هذا ليس حزناً على الشهداء، بلْ عشقٌ للإرهاب، يا دكتور سيّار الجميل!3/7
ثانياً: هل كردستان العراق ولبنان ومصر والجزائر وليبيا والمغرب والأردن وسوريا واليمن والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا والهند وكندا وغيرها "تتحكم" بمصائرها جماعات وأحزاب بإسم الدين؟ (ملاحظة: أصل نداء الدكتور سيار الجميل مدرج في نهاية الحلقة.)الجواب: كلا وألف ألف كلا . ومع هذا، فهذه المجتمعات كلها ضربها الإرهاب التكفيري. ولولا وجود أنظمة مستقرة وثابتة، فيها، منذ فترة طويلة وجاهزة، أمنياً، جهوزية عالية، (حصلت عليها دكتاتورياً أو ديمقراطياً أو عبر النضال مثل الجزائر وكردستان ـ لا يهم)، ولولا تعاون الجميع مع حكوماتهم وأجهزتهم الأمنية وليس هناك بينهم من يفتي بتحريم الكشف عن القتلة والمجرمين الإرهابيين ويأمر بالتستر عليهم "بإسم الدين"، لكان حالها ربما أسوء من حال العراق الذي ضربه الإرهاب التكفيري المخدوم طغموياً بالإفتاء والتستر والإرشاد والتدريب والحركة والتحرك والتجهيز اللوجستي والتمويل والتغطية الإعلامية بضمنها التشويش والبلبلة والإشهار والديماغوجية. مع هذا، فالجزائر المعروفة بكفاءة جيشها ودركها الوطني (الشرطة) وأمنها الوطني قد فقدت ما يقرب من (200) ألف شهيد على أيدي التكفيريين الذين تدربوا في أفغانستان ثم نقلوا "تكنولوجيا الإرهاب" إليها.
ثالثاً: كيف يفسر، الدكتورسيار، إستهداف المسيحيين في الموصل على نطاق واسع هز الدنيا، وهي التي لا تتحكم بمصيرها "جماعات وأحزاب بإسم الدين" بل يعرف القاصي والداني أن الحكومة المحلية فيها، التي يقودها السيد أثيل النجيفي، هي أقرب إلى البعث الطغموي منها إلى أية جهة أخرى؟ علماً أن النظام الفيدرالي في العراق وقانون إدارة المحافظات يمنحان الحكومات المحلية صلاحيات واسعة من شأنها أن تجعلها خارج تَحَكُّم " الجماعات والأحزاب التي تتحكم بمصيرنا بإسم الدين" إلا في حالات إستثنائية جداً وذلك عندما تقترب الحال من الإنفلات التام كما لو كان هناك إعلاناً تلفزيونياً محلياً ينادي: هيا إقتلوا المسيحيين والتركمان والأزيديين والشبك والكاكائيين وأجهزة الأمن والشرطة والجيش (من غير الموالين لنا)، وإقتلوا كل من ينادي بالديمقراطية من عرب وكرد؟
عندئذ تتدخل القوات الفيدرالية مباشرة وسط إحتجاج المتسترين.
أكرر وأعيد بإن إرهاب التكفيريين في العراق لم تؤججه "جماعات وأحزاب تتحكم بمصيرنا بإسم الدين" بل إنطلق من موقف رفض التكفيريين للآخر الشيعي والمسيحي والصابئي المندائي والأزيدي والشبك وغيرهم؛ وإمتطى أولئك الإرهابيون ظهورَ الطغمويين وبالأخص البعثيين منهم الرافضين للآخر الديمقراطي بشتى توجهاته الفكرية والسياسية من منطلق مصلحي نفعي طبقي، لشن حملة إرهابية تحت مسمى "المقاومة" وهي في واقع الحال تجمع معادٍ للديمقراطية وتواق لإستعادة السلطة المفقودة بأي ثمن. هذان الموقفان هما أصل الإرهاب في العراق وليس كما ينوه عنه السيد سيّار الجميل بمقولته " المأساة ستبقى ما بقي الإرهاب! الإرهاب سيبقى ما بقيت جماعات وأحزاب تتحكم بمصيرنا باسم الدين!". بالطبع كانت ستصبح فضيحة الفضائح لو قالها الدكتور سيار بصريح العبارة: "الإرهاب جاء بعدما جاءت جماعات وأحزاب تتحكم بمصيرنا بإسم الدين" أي لو تحكم بمصيرنا آخرون ليس بإسم الدين لما سمعنا شيئاً إسمه إرهاب!!!
رابعاً: عبارة "جماعات وأحزاب تتحكم بمصيرنا":
الذي حكم ويحكم العراق ومنذ إنطلاقة العملية الديمقراطية هي ثلاثة حكومات إنتخبتها مجالس نواب إنبثقت من أحزاب وإئتلافات حزبية طرحت نفسها للشعب وتنافست في ثلاثة جولات إنتخابية إرتقت إلى المعايير الدولية بشهادة جميع المراجع العالمية وعلى رأسها الأمم المتحدة. وعملت تلك الحكومات تحت مجالس النواب تشريعاً ورقابة؛ وكلهم ملتزمون بدستور أقره (15) مليون مواطناً عراقياً. وهناك القضاء المستقل لضمان تحقيق العدالة على كافة المستويات.
"التحكم" يعني الحكم الكيفي المستبد. فأين هذا من ذاك يا سيد سيّار؟ هل تستطيع، وأنت أستاذ مادة التأريخ، أن تؤشر على فترة في تأريخ العراق الغابر والمتوسط والحديث ساد فيها حكم يقترب ولو بقليل من هذه التجربة؟
لاشك، إن تطبيق القوانين على أرض الواقع يعتريها تلكؤ وأخطاء مقصودة أوعن جهل وقلة خبرة هنا وهناك (خاصة وأن معظم المواطنين العراقيين إبتُلوا بفيروس الإقصاء الطغموي وبالأخص الطغموي البعثي ما حرمهم نعمة الممارسة وكسب الخبرة) كما يعتريها التخريب والفساد، ولكن هذه خروقات غير دستورية وخارجة على النظام والأيام الديمقراطية كفيلة بإزالتها.
خامساً: عبارة "تتحكم بمصيرنا بإسم الدين":
الحكم في العراق دستوري ديمقراطي فهو مدني يحترم الأديان، ولكن أيّاً من الأديان وأيّاً من المذاهب لا يحكم. هناك أحزاب دينية إنتخبها الشعب على رأس السلطة ولكنها لا تحكم بإسم الدين ولا "تتحكم بالمصير بإسم الدين" ، إنها حكمت وفق صيغة التوافق ونأمل أن تتطور لصيغة الأغلبية السياسية أي إنها أحزاب ديمقراطية إسلامية تماثل تقريباً الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوربا كحزب السيدة ميركل في ألمانيا لا من حيث البرنامج بل من حيث التسمية؛ فهل يمكن أن نقول إن ألمانيا أو إيطاليا تتحكم بهما أحزاب بإسم الدين؟
هذه الأحزاب التي كانت منضوية تحت لواء "الإئتلاف العراقي الموحد" لها الفخر، إلى جانب الإتحاد الكردستاني والأحزاب والقوى الديمقراطية والتقدمية الأخرى، في أن يقودوا عملية البناء الديمقراطي في العراق بضمنها إعداد مشروع الدستور من قبل هيئة برلمانية منتخبة من الشعب أُشركت فيها شخصيات من خارج مجلس النواب لتمثيل مقاطعي الإنتخابات ومن ثم تم إستفتاء الشعب على المشروع في 15/10/2005 وتم إعتماده. وبناءاً على هذا الدستور تم تشكيل الحكومات المتعاقبة من قبل مجالس النواب التي ضمت أطياف الشعب العراقي بجميع قومياته وأديانه ومذاهبه وأصحاب المبادئ والأفكار السياسية المتنوعة.
فمن الذي تحكم في مصيرك بإسم الدين يا سيد سيّار؟ هل تستطيع أن تقدم دليلاً واحداً على ما تدعيه؟
إنك تخلط بين أمرين وهو خلط مؤسف لأنك كرجل تأريخ كان عليك أن ترشدني إليه للتنبه وعدم السقوط في مزالقه، وأنا مهندس، وليس العكس.
إنك تخلط بين ما هو سياسي وبين ما هو إجتماعي. سياسياً، هناك الدستور ومجلس النواب البعيدان عن الهيمنة وهناك الحكومة، وهؤلاء هم الحاكمون بإسم الشعب وليس بإسم الدين. إجتماعياً، إنك ممتعض من بعض أوجه الثقافة والتقاليد الدينية الجماهيرية كأداء الشعائر الحسينية. هذه شعائر لا علاقة لها بتسيير أمور الدولة ولا أحد أراد أو يريد أو يستطيع أن يفرضها عليك أو على غيرك لممارستها أو الإلتزام بها. وهذه شعائر يؤديها الشيعة في العراق منذ قرون وهي ليست وليدة اليوم. الجديد فيها أنها أصبحت حرة بعد أن حاربها النظام البعثي الطغموي كجزء من سياسة التطهير الطائفي الممنهجة؛ علماً أن لائحة حقوق الإنسان العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة تبيح حرية العبادة وإقامة الشعائر الدينية بما لا تؤثر على الآخرين. وليس بإقامة هذه الشعائر في أماكن الأغلبية الشيعية من تأثير عليك أو على غيرك. أليس كذلك؟
الذي يغفله كثير من المثقفين الديمقراطيين والذي يتغافل عنه كل الطغمويين بل يمقتونه هو سبب هذه المبالغة في أداء هذه الشعائر. بادئ ذي بدء فجوهر هذه الشعائر ذو أهمية حضارية مطلقة فهي تمجد الكفاح والتضحية في سبيل العدالة الإنسانية وتتفق عليه جميع أديان ومذاهب العراق بل العالم وهي تضحية الحسين بن على في سبيل العدل ومقارعة الظلم. أما شكلها المبالغ فيه والذي يعتري بعضَ جوانبه التخلفُ فله، بتقديري، مبرراته السياسية المتمثلة في أهداف إختلفت عبر مرحلتين وعلى الوجه التالي:
المرحلة الأولى: منذ البدء بممارسة هذه الشعائر (وقد يكون منذ العهد الصفوي وربما كان الصفويون مصدرها إلا أن هذا لا يغير شيئاً فقد أصبحت جزءً من الثقافة الوجدانية العراقية وقد لا يعرف معظم ممارسيها حتى منبعها) كان جانب كبير من هدفها يرمي إلى مواجهة سياسات التطهير الطائفي ومحاولات محو الهوية (الخصوصية الثانوية التي تلي الهوية العراقية)، تلك المحاولات التي إشتدت وإرتخت حسب طبائع نظم الحكم وكان النظام البعثي الطغموي أشدها فاشية وإجراماً في القمع.
أما المرحلة الثانية، فتلتْ سقوطَ النظام البعثي الطغموي عام 2003 وتحرير العراق الذي إقترن بإجتثاث النظام الطغموي برمته ومن الجذور، الذي أريدَ منه أن يجعل العراق مدخلاً لعولمة الشرق الأوسط من وجهة نظر الطموح الأمريكي؛ وجعل العراق حراً يسير بإتجاه الديمقراطية والحداثةً من وجهة نظر أغلب العراقيين. غير أن هذه المسيرة لم تَرُقْ لفاقدي السلطة والإمتيازات الطبقية من الطغمويين وخاصة البعثيين الذين تصرفوا، كطبقة طفيلية، تَصَرُّفَ الأباطرة بثروات النفط العراقي وجعلوا الفرد العراقي يحصل على معدل ثلاثة دولارات شهرياً!!! (معدل الدخل الشهري الحالي أصبح 240 دولاراً). لذا، ومن أجل إسترجاع السلطة المفقودة، إستعان الطغمويون بالتكفيريين الذين شنوا حرب إبادة إرهابية لا مثيل لها معلنة ضد الشيعة خصوصاً والشعب العراقي عموماً، بدعم من حلفاء لهم داخل العملية السياسية ومن معظم دول الجوار وبالأخص السعودية وكلهم مرتعبون من آفاق النظام الديمقراطي الفيدرالي.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهناك تكتيكات الحليف الأمريكي (بعد أن إنتقل الملف العراقي من يد وزارة الدفاع والمحافظين الجدد إلى يد وزارة الخارجية ووكالة الإستخبارات المركزية المناوئتين للمعارضة الديمقراطية العراقية منذ البداية، وأرادتا تغيير رأس النظام دون المساس بالنظام الطغموي لأسباب لسنا بصددها الآن وأهمها مداراةُ "حلفائهم" في المنطقة وخصوصاً السعودية) الذي تلكأ عمداً في إستكمال قوام قوات الشرطة والجيش والأمن وتسليحها وتدريبها مما ترك الجماهير الشعبية نهشاً للتكفيريين ومطاياهم الطغمويين، وترك النظام الديمقراطي في خطر الزوال أو التشويه على يد حركة الوفاق الوطني التي يقودها الدكتور أياد علاوي وجهات أخرى معروفة. بل إن الأمريكيين لعبوا دوراً بارزاً في محاولة تشتيت الأحزاب الدينية الديمقراطية وجماهيرها لا لأنها دينية (الأمريكيون يؤيدون حكومة البشير الدينية المتخلفة!!) بل لأنها الجهة الوحيدة في العراق القادرة على الوقوف بوجه أية قوة تريد توجيه العراق بما يخدم مصالحها الستراتيجية بالضد من مصلحة العراقيين. أكبر خطر يتهدد العراق هو محاولة زجه في حرب مع إيران لخدمة الأمن الإسرائيلي مقابل عودة الطغمويين للسلطة. إن أمن إسرائيل لا يعني العراق بشيء كما لا تعنيه سياسة التسلح النووية المتهمة بها إيران. فالعراق أعلن موقفه بوجوب جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، وهو موقف الجامعة العربية.
هنا جاء دور الشعائر الحسينية التي حشدت الملايين ووقفت بصدورها العارية تتحدى الإرهاب ومن يقف وراء الإرهاب فردتهم جميعاً على أعقابهم بضمنهم أبطال مخطط "حرق الأعشاش" و محاولة "الإنقلاب الأبيض" رغم شلالات الدم التي نزفتها. وإصبحت الديمقراطية قاب قوسين أو أدنى من النصر النهائي. وعندما يُقضى تماماً على الإرهاب وتزول المخاطر على العراق الجديد، عندئذ سيلتفت ذووا الشأن والحكومة، بتقديري، إلى ضرورة تطوير أشكال هذه الإحتفالات وجعلها أكثر حضارية وأقل ضياعاً لأيام العمل والإنتاج وقد أشار إلى ذلك قبل إستشهاده المرحوم محمد باقر الحكيم في فضائية الفرات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ**والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكامالقبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كماإنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
**
الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات. أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها.طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي. الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسية.
أصل النداء:
سيّدة النجاة .. متى تنقذين العراق ؟
أ.د. سيّار الجميل
سيدتي العظيمة ..يا سيدة النجاة ، أتضرع وأتوسّل إليك إنقاذ العراق من هول الكوارث التي تعصف به .. سيدتي الأم الحزينة أراك حزينة منذ أزمان طوال ، وأنت تشهدين هول المأساة .. لقد قتل اهلك وهم يتضرعون إليك .. وهم يؤدون صلاتهم في رحابك الجميل .. ما ذنبهم ؟ وما ذنب كل الأبرياء ليكونوا طعاما رخيصا للصراعات المقيتة على ارض بلاد الرافدين التي صبغها الاحمرار ؟ ماذا نفعل مع هؤلاء القتلة الذين لا يعرفون إلا الموت طريقا لهم ؟ ماذا يفيد الأسى وإعلان بيانات الاستنكار ؟ إن السنين العجاف تمر ، وكل يوم وبلدنا يغرق في بحر الظلمات كالذي قلته وكتبته قبل شهر ! إن العراقيين المسالمين الطيبيين يتمنون أن تستقر هذه العاصفة الهوجاء التي جلبها الأشرار وهم لا همّ لهم إلا نحر الأبرياء .. لم يزل الإرهاب يترصّد بالعراقيين ، نعم ، إن الإرهاب ضدهم ، يقف بكل خططه وبرامجه بالمرصاد كي يحصد أرواحهم ويعصف بمستقبل أولادهم وأحفادهم ! ما الذي يريده المجانين ؟ ما الذي يرمي إليه كل القتلة ؟ إنهم يحصدون الأرواح بدم بارد .. إنهم يخططون لإفناء البلاد والعباد . لماذا يريدون خطف الطيف المسيحي من العراق ؟ من أعطاهم الحق بتصفية الأبرياء نساء ورجالا ، وهم يؤدون شعائرهم في دور عبادتهم التي أذن الله أن يذكر فيها اسمه ؟
سيدتي الحنونة .. أيتها الأم الحزينة ، أراك تذرفين دمعة على خديك بعد أن ذرفت الدموع طويلا .. وأنت تشهدين مأساة العراق والعراقيين .. متى تهدأ هذه العاصفة الهوجاء ؟ متى تزول الأحقاد وتمحى الكراهية من الصدور ؟ متى يهب النسيم عليلا على كل العراق ؟ متى تسود الحكمة والعقل عند حكام العراق ؟ كم كنت أتمنى أن تعالج المحنة مع الإرهاب والإرهابيين بغير هذا الأسلوب الهمجي الذي حوّل كنيستك الجميلة إلى ساحة حرب ! كم كنت أتمنى أن لا يخرج بعض المتشدقين وهو يمتدح " الفرقة الذهبية " في الذي صنعته من جنون ! المأساة ستبقى إن اكتفينا بالصمت القاتل .. المأساة ستبقى ما بقي الإرهاب ! الإرهاب سيبقى ما بقيت جماعات وأحزاب تتحكم بمصيرنا باسم الدين ! المصير سيبقى قاتما ما بقي العراق يتشظى فرقا وجماعات وكتلا وأعراقا !
سيدتي الكبيرة يا سيدة النجاة .. أنقذي العراق .. ادعوك وأتوسل إليك لا تتركي اهلك وسط غابة يعبث بها الوحوش ويتحكم بمصيرها الزناة .. وأهل العراق يتقطعّون اربا اربا وقد استعد الناس للمواساة وكلمات الرثاء وإلقاء المواعظ السخيفة ! متى يشعر كل العراقيين أنهم عراقيون قبل أن يكونوا شيئا آخر ؟ وأخيرا .. متى الضربة القاضية لكل العابثين والإرهابيين والمتواطئين والانقساميين والحاقدين والمجانين .. كي يذهبوا إلى الجحيم ، وتشرق الشمس ، ويسدل الستار على أقذر مسرحية شهدها تاريخ العراق ؟