Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

نمرود بيتو وسهل نينوى / وَهب الوزير ما لايملك

منذ فترة ليست بالقصيرة دأبت الاحزاب والشخصيات السياسية في العالم المتحضر و المتمدن على اعتماد استراتيجية انجاب القرارات , وخاصة المصيرية منها , من رحم القاعدة الشعبية العامة , التي تتجاوز حتى القاعدة الخاصة بالحزب او الشخصية , لتشمل عامة من يعنيهم الامر من المؤيدين والمناصرين والمتحفظين والمعارضين على حد سواء , او بمعنى اخر عامة الشعب . وهكذا تجاوز هؤلاء مرحلة قيام القيادات بدور وضع البرامج والقرارات وتصديقها وإملائها , بإعتبار ان تلك القيادات هي الأعلم بمصلحة الشعب والامة , على اساس ان عيونها هي ( كعيون زرقاء اليمامة ) تستكشف مسافات عميقة من المستقبل لاتتمكن عيون كافة العامة مجتمعة من استكشافها !. ان القيادات والاحزاب السياسية في العالم المتحضر قد وجدت في الولادة الجماهيرية للقرار اسلوبا فريدا لتوفير الحماية الذاتية لها , حيث ستجني , حالها حال الاخرين , ثماره الايجابية بينما ستكون في حِلٍ عن ان تتحمل بمفردها كل عواقبه السلبية . وهكذا ما أن تطفو على سطح الحياة , في اوربا مثلا , معضلة ما حتى يبادر أولي الامر والقوى السياسية النافذة الى الدعوة الى استفتاء شعبي للبت في تلك المعضلة بقرار حاسم على ضوء خيار الاكثرية , وقد حدث هذا , في السويد مثلا , في قضايا ربما يرى البعض انها هامشية او حتى تافهة لاتستحق الاهمية , فذهب السويديون مرة الى التصويت للبت في استمرار او ايقاف محطات الطاقة النووية كخيار للحصول على الطاقة الكهربائية , وصوتوا ثانية بشأن اعتماد العملة الاوربية ( اليورو ) والامثلة على هذا المنوال كثيرة في مختلف دول العالم . ربما يقول قائل اننا لسنا عالما متمدنا متحضرا والسؤال هنا , متى تنتهي إجازتنا ونخطو الخطوة الاولى , علما باننا , اي الشعب الكلداني السرياني الاشوري , نمتلك , وبشهادة الجميع , قدرة اكثر وأسرع على التعامل بشفافية مع تطورات الحياة ومواكبة التجديد في أليات حركتها.



و هكذا فإن ما تقدم لايناغي ما ذهب اليه الاستاذ الفاضل نمرود بيتو , وزير السياحة الحالي في اقليم كردستان والامين العام للحزب الوطني الاشوري , حيث قدم لنا السيد بيتو في مقابلة تلفزيونية على فضائية عشتار وجبة سريعة وبسيطة لحل مشاكل شعبنا تتمثل في الحكم الذاتي لسهل نينوى وضم السهل الى الاقليم , ولم يكلف الاستاذ بيتو نفسه , وهو يقدم وجبته هذه , الاشارة , حتى ولو مجاملة , الى ضرورة الرجوع الى سكنة سهل نينوى لاستحصال الدعم الشعبي لمشروعه هذا. خاصة اذا علمنا ان الاستاذ بيتو والحزب الوطني الاشوري يملك تمثيلا ضعيفا , او في احسن الاحوال متواضعا جدا جدا , في سهل نينوى لايمنحه بأي شكل من الاشكال امكانية اتخاذ قرار بشأنه او حتى الترويج لفكرة دون الاستئناس بأراء من يسكنه فعلا , ان مثل هذا الطرح يحتاج قبل كل ذلك الى ندوات متواصلة , صباح مساء ,يجوب فيها الاستاذ بيتو قرى ومدن سهل نينوى , يسمع ويتحاور الى ومع اصحاب الشأن اولا ليعود بعدها فيحلل البيانات التي خرج بها لعلها توصله الى قرار ما , مع الاخذ بنظر الاعتبار ان اخرين غيره فعلوا ويفعلون هذا , حيث حقق البعض لقاءات واتصالات مع شرائح كبيرة في سهل نينوى بينما يمتلك الاخر قاعدة جماهيرية اكبر بكثير من الثقل الذي يمثله الحزب الوطني الاشوري , واقصد هنا الجهد الذي يمثله السيد سركيس اغاجان. لكنهم جميعا , اؤلئك وهؤلاء , ولحد الان , يحرصون على عدم اعطاء رأي قاطع بمستقبل السهل بل يؤكدون على ربط مشروع الحكم الذاتي بالمناطق التاريخية وتشمل هذه المناطق على حد سواء السهل وغير السهل. اننا نرى هنا ان الاستاذ نمرود بيتو يُجسٍد بطرحه هذا قاعدة ( وهب الامير - الوزير هنا - ما لايملك ) , مع التأكيد في ان هذه المحاججة تستهدف فقط الطرح السياسي للاستاذ بيتو , ولاتمت باية صلة الى الجانب الشخصي فهو من الناحية الشخصية موضع تقدير واحترام كونه احد رموز شعبنا , كما ان هذه السطور لاتهدف قط الى الانتقاص من الحزب الوطني الاشوري الذي يقوده السيد بيتو , لان هذا الحزب يضم ايضا نخبة خيرة يشهد لهم نضالهم وجهدهم من اجل شعبنا ,واذكر في المقدمة منهم الاستاذ العزيز تيري بطرس التي تظهر غيرته القومية على شعبنا صارخة صادقة من خلال افكاره التي تُضئ صفحات مواقعنا , بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا حولها , وهنا ينبغي القول انه قد لامس حقا الجرح في كتاباته الاخيرة حيث كان مصيبا في دعوته لتشكيل المجلس السياسي الاعلى وانشاء مركز البحوث الستراتيجية كجزء من خارطة الطريق لإخراج قوى شعبنا من مأزقها الذي تسكن فيه.



ان طرح السيد بيتو يضر حقا بفكرة الحكم الذاتي المطروحة من قبل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري والتي يُعتبر عرابها ومهندسها السيد سركيس اغاجان , حيث اذا كان لدينا كشعب , ارضا وتواجدا , في اقليم كردستان بخارطته الحالية ضعف ما لدينا في سهل نينوى , فما المغزى من اعطاء اهل سهل نينوى فقط حقوقا على خصوصية يشترك فيها معهم ضعفهم في الوقت الذي يُحرم هذا الضعف من هذه الحقوق , ألا يكون شعبنا هنا ايضا , وهو ضمن الاقليم , قد انقسم الى قسمين , قسم صغير يعيش تحت قوانين منطقة الحكم الذاتي الخاصة به ضمن دستور الاقليم وقسم اخر اكبر من الاول بكثير يعيش تحت الدستور العام للاقليم ؟!. أم ربما يرى الاستاذ بيتو ان الحكم الذاتي لسهل نينوى هو ( إكرامية القبول بالضم ) التي ستضمحٍل , قدرة ومعنى وضرورة , مع تقادم الايام ؟!. ان تجنب المطالبة من قبل بعض قياداتنا وممثلياتنا السياسية المحسوبة اليوم ضمن قطار الحكم الذاتي, بالحكم الذاتي في جميع مناطقنا التاريخية , بما فيها مناطق شاسعة تقع داخل الاقليم , سواء كانت هذه المطالبة صميمية صادقة او حتى شكلية اعلامية , تُثير الشكوك والتوجس اولا , و قبل كل شئ , في هذه القيادات والممثليات قبل الاخرين كونهم الجهة التي منحت لنفسها حق التفاوض والعمل لتنفيذ المشروع . ان من يبحث عن توفير ( الموقف السليم ) الذي يوفر له الحماية الذاتية يجد في إلقاء اوراق اللعب الثمينة امرا في غاية البساطة , وبالتالي فانه ليس مؤهلا لكي يكون مفاوضا حقيقيا .



اذا كان السيد نمرود بيتو يرى ان دستور اقليم كردستان بصبغته العلمانية التي تؤكدها قيادة الاقليم بإدائها وتوجهاتها , وهي حقيقة لايجوز نكرانها , نقول اذا كان يرى ان هذا يترك شعبنا الذي يعيش اليوم في الاقليم في غنى عن المطالبة بحقوق اضافية في الحكم الذاتي فقد كان اجدر بالاستاذ بيتو لو طالب في هذه المرحلة لسهل نينوى بمنطقة حكم ذاتي او ادارة ذاتية امنة تحت المظلة الدولية ترتبط بالكيان العراقي المركزي بصورة رسمية ريثما تتمكن هذه المنطقة من بناء مؤسساتها وبنيتها التحتية بجوانبها المختلفة الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والسياسية والقانونية والتشريعية ,مستثمرة انظار المجتمع الدولي تجاهها , كونها منطقة تحت التأسيس والرعاية الدولية, ويستمر هذا لفترة انتقالية ثم يكون لكل حادث حديث . ان الدعوة الى تأجيل موضوع ضم السهل الى الاقليم لاتنطلق من نظرة العداء للاخوة الاكراد ورفض التعايش معهم لان هذا التعايش كان ولايزال وسيبقى حقيقة قائمة , وانما اجتهادا يكمن في ان تأجيل موضوع الضم وعدم اتخاذ قرار سريع بشأنه يصب في مصلحة شعبنا اولا والاخوة الاكراد ثانيا , اضف الى ذلك فان هذه الدعوة تنسجم تماما مع الاستنتاجات الخطيرة الي توصلت اليها بعض اقلام شعبنا والتي خلاصتها تتمثل في ان انضمام السهل الى الاقليم سيشكل عبئا ثقيلاعلى الاقليم .



ان الادارة الامريكية والاتحاد الاوربي والمجتمع الدولي الذين خلقوا ( كوسوفو ) في قلب اوربا رغما عن أنف الحكومتين الصربية والروسية واصدقائهما قادرون على فعل الشئ نفسه في سهل نينوى , مع التأكيد هنا اننا لانطلب كوسوفو مستقلة في سهل نينوى بل منطقة حكم ذاتي امنة ضمن الكيان العراقي تكون ساحة خضراء لكل محبي الخير والسلام ورافضي العنف والارهاب وتحمي شعبنا في وجوده في هذه الظروف الصعبة , وربما سينتفي وجودها ببناء عراق ديموقراطي علماني حر تسوده حقا , قولا وفعلا , قيم المساواة في الحقوق والواجبات.



للأسف الشديد , ان مثل هذه الكتابات ومانتناوله من مواضيع يترك فرصة زيارة الاهل والاصدقاء والاحباب في الوطن اكثر تعقيدا , في وقت نحترق شوقا لرؤيتهم بعد سنين طوال , ولكن كتب علينا القدر ان لاتكون لنا رقبة الزرافة , ولا بارك الله في عقل بهاب ان يحرر ويطلق افكاره. فما نجتهد , صوابا او نقيضه , انها كلمة حق , تأبى ان تبقى مكتومة في الانفاس , تخشى من متصيد أتقن مهنة الغوص في المياة الاسنة او ان يأخذها في الحق لومة لائم , والحمد لله الذي لايُحمد على مكروه سواه , ومبارك الأتي من عند الرب .


Opinions