Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

نهاية البعث في تحالفاته الأخيرة

 

ليس هناك أي تنظيم سياسي أو إجرامي أخطبوطي يتمتع بالقدرة الفائقة في عقد التحالفات التكتيكية مع القوى السياسية الأخرى مثل حزب البعث. فهذا التنظيم كالحرباء يستطيع التلون وحسب الظروف، ففي أوج الحركات الوطنية التحررية في الخمسينات طرح البعث نفسه في العراق كحركة تحررية وطنية وتقدمية، رافعاً شعارات براقة جذبت إليه الكثير من الوطنيين التقدميين العروبيين. وتم قبول حزبهم في جبهة الاتحاد الوطني في عام 1956، والذي ضم الحزب الشيوعي العراقي، والوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال. ولكن بعد ثورة 14 تموز 1958 سرعان ما كشف البعثيون عن وجوههم الحقيقية، فتآمروا على الثورة مع القوى الرجعية في الداخل والخارج، واغتالوا قيادتها الوطنية النزيهة المخلصة في 8 شباط 1963، وأدخلوا العراق في نفق مظلم قاد إلى احتلاله من قبل القوات الدولية بقيادة أمريكا عام 2003، ولم يتخلص الشعب العراقي من شرور هذه العصابة المافيوية الإرهابية وتبعات سقوطه لحد الآن.

وفي السبعينات من القرن الماضي، وعندما كانوا ضعفاء في الحكم، تظاهروا بالميول التقدمية والاشتراكية والانحياز إلى المعسكر الاشتراكي، فأبرموا معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي، واعترفوا بجمهورية ألمانيا الشرقية، وورطوا الحزب الشيوعي العراقي في تحالف معهم دفع الشيوعي ثمنه من مكانته ومازال يدفع لحد الآن. كما وتحالف البعث في عهد تموز مع الحركة الكردية ثم انقلب عليها بعد ثلاثة أشهر من انقلابهم الدموي الأسود عام 1963.

وفي السنوات الأخيرة من حكمه الدموي، دشَّن صدام حسين ما سمِّي بالحملة الإيمانية، فتظاهر بالحرص على الإسلام والالتزام بتعاليمه، وخطط لبناء أكبر جامع في العالم يكلف مليارات الدولارات خلال سنوات الحصار الاقتصادي. وهناك معلومات مؤكدة تفيد أن صدام تحالف في عامه الأخير من حكمه حتى مع القاعدة، فسمح بدخول نحو ستة آلاف من أعضاء هذا التنظيم الإرهابي في العراق. واليوم أصبح هذا التحالف علناً، وما الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إلا تنظيم بعثي تلبس بلبوس الإسلام مندمجاً مع القاعدة.

المشكلة مع الغربيين أنهم لا يتصورون إمكانية تحالف البعث "العلماني" مع تنظيم القاعدة "الإسلامي". وهذا خطأ، ولكن تدريجياً بدأوا يدركون هذه الحقيقة. فالبعث لن يتردد في سبيل الوصول إلى السلطة من تبني أسوأ ما في الماكيافيلية من وسائل (الغاية تبرر الوسيلة). 

لقد أسست المخابرات الغربية، البريطانية والأمريكية، عن طريق عميلهم ميشيل عفلق، حزب البعث لضرب الحركات الوطنية وبالأخص اليسارية منها في العراق وسوريا خلال سنوات الحرب الباردة، وذلك بعقد تحالفات مؤقتة لأغراض تكتيكية، وليلفظها لفظ النواة بعد قضاء حاجته منها. وإذا نجح البعث في الماضي في عقد تحالفاته الخادعة، فهذه المرة وبظهوره برداء إسلامي باسم (داعش) وتحالفاته مع منظمة إرهابية دولية معروفة مثل القاعدة، لا بد وأن فيه نهايته الأخيرة الماحقة. وإذا كان قد نجح في الماضي فلأنه كان بإيحاء ولخدمة أسياده الغربيين، أما اليوم فتحالفاته الأخيرة مع القاعدة هي على الضد من مصالح الأسياد السابقين، لأنه اختار الحليف الخطأ الذي يهدد الإنسانية في كل مكان. وعليه فالبعث وتحالفاته الأخيرة محكوم عليه بالفناء التام هذه المرة وإلى الأبد.

ليس هذا فحسب، وإنما حتى السياسيين العراقيين الذين شاركوا في العملية السياسية من أجل إفشالها، من أمثال "كتلة العراقية، ومتحدون" وأغلبهم إما بعثيون سابقون أو بعثيون حاليون، ربطوا مصيرهم بسفينة غارقة. وهذا واضح من مواقفهم المخزية في البرلمان حيث كرسوا كل نشاطاتهم على شل عمل الحكومة وإفشال القوانين التي تجرِّم البعث والإرهاب، وكذلك وقفوا عقبة كأداء أمام تمرير القوانين التي هي في صالح الجماهير. 

وهاهم نواب (متحدون) الذين استقالوا احتجاجاً على ضرب الجيش لـ"داعش" و"القاعدة"، طالبهم رئيسهم النجيفي بالتخلي عن قرارهم المخزي بعد أن فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق غاياتهم السيئة، وخاصة بعد أن  فشل قادتهم (أسامة النجيفي وصالح المطلك) في زيارتهم الأخيرة إلى واشنطن، حيث فشلوا في كسب الإدارة الأمريكية إلى جانبهم، وكان من مواقفهم الخيانية مطالبة أمريكا بعدم تسليح الجيش العراقي، وإنما طالبوا بتسليح العشائر بالأباتشي وصواريخ الهيل فاير! طبعاً ضحك الأمريكان عليهم، وعادوا بخفي حنين(1). ونتيجة لهذا الفشل، طالب النجيفي نواب كتلته المستقيلين بالعودة إلى البرلمان، ولحفظ ماء الوجه أدعى أن دعوته هذه هي: " استجابة الى مناشدات القوى السياسية من رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عمار الحكيم والتيار الصدري وغيرهما من القوى السياسية". (2)

في الحقيقة، إن النجيفي وبقية أتباعه من قائمة (متحدون)، وبعض شيوخ العشائر في الأنبار الموالين لداعش والقاعدة، يلعبون دورهم بمنتهى الخبث في صالح الإرهاب، فتراهم يتظاهرون بـ"الحرص على الوحدة الوطنية ومنع سفك المزيد من الدماء"، فيطالبون الحكومة بسحب القوات العسكرية من الرمادي والفلوجة، وأن وجهاء المحافظة هم يتكفلون بإخراج داعش والقاعدة بسلام حفظاً على أرواح المدنيين. وللأسف الشديد استجابت الحكومة لمطالباتهم هذه، بينما القصد الحقيقي من هذه الوساطات والمطالبات هو منح الوقت الكافي لقوات داعش لتثبيت أقدامهم في المدينتين للتحضير للخطوة القادمة وهي الهجوم على بغداد "لتحريرها من حكم الصفويين"، و"من جيش المالكي الصفوي". لذلك نحذر حكومة السيد المالكي من الإصغاء إلى هؤلاء الأشرار. فمن الحكمة عدم منح العدو أي وقت للملمة صفوفه. أما مطالبة القتلة بمغادرة المدينتين فهي الأخرى عملية انتحارية، لأن المطلوب إبادتهم وليس السماح لهم بالخروج مع أسلحتهم سالمين ليعودوا في الوقت الذي يناسبهم. 

ويا للسخرية، فآخر الأنباء تفيد أن رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، وقَّع مع عدد كبير من النواب يوم السبت (1/2/2014)، على اطول وثيقة للسلام ونبذ العنف والطائفية، وأن طول هذه الوثيقة 2014 متراً وهو رقم هذا العام 2014!!. نقول ما قيمة توقيع النجيفي على أية وثيقة ومهما بلغ طولها، وهو الذي وقع قبل أسابيع على وثيقة الشرف، وبعد أيام انسحب منها؟ يعني وكما يقول العراقيون: (اعصرها واشرب مايها!!)، فكل تاريخ البعثيين يؤكد أن لا أمان ولا ذمة لهم. 

وها هي حكومة السيد المالكي تحقق انتصارات على الذين ربطوا مصيرهم بالبعث المهزوم، فبالإضافة إلى الدعم الدولي للعراق (عدا الدول الممولة والحاضنة للإرهاب مثل السعودية وقطر)، أكدت أمريكا موقفها على دعم العراق في محاربة الإرهاب، وها هي تركيا تتراجع عن مواقفها الانتهازية بتصدير النفط الكردستاني عبر موانئها على الضد من الحكومة الإتحادية. فآخر الأنباء في هذا الصدد تفيد أن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن حذر رئيس حكومة الاقليم من "الاقدام على اي خطوة من شانها ان تأزم الموقف"، مؤكدا ان "الدستور العراقي ينص على ان الحكومة الاتحادية وحدها يمكن ان تكون مسؤولة عن مسألة تصدير النفط وبيعه في السوق العالمية ولا يحق للإقليم التلاعب بهذه الثروة كونها ملكاً لجميع العراقيين". (3)

وبناءً على كل ما تقدم، نؤكد تفاؤلنا بأن الديمقراطية العراقية محكوم لها بالنجاح ومهما بلغت الصعوبات ومهما حاول البعثيون العبثيون، وحلفاؤهم الذين ربطوا مصيرهم بهم لأسباب مختلفة، ولقصر نظرهم ومصالحهم الشخصية والانتهازية، وتحت مختلف الواجهات: اليسارية أو العلمانية أو العروبية الخادعة، من وضع العراقيل أمام مسيرة العراق الديمقراطية، فمصيرهم في مزبلة التاريخ. 

كما ونؤكد أنه لا يشرف العرب السنة أو أية طائفة أخرى ربط مصيرها بالبعثيين، بمثل ما لا يشرف أية طائفة مسيحية في أوربا ربط نفسها بالفاشية والنازية الأوربية. فالبعث عصابة مافيوية، تبنى الأسوأ ما في الحركات الفاشية العنصرية الطائفية في العالم من مبادئ معادية للإنسانية، ويعمل على تنفيذها بالإرهاب. وأخيراً كشف البعث عن وجهه الحقيقي فتحالف مع أخطر منظمة إرهابية دولية ألا وهي "القاعدة" عدوة البشرية وحضارتها الإنسانية. 

لذا ننصح القيادات السياسية لجميع مكونات شعبنا، وخاصة القيادات التي تدعي تمثيلها للسنة العرب،  أن يتخلوا عن المراوغة والخداع والتغالب والتآمر في خلق المشاكل للحكومة الاتحادية التي هم شركاء فيها، فقد آن الأوان لإعلان الوحدة الوطنية الحقيقية لدحر الإرهاب الذي يهدد الجميع، ودعم العملية السياسية بصدق وشرف وبلا مراوغة. فالبعث وأعوانه وتحالفاته محكوم عليهم بالزوال الأبدي. 

إذ كما تفيد الحكمة: "تستطيع ان تخدع كل الناس بعض الوقت، او بعض الناس كل الوقت، ولكن لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت".

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


روابط ذات علاقة بالمقال

1- المؤتمر الصحفي للنائب من ائتلاف دولة القانون ياسين مجيد - 30 -1-2014 (فيديو -7 دقائق، جدير بالمشاهدة).

https://www.youtube.com/watch?v=xpmKuERvstc

 2- النجيفي يعلن عودة نواب متحدون لجلسات البرلمان

http://alakhbaar.org/home/2014/2/162163.html

3- بايدن يحذّر البارزاني هاتفيا: لا يحق للإقليم التلاعب بالثروة النفطية والمركز هو المسؤول

شركة محاماة أجنبية لملاحقة مشتري نفط الإقليم

http://alakhbaar.org/home/2014/2/162198.html

4- خبر خطير: ضبط غاز السارين بمعسكر للإرهابيين في صحراء الأنبار

http://alakhbaar.org/home/2014/2/162218.html

الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية، عدنان الأسدي اوضح خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في السماوة وحضرته (الصباح)، أن الإرهابيين كانوا ينوون استخدام غاز السارين ضد الجيش والمدنيين في محاولة لخلط الاوراق وإثارة الرأي العالمي، والادعاء بان الجيش هو من استخدم هذه الغازات، مؤكدا عثور القوات الأمنية على غاز السارين بعد مهاجمتها لأحد معسكرات الإرهابيين في مدينة الرمادي الذين لاذوا بالفرار اثر الضربات الموجعة من جانب القوات الامنية.

 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
العمل التطوعي في العراق بين روح التضامن وضرورة التعاون وغياب الدعم الحكومي العمل التطوعي في العراق بين روح التضامن وضرورة التعاون وغياب الدعم الحكومي في بلد شهد كثيرا من المآسي خلال أكثر من عقدين، تبرز الحاجة إلى العمل التطوعي فيه على مختلف الجوانب، والتي يفرضها واقع مأزوم سياسياً واقتصادياً وأمنياً، سيما أن هذا النوع من العمل يسهم في تقديم الخدمات للأفراد والمجتمع ما بين الخطيئة والصواب ... خطوط حمراء سهى بطرس هرمز/ يقال أن الإنسان ولدَّ بطبيعتهِ ميال إلى الخطيئة والرغبة في ارتكاب الخطيئة سواء كان بحق نفسهِ أو بحق الآخرين، وفي الوقت ذاتهُ أيها الديمقراطيون، هل اتضحت لكم الصورة الآن؟ د.عبدالخالق حسين/ حذرنا، مع غيرنا من الكتاب الأفاضل، مراراً وتكراراً، أبناء شعبنا، وسياسييه وكتابه الحريصين على الديمقراطية، حذرناهم من خطر وقوع كارثة شباطية جديدة، وأن الغرض مما يجري على الساحة إختراع برلماني عراقي لزيادة ثروة الأمم صائب خليل/ "انشاء مجمع سكني للنواب يوفر للحكومة نحو 12 مليار دينار سنويا"!(1) شلون؟
Side Adv1 Side Adv2