نقاط على الحروف
الانتخابات العراقية الأخيرة التي جرت في 15 كانون الأول 2005 لتشكيل الجمعية الوطنية الدائمة للسنوات الأربع القادمة كانت ناجحة إجمالاً وفقاً للمعايير الدولية وشهادات المعنيين والمهتمين بهذا الشأن في المنظمات الدولية وهيئات الأمم المتحدة رغم الخروقات والتجاوزات التي شهدتها بعض المناطق والمراكز الانتخابية ورغم جبهة المعارضة الواسعة لنتائجها الانتخابية ورغم جبهة المعارضة الواسعة لنتائجها الأولية والتي تجسدت في هيكل سياسي واسع ومتعدد الأطراف انبثق تحت إسم "مرام" وضم تحت لوائه عشرات القوائم الانتخابية الممثلة لكتل سياسية فاعلة ومؤثرة ومعروفة بثقلها في الساحة السياسية العراقية.أما ما تعلق من هذه الانتخابات بشؤون شعبنا الكلداني الآشوري السرياني في العراق عموماً وفي منطقة سهل نينوى خصوصاً حيث ثقل تواجد شعبنا فنقول إن الإقبال على هذه الانتخابات كان جيداً بشكل عام من قبل أبناء المنطقة والأجواء كانت مناسبة من النواحي الأمنية والتنظيمية الى حد كبير حيث تم افتتاح وتأمين المراكز الانتخابية في كل قرى وبلدات سهل نينوى وكانت عملية الانتخاب والوصول الى المراكز الانتخابية ميسورة وأمنية. لكن الذي شاب الانتخابات السابقة التي جرت في كانون الثاني 2005 قد تكرر في الانتخابات الأخيرة ولكن على نطاق ضيق من حيث قيام الميليشيات المسلحة وعناصر الأحزاب المتنفذة في المنطقة بممارسة الضغوط على الناخبين بأساليب شتى سواء من خلال تواجدها المباشر في أو على أبواب ومداخل المراكز الانتخابية أو من خلال الاستعانة بعناصر مدنية موالية لها من اهل المنطقة لتوجيه الناخب والاملاء عليه لأجل التأثير على قراره ودفعه الى انتخاب قائمة بعينها الأمر الذي أدى الى أن تتصدر قائمة التحالف الكردستاني القوائم الانتخابية الأخرى من حيث عدد الأصوات التي حصلت عليها.
لكن الى جانب هذا الأمر كانت هناك عوامل وظروف أخرى ساهمت بشكل أو بآخر في استئثار القائمة المذكورة بحصة كبيرة من أصوات الناخبين في المنطقة على حساب القوائم الأخرى. ويمكن ايجاز تلك العوامل والظروف بما يلي:
1. ضعف الوعي القومي لدى الكثير من أباء شعبنا بسبب ابتعادهم عن الحياة السياسية وجهلهم باللعبة السياسية نتيجة المظالم التاريخية الكثيرة التي لحقت بهم عبر الحقب على أيدي قوى شتى، الأمر الذي جعل شعبنا منكفئاً على نفسه وغير معني بما يدور حوله وبكل العملية السياسية الجارية في العراق منذ السقوط المشين لنظام صدام وحتى الآن.
2. فقدان ثقة أبناء شعبنا بقوائمهم القومية وبعناصرها وأشخاصها بسبب الحكم المسبق والتصور الخاطئ بأن تلك القوائم تعجز عن تلبية طموحهم وتحقيق أهدافهم باعتبار إنها قوائم ضعيفة عاجزة أمام قوائم الكبار والأقوياء في مجتمع محكوم باعتبارات القوة والكثرة الأمر الذي دفعهم الى التخلي عن التصويت لقوائمهم القومية لصالح القوائم الأخرى. وكل ذلك بسبب الأرث التاريخي المتداول بين أبناء شعبنا في إننا أقلية ضعيفة وليس بمقدورنا انتزاع حقوقنا بالاعتماد على قدراتنا الذاتية بل لا بد من الإتكاء على الغير والاستنجاد بقدراته متناسين أن هذا الغير لو اولوياته ومصالحه ولا يمكنه أن يمثل شعبنا وأن يعبر عن ضميره وتطلعاته في مؤسسة وطنية مهمة مثل الجمعية الوطنية.
3. عدم وضوح الرؤية لدى بعض أبناء شعبنا عن ماهية وفحوى هذه الانتخابات حيث الاعتقاد السائد بانها انتخابات رئاسية ويجب التصويت للقوائم والعناوين السياسية القوية. ولم يكن هناك وعي ودراية بانها انتخابات للجمعية الوطنية وبالتالي يجب أن يمثلنا فيها أشخاص غيورين من أبناء شعبنا وليس آخرين ضعفاء أو من خارج صفوفه.
4. التداخل والخلط بين موضوعة الانتخابات وموضوع تواجد ميليشيات مسلحة كردية في المنطقة تحت عنوان "الحرس الوطني" معروفة الولاء والانتماء وما يشاع ويروج لهذا التواجد من أنه جاء لحماية أهل المنطقة وتوفير الأمن فيها وكأن المنطقة كانت مهددة بحملات غزو واستباحة. حيث ان الكثير من ابناء شعبنا قد بنى تصوراته على أساس ان التصويت لقائمة التحالف الكردستاني سيضمن له بقاء هذه القوة العسكرية في المنطقة ما يعني بالنتيجة وحسب تصوره ضمان الأمن والاستقرار لمنطقته دون ان يعي ويدرك ان موضوع رحيل أو بقاء هذه القوة في المنطقة لا يخضع لقراره في التصويت لهذه القائمة او تلك من القوائم وان الموضوع برمته يخضع لتجاذبات سياسية واعتبارات كثيرة ومرتبطة بجملة التطورات الحاصلة في العملية السياسية الجارية في العراق.
5. وعطفاً على النقطة السابقة ونتيجة للتراكمات التارخية المترسبة في ذهنية البعض من ابناء شعبنا والمتمثلة ببعض هالات الاعتداء والتجاوز على حقوقهم وأملاكهم من قبل بعض أبناء القرى المجاورة من اطياف اخرى واعتقاداً مهنم بأن الوجود الكردي في المنطقة يمكنه ان يضع حداً لهذه التجاوزات، عليه صار لزاماً عليهم من وجهة نظرهم التصويت للقائمة الكردية بإعتبار ان ذلك هو صمام الأمان لهم ولأستمرار حياتهم الوادعة في قراهم وبلداتهم.
هذا من جهة، ومن جهة اخرى فقد عانت المنطقة والى حد كبير من آثار سياسات النظام البائد في التغيير الديموغرافي من خلال استقدام مجموعات بشرية من مناطق كثيرة اليها تحت ذرائع مختلفة وقيامه بإنتزاع اراضي ابناء المنطقة وتوزيعها عليهم وتوطينهم فيها لتغيير طابعها وهويتها التاريخية مما دفع بالكثير من ابناء شعبنا الى الاقتناع بأن تواجد قوة عسكرية كردية في منطقتهم يمكن ان ينقذهم وينقذ المنطقة من زحف الغرباء اليها والاستيطان فيها. لذلك ومن باب رد الجميل سارع هؤلاء الى التصويت لقائمة التحالف الكردستاني باعتبارها طريق الخلاص، وبوابة الامل والرجاء.
6- ضعف وهشاشة دور المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في عموم محافظة نينوى وفي منطقة سهل نينوى تحديداً وهيمنة الاحزاب الكردية المتنفذة في المنطقة عليها وقد وصل ضعفها الى حد تواطؤ اغلب عناصر المفوضية مع الجهات المذكورة والخضوع الكلي لإرادتها ورغباتها. وقد نجم عن هذا الضعف والتواطؤ تمرير الكثير من المخالفات والخروقات لصالح قائمة التحالف الكردستاني على حساب القوائم الاخرى.
7- قيام جهات كردية حزبية أو مرتبطة بحكومة اقليم كردستان بتوزيع مبالغ نقدية على بعض ضعاف النفوس من ابناء شعبنا قبل اليوم الانتخابي بغية استمالتهم وكسب اصواتهم بذريعة وتحت غطاء مساعدة العوائل الفقيرة الامر الذي دفع بهؤلاء الضعفاء الى التخلي عن قضية شعبهم والمساومة على حقوقه وخذلان قوائمهم القومية والتصويت للقائمة الكردية.
8- فشل احزابنا القومية في الوصول الى توافق سياسي كان يمكن ان ينبثق منه ائتلاف واسع قادر على إحتضان كل ابناء شعبنا بمختلف مناطقهم وطوائفهم واتجاهاتهم السياسية الامر الذي انعكس سلبياً على الجميع ما ادى الى انقسام شعبنا وبعثرة اصواته بين قوائم متعددة كان نتيجتها اضعاف كل تلك القوائم وخسارتها للكثير من اصوات شعبنا والمراهنة على قوائم الآخرين والتصويت لها.