نص خطاب وزيرة الخارجية هيلاري رودام كلينتون عن أجندة حقوق الإنسان للقرن الحادي والعشرين
18/12/2009شبكة أخبار نركال/NNN/
فيما يلي نص الخطاب الكامل لوزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ، حول اجندة حقوق الانسان للقرن الحادي والعشرين ، والذي القته في جامعة جورجتاون - قاعة غاستون - واشنطن العاصمة:
14 كانون الأول/ديسمبر 2009
جامعة جورجتاون
قاعة غاستون
واشنطن العاصمة
شكراً لكم. إنه لأمر رائع أن أكون هنا مجدداً في جورجتاون، في هذه القاعة المهيبة، غاستون هول، لإعطائكم شيئاً تعملونه خلال أسبوع الامتحانات.إنه أحد الأسباب شبه - المشروعة لأخذ استراحة [من امتحاناتكم] ويسعدني جداً أنني وفرتها.
أريد أن أشكر جاس للكلمات التي قدمني بها، ومن الواضح ان البعض منكم الذين يدرسون في كلية خدمة السلك الخارجي قد سمعتم الأحاديث عن الفرصة الاستثنائية التي توفرت لكم للدراسة هنا عندما تكلّم عن ثقافة حقوق الإنسان. إنه لشرف حقيقي لي أن ألقي هذا الخطاب في جورجتاون، إذ ليس هناك من مكان أفضل من هذه الجامعة للتحدث حول حقوق الإنسان. إذ يجسد الرئيس دي غيويا، والإدارة، وأعضاء هيئة التدريس التقليد الطويل الأمد للجامعة في دعم حرية التعبير والاستقصاء الحر وقضية حقوق الإنسان حول العالم.
أعرف أن الرئيس دي غيويا بنفسه درّس مقرراً حول حقوق الإنسان كما حول أخلاقيات التنمية الدولية مع إحدى زميلاتي منذ وقت طويل، كارول لانكاستر، عميدة كلية الخدمة الخارجية بالنيابة. وأريد أن أثني على أعضاء هيئة التدريس هنا الذين يساعدون في تكوين تفكيرنا حول حقوق الإنسان، وحول حل النزاعات، وحول التنمية والمواضيع المتعلقة بها. من المهم ان ينتمي المرء إلى هذه الجامعة لأن الطلاب هنا، وأعضاء هيئة التدريس، يضيفون في كل سنة شيئاً إلى موضوع الحوار بين الأديان. إنكم تعطون صوتاً للعديد من المناصرين والناشطين الذين يعملون على الخطوط الأمامية للحركة العالمية لحقوق الإنسان للتعبير عن آرائهم من خلال معهد حقوق الإنسان هنا في كلية الحقوق كما من خلال برامج أخرى. ثم إن الفرص التي توفرونها لطلابكم للعمل في ندوة دولية لحقوق المرأة عزيزة على قلبي بشكل خاص.
تعكس كافة هذه الجهود الالتزام العميق لإدارة جامعة جورجتاون، وهيئة التدريس فيها وطلابها بهذه القضية. لذلك، أولاً وقبل كل شيء آخر، أريد ان أقول شكراً لكم. شكراً لكم لمحافظتكم على حقوق الإنسان في الطليعة وكموضوع مركزي. أشكركم على تدريب الجيل التالي من مناصري حقوق الإنسان، وبصفة أعم، لإدخال طلاب قد لا يصبحون أبداً ناشطين، وقد لا يعملون أبداً في منظمة العفو الدولية أو مع أية منظمة أخرى تكرس أوقاتها بشكل خاص للدفاع عن حقوق الإنسان، ولكنهم سوف يغادرون هذه الجامعة وقد تشربوا هذه الحقوق في قلوبهم وعقولهم. لذلك، أشكرك، الرئيس دي غيويا لكل ما تفعله أنت وكل ما فعلته جامعة جورجتاون .
أريد أن أتحدث إليكم اليوم عن أجندة حكومة أوباما لحقوق الإنسان للقرن الحادي والعشرين. إنه موضوع ماثل في أذهان أناس عديدين يتشوقون للاستماع إلى شيء عن أسلوبنا، وهو أمر يمكن تفهمه، لأنه يتعلق بمسألة حرجة تبرر بذل طاقتنا وتوجيه اهتمامنا. سوف توفر شروحاتي اليوم نظرة عامة لتفكيرنا حول حقوق الإنسان والديمقراطية وكيف تتلاءم مع سياستنا الخارجية الأوسع، كما مع المبادئ والسياسات التي توجه أسلوبنا.
ولكن اسمحوا لي أن أقول أيضا ما لا تشمله هذه النظرة العامة. فلا يمكن أن تكون إحصاءً شاملا للإساءات أو للدول التي أثرنا معها هواجسنا حول حقوق الإنسان. ولا يمكن ان تكون، كما أنها ليست بالفعل كشف حساب أو سجل نقاط. فنحن ننشر في كل سنة تقريراً حول حقوق الإنسان يتطرق بتفصيل كبير إلى الهواجس التي تقلقنا تجاه دول عديدة. ولكني آمل بأن نستطيع اغتنام هذه الفرصة لبحث هذه المسألة المهمة تحت ضوء أشمل وأن نقدر تعقيدها التام، وثقلها المعنوي، ومدى إلحاحها. وإذ قلت ذلك، اسمحوا لي بأن أتطرق إلى العمل الذي نحن بصدده.
قال الرئيس أوباما في خطاب القبول الذي ألقاه في حفل جائزة نوبل للسلام، إنه في حين ان الحرب لم تكن أبداً محبذة أو جيدة، فإنها تكون أحياناً صوابا وضرورة، ذلك، حسب تعبيره، لأن "السلام العادل فقط الذي يستند إلى الحقوق والكرامة المتأصلة لكل إنسان يمكن أن يدوم بالفعل." نجد عبر التاريخ وفي زمننا بالذات، أناساً ينكرون هذه الحقيقة إنكارا شديدا. ومهمتنا هي اعتناق هذه المبادئ والعمل من أجل تحقيق سلام دائم من خلال برنامج عمل قائم على مبادئ حقوق الإنسان، كما من خلال استراتيجية عملية لتطبيقه.
وأعاد خطاب الرئيس أوباما إلى أذهاننا أن قيمنا الأساسية، القيم المكرسة في إعلان استقلالنا أي، الحق في الحياة، في الحرية ونشدان السعادة، ليست مصدر قوتنا وصمودنا فحسب، بل هو الحق المكتسب بالولادة لكل رجل وامرأة وطفل على وجه الأرض. هذا هو أيضاً الوعد الذي جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الشرط المسبق لبناء عالم تتأمّن فيه لكل فرد الفرصة لممارسة قدرته التي حباها إياه الله، والقوة الكامنة وراء كل حركة تسعى للحرية، كل حملة تسعى للديمقراطية، كل جهد لتعزيز التنمية، وكل كفاح ضد الاضطهاد.
القدرة الكامنة في كل فرد للتعلم، واكتشاف واحتضان العالم من حوله، والقدرة الكامنة في الانضمام بحرية مع الآخرين لتكوين جماعاتهم الأهلية ومجتمعهم بحيث يستطيع كل إنسان ان يحقق ذاته ويحقق الاكتفاء الذاتي، والقدرة الكامنة على مشاطرة مباهج الحياة ومآسيها، والضحك وذرف الدموع مع الناس الذين نحبهم - كل هذه القدرات الكامنة مقدسة. لكن ذلك الاعتقاد خطر بالنسبة للكثيرين ممن هم في السلطة ويبنون موقفهم ضد "الآخر"، أي القبيلة الأخرى أو الدين أو العرق أو الجنس أو الحزب السياسي الآخر. والوقوف في وجه ذلك الإحساس الزائف بالهوية وتوسيع دائرة الحقوق والفرص لكافة الناس، لتحقيق تقدم حرياتهم وإمكانياتهم، هذا ما يجعلنا نقوم بما نفعله.
نحتفل في هذا الأسبوع بأسبوع حقوق الإنسان. ولكن في وزارة الخارجية كل أسبوع هو أسبوع حقوق الإنسان. فقبل إحدى وستين سنة من هذا التاريخ، أعلن زعماء العالم إطار عمل جديدا للحقوق، والقوانين والمؤسسات التي تستطيع ان تُلبي التعهّد بعدم حصول ما حصل "مرة أخرى على الإطلاق". لقد أكدوا الشمولية العالمية لحقوق الإنسان من خلال الإعلان العالمي والمعاهدات القانونية ومن ضمنها تلك التي تهدف إلى مكافحة إبادة الجنس، وجرائم الحرب والتعذيب، وتتحدى التمييز ضد النساء، والأقليات العرقية والدينية. أصبحت حركات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية المتنامية شريكة أساسية في تقدم مبدأ أن كل إنسان له قيمة وفي فضح أولئك الذين ينتهكون ذلك المعيار.
وإننا إذ نحتفل بهذا التقدم، يجب مع ذلك أن يظل تركيزنا مسلطاً على العمل الواجب تنفيذه. تشجعنا مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على استعمالها، حسب تعبيرها، "كمعيار للإنجاز". وهذا ما يتوجب علينا. لكن لا يمكننا أن ننكر وجود الفجوة التي لا تزال قائمة بين الوعود البليغة وتجارب الحياة التي يمر بها رفاقنا من بني البشر. والآن، أصبح علينا أن ننجز هذه المهمة.
برنامج عملنا لحقوق الإنسان للقرن الواحد والعشرين هو جعل حقوق الإنسان واقعا إنسانيا -- والخطوة الأولى هي رؤية حقوق الإنسان في سياقها العريض. بالطبع، يجب ان يكون الناس أحراراً من ظلم الطغيان، من التعذيب، من التمييز، من الخوف من القادة الذين سيسجنونهم أو يجعلونهم "يختفون". ولكن يجب ان يكونوا أيضاً أحراراً من طغيان الحاجة - الحاجة للطعام، الحاجة للصحة، الحاجة للتعليم، والحاجة للمساواة أمام القانون وفي الواقع.
لكي يحقق الناس إمكانياتهم الكامنة يجب ان يكونوا أحراراً في اختيار القوانين والزعماء، وفي المشاركة والوصول إلى المعلومات، وفي التعبير، والانتقاد، والمناظرة. يجب ان يكونوا أحراراً في ممارسة عبادتهم، وفي التجمع، وفي المحبة وفق الطريقة التي يختارونها. ويجب ان يكونوا أحراراً في السعي من أجل الكرامة التي تأتي مع تحسين الذات ومع الاعتماد على النفس، وفي تشكيل أفكارهم ومهاراتهم، ونقل سلعهم إلى الأسواق، والمشاركة في عملية الابتكار. اتنطوي حقوق الإنسان على متطلباتً سلبية وإيجابية. فيجب ان يكون الناس أحراراً من الطغيان بأي شكل كان، كما يجب أن يكونوا أيضاً أحراراً في اغتنام الفرص للعيش حياة كاملة. ولهذا السبب يُشكِّل دعم الديمقراطية وتعزيز التنمية حجري الزاوية لبرنامج عملنا في حقوق الإنسان في القرن الواحد والعشرين.
سوف تقوم هذه الحكومة، كسابقاتها، بتعزيز ودعم الديمقراطية والدفاع عنها. فلن نتخلى عن الكلمة او الفكرة إلى أولئك الذين استعملوا الديمقراطية بصورة ضيقة جداً أو لتبرير السياسات غير الحكيمة. لا ندافع عن الديمقراطية لأننا نريد أن تكون الدول الأخرى مثلنا، بل لأننا نريد أن يتمتع كل الناس بالحماية المستمرة للحقوق التي هي حقوق طبيعية لهم، بغض النظر عما إذا كانوا قد ولدوا في تالاهاسي أو في طهران. فلقد أثبتت الديمقراطية أنها أفضل نظام سياسي لجعل حقوق الإنسان واقعا إنسانيا على المدى الطويل.
ولكن من الأمور الحاسمة ان نوضح ما نعنيه عندما نتحدث عن الديمقراطية، لأن الديمقراطية لا تعني فقط اجراء انتخابات لاختيار القادة، بل ووجود مواطنين نشطين وصحافة حرة وقضاء مستقل ومؤسسات شفافة ومستجيبة تخضع لمحاسبة كافة المواطنين وتحمي حقوقهم بصورة متساوية ومنصفة. إن احترام الحقوق في الدول الديمقراطية ليس خياراَ يقرره القادة يوماً بيوم، وإنما هوالسبب الذي يجعلهم يحكمون. الأنظمة الديمقراطية تحمي وتحترم المواطنين في كل يوم، وليس فقط يوم الانتخابات. وتعبر الأنظمة الديمقراطية عن عظمتها ليس من خلال التشديد على أنها كاملة، بل من خلال استعمال مؤسساتها ومبادئها لجعل نفسها واتحادها أكثر كمالاً، تماماً كما تستمر بلادنا في عمله بعد مرور 233 عاما.
في نفس الوقت، يجب أن تُشكِّل التنمية البشرية جزءاً من برنامج عملنا لحقوق الإنسان. ولأن المستويات الأساسية للرفاه والخير أي، الغذاء، والمأوى، والصحة، والتعليم، كما الأمور الحسنة المشتركة العامة كاستدامة البيئة، والحماية ضد الأمراض الوبائية، وتأمين الإغاثة للاجئين، كلها ضرورية للناس لتمكينهم من ممارسة حقوقهم، وذلك لأن التنمية الإنسانية والديمقراطية تتعززان بصورة متبادلة. ومن غير المحتمل للحكومات الديمقراطية أن تعيش طويلاً إذا كان مواطنوها لا يملكون الضروريات الأساسية للحياة. فالقنوط الذي يسببه الفقر والمرض يقود في أحيان كثيرة إلى العنف الذي يعرض للخطر حقوق الناس ويهدد استقرار الحكومات بصورة إضافية. فالدول الديمقراطية التي تؤمن الحقوق، والفرص والتنمية لشعوبها تكون مستقرة وقوية وتستطيع بدرجة أكثر احتمالاً تمكين شعوبها من تحقيق قدراتهم الكامنة.
وهكذا، لا تُشكِّل حقوق الإنسان والديمقراطية والتنمية ثلاثة أهداف منفصلة لها ثلاث أجندات منفصلة. ولا تعكس تلك النظرة الحقيقة التي نواجهها. فمن أجل إحداث فرق حقيقي طويل الأمد في حياة الناس، علينا ان نعالج تلك الأهداف الثلاثة بصورة متزامنة مع التزام ذكي، استراتيجي، عازم، وطويل الأمد. علينا ان نقيس درجة نجاحنا من خلال طرح هذا السؤال: هل هناك عدد أكبر من الناس في عدد أكبر من الأماكن يستطيعون ممارسة حقوقهم العالمية وتحقيق قدراتهم الكامنة بشكل أفضل بسبب ما نقوم به من أعمال؟
إن مبادئنا هي نجمنا القطبي الهادي، ولكن أدواتنا وأساليبنا يجب أن تكون مرنة وأن تعكس الحقيقة على أرض الواقع أينما نحاول أن نحقق تأثيراً إيجابياً. والآن، في بعض الحالات، تكون الحكومات راغبة ولكنها عاجزة، من دون دعم، عن إنشاء مؤسسات وإقامة حمايات قوية لمواطنيها، مثل الديمقراطيات الناشئة في أفريقيا. ويمكننا مد أيدينا كشركاء لمساعدتها في محاولة تثبيت السلطة وتحقيق التقدم الذي ترغب فيه. في حالات أخرى، مثل كوبا أو نيجيريا، تكون الحكومات قادرة ولكنها غير راغبة في اجراء التغييرات التي يستحقها مواطنوها. وهناك، علينا ان نضغط بقوة على القادة لوضع حد للاضطهاد، بينما ندعم الذين يعملون داخل تلك المجتمعات لإحداث التغيير. وفي الحالات التي تكون الحكومات غير راغبة وغير قادرة في آن واحد، في أماكن مثل الكونغو الشرقية، علينا ان ندعم أولئك الشجعان والمؤسسات الشجاعة الذين يحاولون حماية مواطنيهم والذين يصارعون ضد الاحتمالات الصعبة التي تهدف إلى زرع البذور لتأمين حياة أكثر أملاً للمستقبل.
والآن، لا أحتاج لأن أقول لكم إن التحديات التي نواجهها متنوعة ومعقدة. وليست هناك أية مقاربة أو صيغة أو عقيدة أو نظرية وحيدة يمكن تطبيقها بسهولة على كل حالة. ولكني أريد ان أؤكد على أربعة عناصر في الأسلوب الذي تبنته حكومة أوباما لوضع مبادرتنا قيد التنفيذ، وأتشاطر معكم بعض التحديات التي نواجهها ونحن نقوم بذلك.
أولاً، يبدأ الالتزام بحقوق الإنسان باتباع معايير عالمية شاملة وبجعل كل فرد مسؤولاً يحاسب على اتباع تلك المعايير بمن فيهم نحن أنفسنا. فقد أصدر الرئيس أوباما في اليوم الثاني لتوليه السلطة أمراً تنفيذياً يحرم استعمال التعذيب أو القسوة الرسمية من قبل أي مسؤول أميركي وأمر بإغلاق سجن خليج غوانتنامو. وفي السنة القادمة، سوف نصدر تقريرنا حول الاتجار بالبشر كما نفعل في كل سنة، ولكن في هذه المرة سوف لن نتحدث فقط عن بلدان أخرى بل وأيضاً عن بلدنا بالذات. كما سوف نشارك عبر منظمة الأمم المتحدة في المراجعة الدورية العالمية لسجل حقوق الإنسان لدينا تماماً كما نشجع دولاً أخرى على فعل ذلك.
فمن خلال جعل أنفسنا خاضعين للمحاسبة، سوف نعزز سلطتنا المعنوية لمطالبة كافة الحكومات بالالتزام بالواجبات بموجب القانون الدولي، من بينها، عدم ممارسة التعذيب، الاحتجاز التعسفي واضطهاد المعارضين، او المشاركة في عمليات القتل لأسباب سياسية. يجب على حكومتنا وعلى المجتمع الدولي مواجهة ادعاءات أولئك الذين ينكرون أو يتخلون عن مسؤولياتهم والقيام بمحاسبة المنتهكين.
في بعض الأحيان، سوف يكون لنا التأثير الأكبر من خلال التنديد علناً بأي عمل حكومي، كالانقلاب الذي حصل في هندوراس، أو ممارسة أعمال العنف في غينيا. وفي أوقات أخرى، من المحتمل أكثر أن نساعد المضطهدين من خلال الانخراط في مفاوضات عسيرة وراء أبواب مغلقة، مثل الضغط على الصين وروسيا كجزء من برنامج عملنا الأوسع. وفي كل حالة، سوف يكون هدفنا إحداث فرق، وليس إثبات موقف.
لكن الدعوة للمساءلة والمحاسبة لا تبدأ أو تتوقف عند تسمية المنتهكين. هدفنا هو التشجيع، وحتى المطالبة، بأن تتولى الحكومات أيضاً المسؤولية من خلال تثبيت حقوق الإنسان في صلب القانون وتركيزها داخل المؤسسات الحكومية، من خلال بناء نظام قضائي قوي ومستقل، وتشكيل شرطة كفؤة ومنظمة، وفرض تطبيق القانون. وبعد ان يتم تثبيت الحقوق يجب التوقع من الحكومات أن تقاوم إغراء تقييد حرية التعبير عند بروز انتقادات وان تسهر على منع جعل القانون يُشكِّل أداة للاضطهاد، مثل مشاريع القوانين التي تجري دراستها في أوغندا لتجريم المثليين.
نعرف أن كافة الحكومات وكافة الزعماء يقصرون أحياناً بواجباتهم. ولذلك يجب إنشاء آليات داخلية للمساءلة والمحاسبة عند انتهاك الحقوق. في أحيان كثيرة تكون أقسى الاختبارات للحكومات، الأساسية لحماية حقوق الإنسان، هي استيعاب وقبول الانتقاد. وهنا أيضاً يجب ان نقود كمثال. فعلنا ذلك خلال العقود الستة الماضية، بصورة غير كاملة أحياناً، ولكن بنتائج ذات شأن، بدءاً بتقديم تعويضات لاحتجازنا مواطنينا الأميركيين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، مروراً بإنشاء حق المراجعة القانونية لضحايا التمييز العنصري في الجنوب ضد السود، وصولاً إلى إقرار تشريعات ضد جرائم الكراهية التي تشمل الاعتداءات ضد المثليين والمثليات. عندما نهمل الأعمال المنافية للعدل، ننكر العدالة في كل مكان. الاعتراف بالأخطاء ومعالجتها لا يجعلنا أكثر ضعفاً بل يعيد تأكيد متانة مبادئنا ومؤسساتنا.
ثانياً، علينا أن نكون عمليين وسريعي الحركة في متابعة تنفيذ برنامج عملنا حول حقوق الإنسان، دون المساس بمبادئنا، بل بعمل ما يمكن، على الأرجح، ان يجعل هذه الحقوق حقيقية. وسوف نستعمل كافة الأدوات المتوفرة لدينا، وعندما نصل إلى طريق مسدود لن نتراجع بتخاذل او بإلقاء التبعة على الغير، أو نواجه بصورة متكررة نفس الطريق المسدود، بل سوف نستجيب بتصميم استراتيجي لإيجاد طريق آخر لتحقيق التغيير وتحسين حياة الناس.
إننا ندرك بأن مقياسا واحدا لا يناسب الجميع وكل الحالات. فعندما لا تنجح الأساليب القديمة، لن تخيفنا محاولة تنفيذ أساليب جديدة كما فعلنا هذه السنة بإنهاء الطريق المسدود الذي واجهته حالة العزلة [على بورما] والسعي إلى التعاطي المحسوب مع بورما. وفي إيران، عرضنا التفاوض بصورة مباشرة مع الحكومة الإيرانية حول مسائل السلاح النووي، ولكننا في نفس الوقت عبرنا عن تضامننا مع الذين يكافحون داخل إيران من أجل إدخال تغيير ديمقراطي. وكما قال الرئيس أوباما في خطاب جائزة نوبل، "إننا نقف إلى جانبهم."
وسوف نحاسب الحكومات على مسؤولية أعمالها، كما فعلنا مؤخراً من خلال إنهاء المنح المقدمة من مؤسسة تحدي الألفية إلى مدغشقر والنيجر بسبب سلوك حكومتيهما. وكما قال الرئيس في الأسبوع الماضي، "علينا ان نحاول بأفضل ما نستطيع لنوازي بين الانعزال والمشاركة، والضغط والحوافز، لكي يتأمن تقدم حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية مع مرور الزمن."
نعمل أيضاً على إدخال تغيير إيجابي داخل المؤسسات المتعددة الأطراف. إنها أدوات ثمينة عندما تكون في افضل حالاتها، فهي تعزز الجهود التي تقوم بها دول عديدة حول غرض مشترك. ولذلك انضممنا من جديد إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ليس لأننا لا نتبين عيوبه، بل لأننا نعتقد أن المشاركة تعطينا افضل فرصة لتحقيق النفوذ البنّاء.
في جلستنا الأولى، شاركنا في تبني إصدار القرار الناجح حول حرية التعبير، وهو إعلان قوي للمبادئ في وقت تتعرض فيه تلك الحرية للخطر بسبب جهود جديدة لتقييد الممارسة الدينية، كما حصل مؤخراً في سويسرا، وجهود تجريم أعمال تشويه سمعة الأديان، وهذا حل خاطئ يقابل عملا خاطئا بعمل خاطئ آخر. وفي مجلس الأمن الدولي، كان لي شرف ترؤس جلسة أيلول/سبتمبر حيث صادقنا على قرار يفرض توفير حمايات ضد العنف الجنسي في النزاعات المسلحة.
توجه البراغماتية العملية القائمة على المبادئ أسلوبنا بالنسبة لحقوق الإنسان مع جميع الدول، ولكن بشكل خاص مع دول أساسية كالصين وروسيا. فالتعاون مع كل واحدة من هاتين الدولتين أمر هام جدا بالنسبة لعافية الاقتصاد العالمي، وبرنامج منع انتشار الأسلحة النووية الذي نسعى إلى تحقيقه، كما هو هام أيضاً لمعالجة مسائل الأمن في دول مثل كوريا الشمالية وإيران، ولمعالجة مشاكل مثل تغيّر المناخ.
تسعى الولايات المتحدة إلى وجود علاقات إيجابية مع الصين وروسيا، وهذا يعني اجراء مناقشات صريحة معهما حول وجهات النظر المتعارضة. دَعونا في الصين إلى حماية حقوق الأقليات في التيبت وكسينكاينغ، وإلى حماية حقوق التعبير عن الرأي الشخصي وحرية العبادة وطلبنا إقامة مجتمع مدني ومنظمات دينية للدفاع عن مواقفها ضمن إطار عمل حكم القانون. ونعتقد جازمين أن الذين يناصرون سلمياً إدخال إصلاحات في الدستور، مثل الموقعين على الميثاق 2008، يجب ان لا يتم اضطهادهم.
بالنسبة لروسيا، نددنا بعمليات اغتيال الصحافيين والناشطين، كما ندعم الأفراد الشجعان الذين يناصرون الديمقراطية معرضين أنفسهم لمخاطر كبيرة. وبالنسبة للصين وروسيا وآخرين، نشارك في مسائل ذات مصلحة متبادلة، بينما نشترك مع العاملين في مجتمعات تلك الدول ذاتها الذين يعملون على تقدم حقوق الإنسان والديمقراطية. والافتراض الخاطئ هنا هو ان علينا إمّا أن نسعى بنشاط لتطبيق حقوق الإنسان أو أن نسعى لتحقيق "مصالحنا القومية". أمّا الافتراض بأن الإكراه والعزلة يشكلان أدوات فعالة لدفع عجلة تقدم التغيير الديمقراطي فهو أيضاً افتراض خاطئ.
عبر كل دبلوماسيتنا وجهودنا في التنمية، نستمر في السعي للتوصل إلى طرق مبتكرة لتحقيق النتائج. ولهذا السبب طلبت إجراء مراجعة للدبلوماسية والتنمية كل أربع سنوات لأول مرة على الإطلاق، وذلك من اجل وضع استراتيجية متطلعة إلى المستقبل مبنية على تحليل أهدافنا، وتحدياتنا، وأدواتنا، وقدراتنا لتحقيق أهداف السياسية الخارجية والامن القومي لأميركا. ولا يخطئن أحد في قضايا الديمقراطية والحكم الرشيد، أو D&G كما تسميها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية اختصارا، هي قضايا مركزية في هذه المراجعة.
العنصر الثالث في مقاربتنا هو اننا ندعم التغيير الذي يقوده مواطنون ومجتمعاتهم الأهلية. لا يمكن ان يكون مشروع جعل حقوق الإنسان واقعا إنسانيا مشروعاً تقوم به الحكومات بمفردها. إنه يتطلب التعاون بين الأفراد، والمنظمات داخل المجتمعات الأهلية وعبر الحدود. يعني ذلك اننا نعمل مع الآخرين الذين يشاطروننا التزامنا بتأمين حياة كريمة لكافة الذين يتشاطرون الروابط الإنسانية.
قابلت قبل ستة أسابيع في المغرب ناشطين في المجتمع المدني قدموا من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إنهم يوفرون مثالاً عن كيفية إحداث التغيير الدائم من الداخل وكيف يعتمد هذا التغيير على الناشطين الذين يوجدون الفسحة التي يتمكن فيها المواطنون المنخرطون والمجتمع المدني من بناء دعائم التنمية والديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان.
لا تستطيع الحكومات الخارجية أوالمجتمع المدني العالمي فرض التغيير، ولكننا نستطيع أن نشجع ونعزز هذا التغيير وأن ندافع عنه. يمكننا أن نشجع ونوفر الدعم للزعماء المحليين من القاعدة الشعبية، ان نوفر حبل السلامة لحماية الناشطين في حقل حقوق الانسان والديمقراطية عندما يواجهون مشاكل، كما يحدث لهم في أحيان كثيرة، بسبب إثارة مسائل حساسة والتعبير عن المعارضة. يعني ذلك استعمال أدوات مثل الصندوق العالمي للمدافعين عن حقوق الإنسان الذي وفّر خلال السنة الماضية مساعدة قانونية هادفة وإعادة توطين إلى 170 مدافعاً عن حقوق الإنسان حول العالم.
ويمكننا أن نقف إلى جانب هؤلاء المدافعين بصورة علنية، كما فعلنا من خلال إرسال بعثة دبلوماسية رفيعة المستوى لمقابلة أونغ سان سوكي، وكما فعلت أنا حول العالم، بدءاً من غواتيمالا، إلى كينيا إلى مصر، حيث تكلمت دفاعاً عن المجتمع المدني وعن القادة السياسيين الذين يعملون لمحاولة تغيير مجتمعاتهم من الداخل والعمل أيضاً عبر أقنية خلفية لتأمين سلامة المعارضين وحمايتهم من الاضطهاد.
يمكننا أن نعلي أصوات الناشطين والمناصرين العاملين على هذه المسائل من خلال تسليط الأضواء على مدى تقدمهم. كثيراً ما يتابعون مهمتهم بعزلة كما كثيراً ما يتم تهميشهم داخل مجتمعاتهم. ويمكننا أن ندعم شرعية جهودهم. إننا نعترف بأهمية الجوائز التكريمية كجوائز النساء الشجاعات التي قدمتها السيدة الأولى ميشال أوباما وأنا في وقت مبكر من هذه السنة، وجائزة المدافعين عن حقوق الإنسان التي سوف أقدمها في الشهر القادم، ويمكننا ان نثني على جوائز أخرى مثل جائزة "اصوات حاسمة" "فايتال فويسيز"، مركز آر. إف كاي (روبرت كينيدي) للعدل وحقوق الإنسان، ومؤسسة لانتوس التي تقوم بنفس هذه الأعمال.
ويمكننا توفير الفرصة لهم للوصول إلى المنتديات العامة التي تمنح الظهور لأفكارهم، كما الاستمرار في الضغط على قيام منظمات غير حكومية بدور في المؤسسات المتعددة الأطراف كالأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية. ويمكننا أن نجند حلفاء آخرين مثل النقابات العمالية التي كان لها تأثير في نمو حركة "التضامن" في بولندا، أو المنظمات الدينية التي تناصر حقوق الناس الذين يعانون من فيروس نقص المناعة المكتسب/الايدز في أفريقيا.
ويمكننا مساعدة عوامل التغيير، تأمين الوصول إلى المعلومات ومشاطرتها من خلال الانترنت والهواتف المحمولة كي يتمكنوا من الاتصال وتنظيم الصفوف. وبفضل الهواتف المزودة بآلات تصوير، وصفحات موقع فيس بوك، تمكن الآلاف من المتظاهرين في إيران من إذاعة مطالبهم في الحصول على الحقوق التي حرموا منها، مما أوجد سجلاً يستطيع ان يشاهده كل الناس في العالم، بضمنهم قادة إيران. لقد قمت بتشكيل وحدة خاصة داخل وزارة الخارجية لاستعمال تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين في تسيير أمور الوزارة.
في كل دولة قمت بزيارتها تقريباً، من إندونيسيا إلى العراق، من كوريا الجنوبية إلى جمهورية الدومينكان، أجريت مباحثات في قاعات البلديات او حول طاولات مستديرة مع مجموعات من خارج الحكومة كي أتعلّم منهم ولتأمين منصة يعبرون عبرها عن أصواتهم، وأفكارهم، وآرائهم. عندما كنت مؤخراً في روسيا، زرت محطة إذاعة مستقلة لإجراء مقابلة ولأعبر من خلالها بالكلمات والأفعال عن دعمنا لوسائل الإعلام المستقلة في وقت يتعرض فيه التعبير الحر إلى التهديد.
خلال زياراتي للصين قصدت خصيصا أن اجتمع مع الناشطين والناشطات في سبيل حقوق المرأة. ومؤتمر الأمم المتحدة حول المرأة الذي انعقد في بكين عام 1995 الهم جيلاً من النساء قادة المجتمع المدني اللواتي اصبحن مدافعات عن حقوق الإنسان في الصين اليوم. في العام 1998، قابلت مجموعة صغيرة من المحامين في شقة مزدحمة في الطابق الخامس في مبنى نصعد إليه على الأقدام. وقد شرحوا لي جهودهم لكسب الحقوق للمرأة في الملكية، في التعبير عن رأيها في الزواج والطلاق، وفي ان تعامل كمواطنة متساوية.
وعندما زرت الصين مجدداً في وقت مبكر من هذه السنة، قابلت بعض نفس تلك النساء، ولكن كانت المجموعة قد نمت ووسعت نطاق عملها. هناك الآن نساء لا يعملن لنيل الحقوق القانونية وحسب بل وأيضاً للحقوق المتعلقة بالبيئة، والصحة، والاقتصاد.
مع ذلك جرى تهديد إحداهن، وهي الدكتورة غاو ياوجي، لأنها تحدثت علناً حول مرض الايدز في الصين. بدلاً من ذلك، كان من المفروض ان تثني عليها حكومتها لأنها ساعدت في مواجهة هذه الأزمة. تحتاج المنظمات غير الحكومية وقيادات المجتمع المدني إلى الدعم المالي، والتقني، والسياسي الذي نقدمه. حاولت أنظمة حكم استبدادية عديدة ان تقيد استقلال وفعالية الناشطين والمنظمات غير الحكومية من خلال تقييد نشاطاتهم. شملت هذه الأنظمة اكثر من 25 حكومة تبنت مؤخراً تقييدات جديدة. ولكن تمويلنا ودعمنا يستطيعان ان يوجدا مواطئ قدم للمنظمات المحلية، وبرامج التدريب ووسائل الإعلام المستقلة. وبالطبع، من أهم الطرق التي تمكننا، نحن وغيرنا في المجتمع الدولي، من وضع الأساس للتغيير من القاعدة إلى الأعلى هي عبر تقديم مساعدة استهدافية إلى الذين هم بحاجة اليها، كما من خلال شراكات تعزز التنمية الاقتصادية ذات القاعدة العريضة.
من أجل تعزيز النجاح على المدى الطويل، على مساعدتنا الإنمائية أن تكون فعالة بأكبر قدر ممكن في توفير النتائج وتمهيد الطريق أمام نمو ذي قاعدة عريضة، والاعتماد الطويل المدى على الذات. وبالإضافة إلى إعطاء الناس القدرة على تلبية حاجاتهم المادية لليوم الحاضر، يجب ان يوفر لهم التمكين الاقتصادي نصيباً في تأمين مستقبلهم الشخصي، في رؤية مجتمعاتهم وقد أصبحت من الديمقراطيات التي تحمي الحقوق وتحكم بإنصاف. وهكذا سوف نتابع تنفيذ مقاربة تحترم الحقوق تجاه التنمية، بما في ذلك التشاور مع المجتمعات الأهلية المحلية، وتأمين الشفافية، وإقامة مؤسسات تخضع للمساءلة، كي تعمل نشاطاتنا الإنمائية بالتوافق الوثيق مع جهودنا لدعم نظام الحكم الديمقراطي. هذا هو التحدي الملح الذي نواجهه في أفغانستان وباكستان اليوم.
العنصر الرابع في مقاربتنا هو اننا سوف نوسع نطاق تركيز اهتمامنا. سوف لن يغيب عن بالنا وجوب تعزيز وتقوية التغيير الإيجابي حيث الأمل على ازدياد، وسوف لن نتجاهل او نتجاوز أماكن تبدو أنها تعاني من مآسٍ او يأس تصعب معالجتها. يجب علينا ان نفعل ما بوسعنا لترجيح كفة الميزان تجاه مستقبل افضل حين تكون الحياة البشرية على المحك.
الدافع لجهودنا في دعم أولئك العاملين في حقل حقوق الإنسان، والتمكين الاقتصادي، والحكم الديمقراطي هو الالتزام، وليس الملاءمة. ولكن علينا تأمين استدامة هذه الجهود. لا يمكن تعريضها للنزوات او لمكاسب التغيير السياسي في بلادنا بالذات. التقدم الديمقراطي أمر مستعجل، ولكنه ليس سريعا، ولذلك لا يجب ان نعتبر دوام استمراره كأمر مسلم به. فالتراجع يُشكِّل تهديداً دائماً كما تعلمنا في أماكن مثل كينيا حيث أفلت مرتكبو أعمال العنف بعد الانتخابات من العدالة حتى الآن، وفي الاميركيتين حيث نقلق من زعماء استولوا على الأملاك، وداسوا بأقدامهم الحقوق، وأساءوا استعمال العدالة لتعزيز حكمهم الشخصي.
وعندما يحدث التغيير الديمقراطي، لا يمكننا تحمل كلفة الرضى عن الذات لدينا. بدلاً من ذلك علينا الاستمرار في تعزيز المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الناشئة للديمقراطية. فدول ديمقراطية مثل ليبيريا، تيمور الشرقية، مولدوفا، وكوسوفو تحتاج إلى مساعدتنا لتأمين التحسينات في الصحة والتعليم والرفاهية. علينا ان نبقى منخرطين في تغذية التنمية الديمقراطية في أماكن مثل اوكرانيا وجورجيا اللتين عرفتا اختراقات ديمقراطية في وقت مبكر من هذا العقد ولكنهما كافحتا لتثبيت مكاسبهما الديمقراطية بسبب عوامل داخلية وخارجية.
لذلك نقف على أتم استعداد، في علاقاتنا الثنائية كما من خلال مؤسسات دولية، لمساعدة الحكومات التي التزمت بتحسين ظروفها وذلك من خلال مساعدتها في محاربة الفساد ومساعدتها في تدريب قوات الشرطة والموظفين الحكوميين لديها. وسوف ندعم المنظمات والمؤسسات الإقليمية مثل منظمة الدول الأميركية، والاتحاد الأفريقي، ومجموعة دول جنوب شرق آسيا عندما تتخذ خطواتها الذاتية للدفاع عن المبادئ والمؤسسات الديمقراطية.
تستحق قصص النجاح اهتمامنا لكي تستمر في تحقيق التقدم كما لتخدم كنموذج يحتذي به الآخرون. وحتى فيما نقوم بتقوية النجاحات، يفرض علينا ضميرنا بأن لا نجفل أمام الصعوبات العارمة المتمثلة بتحقيق اختراقات ضد البؤس في أماكن قاسية كالسودان، الكونغو، كوريا الشمالية وزيمبابوي، او في المسائل المتعلقة بوضع حد لعدم المساواة بين الجنسين والتمييز بين المثليين والمثليات من الشرق الأوسط حتى أميركا اللاتينية، ومن أفريقيا حتى آسيا.
الآن علينا أن نستمر في الضغط لإيجاد حلول في السودان حيث تهدد التوترات الجارية بأن تضيف إلى الخراب الذي ولدته الإبادة الجماعية في دارفور والى الأزمة العارمة للاجئين. سوف نعمل على تحديد الطرق التي يمكننا نحن وشركاءنا ان نعزز بموجبها الأمن الإنساني ونركز اهتماماً أكبر في نفس الوقت على الجهود الهادفة إلى منع حصول عمليات إبادة في مكان آخر.
وبالطبع سوف يبقى تركيزنا على النساء، حقوق المرأة، دور المرأة ومسؤوليات المرأة. وكما قلت في بكين عام 1995، "حقوق الإنسان هي حقوق المرأة، وحقوق المرأة هي حقوق الإنسان". ولكني أود لو كان بإمكاني ترجمة ذلك بنفس تلك السهولة إلى أعمال وتغييرات. هذا المثال الأعلى بعيد عن التحقيق في أماكن عديدة حول العالم، ولكن لا يوجد مكان يجسد الظروف الصعبة للغاية والمأساوية التي تواجه النساء أكثر مما هو الوضع في شرق الكونغو.
كنت في غوما في آب/أغسطس الماضي، مركز انطلاق أحد اكثر المناطق عنفاً وفوضوية في العالم. وعندما كنت هناك قابلت ضحايا العنف الجنسي المخيف وقابلت لاجئين طردوا من منازلهم على أيدي القوات العسكرية العديدة العاملة هناك. وسمعت من العاملين على إنهاء هذه الحروب وحماية الضحايا في مثل هذه الظروف القاسية للغاية. رأيت أفضل وأسوأ وجه للانسانية في يوم واحد، أعمال لا يمكن وصفها من العنف التي تركت نساء عذبن بدنياً وعاطفياً، وبطولة النساء والرجال أنفسهم، من الأطباء، والممرضات، والمتطوعين العاملين على إصلاح الأبدان والنفوس.
إنهم الآن يعملون على الخطوط الأمامية في الكفاح من أجل الحقوق الإنسانية. رؤية شجاعتهم وعزيمتهم، وشجاعة وعزم الشعب الكونغولي والثبات الداخلي الذي يدفعهم للعمل لا يُشكِّل مدعاة للتواضع فقط بل يلهمني أيضاً في كل يوم على الاستمرار في العمل.
إذن هذه الأوجه الأربعة لمقاربتنا، المساءلة، البراغماتية المستندة إلى المبادئ، شراكات من القاعدة إلى الأعلى، والمحافظة على تركيز واسع عندما تكون الحقوق في خطر، سوف تساعد في بناء أسس تمكّن الناس من الوقوف والنهوض من الفقر، والجوع، والمرض. وهذا سوف يؤمن حقوقهم في ظل نظام الحكم الديمقراطي. علينا أن نزيل سقف الطغيان، والفساد، والعنف.
وعلينا أيضاً أن نطلق الإمكانيات الإنسانية من عقالها عبر تمكين الوصول إلى التعليم والفرص الاقتصادية. بناء الأسس، رفع السقف، وإطلاق القدرات، جميع هذه في آن واحد. لأنه عندما يملك الفرد الطعام والتعليم ولكن ليس الحرية للمناقشة والمناظرة مع مواطنيه، يُحرم من الحياة التي يستحقها. وعندما يكون الفرد جائعاً أو مريضاً لدرجة لا يمكنه فيها العمل أو التصويت أو ممارسة العبادة، فإنه يحرم من الحياة التي يستحقها. الحرية لا تأتي بالإجراءات النصفية، والعلاجات الجزئية لا يمكنها أن تصلح المشكلة بكاملها.
ولكننا نعرف ان الأمر لم يكن سهلاً على الإطلاق بالنسبة لمناصري القدرات الكامنة الإنسانية. يمكننا أن نقول إن الحقوق غير قابلة للتصرف، ولكن جعلها كذلك يتطلب دائما عملاُ شاقاً. ومهما رأينا مثلنا بوضوح، فإن مباشرة العمل لجعلهما واقعاً حقيقياً يتطلب خيارات صعبة. حتى ولو اتفق الجميع بأنه يتوجب علينا القيام بكل ما يمكن أن يحسّن حياة الناس على الأرض، فإننا لن نتفق دائماً على أي مسار عمل يتناسب مع ذلك الوصف في كل حالة. هذه هي طبيعة الحكم. ونحن جميعاً نعرف أمثلة عن النوايا الطيبة التي لم تؤد إلى نتائج، وحتى ان بعضها أنتج عواقب غير مقصودة قادت إلى انتهاكات اكبر لحقوق الإنسان. ويمكننا ان نتعلم من الحالات التي فشلنا فيها في الماضي، لأن صعوبات الماضي تثبت مدى صعوبة التقدم، ولكننا لا نقبل جدل البعض بأن التقدم في بعض الأمكنة مستحيل، لأننا ندرك بأن التقدم يحصل.
برزت غانا من حقبة تميزت بالانقلابات وانتقلت إلى حكم ديمقراطي مستقر. وانتقلت اندونيسيا من حكم قمعي إلى ديمقراطية إسلامية وعلمانية نابضة بالحياة. استبدلت تشيلي الديكتاتورية بالديمقراطية ضمن اقتصاد منفتح. قادت إصلاحات منغوليا الدستورية إلى ديمقراطية متعددة الأحزاب دون عنف. وليس هناك من مثال أفضل من التقدم الذي حققته أوروبا الوسطى والشرقية منذ سقوط جدار برلين قبل 20 سنة خلت، وقد كان لي شرف الاحتفال بهذا الحدث الشهر الماضي عند بوابة براندنبرغ (في برلين).
وفي حين أن العمل أمامنا هائل وضخم، فإننا نواجه المستقبل سوية مع شركائنا في كل قارة، شركائنا في المنظمات الدينية، المنظمات الأهلية غير الحكومية والشركات المسؤولة اجتماعياً وشركائنا في الحكومات. فمن الهند، اكبر ديمقراطية في العالم، التي تواصل استخدام العمليات والمبادىء الديمقراطية لتحسين اتحادها المؤلف من 1.1 بليون إنسان، إلى بوستوانا حيث وعد الرئيس الجديد لأعرق ديمقراطية في أفريقيا بأن يحكم وفقاً لما يسميه "أحرف D" الخمسة، وهي الديمقراطية، الكرامة، التنمية، الانضباط وتقديم الخدمات، موفراً بذلك وصفة للحكم المسؤول تتعارض بشكل باهر مع المأساة غير اللازمة التي صنعها الإنسان في دولة زيمبابواي المجاورة.
في نهاية الأمر، لا يتعلق هذا بمجرد ما نفعله، بل بمن نحن. ولا يمكننا ان نكون الشعب الذي نحن عليه، أي الشعب الذي يؤمن بحقوق الإنسان – إذا تخلينا عن هذا الكفاح. ان الإيمان بحقوق الإنسان يعني التزامنا بالعمل، وعندما نوقع للانخراط في وعد الحقوق التي تنطبق في كل مكان، على كل إنسان، فإن هذه الحقوق ستتمكن من حماية وتمكين الكرامة الإنسانية، ونكون بذلك قد وقعنا على الانخراط في العمل الشاق لجعل هذا الوعد واقعاً حقيقياً.
أولئك الموجودون منكم هنا في هذه الجامعة العظيمة يمضون الوقت في دراسة الحالات حول ما حاولنا القيام به في مجال حقوق الإنسان، أو كما قال جاس، ثقافة حقوق الإنسان. إنكم ترون هنا مكامن الضعف ومواطن التقصير. ترون الواقع، كما قال ماريو كومو في تعبير شهير عن السياسة هنا في الولايات المتحدة، بأننا نطلق الحملات بالشعر ونحكم بالنثر. حسناً، يصح هذا الأمر أيضا على الصعيد الدولي، لكننا نحتاج إلى أفكاركم، نحتاج إلى انتقاداتكم، نحتاج إلى دعمكم، نحتاج إلى تحليلكم الذكي لكي نتمكن سوية من أن نوسع ببطء وبثبات دائرة تلك الفرص والحقوق لتضم كل إنسان.
إنه لعمل نتقبله بجدية كبيرة، لعمل ندرك بأنه ليس لدينا جميع الأجوبة عنه. لكنه عمل التزمت أميركا بالانخراط به. وسوف نواصل، يوماً بعد يوم، وخطوة تلو خطوة، المحاولة لتحقيق أي تقدم إنساني يمكن تحقيقه. شكراً جزيلاً لكم جميعاً.