالوا جميعاً : " ان المالكي كان انساناً عاديا ومتواضعاً ، منطوياً على نفسه ، قليل الكلام ، ويتجنب الدخول في أي نقاش أو سجال سياسي ، ربما لكي لا يكشف عن آرائه الحقيقية ، التي قد لا تعجب الآخرين ، ولم يكن يتمتع لا بالجاذبية الشخصية ولا بسرعة البديهة ولا أو أي ملمح من الملامح القيادية او الكاريزمية .

 اذن كيف تغير هذا الأنسان العادي المتواضع الى أنسان آخر ، متغطرس ونرجسي وانفعالي ، والى حاكم مستبد ، حكر السلطات بيده واستفرد بالقرارات المصيريه وقمع صوت كل ناقد وناصح ، كيف تحول هذا الأنسان العادي  الى سييف مسلط على شعب العراق ، وآلة جهنمية للقمع والتصفيات الجسدية والمعنوية ، وحول العراق الى ضيعة له ولأقاربه وحاشيته . لم أجد جواباً عند أصدقائي على هذه التساؤلات . ومن اجل فك  لغز هذا التحول الذي طرأ على شخصية وسلوك المالكي ، كان لا بد من الرجوع الى البحوث النفسية والأجتماعية عن تأثير السلطة على الشخص غير المؤهل للقيادة ، عندما يجد نفسه في قمة السلطة .

 

وكانت النتيجة مذهلة !

 

فقد تبين ان علماء النفس والأجتماع في الجامعات الغربية قد أجروا العديد من التجارب المختبرية  على اشخاص عاديين عن طريق اشراكهم في  تجربة  اسمها " لعبة الدكتاتور " حيث تمكنوا من الأيحاء اليهم انهم اصبحوا يمتلكون قوة قاهرة ، وبعد تقمصهم  شخصية الدكتاتور ، تحولوا الى اشخاص آخرين تماماً ، قساة متكبرين ، يستمتعون بالعنف وبأيذاء الآخرين  وبقدرتهم على التحكم في مصائرهم .

كما درس هؤلاء العلماء في السنوات القليلة الماضية ،الأنحراف النفسي المرضي لدى طغاة العصر ( هتلر ، ستالين ، بينوشيت ، بول بوت ، شاوشيسكو ، صدام حسين ، القذافي وغيرهم ) وقارنوا بين سلوكهم وأفعالهم وتصرفاتهم قبل تولي السلطة وبعدها  وأشبعوا هذه المسألة دراسة وتحليلا وكشفوا خفايا " مرض السلطة " . وسأحاول وبتركيز شديد الحديث عن أهم استنتاجات هؤلاء العلماء ، عسى ان يدرك كل عراقي نزيه وشريف وكل من لم يصب  بلوثة الطائفية ، مدى خطورة بقاء المالكي في سدة الحكم ، على مصائر البلاد والعباد .

يقول هؤلاء العلماء :ان الصفات القيادية للزعيم الكاريزمي من جاذبية ،  و حضور طاغ  ،  وسحر شخصي  وتأثير ايجابي على الآخرين ) هي صفات  فطرية تتحكم فيها ( الجينات ) والأشخاص الذين يتمتعون بهذه الصفات هم في العادة أشخاص لهم القدرة على تشخيص وتحليل وحل المشاكل وتقدير المواقف ومواجهة التحديات بهدؤ واتزان واتخاذ القرارات الصحيحة لمصلحة بلادهم ومستقبل شعوبهم .وهم في العادة وصلوا الى سدة الحكم عن طريق أنتخابات حرة نزيهة وفي اجواء ديمقراطية .

أما الأشخاص الذين لا يتمتعون بهذه الصفات و يجدون أنفسهم في سدة الحكم بالصدفة ، فأن تغيرات هيكلية وهرمونية تطرأ على أدمغتهم .

يقول الباحث  أندي ياب ( Andy Yap) من جامعة كولومبيا : " عندما يجد شخص عادي نفسه في سدة الحكم يشعر بالقوة التي تمنحه السلطة ،  ويخيل اليه أن بوسعه الآن التأثير في الآخرين والتحكم في مصائرهم .

ثمة مقولة مشهورة للمؤرخ الأنجليزي لورد أكتون (1834 - 1902): " السلطة مفسدة والسلطة المطلقة ، مفسدة مطلقة "

ولكن الباحث جوي ماغي ( Joe Mgee) من جامعة نيويورك يفسر مقولة اللورد أكتون على نحو أعمق فيقول : بأن السلطة تمنح صاحبها الكثير من المزايا و تكشف القناع عن طبيعته الذاتية وتحرره من القيود والضغوط الخارجية ، فتتحرر ذاته  وتخرج الي السطح ويطلق لنفسه العنان من قيود الحياة. فالأنسان عندما يكون خارج الحكم يعيش في اطار الأعراف الأجتماعية ، ففي مكان العمل مثلا يتعرض لضغوط رؤسائه ويضطر للتكيف مع زملاءه ومع من يتعامل معهم ولكن عندما يحصل على السلطة يتحرر من هذه الضغوط ومن كثير من القيود التي كان مضطرا الى عدم تجاوزها . .

ويتجلى هذا التحرر  بعدة اشكال ، فقبل كل شيء ، صاحب السلطة المستبدة لا يقيم وزناً لآراء الآخرين  ولا  يأبه بنصائحهم  ، ويتخذ قرارات خطيرة من دون التفكير في المخاطر المحتملة ، التي قد يصادفه في طريق الوصول الى  الاهداف التي يقصدها ، بسبب ارتفاع مستوى هرمون الهيمنة (تستوستيرون) وانخفاض مستوى هرمون الكورتيزول ( هرمون الإجهاد) لديه  .

فتنطلق قواه المكبوتة من عقالها ويتحرر سلوكه وتصرفاته من الخوف وتغكيره من من ادراك رعواقب الأمور . وقد ثبت من الناحية البيولوجية ان نشوة السلطة مشابهة تماما للنشوة التي يحس بها الأنسان عند تناول ( الكوكايين ) حيث يستهين بالصعوبات والمخاطر ويخيل اليه أنه حر وطليق و قادر على  تخطي كل الصعوبات .

مثل هذا الحاكم يعتاد على السلطة ويعشقها ويدمنها ويحاول التمسك بها الى آخر نفس ، كما مدمن ( الكوكايين ) . وهو على استعداد لأرتكاب أي جريمة من اجل الأحتفاظ بالسلطة .

ان السلطة في يد  انسان يعاني من مركب النقص تنطوي على مخاطر اهمها امكانية انزال العقاب بالآخرين.

ان ثنائية العقاب والعفو . والتحكم بمصائر الآخرين – امر مغر كثيرا ، واذا كان الحاكم يستمتع بهذا ، فأن البلد يتعرض الى مآسي وكوارث لا تنتهي .

ما الذي يدفع مثل هؤلاء المغامرين  الى التكالب على  السلطة بهوس مرضي . ؟ انه قبل كل شيء حب الذات والطموح و احيانا الرغبة في الأثراء  .

وقد لاحظ بعض علماء النفس ، ان مثل هذه السلطة المنفلتة من عقالها تقترن دائما بالنفاق . فالحاكم يدعي النزاهة ولكنه لا يفوت فرصة لأستغلال نفوذه لمصلحته الشخصية . فهو يأخذ كل ما يرغب فيه ، لأن بوسعه ان يفعل ذلك دون الخشية من المحاسبة او العقاب ، وعقله الباطن يوحي اليه ان له الحق في هذا التصرف .

التأريخ يعلمنا ان ما من مغامر أو مدمن سلطة أستطاع تحقيق التقدم لبلاده  والسعادة لشعبه والسبب هو ان نمط الحياة ، الذي يتصوره الحاكم المغامر والمستقبل ، الذي يحلم به لبلده  ،  يختلفان  تماما عما يتطلع اليه شعبه . وهذا امر مرعب  حقا ، لأن الحاكم المغامر  يبدا بفرض الواقع الذي يتخيله بالقوة ، بالقمع والأضطهاد وتصفية المعارضين ، رغم معارضة اغلبية الشعب لأحلامه المريضة .  .

كان الأمبراطور يوايوس قيصر حريصاً على أن يكون الى جانبه رجل حكيم ، يردد على مسامعه يومياً : " تذكر ، انك مجرد أنسان لا أكثر"

فهل بين مستشاري المالكي والمقربين منه ، رجل حكيم وجريء  ، قادر ان يقول له ولو مرة واحدة " يا مالكي تذكر انك مجرد انسان لا اكثر !

جـــودت هوشـيار

jawhoshyar@yahoo.com

 

 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
حملة مناهضة بناء مكب نفايات مشعة على أرض العراق / تنفيذ حقوقي سمير اسطيفو شبلا/ بتاريخ 10 كانون الثاني 2014 اطلقنا حملة مناهضة بناء مكب للنفايات السامة داخل العراق حسب مذكرة التفاهم بين الحكومة العراقية الدولة المفترض بنائها في العراق دولة قدرة لا دولة مدى مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/ في كتابه القيم (بناء الدولة) يميز الكاتب الأمريكي المثير للجدل (فرنسيس فوكاياما) بين قوة الدولة ومداها، فيقول: إن مدى الدولة".. يشير إلى الوظائف والأهداف المختلفة التي تضطلع بها نداء عاجل ..أين رمزنا ، "صليبو دحايي"!؟ نعم، أربعة عشر قرناً ومسيحيو الشرق يعانون من الإرهاب والإضطهاد، فقد قدّمــــــــوا ملايين الضحايــــا لأجل الحفــــاظ على عقيدتهــــم الدينيــــة وكيــــــانهم المسيحي وبنـــــــاء أوطانهم بروح التضحية والإخلاص، ومع هذا فإن حملات اضطهاد المسيحيين أخذت منذ القِدَم مسلكاً واحداً هو القضاء عليهم بمختلف الوسائل، بدءاً بأجدادنا وأسلافنا _ ونحن اليوم أولادهم وأحفادهم _ الذين كانوا يعيشون في الوسط الأصولي الداعشي الإرهابي وبمختلف جائزة نوبل لقاء انتحال مبادرة جــودت هوشــيار/ هل يستحق جائزة نوبل للسلام ، من ينتحل لنفسه مبادرة قدمها آخرون ؟ الجواب .. كلا .. بطبيعة الحال ،
Side Adv2 Side Adv1